قال تعالى :
** أفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ ولو كان مِنْ عِنْدِ
غَيْرِ الله لَوَجَدُوا فيه اخْتِلَافًا كَثيرًا **
[ سورة النساء : 82 ] .
قال القرطبي رحمه الله :
" أي : تفاوتاً وتناقضاً ؛
ولا يدخل في هذا اختلاف ألفاظ القراءات
وألفاظ الأمثال والدلالات ومقادير السُّور
والآيات .
وإنما أراد اختلاف التّناقض والتفاوت .
وقيل : المعنى لو كان ما تُخبرون به من عند
غير الله لاختلفَ .
وقيل : إنه ليس مِن متكلم يتكلم كلامًا كثيرًا إلاّ وُجِد في كلامه اختلاف كثير ؛
إما في الوصف واللفظ ،
وإما في جَودة المعنى ،
وإما في التناقض،
وإما في الكذب .
فأنزل الله عز وجل القرآن
وأمرهم بتدبُّره ؛
لأنهم لا يجدون فيه اختلافًا في رَصْفٍ
[ الرصف : الكلام الثابت المحكم ]
ولا ردًّا له في معنىً ،
ولا تناقضًا ولا كذبًا فيما يخبرون به
من الغيوب وما يُسرُّون " اهـ
_الجامع لأحكام القرآن ( 5 / 277 )
ط : دار الكتاب العربي .
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله :
" قال تعالى : ** ولا يأتونك بمثل
إلاّ جئناك بالحق وأحسن تفسيرا **
أخبر سبحانه أنّ الكفار لا يأتونه بقياس عقلي لباطلهم
إلاّ جاءه الله بالحق ،
وجاءه من البيان والدليل ،
وضرب المثل بما هو أحسن تفسيراً وكَشفاً وإيضاحا للحق من قياسهم .
وهذه الآية ذكرها الله تعالى بعد قوله : ** وقال الرسول يا ربِّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورا * وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوّا مِّن المجرمين وكفى بربّك هاديا ونصيرا **
فبيّن أنّ مَن هَجرَ القرآنَ فهو مِن أعداء الرّسول ،
وأنّ هذه العداوة أمرٌ لا بد منه ،
ولا مفر عنه ، ألا ترى إلى
قوله تعالى : ** ويوم يعضُّ الظّالم على يديه يقول يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم أتّخذ فلانا خليلا * لّقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني وكان الشّيطان للإنسان خذولا ** .
والله تعالى قد أرسل نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم إلى جميع العالمين ،
وضرب الأمثال فيما أرسله به لجميعهم ،
كما قال تعالى : ** ولقد ضربنا للنّاس في هذا القرآن من كلّ مثل لّعلّهم يتذكّرون **
فأخبر أنه ضرب لجميع النّاس
في هذا القرآن من كل مثل .
إلى أن قال رحمه الله :
فكما أنّ الله بين في كتابه مخاطبة أهل الكتاب ،
وإقامة الحجة عليهم بما بيّنه من أعلام رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وبما في كتبهم من ذلك ،
وما حرّفوه وبدّلوه مِن دينهم ،
وصدَّق بما جاءت به الرسل قبله ؛ حتى إذا سمع ذلك الكتابيُّ العالمُ المنصفُ وجد ذلك كله من أَبْيَنِ الحجة وأقوم البرهان " . اهـ
_ مجموع الفتاوى
( 4 / 106 - 108 ) .