" لما كان المخاطبون هم جملة النّاس بمختلف طبقاتهم وفئاتهم وعلى اختلاف
مستوياتهم الفكرية والثقافية ،
جاء في القرآن الكريم من البراهين والأدلة
والأمثال ما يعم الشرائح الاجتماعية على مختلف العصور والبيئات ؛
لأن المنطلقات الإنسانية محكومة بالفطرة
والعقل والتجارب ،
وكل ذلك في دائرة المحدود الممكن ؛
لذا كانت قواعد المخاطبات وأسسها العامة
تعم كل من كان في عصر نزول الوحي
ومَنْ يأتي بعدهم إلى يوم القِيامَةِ :
** ولَقَدْ صرّفنا في هذا القرآن للنّاس من
كلّ مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا **
[ سورة الكهف : 54 ] .
وإذا أدركنا هدف القرآن ومنهجه في الخطاب أدركنا أن ورود الآيات الكونية
سواء ما يتعلق منها بالآفاق وما يتعلق
منها بالأنفس البشرية شيء بدهي أيضا ؛
لأنّ من فئات الناس المكلفين المخاطبين
بالقرآن الكريم مَن يَنْصَبُّ جلّ اهتمامه
على هذا الجانب من مخلوقات الله .
ولا بد من إقامة الحجة على هؤلاء ،
وإظهار أن القرآن كلام الله .
أولئك يدركون أن هذه المعارف الإنسانية ،
وهذه الحقائق الكونية لا يُتصور أن يدركها
بشر بذاته ؛ لأن كثيرا منها لم تكتشف
إلَّا في عصور متأخرة جدا ..
ولا ريب أن ورود هذه الحقائق الضخمة
والدقيقة على لسان رجل لم يكن له إلمام
بمثل هذه العلوم ؛
دليل على أنه تلقّاها ممَّن يعلم السّر في
السَّماواتِ والأرض
** قل أنزله الّذي يعلم السِّرَّ في السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ إِنَّهُ كان غَفُورًا رَحِيمًا **
[ سورة الفرقان : 6 ] .
إن سَوْقَ القرآن الكريم هذه الحقائق بهذه السعة والشمول ، وبهذه الدقة المتناهية يحمل كلَّ صاحبِ عقل منصف إلى القول
بأن هذا تنزيل العزيز الحَكيم الذي أحاط بكل شيء علما .
إن البشرية كلها عاجزة عن الإحاطة بهذه الحقائق والوصول إلى ماهيتها وأسرارها ،
فهل يعقل أن هذا القرآن من عند رجل أُمِّي عاش في بيئة أُمّية ... ؟؟؟ " .
_ الإسلام حقيقته ، شرائعه ، عقائده ،
نظمه ، لـ د. محمد إبراهيم
( 2 / 629 - 631 )
مع اختصار شديد وشيء من التصرف .