عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 26-05-2007, 03:58 PM   #6
معلومات العضو
أبو عبد الرحمن اليوسف
إشراقة إشراف متجددة
 
الصورة الرمزية أبو عبد الرحمن اليوسف
 

 

افتراضي

الحلــــــــــقة الثانيــــــــــــــــــــــــــــة


( أسباب الاكتئـاب )


الباحثون في أسباب الاكتئاب تنوعت عباراتهم في المؤثرات والأسباب الداعية إلى وجود الاكتئاب،فكثير منهم ذهب إلى أن الأسباب الموجدة للاكتئاب :
إنما هي نفسية لظروف الحياة وآلامها ..والبعض الآخر يرى:أن الموجد هو بعض الأمراض العضوية .. وهناك من يرى أن من الموجدات للاكتئاب : عامل الوراثة ..وآخرون يرون أنَّ ذلك بسبب تعاطي بعض الأدوية ،والمخدرات.. وما تقدم : هو قول جمهور الأطباء النفسانيين .
ويرى علماء السلوك والأخلاق ،ومن له نظرة إسلامية من أطبائنا : أنَّ السبب الأهم لمرض الاكتئاب هو: الفراغ الإيماني ،والبعد عن طاعة الله تعالى،وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ،والتهاون بتعاليم الشريعة،وكثرة الذنوب والمعاصي ..
وجمعاً بين الأقوال السابقة يمكن تقسيم الأسباب إلى قسمين :
أ- أسباب خارجية . ب- أسباب داخـلية .
فمن الأسباب الخارجية :
1- الذنوب والمعاصي :
للذنوب والمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة،والمضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ،مالا يعلمه إلاَّ الله جلَّ جلاله ، فبشؤم وجودها وكثرتها تكثر الأمراض والآفات :

قال الله تعالى : ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً)سورة الإسراء،الآية:16.
ويقول سبحانه : ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) سورة النحل،الآية:112.

وأخــرج ابن ماجـة في السنن وغـيرُه عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- قال:
أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاليا معشر المهاجرين!خمس خصال إذا ابتليتم بهن،وأعوذ بالله أن تدركوهن:لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشافيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا،ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة،وجور السلطان عليهم،ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء،ولولا البهائم لم يمطروا،ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذ بعض ما في أيديهم،وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله،ويتخيَّروا مما أنزل الله،إلا جعل الله بأسهم بينهم ) قوله:يتخيروا :أي يطلبوا الخير،أي وما لم يطلبوا الخير والسعادة مما أنزل الله.السلسلة الصحيحة: (1/169) .

وروى الحـاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى عن عبد الله بن بريدة عن أبيه-رضي الله عنه-قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم : (ما نقض قـوم العـهد قـط إلا كان القتل بينهم،وما ظهرت فاحشة في قوم إلا سلط اللهُ عزَّ وجلَّ عليهم الموت،ولا منع قومٌ الزكاة إلا حَبسَ اللهُ عنهم القطر ) السلسلة الصحيحة: (رقم:107) .
وعن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا ظهر الزِّنا والرِّبا في قرية،فقد أحلُّوا بأنفسهم عذابَ الله ) صحيح الترغيب: (2/377) .
وعن ابن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم : ( ما ظـهر في قـومٍ الزِّنا والرِّبا،إلاّ أحـلُّوا بأنفسهم عذاب الله ) صحيح الترغيب: (2/377) .
قـال الإمام ابن القيم في زاد المعاد(4/362-363):
(ومن له معرفة بأحوال العالم ومبدئه،يعرف أن جميع الفساد في جوِّهِ ونباته وحيوانه،وأحوال أهله حادث بعد خلقه بأسباب اقتضت حدوثه .
ولم تـزل أعمال بنى آدم ومخالفتهم للرسل تحدث لهم من الفساد العام والخاص،ما يجلب عليهم:من الآلام والأمـراض والأسقام والطواعين،والقحوط والجـدوب،وسلب بركـات الأرض وثمـارها ونبـاتها ،وسلب منافعها أو نقصانها أموراً متتابعة يتلو بعضُها بعضاً .
فإن لم يتسع علمك لهذا،فاكتف بقوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) سورة الروم: (آية:41)ونزِّلْ هذه الآية على أحوال العالم،وطابق بين الواقع وبينها،وأنت ترى كيف تحـدث من تلك الآفات والعلل كلَّ وقت في الثمار والزرع والحيوان؛وكيف يحدث من تلك الآفات آفات أُخرُ متلازمة،بعضها آخذ برقاب بعض .
وكلَّما أحـدث الناس ظلماً وفجوراً،أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى: من الآفــات والعــلل في أغذيتهم وفواكههم،وأهويتهم ومياههم،وأبدانهم وخلقهم،وصورهم وأشكالهم،وأخلاقهم من النقص والآفات،ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم .
ولقد كانت الحبوب من الحنطة وغيرها أكبر مما هي عليه اليوم،كما كانت البركة فيها أعظم .
وقد روى الإمام أحمد بإسناده : ( أنه وجد في خزائن بعض بني أمية،صرةٌ فيها حنطة أمثال نوى التمر،مكتوب عليها هذا كان ينبُتُ أيام العدل ) . وهذه القصة ذكرها في مسنده على أثر حديث رواه .

وأكثر هذه الأمراض والآفات العامَّة،بقيَّة عَذابٍ عُذِّبت به الأمم السالفة،ثم بقيت بقيةٌ منها بقيةً مرصـدةً لمن بقيت عليه بقية من أعمالهم حَكَمَاً قِسطاً،وقضاءً عدلاً،وقد أشـار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله في الطـاعون : (إنه بقية رجز،أو عذاب أرسل على بني إسرائيل) .
وكـذلك : سلـط الله سبحانه وتعالى الريح على قومٍ سبع ليال وثمانية أيام،ثم أبقى في العالم منها بقيَّةً في تلك الأيام،وفي نظيرها:عظةٌ وعبرة .
وقد جعل الله سبحانه أعمال البر والفاجر مقتـضيات لآثارها في هذا العالم،اقتضاءً لا بد منه:فجعل منع الإحسان والزكاة والصدقة،سبباً لمنع الغيث من السماء والقحط والجدب .
وجـعل ظلم المساكين،والبخس في المكاييل والموازين،وتعدي القوي على الضعيف سبباً لجور الملوك والولاة الذين لا يرحمون إن استرحموا،ولا يعطفون إن استعطفوا،وهم في الحقيقة أعمال الرعايا:ظهرت في صور ولاتهم .

فإن الله سبحانه بحكمته وعدله،يظهر للناس أعمالهم في قـوالب وصـور تناسبـهم: فتارة بقحـط وجدب،وتارة بعـدوٍّ، وتارة بولاة جـائرين، وتارة بأمـراض عامــة، وتارة بهموم وآلام وغموم تحصرها نفوسهم لا ينفكون عنها،وتارة بمنع بركات السماء والأرض عنهم،وتارة بتسليط الشياطين عليهم تؤزُّهم إلى أسباب العذاب أزَّا لتَحِقَّ عليهم الكلمة،وليصير كلٌّ منهم إلى ما خلق له.
والعاقل يُسَيُّر بصيرتَه بين أقطار العالم:فيشاهده وينظر مواقع عدل الله وحكمته .وحينئذ:يتبين له أن الرُّسل وأتباعهم خاصةً على سبيل النـجاة؛وسائر الخلق على سبيـل الهـلاك سائرون،وإلى دار البوار صـائرون.والله بالغ أمره لا معقب لحكمة ولا رادَّ لأمره.وبالله التوفيق ) .

وقال-رحمه الله- في مدارج السالكين: (1/500) :
(وعرفنا بالتجارب: أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم،وفشت فيهم ،واشتغلوا بها:إلا سلـط الله عليهم العدو،وبلوا بالقحط والجدب،وولاة السوء .والعاقل يتأمل أحوال العالم وينظر.والله المستعان ) .

وذكر في كتابه الطرق الحكمية(ص407) :
(ولا ريب أن تمـكين النساء من اختلاطهنَّ بالرجال أصلُ كلِّ بليَّةٍ وشرٍّ،وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامَّة،كما إنه:من أسباب فساد أمور العامة والخاصَّة .
واختلاط الرجال بالنساء:سَببٌ لكثرة الفواحش والزِّنا،وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة .

فمن أعظم أسباب الموت العام:كثرةُ الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهنَّ بالرجـال،والمشي بينهم متبرجات متجملات،ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين،لكانوا أشدَّ شيءٍ مَنْعاً لذلك ) .


يتبع إنْ شاء الله تعالى .
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة