عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 10-07-2023, 07:44 PM   #3
معلومات العضو
أحمد بن علي صالح

افتراضي

قَالَ : لَسْت أَبِي " وَالذِّيخ بِكَسْرِ الذَّال الْمُعْجَمَة بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّة سَاكِنَة ثُمَّ خَاء مُعْجَمَة ذَكَر الضِّبَاع ، وَقِيلَ لَا يُقَال لَهُ ذِيخ إِلَّا إِذَا كَانَ كَثِير الشَّعْر . وَالضِّبْعَان لُغَة فِي الضَّبْع . وَقَوْله : " مُتَلَطِّخ " قَالَ بَعْض الشُّرَّاح : أَيْ فِي رَجِيع أَوْ دَم أَوْ طِين . وَقَدْ عَيَّنَتْ الرِّوَايَة الْأُخْرَى الْمُرَاد وَأَنَّهُ الِاحْتِمَال الْأَوَّل حَيْثُ قَالَ : فَيَتَمَرَّغ فِي نَتْنه . قِيلَ : الْحِكْمَة فِي مَسْخه لِتَنْفِرَ نَفْس إِبْرَاهِيم مِنْهُ وَلِئَلَّا يَبْقَى فِي النَّار عَلَى صُورَته فَيَكُون فِيهِ غَضَاضَة عَلَى إِبْرَاهِيم . وَقِيلَ : الْحِكْمَة فِي مَسْخه ضَبْعًا أَنَّ الضَّبْع مِنْ أَحْمَق الْحَيَوَان ، وَآزَرَ كَانَ مِنْ أَحْمَق الْبَشَر ، لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ وَلَده مِنْ الْآيَات الْبَيِّنَات أَصَرَّ عَلَى الْكُفْر حَتَّى مَاتَ . وَاقْتَصَرَ فِي مَسْخه عَلَى هَذَا الْحَيَوَان لِأَنَّهُ وَسَط فِي التَّشْوِيه بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا دُونَهُ كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِير وَإِلَى مَا فَوْقَهُ كَالْأَسَدِ مَثَلًا ، وَلِأَنَّ إِبْرَاهِيم بَالَغَ فِي الْخُضُوع لَهُ وَخَفْض الْجَنَاح فَأَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَأَصَرَّ عَلَى الْكُفْر فَعُومِلَ بِصِفَةِ الذُّلّ يَوْمَ الْقِيَامَة ، وَلِأَنَّ لِلضَّبْعِ عِوَجًا فَأُشِيرَ إِلَى أَنَّ آزَرَ لَمْ يَسْتَقِمْ فَيُؤْمِن بَلْ اِسْتَمَرَّ عَلَى عِوَجه فِي الدِّين . وَقَدْ اِسْتَشْكَلَ الْإِسْمَاعِيلِيّ هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَصْله وَطَعَنَ فِي صِحَّته فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ : هَذَا خَبَر فِي صِحَّته نَظَر مِنْ جِهَة أَنَّ إِبْرَاهِيم عَلِمَ أَنَّ اللَّه لَا يُخْلِف الْمِيعَاد ؛ فَكَيْف يَجْعَل مَا صَارَ لِأَبِيهِ خِزْيًا مَعَ عِلْمه بِذَلِكَ ؟ وَقَالَ غَيْره : هَذَا الْحَدِيث مُخَالِف لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى : ( وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ) اِنْتَهَى . وَالْجَوَاب عَنْ ذَلِكَ أَنَّ أَهْل التَّفْسِير اِخْتَلَفُوا فِي الْوَقْت الَّذِي تَبَرَّأَ فِيهِ إِبْرَاهِيم مِنْ أَبِيهِ ، فَقِيلَ : كَانَ ذَلِكَ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا لَمَّا مَاتَ آزَرَ مُشْرِكًا ، وَهَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس وَإِسْنَاده صَحِيح . وَفِي رِوَايَة : " فَلَمَّا مَاتَ لَمْ يَسْتَغْفِر لَهُ " وَمِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس نَحْوه قَالَ : " اِسْتَغْفَرَ لَهُ مَا كَانَ حَيًّا فَلَمَّا مَاتَ أَمْسَكَ " وَأَوْرَدَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيق مُجَاهِد وَقَتَادَةَ وَعَمْرو بْن دِينَار نَحْو ذَلِكَ ، وَقِيلَ إِنَّمَا تَبَرَّأَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَة لَمَّا يَئِسَ مِنْهُ حِينَ مُسِخَ عَلَى مَا صُرِّحَ بِهِ فِي رِوَايَة اِبْن الْمُنْذِر الَّتِي أَشَرْت إِلَيْهَا ، وَهَذَا الَّذِي أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيق عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر يَقُول : إِنَّ إِبْرَاهِيم يَقُول يَوْمَ الْقِيَامَة : رَبِّ وَالِدِي ، رَبِّ وَالِدِي . فَإِذَا كَانَ الثَّالِثَة أُخِذَ بِيَدِهِ فَيَلْتَفِت إِلَيْهِ وَهُوَ ضِبْعَان فَيَتَبَرَّأ مِنْهُ . وَمِنْ طَرِيق عُبَيْد بْن عُمَيْر قَالَ : يَقُول إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ : إِنِّي كُنْت آمُرك فِي الدُّنْيَا وَتَعْصِينِي ، وَلَسْت تَارِكك الْيَوْمَ فَخُذْ بِحَقْوِي ، فَيَأْخُذ بِضَبْعَيْهِ فَيُمْسَخ ضَبْعًا ، فَإِذَا رَآهُ إِبْرَاهِيم مُسِخَ تَبَرَّأَ مِنْهُ . وَيُمْكِن الْجَمْع بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ لَمَّا مَاتَ مُشْرِكًا فَتَرَكَ الِاسْتِغْفَار لَهُ ، لَكِنْ لَمَّا رَآهُ يَوْمَ الْقِيَامَة أَدْرَكَتْهُ الرَّأْفَة وَالرِّقَّة فَسَأَلَ فِيهِ ، فَلَمَّا رَآهُ مُسِخَ يَئِسَ مِنْهُ حِينَئِذٍ فَتَبَرَّأَ مِنْهُ تَبَرُّءًا أَبَدِيًّا وَقِيلَ : إِنَّ إِبْرَاهِيم لَمْ يَتَيَقَّن مَوْته عَلَى الْكُفْر بِجَوَازِ أَنْ يَكُون آمَنَ فِي نَفْسه وَلَمْ يَطَّلِع إِبْرَاهِيم عَلَى ذَلِكَ ، وَتَكُون تَبْرِئَته مِنْهُ حِينَئِذٍ بَعْدَ الْحَال الَّتِي وَقَعَتْ فِي هَذَا الْحَدِيث . قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : فَإِنْ قُلْت : إِذَا أَدْخَلَ اللَّه أَبَاهُ النَّار فَقَدْ أَخْزَاهُ لِقَوْلِهِ : ( إِنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار فَقَدْ أَخْزَيْته ) وَخِزْي الْوَالِد خِزْي الْوَلَد فَيَلْزَم الْخُلْف فِي الْوَعْد وَهُوَ مُحَال ، وَلَوْ أَنَّهُ يَدْخُل النَّار لَزِمَ الْخُلْف فِي الْوَعِيد وَهُوَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ : ( إِنَّ اللَّه حَرَّمَ الْجَنَّة عَلَى الْكَافِرِينَ ) وَالْجَوَاب أَنَّهُ إِذَا مُسِخَ فِي صُورَة ضَبْع وَأُلْقِيَ فِي النَّار لَمْ تَبْقَ الصُّورَة الَّتِي هِيَ سَبَب الْخِزْي ، فَهُوَ عَمَل بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيد . وَجَوَاب آخَر : وَهُوَ أَنَّ الْوَعْد كَانَ مَشْرُوطًا بِالْإِيمَانِ ، وَإِنَّمَا اِسْتَغْفَرَ لَهُ وَفَاءً بِمَا وَعَدَهُ ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ . قُلْت : وَمَا قَدَّمْته يُؤَدِّي الْمَعْنَى الْمُرَاد مَعَ السَّلَامَة مِمَّا فِي اللَّفْظ مِنْ الشَّنَاعَة ، وَاَللَّه أَعْلَم
)

منقول

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة