العلاقة بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية
يكثر في كلام علماء أهل السنة -رحم الله أمواتهم، وحفظ أحياءهم- ذكر علاقة الاستلزام والتضمن بين نوعي التوحيد هذين.
ومن كلامهم في ذلك قول العلامة ابن القيم رحمه الله: "والإلهية التي دعت الرسل أممهم إلى توحيد الرب بها، هي العبادة والتأليه. ومن لوازمها: توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون، فاحتج الله عليهم به؛ فإنه يلزم من الإقرار بتوحيد الإلهية"3.
ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: ويكثر في القرآن العظيم الاستدلال على الكفار باعترافهم بربوبيته جل وعلا على وجوب توحيده في عبادته. ولذلك يخاطبهم في توحيد البوبية باستفهام التقرير، فإذا أقروا بربوبيته، احتج بها عليهم، على أنه هو المستحق لأن يعبد وحده، ووبخهم منكرا عليهم شركهم به غيره، مع اعترافهم بأنه هو الرب وحده؛ لأن من اعترف بأنه هو الرب وحده، لزمه الاعتراف بأنه هو المستحق لأن يعبد وحده"4.
__________
فتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية؛ فمن أقر بالأول، لزمه الثاني؛ أي: من عرف أن الله ربه وخالقه ومدبر أموره، -وقد دعاه هذا الخالق إلى عبادته- وجب عليه أن يعبده وحده لا شريك له؛ فإذا كان هو الخالق الرازق النافع الضار وحده، لزم إفراده بالعبادة1.
والله عز وجل كثيرا ما يستدل على المشركين المقرين بتوحيد الربوبية بهذا. من ذلك قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ** [البقرة: 21-22] .
وكما أن كان توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية؛ فإن توحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية؛ يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن توحيد الألوهية: "وهو متضمن لتوحيد الربوبية؛ لأن كل من عبد الله وحده؛ فإنه لن يعبده حتى يكون مقرا له بالربوبية"2.
فتوحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية؛ أي يدخل ضمنا فيه؛ فمن عبد الله وحده لا شريك له، فلا بد أن يكون معتقدا أنه ربه وخالقه ورازقه؛ إذ لا يعبد إلا من بيده النفع والضر، وله الخلق والأمر3.