عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 20-11-2008, 03:03 PM   #1
معلومات العضو
( أم عبد الرحمن )
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي معنى الشوق الى الله

بيان معنى الشوق إلى الله تعالى





اعلم‏:‏ أن الشوق لا يتصور إلا لشيء أدرك من وجه ولم يدرك من وجه‏.‏
فأما ما لا يدرك أصلاً، فلا يشتاق إليه ، وكمال الإدراك بالرؤية، وإنما يكون ذلك فى الآخرة‏.‏
واعلم‏:‏ أن الأمور الإلهية لا نهاية لها، وإنما يكشف لكل عبد من العباد بعضها، ويبقى أمور لا نهاية لها، والعارف يعلم وجودها، وكونها معلومة لله تعالى، ويعلم أن ما غاب عن علمه من المعلومات أكثر مما حضر ، فلا يزال العبد متشوقاً إلى أن يحصل له اصل المعرفة، وينتهى الشوق الأول فى الدار الآخرة بالمعنى الذي يسمى رؤية ومشاهدة، ولا يتصور أن يسكن قلب المشتاق فى الدنيا‏.‏
وكان إبراهيم ابن أدهم من المشتاقين، فقال يوماً يارب ‏!‏ إن كنت أعطيت أحداً من المحبين لك ما يسكن به قلبه قبل لقائك فأعطني، فقد أضر بى القلق‏.‏ قال ‏:‏ فرأيته عز وجل فى النوم، فقال ‏:‏ يا إبراهيم ‏!‏ أما استحييت منى ‏؟‏‏!‏ تسألني أن أعطيك ما يسكن به قلبك قبل لقائي، وهل يسكن قلب المشتاق قبل لقاء حبيبه‏؟‏ فقلت ‏:‏ يا رب ‏:‏ تهت فى حبك فلم أدر ما أقول، فهذا الشوق يسكن فى الآخرة‏.‏ وأما غير ذلك مما هو معلوم لله فلا نهاية له ، فلا يتضح للعبد ولا يحط به ، فهو مشغول بلذة ما ظهر له، ولا يزال النعيم واللذة متزايدين حتى يشغل عن الإحساس بالشوق إلى ما وراء ذلك، فهذا القدر من أنوار البصائر كاشف لحقائق الشوق ومعانيه‏.‏
ومن شواهد الأخبار، ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم رجلا دعاء، وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم ، فذكر فيه‏:‏ “أسألك اللهم الرضى بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت ، ولذة النظر إلى وجهك ، وشوقاً إلى لقائك”‏.‏
وفى التوراة ‏:‏ يقول الله تعالى ‏:‏ طال شوق الأبرار إلى لقائي ، وأنا إلى لقائهم أشد شوقاً‏.‏
وفى بعض ما أوحى الله عز وجل إلى بعض عباده‏:‏ إن لى عباداً من عبادى، يحبونى وأحبهم، وأشتاق إليهم ويشتاقون إلى، ويذكروني وأذكرهم، فان حذوت طريقهم أحببتك، وإن عدلت عنهم مقتك‏.‏ قال ‏:‏ يا رب‏!‏ وما علامتهم‏؟‏ قال ‏:‏ يرعون الظلال بالنهار ، كما يراعى الراعي الشفيق غنمه‏؟‏ ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها عند الغروب، فإذا جنهم الليل، واختلط الظلام، وفرش الفرش، وخلال كل حبيب بحبيبه، نصبو أقدامهم ، وافترشوا وجوههم، وناجوني بكلامي، وتملقونى بإنعامي، فبين صارخ وباك، وبين متأوه وشاك، وبين قائم وقاعد، وبين راكع وساجد، بعيني ما يتحملون من أجلى، وبسمعي ما يشكون من حبي‏.‏



مختصر منهاج القاصدين
لابن قدامة المقدسى
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة