قال تعالى : ** واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ *
أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَظ°لِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ *
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي
فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ *
وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي
ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي
يَوْمَ الدِّينِ **
[ سورة الشعراء : 69 - 82 ]
قال العلاّمة السّعدي رحمه الله في تفسيره :
قَالُوا : متبجحين بعبادتهم : ** نَعْبُدُ أَصْنَامًا **
ننحتُها ونَعمَلُها بأيدينا ،
** فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ** ؛ أي : مقيمين على عبادتها في كثير من أوقاتنا .
فقال لهم إبراهيم مبينا لعدم استحقاقها للعبادة : ** هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ** :
فيستجيبون دعاءكم ويفرِّجون كربكم ويزيلون عنكم كلَّ مكروه ،
** أوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ** فأقرُّوا أن ذلك كلَّه
غيرُ موجود فيها ؛ فلا تسمع دعاء ، ولا تنفع ،
ولا تضر ! ولهذا لما كسّرها وقال : ** بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ **
قالوا له :
** لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ ** أي : هذا أمر متقرر من حالها ، لا يقبل الإشكال والشكّ .
فلجأوا إلى تقليد آبائهم الضالين ،
فقالوا : ** بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ** :
فتبِعْناهم على ذلك ، وسلكنا سبيلهم ،
وحافظنا على عاداتهم .
فقال لهم إبراهيم : أنتم وآباءكم كلُّكم خصومٌ
في الأمر ، والكلام مع الجميع واحد .
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي فليضروني بأدنى شيء من الضرر ، وليكيدوني ، فلا يقدرون .
إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ هو المنفرد بنعمة الخلق, ونعمة الهداية للمصالح الدينية والدنيوية .
ثم خصص منها بعض الضروريات
فقال: وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ
** والَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ **فهذا هو وحده المنفرد بذلك ،
فيجب أن يُفردَ بالعبادة والطاعة ،
وتُترك هذه الأصنام التي لا تخلق ولا تهدي ،
ولا تمرض ولا تشفي ، ولا تطعم ولا تسقي ،
ولا تميت ولا تحيي ، ولا تنفع عابديها بكشف الكروب ولا مغفرة الذنوب ؛
فهذا دليل قاطع وحجة باهرة لا تقدرون أنتم وآباؤكم على معارضتها ، فدلّ على اشتراككُم في الضلال وتركِكُم طريق الهدى والرشد .