عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 02-05-2023, 03:28 PM   #2
معلومات العضو
الماحى3

افتراضي


بعد السعي يكون الحلق وهو أفضل للمعتمر غير المتمتع، والحلق أولى لدعائه ﷺ للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة، كما جاء في الصحيحين، أما المتمتع فيقصّر ليبقى شعرٌ عند الحج فيحلقه، والحلق في الحج أولى من العمرة، لقوله تعالى في الحج: ]ثُمّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُم[، ومن قضاء التفث: حلق الشعر، وهذا أمر النبي ﷺ للصحابة فقد قال: «من لم يكن منكم أهدى، فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر، وليحلل، ثم ليهل بالحج»، ولم يقل فليحلق.
الأصلع يستحب له أن يمِرّ الموس على رأسه، جاء ذلك عن ابن عمر t عند ابن خزيمة، والحاكم، ونقل ابن المنذر الإجماع على ذلك، وأغرب أبو حنيفة فقال: بالوجوب.
لا تشرع صلاة بعد السعي، وقال بمشروعيتها بعض الحنفية، مستدلين بحديثٍ عند أحمد، وابن ماجه، وهو ضعيف.
قال ﷺ: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة». وهذا من أقوى الأدلة على أنه كان ﷺ قارنًا، ولو كان متمتعًا لما قال: «وجعلتها عمرة»، لأن للمتمتع عمرة مستقلة، وليس للقارن عمرة مستقلة، بل هي داخلة في الحج، وقال بعضهم بأنه ﷺ كان متمتعًا، وهذا وإن كان له وجه، إلا أن ظاهر الأدلة يخالفه.
اتفق أهل العلم على أن فسخ الحج إلى عمرة لا يعقبها حج لا يجوز، واتفقوا كذلك على أن من ساق الهدي فلا يجوز له أن يفسخ الحج، أما المفرد والقارن إذا لم يسق أحد منهم الهدي، فقال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، بعدم الفسخ، وأن ذلك خاص بأصحاب النبي ﷺ مستدلين بما رواه أحمد عن الحارث بن بلال قال: قلت: يا رسول الله ، فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ قال: «بل لنا خاصة». وهو حديث منكر، والحارث لا يعرف، وقالوا بأن الفسخ ليخالف النبي ﷺ الجاهلية حيث لا كانوا يرون بالعمرة في أشهر الحج، وقال أحمد بالفسخ، وأنكر حديث الحارث وقال: (عندي ثمانية عشر حديثًا صحيحًا في الفسخ). ثم اختلف من قال بالفسخ بين وجوبه واستحبابه، فظاهر قول أحمد، وهو قول الحسن، ومجاهد، ورجّحه ابن تيمية أنه مستحب، وقال ابن عباس، ووافقه ابن حزم، بالوجوب، ولا أعلم أحدًا من الصحابة كان يقول بخصوصية الفسخ إلا أبا ذر كما روى عنه مسلم، وقد كان أبو موسى الأشعري يفتي بالفسخ حتى مات.
المتمتع إذا لم يجد الهدي فيصوم عشرة أيام، ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع، واتفقوا أنه لا يجوز تأخير الثلاثة أيام بعد الحج، واختلفوا في الإجزاء إن فعل، ويبدأ من التلبس بالإحرام بالحج للقارن، والإحرام بالعمرة للمتمتع عند الأئمة الأربعة.
قال ﷺ: «دخلت العمرة في الحج»، والمعنى أن وقت الحج والعمرة واحد، خلافًا لفعل الجاهلية حيث حرموا العمرة أشهر الحج، وقيل المعنى: أنه دخل عمل هذا في عمل هذا كالقارن.
منهم من قال بأن النبي ﷺ كان مفردًا، وهذا وَهْم، وسببه أنه ليس كل من حج علم أن العمرة جائزة في أشهر الحج، فتبادر لذهنه مباشرة أن النبي ﷺ أحرم بالحج فقط، وأيضًا فالمفرد والقارن يعملان نفس العمل، لا فرق بينهما إلا وجوب الهدي فقط، فوقعوا في هذا الوهم والصحيح أنه كان قارنًا.
أنكر علي بن أبي طالب tعلى زوجته فاطمة تحللها، لأنه لم يعلم بأن النبي ﷺ أبطل عمل الجاهلية، وأجاز العمرة في أشهر الحج.
يجوز أن يهلّ المرء بما أهل به غيره، دل على ذلك فعل علي t، وإقرار النبي ﷺ له، ولكن إن أهلّ بما أهل به غيره، ثم تبيّن أن ذلك قد ساق الهدي وهو لم يسق فلا يكون قارنًا، وله أن يتمتع، وإن أهل بما أهل به غيره فوجده مفردًا، وتبين للاحق أن يكون متمتعًا فلا بأس بناءً على الأصل، ولو أهل بما أهل به غيره، فوجده لم يهل أصلًا فينوي بما أراد.
يوم التروية هو اليوم الثامن، وسمي كذلك لأن الناس يتروّون فيه لما بعده، والسنة أن يقدم فيصلي الظهر هناك حتى فجر عرفة، ولا يشترط أن تكون نية الحج من هناك، بل من أي مكان.
السنة أن تصلى الصلوات بمنى قصرًا، وهو عمل الصحابة، وهو ظاهر عمل النبي ﷺ، فلم يثبت عنه أنه نبه أهل مكة ليتمّوا، وقد روى مالك في (موطئه) أن عمرًا t صلى بأهل مكة فقال لهم: أتموا فإنا قوم سَفْر، وكان ابن عمر t يحرم في مكة فإذا صلى بمنى قصر، وعلة ذلك السفر لا النسك، كما قال بذلك بعض الفقهاء من المالكية، والحنابلة، والشافعية، ولو كان للنسك لجاز لهم القصر وهم في بيوتهم، لكن لا يقول بذلك أحد معتبر، ونسبة هذا القول لمالك خطأ، فقد صرح في (الموطأ) أنه للسفر لا للنسك، والقول بالسفر هو قول عمر t ، ومعه كبار الصحابة، واختيار ابن تيمية، وابن القيّم.
المبيت بمنى يوم التروية ليلة عرفة سنة.
من السنة أن ينتظر الشمس لتطلع يوم عرفة، ثم يذهب لنمِرَة، وهي خارج عرفة، وذلك سنة وليس بواجب عند عامة الفقهاء، ويكثر عند توجهه من التلبية والتكبير؛ لما رواه مسلم عن ابن عمر t قال: «غدونا مع رسول الله من منى إلى عرفات، منّا الملبي، ومنّا المكبر»، وروى نحوه البخاري من حديث أنس بن مالك t.
لم يثبت عن النبي ﷺ التكبير من فجر عرفة حتى آخر أيام التشريق، والحديث في ذلك ضعيف، لكن جاء عن جمع من الصحابة، كابن عباس، وابن مسعود، والصحيح التثنية وهو قول: ((الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد)).
من السنة التكبير أدبار الصلوات أيام منى قبل أن يقوم الإمام، عدا أهل مكة كما روى الفاكهي عن عطاء.
لم تكن قريش تخرج لعرفة، لأنهم أهل الحرم، وعرفة في الحل، فيقولون لا نخرج من الحرم، فيقفون في مزدلفة، وسائر العرب في عرفة، ولذلك قال جابر t : «فسار رسول الله ﷺ، ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية»، أي أنها على يقين أنه سيقف في المشعر الحرام، لكنه rوقف بعرفة، وقد كان ﷺ يحج قبل البعثة، فكان يقف مع الناس في عرفة، ولا يقف مع قريش في مزدلفة، كما ذكر ذلك الجبير بن مطعم t حينما أضلّ بعيره.
الصحيح أن عُرَنة ليست من عرفة، لقوله ﷺ: «ارفعوا عن بطن عُرَنَة»، وهو قول الجمهور، أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وقال مالك بأنه من عرفة، واستدل بنفس الحديث، وقال أمر بالرفع لأنه من عرفة، لكنه مفضول، ولو كان التنبيه لما خرج عن عرفة لنبّه عن نمرة، وأمر بالرفع عنها أيضًا، فهي مجاورة لعرفة أيضًا، وعليه فقد صحح المالكية الوقوف بعرنة، وبعضهم أوجب الدم مع صحة الحج.
الوقوف بعرفة ركن، لما جاء عن أحمد، وأصحاب السنن، من حديث عبدالرحمن بن يعمر أنه ﷺ قال: «الحج عرفة»، وفي رواية: «الحج يوم عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر، فقد أدرك الحج»، قال وكيع: (هذا الحديث أمّ المناسك)، وفيه دليل صحة الوقوف بالليل دون النهار، ومن باب أولى يصح الوقوف بالنهار دون الليل.
يشرع لإمام المسلمين أن يخطب في الناس بعرفة، اقتداءً بالنبي ﷺ، وهذا ما سار عليه الأئمة من الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، والسنة التقصير في الخطبة لقول سالم بن عبدالله بن عمر للحجّاج: (إن كنت تريد السنة، فاقصر الخطبة، وعجّل الوقوف).
لا ينبغي أن يكثر الإمام من الخطب، فقد ذكر النووي أن النبي خطب أربع خطب: (خطبة اليوم السابع بمكة، وخطبة عرفة، وخطبة يوم النحر، ويوم النفر الأول)، وذكر أحمد أنها ثلاث وهو مذهب الحنابلة، حيث لم يذكروا خطبة اليوم السابع.
من السنة بالإجماع - كما حكاه ابن المنذر - أن يصلي الظهر والعصر قبل دخول عرفة، قصرًا وجمعًا في وقت الأولى، ولا يسبّح بينهما شيئًا، واشترط الحنفية شرطًا زائدًا وهو أن يكون ذلك مع إمام المسلمين، أو من ينيبه، ولا دليل عليه.
وقت الوقوف بعرفة من ظهر اليوم التاسع، حتى فجر اليوم العاشر، والسنة الوقوف بعد الزوال حتى الغروب، ولا يشترط للوقوف استقبال قبلة، ولا طهارة، بل ولا نية، وحكى الاتفاق على ذلك غير واحد كابن قدامة، ووقوف النائم صحيح عند الأئمة الأربعة.
ويشرع الاغتسال قبل دخول عرفة، جاء ذلك عن ابن عمر t ، وغيره.
اختلف أهل العلم في صحّة حجّ من انصرف من عرفة قبل غروب الشمس، وعامّة أهل العلم على صحّة حجّه، وقال مالك، وهو رواية عن أحمد غير معتمدة إلى عدم الصحّة، ولا دليل على ذلك، بل قال ابن عبد البر: (لا أعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال بقول مالك)، والصحيح الصحّة، ولا يشترط الجمع بين الليل والنّهار، لحديث عروة بن مضرّس أن النبي ﷺ قال: «من شهد صلاتنا هذه، ووقف بعرفة معنا حتّى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا، فقد تمّ حجّه، وقضى تفثه». ولا شيء على من انصرف قبل الغروب على الصحيح، وهو اختيار ابن حزم، والراجح في مذهب الشافعيّة، وهو قول أحمد للمعذورين، وقال أبو حنيفة، وأحمد، بالدم على من انصرف قبل الغروب، وقال أحمد أيضًا بجواز الوقوف بعرفة بعد الفجر؛ لظاهر حديث عروة بن مضرّس، بينما ذهب الجمهور، أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، واختاره ابن تيمية، إلى أنه يبدأ من الزوال، لفعله ﷺ.
لا يصح في عرفة تحديد دعاء معيّن، ومن ذلك حديث: «أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير». فلا يصحّ.
التعريف يوم عرفة: وهو جمع الناس ممن لم يحج وهو في بلاده في المسجد، ويخطب فيهم الخطيب، لم يصحّ عن النبي ﷺ فيه شيء، ويروى عن ابن عباس t ولا يصح، ولكن ثبت عن عمرو بن حريث فعل ذلك عند ابن أبي شيبة، ومن فَعَله فقد خالف السنّة، ولكن له سلف من الصّحابة، إلا أن تركه أولى، فالنبي ﷺ لم يفعله، ولم يأمر به، ولم يفعله أحد من الخلفاء الراشدين.
جمهور أهل العلم على أنه لا يسن صيام عرفة للحاج، خلافًا للحنفية، والصحيح أن فضله عام للحاجّ وغيره، ولكن لِمَا قد يصيب الإنسان من ضعف فالأفضل تركه، لأن الدعاء يوم عرفة يكفّر ذنوب العمر كلّه، وصيامه يكفّر سنتين، ولا يشتغل بالمفضول عن الفاضل، ومن كان الناس يقتدون به فالأفضل الفطر ولو قدر على الصيام، ولهذا أفطر ﷺ، يوم عرفة، وكذلك أفطر خلفاؤه من بعده، ومن لا يقتدي به الناس ويجد قوّة فليصم، وعليه يحمل صوم عائشة، وغيرها من السلف.
السنة أن يصلّي المغرب والعشاء ليلة النحر بمزدلفة في وقت العشاء، بأذان وإقامتين، ولا يسبّح بينهما شيئًا، كما فعل النبي ﷺ، وثبت عن جابر tأنه سبح، ولكن لا يعتد بذلك مقابل ما ثبت عن النبي ﷺ، وإذا غلب على ظنه أنه لن يصل إلى مزدلفة إلا بعد منتصف الليل وجب عليه أن يصلي، وإن وصل مزدلفة وقت المغرب فله الجمع، لكنه خلاف الأولى، وجمعها مع العشاء سنّة بالإجماع، ولكن اختلفوا فيما لو صلّى المغرب في وقتها، فأجازه الجمهور، وقال أبو حنيفة، وداود، بعدم الجواز، لأن الجمع للنسك عندهم.
لم يذكر جابر tأنه ﷺ صلى الوتر في مزدلفة، فأخذ البعض أنه لا يشرع، والصحيح أنه يشرع لأنه الأصل، وهو الذي عليه عمل الصحابة كما ثبت عن أسماء وغيرها، ولكن جابرًا لم يذكر ذلك لأن السياق سياق النسك، والوتر ليس من النسك، ولو ذكر كل ما فعل النبي ﷺ لما وسعه ذلك، وكذلك الأمر في قيام الليل، فقد ثبت عن بعض أصحاب النبي، وجاء في الصحيحين: أن أسماء بنت أبي بكر قامت الليل حتى غاب القمر، فدفعت من مزدلفة ورمت الجمرة، وصلت الصبح في منزلها، وقالت: إن رسول الله ﷺ أذن للظُّعُن.
المبيت بمزدلفة واجب، دل على عدم ركنيته حديث عروة بن مضرّس، فمن وقف في آخر جزء من الليل بعرفة سيفوته المبيت بمزدلفة قطعًا، ولو كان ركنًا لبطل حجّه، وروى سعيد بن منصور في سننه: (أن رجلًا جاء لعمر فقال له: أما وقفت بعرفة؟ قال: لا، قال: ائت عرفة، وقف به هنيهةً، ثم أفض لجمع، فأصبح عمر بجمع يقول أجاء الرجل؟ فلما جاء، أفاض). ففاته المبيت، ولم يبطل عمر حجّه، ولم يلزمه بدم، وقال الأئمة الأربعة على تاركه دم.
ثمّة فرق بين المبيت والوقوف بمزدلفة، فالمبيت ليلة النحر حتى الفجر، والوقوف بعد الفجر من يوم النحر، فأوجب المبيت وسنّ الوقوف أحمد، ومالك، والشافعي، وعكس الحنفية ذلك، إلا أن مالك جعل قدر المبيت قدر إنزال الرحال فقط، وأغرب ابن حزم حيث أبطل حجّ من لم يصلّ الفجر بمزدلفة مع الإمام، بل أشد غرابة قوله من صلّى معه بلا طهارة بطل حجّه، لأنه لم يصلّ معه الصلاة الصحيحة، وهذا قول ظاهر البطلان.
لا يلزم من المبيت النوم، بل المكث والبقاء.
من دفع بعد منتصف الليل من مزدلفة فلا شيء عليه عند الجمهور، وقال الحنفية بالدم لترك الوقوف وهو واجب، لا لترك مبيت النصف الآخر، والدفع جائز للضعفة، ولا يجوز لغيرهم الدفع قبل الفجر، ودليل رخصة ذلك للضعفة ما رواه الشيخان عن ابن عباس أنه قال: «أنا ممن قَدَّم رسول الله ﷺ فش ضعفة أهله». ورويا أيضًا أنه أذن لسَوْدة.
يباح للضعفة رمي الجمرة قبل طلوع الشمس، بل حتى قبل طلوع الفجر على الصحيح فيرمون متى ما وصلوا، لفعل أسماء، وهو قول عطاء، وأحمد، والشافعي، والأصل فيمن عجّل أنه عجّل للرمي، وما استدل به المانعون ومنهم: مجاهد، والنخعي، وسفيان، وابن القيم، وهو قوله ﷺ: «لا ترموا حتّى تطلع الشمس»، شاذّ، ولا يصح، وقال ابن المنذر: (ومن رمى قبل الفجر، فلا إعادة عليه، ولا أعلم أحدًا قال لا يجزئه).
يستحب للمُحْرِم أن ينفر من مزدلفة قبل طلوع الشمس، وهذا ما فعله النبي ﷺ مخالفًا لفعل الجاهلية، حيق كانوا ينفرون بعد طلوع الشمس ويقولن: (أشرق ثبير، كيما نغير).
يوم الحجّ الأكبر هو يوم النحر، لما رواه البخاري عن ابن عمر أن النبي ﷺ وقف يوم النحر بين الجمرات فقال: «هذا يوم الحجّ الأكبر». وقال بعضهم: هو يوم عرفة، وقيل: أيام العشر كلها، كقولك: (يوم الجمل) وهي أيام.
يسن الإسراع في وادي محسِّر، وهو وادٍ بين مزدلفة ومنى وليس بينهما، ولا يصحّ أن هذا الوادي مكان حَبْس فيل أبرهة، ولو كان كذلك لأسرع فيه r عند دفعه من منى لعرفة، ولم يثبت، وقال الشافعي: بأن ذلك لسعة الموضع، فقد خرج من الضيق للسعة.
من السنّة أن يبدأ بالرمي في يوم النحر، ولو بدأ بغيرها فلا حرج، والرمي واجب على الصحيح لفعله ﷺ ولفعل أصحابه، وهو قول الجمهور، وقيل: سنة، وقيل: ركن عند بعض المالكية، وقيل: يجزئ عنه التكبير، وتكون بسبع حصيات متفرقة، دل على تفرّقها قول جابر t : «يكبّر مع كل حصاة». ومن رماها دفعة واحدة فإنها تُعَد رمية واحدة، والتكبير مع الرّمي سنّة.
يقطع التلبية عند الشروع في رمي جمرة العقبة عند الجمهور، وقال أحمد في المشهور عنه، وإسحاق، وابن خزيمة، بعد الرمي، ولا دليل عليه، ودليل الجمهور قوله: «يكبّر مع كل حصاة». فلا مكان للتلبية مع التكبير، فقد روى الشيخان عن الفضل t أنه قال: «كنت رديف النبي ﷺ من جمع إلى منى، فلم يزل يلبي حتى رمى الجمرة». وروى ابن المنذر بسند صحيح عن ابن عباس tأنه قال: (التلبية شعار الحجّ، فإن كنت حاجًّا فلبّ حتى بدء حلّك، وبدء حلّك أن ترمي جمرة العقبة).
يكون الحصى بقدر الأنملة، وجاء وصفه عن النبي ﷺ في الصحيحين بقوله: «إنّها لا تصيد صيدًا، ولا تنكأ عدوًا، ولكنها تفقأ العين، وتكسر السن». ولا يشرع الرمي بالحجر الكبير، وقد نهى عنه ﷺ، وسمّاه غلوًا.
يرمي بيده اليمين أو الشمال، ولا يجزئ الوضع في الحوض، وحكي الاتفاق على ذلك، لأنّ من وضعه في الحوض لم يصدق عليه أنه رمى.
التحلل الأوّل يكون بعد رمي جمرة العقبة على الصحيح، لقول عائشة: «كنت أطيّب رسول الله ﷺ لإحرامه حين يُحرِم، ولحلّه قبل أن يطوف بالبيت». فيحلّ له كل شيء عدا النساء، وهو قول مالك، ورواية عن أحمد، وقال به عطاء، وأبو ثور، وهو قول عائشة، وابن الزبير من الصحابة، وصحّ عن عمر في (الموطأ) قوله: بأن الطيب لا يحلّ إلا بعد الطواف مع النساء، ولكن عائشة أعلم بحال النبي ﷺ، وكان سالم بن عبدالله إذا روى قول جدّه عمر يقول: (وسنّة رسول الله ﷺ أحقّ أن تتبع).
وقت رمي جمرة العقبة منذ القدوم من مزدلفة، وحتى طلوع الفجر من أوّل أيام التشريق، وهو عمل الصحابة، وقول الجمهور، وخالف أحمد فقال: (إن أدركه الليل، رمى من الغد بعد الزوال). ودليل الجمهور قوله ﷺ لمن قال له: رميت بعدما أمسيت، قال ﷺ: «لا حرج». والمساء من بعد الزوال إلى اشتداد الظلام، وقد روى مالك في (الموطأ) أن امرأةً نفست بمزدلفة، ولم تأتِ منى إلا بعد أن غربت الشمس من يوم النحر، فأمرها عمر t بالرمي، ولم يرَ عليها شيئًا، وروى ابن أبي شيبة عن ابن سابط قوله: (كان أصحاب رسول الله ﷺ يقدمون حجاجًا، فيدعون ظهورهم، فيجيئون فيرمون بالليل)، ويجوز له أن يؤخر رمي جمرة العقبة إلى آخر أيام التشريق، وذلك بغروب شمس اليوم الثالث منها، فإن أخّرها فالأولى أن يرمي بعد الزوال، وقد منع من ذلك أبو حنيفة، ومالك.
الرمي أيام التشريق لا يكون إلا بعد الزوال، لفعله ﷺ، ولما ثبت عن ابن عمر t من قوله: (لا ترمى الجمرات إلا بعد الزوال). والوقت المشروع من الزوال، إلى الغروب اتفاقًا، ومن رمى ليلًا فكما ذكرنا قريبًا.
لا يجوز الرمي قبل الزوال عند أكثر الأئمة، ويستثنى من ذلك وقت الحاجة فقط، فيجوز، وما روي عن ابن عباس t بجواز ذلك فلا يصح، إلا خبر واحد ولكنه ليس بصريح، فيحتمل أن المراد جمرة العقبة، وهي ترمى قبل الزوال بالإجماع، ولكن صحّ عن ابن الزبير.
من جَمَع رمي الجمار في آخر أيام الرمي فهو أسعد بالدليل ممن رمى قبل الزوال كل يوم بيومه، ومن رمى قبل الزوال يوم النفر فهو أفضل ممن رمى قبل الزوال في غيره، فقد رخّص في يوم النفر جماعة من السلف، فلا ينبغي التوسع في هذا، والاشتراط في أوقات العبادات آكد من سائر الشروط والواجبات.
يجزئ في رمي الجمار سقوطها في الحوض، ولو لم تصب الشاخص، ولو أصابت الشاخص وخرجت خارج الحوض أجزأت أيضًا، لأن الشاخص مُحدث، وضع منعًا للتجاوز في الرمي، ولعدم التفريط فيه، وتاريخ وضعه هو عام (١٢٩٢هـ) تقريبًا، في عهد الدولة العثمانية.
يخطئ كثير من الناس حين يظنون أن الرمي للشيطان، وأن الشاخص هو الشيطان، أو مكان الشيطان، فقد قال النبي ﷺ: «إنما جعل الطواف بالكعبة، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله عز وجل». فهو فعل تعبدي محض، والنفس والعقل بمعزل عنه.
يجوز الرمي بالحصى المستعمل، خلافًا للمشهور من مذهب المالكية، والحنابلة، ولا دليل على المنع من ذلك.
جاء عن بعض أصحاب رسول الله ﷺ أن الحصى إذا تقبلها الله عز وجل فإنها تُرفع، ذَكَر الفاكهي عن أبي الطفيل أنه قال لابن عباس t : (رمى الناس في الجاهلية والإسلام، فكيف لا يسد الطريق؟ قال: ما يُقبل منه رُفع، ولولا ذلك، كان أعظم من ثُبَير)، وروى الفاكهي أيضًا عن أبي سعيد الخدري أنه قال: (الحصى قربان، فما يُقبل منه رفع)، وهذه الأسانيد لا بأس بها، ولم يثبت عن النبي ﷺ في ذلك شيء.
يجوز أخذ الحصى من أي مكان باتفاق الأئمة الأربعة، وبعض الشافعية كرهوا الأخذ من خارج الحرم، ومن المسجد الحرام، ورويت التوسعة عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وظاهر حديث الفضل عند مسلم أن النبي ﷺ أخذ الحصى بعد خروجه من مزدلفة.
لا يعلم شيء من الأحاديث في غسل الحصى قبل رميها، لا من النبي ﷺ ولا من الصحابة، وجاء عن طاوس أنه كان يغسلها، وليس ذلك من السنّة.
لا يجزئ الرمي بأقل من سبع حصيات، وقول جابر: (ما أدري بكم رمى رسول الله ﷺ) وقل ابن عباس: (ما أدري رماها رسول الله ﷺ بست أو سبع) فصحيح، ولكنه يفيد نفيهما شهود رميه ﷺ لا تحديد عدده، وقد علما عدده من غيرهما، فنقلا أنها سبع، كما روى مسلم عن جابر، وأحمد عن ابن عباس، وقد رخّص فيه عطاء فقال يجزئ خمس، ومجاهد قال بست، ورخّص أحمد وإسحاق.
تكره الزيادة على سبع، ومن زاد فقد أحدث، إلا من كانت زيادته لشك فيجوز.
ترتيب الجمرات واجب عند الجمهور، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد، ويشرع أن يرمي التي تلي مسجد الخيف ويجعلها عن يساره، ويرمي، ثم يتقدم وينحرف قليلًا ويدعو ويرفع يديه، ثم الوسطى ويجعلها عن يمينه، ويتقدم قليلًا وينحرف، ويدعو، ولا يدعو بعد الثالثة، ويرفع يديه عند الدعاء، ثبت ذلك في الصحيح من حديث ابن عمر مرفوعًا، وقال ابن المنذر، وابن قدامة: (لا أعلم من أنكر رفع اليدين في الدعاء عند الجمرة إلا مالكًا).
لا يفوت وقت الرمي على الصحيح إلا بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، وهو قول أحمد، والشافعي، وصاحبي أبي حنيفة، والثلاثة أيام في حكم اليوم الواحد، إلا أن السنة أن يرمي كل يوم على حدة، وقد روى مالك، وأحمد، وأصحاب السنن، عن عاصم بن عدي: (أن رسول الله ﷺ رخّص لرعاء الإبل أن يرموا يومًا، ويدعوا يومًا).
يجوز التعجل من منى قبل غروب الشمس من اليوم الثاني، ومن غربت عليه الشمس فيبقى لليوم الثالث من التشريق وهو قول أحمد، ومالك، والشافعي، أمّا أبو حنيفة فقال: يستحب، فإن طلع فجر اليوم الثالث فيجب، ولا دليل مرفوع للبقاء بعد غروب الشمس مرفوعًا، ولكنه ثابت عن عمر t، وابنه عبدالله t، فقد روى البيهقي عن عمر أنه قال: (من أدركه المساء من اليوم الثاني، فليُقِم إلى الغد، حتى ينفر مع الناس). وروى مالك عن ابن عمر أنه قال: (من غربت له الشمس من أوسط أيام التشريق، وهو بمنى، فلا ينفر حتى يرمي الجمار من الغد).
من خرج من منى قبل الغروب، ثم عاد لحاجة، وغربت عليه فلا حرج، ويخرج متى قضى حاجته، وبهذا قال الأئمة، كأحمد، والشافعي.
لا يثبت في استقبال القبلة عند الرمي شيء، وما روي عن ابن مسعود أنه قال: «أن النبي ﷺ استقبل القبلة وجعل يرمي»، فلا يصح.
بعد الرمي يحلّ الجميع، ولكن يستحب للقارن أن لا يحل حتى ينحر هديه، فقد جاء في الصحيحين من حديث حفصة أنها قالت للنبي ﷺ: ما شأن الناس حلّوا ولم تحل؟ قال: «إني قلّدت هديي، ولبّدت رأسي، فلا أحل حتى أنحر».
السنّة في أعمال يوم النحر هي الرمي، ثم النحر، ثم الحلق، ثم الطواف، ومن قدّم وأخّر فلا حرج عليه، لأن النبي ﷺ ما سئل عن شيء قُدّم ولا أُخّر في هذا اليوم إلا قال: «افعل، ولا حرج».
السنّة أن ينحر المحرم بيده، فقد نحر ﷺ ثلاثًا وستين بيده، وتحمّل هذا العدد الكبير فيه دليل على تأكّد هذه السنّة، وكذلك الأضحية، ومن أناب فلا بأس. ويجزئ، ويجوز أن ينوب عن أحد بالذبح ولو لم يعلم، فالنبي ﷺ كما جاء في الصحيحين ضحّى عن نسائه بالبقر، وهنّ لا يعلمن.
ولا يجوز النحر قبل يوم النحر عند الجمهور، خلافًا للشافعي، فهو يرى بجواز النحر بعد الإحرام بالحجّ، وقوله مخالف لعمل النبي ﷺ ولم يثبت خلافه عن أحد من الصحابة.
يستحب الهدي في العمرة، وقد فعله ﷺ، وهو من السنن المهجورة، وكذلك يستحب للمفرد، فذلك اليوم يوم إراقة للدماء.
دم التمتع لا يجب على أهل مكة لقوله تعالى: ]ذّلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المسْجِدِ الحَرَامِ[، ومن هم داخل حدود الحرم داخلون في الآية بالاتفاق، واختلفوا فيما عدا ذلك، والصحيح أن الآية تتناول سكّان مكة، ومن بينهم وبينها دون مسافة القصر، وهذا قول أحمد، والشافعي.
يشرع للمحرم أن يأكل من لحم هديه، فالنبي ﷺ أمر من كل بدنة بلحم، فطبخت في قدر، فأكل لحمها، وشرب لبنها، والقول بالاستحباب هو قول مالك، وأحمد، وأبو حنيفة، بل بالغ بعضهم من التابعين وقال بالوجوب، ولكن هذا يفتقر لدليل زائد عن مجرد الفعل، وذهب الشافعي إلى عدم جواز الأكل من الدماء الواجبة، كالتمتع، والقران، والجبران، والمنذور، والسنّة والدليل خلاف قوله.
لا يسن للحاجّ أن يضحّي على الصحيح، فهذا مقام هدي لا أضحية، وقال الجمهور باستحبابه، لما جاء في الصحيحين أنه ﷺ ضحّى عن نسائه بالبقر، ولكن الأضحية هنا هي الهدي، وإنما سميّت أضحية لمناسبة الوقت.
كذلك المرأة تقصّر من شعرها بالإجماع، كما حكاه ابن المنذر، ولا يشرع لها الحلق، ولا نصّ يبين حد التقصير، وروي عن ابن عمر t أنه قدر أنملة.
الحلق أفضل من التقصير، ودرجة واحد، واثنين، ونحو ذلك بآلات الحلاقة تعتبر حلقًا فيما يظهر، فلم يكن الأوائل يعرفون هذه الشفرات الحادّة في زماننا.
واستيعاب أكثر الرأس واجب، بل أوجب أحمد، ومالك جميع الرأس، ولا نصّ في ذلك صريحًا، وقد جوّز الشافعي حلق ثلاث شعرات.
وغير الحاجّ لا يشرع له الحلق يوم النحر، كمن كان من خدم الحجاج، وغيرهم من الأمصار، لأنه لا دليل عليه عن النبي ﷺ، وقد ثبت عن ابن عمر t أنه ضحّى وهو بالمدينة، وحلق رأسه، كما جاء ذلك عند ابن شيبة.
تقديم السعي على الطواف جائز لعموم الخبر، وبعضهم استدل بقوله ﷺ لمن سأله فقال: سعيت قبل أن أطوف؟ قال ﷺ: «افعل، ولا حرج»، إلا أن هذه زيادة غير محفوظة، وقال البيهقي على فرض حفظها: فلعل المراد السعي بعد طواف القدوم، وقبل طواف الإفاضة، وبهذا القول حمل الخطّابي، والنووي، رواية تقديم السعي على الطواف.
من السنّة الإسراع في طواف الإفاضة، فالنبي ﷺ صلّى الفجر بمزدلفة ثم رمى جمرة العقبة، ثمّ نحر هديه، فطبخت وأكل، ثم حلق، ثم ذهب لمكة وطاف وصلى الظهر هناك على رواية جابر، ومنهم من قال صلّى الظهر بمنى لرواية ابن عمر ، ومنهم من جمع وقال صلى بمنى، ثمّ ذهب للحرم وصلى بأصحابه مرّة ثانية.
وقت طواف الإفاضة من منتصف ليلة النحر على الصحيح، وهو قول أحمد، والشافعي، ولا آخر له عند جماهير أهل العلم، فمتى جاء به صح، ولا خلاف، إنما الخلاف في لزوم الدم، والصواب أنه لا دم مطلقًا، ولكن إن أخّره بعد اليوم الثالث فقد خالف السنّة، ولا شيء عليه.
يصلي الحاج الصلوات الخمس في منى أيام التشريق، والسّنة أن تكون كل صلاة في وقتها، وإن جمع، فصحيح ولكنّه مخالف للسنة.
شرب النبي ﷺ من زمزم قائمًا، وهذا يدل على أن النهي في ذلك من باب الكراهة، فالأولى أن يشرب جالسًا، وإن شرب قائمًا فقد فعله النبي ﷺ لرفع الحرج، وبعضهم قال الجواز في الشرب قائمًا خاص بماء زمزم، وهذا تأويل بعيد.
يجب المبيت في منى أيام التشريق، قاله جماهير العلماء وهو الصّحيح، والمقصود ما يطلق عليه المبيت كشطر الليل أو أكثره، وذهب أبو حنيفة، وهو رواية عن أحمد، ومذهب ابن حزم إلى سنّيته، ودليل الوجوب أنه ﷺ رخّص لرعاة الإبل أن يبيتوا خارج منى، والرخصة لا تكون إلا عن عزيمة، وقد روى مالك، والبيهقي، عن عمر t أنه قال: (لا يبيتن أحدٌ من الحاجّ ليالي منى وراء العقبة).
قال البخاري: (يُذكر عن أبي حسّان، عن ابن عبّاس؛ أن رسول الله ﷺ كان يزور البيت أيام منى). ولا يصح، وقال ابن القيّم: وهو وهم، فالنبي ﷺ بقي بمنى حتّى الوداع.
إذا سعى المفرد والقارن مع طواف القدوم فإنه لا يسعى مرة أخرى، والمتمتع كذلك، فسعيه مع طواف العمرة يجزئه عن سعي الحج، وهذا مروي عن أحمد، ورجّحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الذي تعضده الأدلّة.
إذا حاضت المرأة بعد الإفاضة فيسقط عنها طواف الوداع بالاتفاق، لما رواه الشيخان عن عائشة أنها لما حاضت صفيّة قال ﷺ: «أحابستنا هي؟». قالوا: إنها قد أفاضت، قال: «فلا إذن». أمّا إن حاضت قبل الإفاضة، فإن بقيت حتى تطهر أو رجعت لبلدها وعادت للطواف فعملها صحيح وهو الأولى، ولكن إن شقّ عليها العودة فتستثفر وتطوف، وتغادر بلا وداع، وصحّ حجّها بلا فدية، نصّ على ذلك ابن تيمية، وقال الجمهور لا يصحّ الطواف منها أصلًا؛ لاشتراطهم الطهارة، وقال بعضهم: إذا اشترطت وشق عليها العودة فتتحلل وتقضي من قابل.
يجب طواف الوداع، وهو قول الجمهور، وقال مالك، وداود، هو سنّة، ودليل الوجوب ما رواه الشيخان عن ابن عباس أنه قال: (أُمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف، إلا أنه خفف عن الحائض). وقول الصحابي (أمرنا) هو من المرفوع قطعًا، فالآمر هو النبي r، ويبعد أن يقبل الصحابة تشريعًا من غيره حال حياته ﷺ، وذكر مالك في (موطئه) أن عمرًا ردّ حاجًّا من الظّهران، لم يطف طواف الوداع، ومن طال بقاؤه بعد الطواف وجب عليه الإعادة، إلا إن بقي شيئًا يسيرًا ليقضي حاجةً له فلا بأس، ومن نفر، ولم يطف، وأمكنه الرجوع بلا ضرر، فيرجع، ويطوف.
أما أهل مكّة فليس عليهم طواف وداع، بالإجماع.
لا يجب طواف الوداع على المعتمر على الصحيح، بل لا يشرع، لعدم وروده، وهو قول جماهير الأئمة، من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وقال بعضهم بالوجوب، وهو مذهب ابن حزم، وقول لبعض فقهاء الحنفية، والشافعية، مستدلين بحديث رواه الترمذي عن عبدالله بن أوس أنه قال: (سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من حجّ هذا البيت أو اعتمر، فليكن آخر عهده بالبيت»، فقال له عمر: خررت من يديك، سمعت هذا من رسول الله ﷺ ولم تخبرنا به!). ولكنه معلول، أعلّه الترمذي، وفيه الحجّاج أبن أرطأة فيه ضعف مع تدليسه، وفيه ابن البَيْلماني شديد الضعف.
من العلماء من قال بأن طواف الوداع ليس من المناسك، بل هو عبادة مستقلّة، وهو قول أبو حنيفة، والبغوي، والنووي، والرافعي، وظاهر كلام ابن تيمية، وقالوا: لأن الأفقي إذا حجّ وأراد الإقامة بمكة فلا وداع عليه، ولو كان نسكًا لوجب، لكن ظاهر السنة، وآثار السلف، تدل على أن طواف الوداع من جملة مناسك الحجّ خاصة.
من سعى للحج بعد طواف الوداع أجزأه ذلك، ويغادر، قال به مالك، ورجّحه ابن تيمية.
إن أخّر طواف الإفاضة مع الوداع وجعله طوافًا واحدًا صحّ منه ذلك على الصحيح، بل حتّى لو طاف ولم ينوِ هل هو إفاضة أم وداع؟ لصحّ، بل حتّى لو طاف للوداع وهو لم يطف الإفاضة، صحّ منه ذلك، ولا أثر للنية في العمل المشروع المتشابه، ولذلك أمر النبي ﷺ من لم يسق الهدي أن يقلب نسكه عمرة.
نرل ﷺ بالأبطح، لأنه أسهل له، وروى مسلم عن ابن عمر أن: أبا بكر وعمر كانوا ينزلون الأبطح. وفعلهم هذا حبًا وتأسيًا، لا تعبدًا، فنزوله لا يشرع عبادةً، وتشريعه عبادة يجعله خاصّةً للخارج من مكة للمدينة، وهذا يخرج غيرهم من التعبد به إلا بكلفة.

،،، انتهى ولله الحمد والمنّة ،،،
قام بتلخيصه / عبدالعزيز محمد العاصمي
21/11/1440هـ
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة