6020 - ( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ! اتَّقِيْنَ اللهَ ، والتمِسوا مَرْضاةَ أزواجِكُنًّ ؛
فإن الْمَرْأَةَ لَوْ تَعْلَمُ ما حَقُّ زوجِها ، لم تزلْ قائمةً مَا حَضَرَ غَدَاؤُهُ وَعَشَاؤُهُ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
موضوع .
أخرجه البزار في مسنده المعروف بـ "البحر الزخار" (2/ 290 - 291)
ومن طريقه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/47) من طريق الحكم بن يعلى بن
عطاء المحاربي قال : نا عبدالغفار بن القاسم عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن
سلمة عن علي عن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره . وقال البزار :
"لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد" .
قلت : وهو موضوع ؛ آفته عبدالغفار هذا ، قال علي بن المديني وأبو داود :
"كان يضع الحديث" .
والحكم : متروك ، وبه أعله الهيثمي في "المجمع" (4/309) ، ثم الحافظ ابن
حجر في "زوائد مسند البزار" (ص 154)! فقصَّرا ؛ لأن شيخه عبدالغفار شر منه
- كماسبق - .
وللشطر الثاني منه شاهد من حديث معاذ مرفوعاً بلفظ :
"لَوْ تَعْلَمُ الْمَرْأَةُ حَقَّ الزَّوْجِ مَا قَعَدَتْ مَا حَضَرَ غَدَاؤُهُ وَعَشَاؤُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ " .
أخرجه البزار (2/ 180/ 1471 - كشف الأستار) ، والطبراني في "المعجم
الكبير" (20/160/333) من طريق فضيل بن سليمان النُّمَيري : ثنا موسى بن عُقْبَةَ عَنْ عُبَيْدِ بن سُلَيْمَانَ الأَغَرِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ ... به . قال الهيثمي :
"رواه البزار والطبراني ، وفيه عبيد (الأصل : عبيدة) بن سليمان الأغر ؛ ولم
أعرفه ، ولا أعرف لأبيه من معاذ سماعاً ، وبقية رجاله ثقات " .
وتعقبه الحافظ في "زوائده " بقوله :
"قلت : بل عبيد معروف ، والإسناد حسن "!
كذا قال ! وفيه عندي نظر من وجهين :
الأول : أن الفضيل بن سليمان النميري - وإن كان من رجال الشيخين ؛ فقد -
ضعفه جمهور الأئمة ، ولم يوثقه غير ابن حبان (7/316 -317)! فشذ ؛ ولذلك
أورده الذهبي في "الضعفاء " وقال (515/4958) :
"فيه لين . قال أبو حاتم وغيره : ليس بالقوي . وقال أبو زرعة : لين . وقال ابن
معين : ليس بثقة" .
وذكر مثله في "الكاشف " . وقال الحافظ نفسه في "التقريب " :
"صدوق ، له خطأ كثير" .
قلت : فمثله لا يحتج به ؛ وإنما يستشهد به ، وقد قال الحافظ في "مقدمة فتح
الباري " (ص 435) :
"ليس له في "البخاري" سوى أحاديث ؛ توبع عليها" .
ثم ذكرها ، مع بيان من تابعه عليها .
والوجه الآخر : أن المعروف إنما هو (عبيد بن سلمان الأغر) ؛ كذلك هو في
"التهذيب " وغيره ، فإن كان هو هذا ؛ فيكون قوله في هذا الإسناد : " ... سليمان ... " ؛
من أوهام النميري . والله أعلم .
6025 - ( ملائكةُ السماءِ يستغفرونَ لذَوائِبِ النساءِ ولِحَى الرجالِ ؛
يقولونَ : سبحان الذي زَيَّنَ الرجالَ باللِّحَى والنساءَ بالذوائب ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
موضوع .
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (3/66) من طريق الحاكم :
أخبرنا ابن عصمة : حدثنا الحسين بن داود بن معاذ : حدثنا النضر بن شميل :
حدثنا عوف عن الحسن عن عائشة مرفوعاً .
قلت : وهذا موضوع ؛ آفته الحسين هذا - وهو : البلخي - : قال الخطيب( 8/44) :
"لم يكن ثقة ؛ فإنه روى نسخة عن يزيد بن هارون عن حميد عن أنس ؛
أكثرها موضوع " . ثم ساق له الحديث المتقدم برقم (808) ، وقال :
"وهو موضوع ؛ ورجاله كلهم ثقات ؛ سوى الحسين " .
وتقدم له حديث آخر برقم (780) ، وأن ابن الجوزي قال فيه :
"وضاع " .
وله حديث رابع مضى برقم (12) .
وقد روي حديث الترجمة موقوفاً بلفظ :
"إن يمين ملائكة السماء : والذي زيَّن الرجال باللحى ، والنساء بالذوائب ! " .
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (10/387 - المدينة) من طريق الخليل
ابن أحمد بن محمد بن الخليل : نا أبو عبد الله محمد بن معاذ بن فهد
النهاوندي - وسمعته يقول : لي مائة وعشرون سنة ، وقد كتبت الحديث ، ولحقت
أبا الوليد الطيالسي والقعنبي وجماعة من نظرائهم ، ثم ذكر أنه تصوَّف ودَفَنَ
الحديثَ الذي كتبه أول مرة ، ثم كتب الحديث بعد ذلك ، وذكر أنه حفظ من
الحديث الأول حديثاً واحداً ، وهو ما حدثنا به - : نا محمد بن المنهال الضرير : نا
يزيد بن زريع : نا روح بن القاسم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة
قال : ... فذكره موقوفاً . وقال ابن عساكر :
"هذا حديث منكر جداً ، وإن كان موقوفاً ، وليت النهاوندي نسيه فيما نسي ؛
فإنه لا أصل له من حديث محمد بن المنهال . والله أعلم " .
قلت : والنهاوندي هذا واهٍ عند الذهبي ، كما تقدم في الحديث الذي قبله .
والله أعلم .
(تنبيه) : لقد عزا الشيخُ العجلوني في "كشف الخفاء" الحديثَ للحاكم عن
عائشة! فأوهم أنه في "المستدرك " ؛ لأنه المعني عند أهل العلم إذا أطلق العزوُ إليه ،
وليس فيه! والظاهر أنه في كتابه الآخر : "تاريخ نيسابور" ؛ لأنه ترجم له فيه ؛ كما
في "لسان الحافظ " .
ثم إن هذا العزو مع السكوت عن بيان حال الحديث مما يدلنا على أن العجلوني
علمه في الحديث ؛ إنما هو النقل دون النظر في الأسانيد والمتون والتحقيق فيها .
ونحوه عبدالرؤوف المناوي ؛ فقد سبقه إلى عزو الحديث في كتابه "كنوز
الحقائق " (ص 142 ج 1 - هامش "الجامع الصغير") إلى الحاكم مطلقاً لم يقيده ،
وساكتاً عليه كما هي عادته!! ولم يذكر إلا الشطر الثاني منه .
وقلده في ذلك آخرون ؛ منهم الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي في رسالة "وجوب
إعفاء اللحية" (ص 32 - توزيم إدارة البحوث العلمية) ؛ فإنه جزم بنسبته إلى النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! وعلقت عليه الإدارة بما تقدم عن المناوي! دون أي تعقيب عليه!
واغتر بعضهم بالمفهوم من إطلاق المناوي عزوه إلى الحاكم ، فعزاه إلى الحاكم
في "المستدرك " ؛ كما فعل الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي فيما نقله الأخ
محمد إسماعيل الإسكندراني في آخر كتابه "أدلة تحريم حلق اللحية" ، وأقره!
فالله المستعان على غرية هذا العلم في هذا الزمان ، وتساهل أهله في نسبة ما
لم يصح من الحديث إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
6043 - ( إذا تَطَيَّبَت المرأةُ لغيرِ زوجِها فإنما هو نارٌ في شَنَار ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
ضعيف .
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/166/2/7539) : حدثنا
محمد بن أبان : ثنا عبدالقدوس بن محمد : حدثتني أمي حبيبة بنت منصور :
حدثتني أم سليمة بنت شعيب بن الحبحاب عن أبيها عن أنس بن مالك : أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ... فذكره ، وقال :
"لا يروى عن شعيب إلا بهذا الإسناد" .
قلت : وهو ضعيف مجهول ؛ حبيبة وأم سليمة لم أجد لهما ذكراً في شيء
من كتب الرواة ، ولا ذكرهما الذهبي في (فصل النساء المجهولات) من آخر
"الميزان" ، ولذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/157) :
"رواه الطبراني في "الأوسط " ، وفيه امرأتان لم أعرفهما ، وبقية رجاله
ثقات " .
وقد وجدت للحديث شاهداً ، ولكنه موقوف ، وإسناده واهٍ ، يرويه نعيم بن
حماد : ثنا بقية بن الوليد عن يزيدَ بنِ عبد الله الجهني عن أنس بن مالك رضي
الله عنه قال :
دخلت على عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ورجل معها (1) ، فقال الرجل : يا أم
المؤمنين! حدثينا عن الزلزلة ؟ فأعرضت عنه بوجهها . قال أنس : فقلت لها :
حدثينا يا أم المؤمنين عن الزلزلة ؟ فقالت : يا أنس! إن حدثتك عنها عشت حزيناً ،
وبعثت وذلك الحزن في قلبك . فقلت : يا أماه! حدثينا ؟ فقالت :
إن المرأة إذا خلعت ثيابها في غير بيت زوجها ، هتكت ما بينها وبين الله عز
وجل من حجاب .
وإن تطيبت لغير زوجها كان عليها ناراً وشناراً .
فإذا استحلوا الزنا ، وشربوا الخمور بعد هذا ، وضربوا المعازف ؛ غار الله في
سمائه ، فقال للأرض : تزلزلي بهم ، فإن تابوا ونزعوا ، وإلا ؛ هَدَمَها عليهم .
فقال أنس : عقوبة لهم ؟ قالت : رحمة وبركة وموعظة للمؤمنين ، ونكالاً
وسخطة وعذاباً للكافرين .
قال أنس : فما سمعت بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً أنا أشد به فرحاً مني بهذا
الحديث ، بل أعيش فرحاً ، وأبعث حين أبعث وذلك الفرح في قلبي - أو قال : في
نفسي - . أخرجه الحاكم (4/516) وقال :
"صحيح على شرط مسلم "! وتعقبه الذهبي بقوله :
9 قلت : بل أحسبه موضوعأً على أنس ، ونعيم منكر الحديث إلى الغاية ، مع
أن البخاري روى عنه " . قلت : هذا الإطلاق يوهم أن البخاري روى له محتجاً به ، وليس كذلك ؛ فإنه
إنما روى له مقروناً بغيره ؛ كما قال الذهبي في "الميزان " ، والحافظ في "التهذيب " ،
وغيرهما ممن تقدم أو تأخر ، مع قلة ما روى عنه ، فقد قال الحافظ في "مقدمة
الفتح " (ص 447) :
"لقيه البخاري ، ولكنه لم يخرج عنه في "الصحيح " سوى موضع أو موضعين ،
وعلق له أشياء أخر ، وروى له مسلم في المقدمة موضعاً واحداً ... " .
ثم حكى اختلاف العلماء فيه : ما بين موثِّق ، ومضعِّف ، وناسب له إلى
الوضع ، وبسط أقوالهم في "التهذيب " ، ويتلخص منها ما قاله في "التقريب " :
"صدوق يخطئ كثيراً" .
قلت : ولذلك فإن الشيخ التويجري لم يصب في تعقبه - في كتابه "الصارم
المشهور" (ص 33) - الحافط الذهبيَّ - بعد أن نقل عنه ما تقدم - :
"قلت : وهذا تحامل من الذهبي على نعيم بن حماد ، ولم يكن بهذه المثابة ،
وإنما أنكر عليه بعض أحاديثه لا كلَّها ... " .
قلت : أوَ لا يكفي هذا في تضعيف ما تفرد به من الحديث ؟! ثم قال :
"وروى عنه البخاري في "صحيحه " ومسلم في مقدمة (صحيحه) " .
قلت : قد عرفت قلة ما روى عنه البخاري ، وأنه لم يحتج به . وكذلك يقال
في رواية مسلم له في "المقدمة" ؛ فإنه :
أولاً : لم يرو لى فيها حديثاً مرفوعاً إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وإنما في تجريح عمرو بن
عبيد المعتزلي ، فقد روى فيها (1/17) من طريقين عنه بسنده عن يونس بن عبيد
قال : "كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث " .
وثانياً : أنه روى له هذا في الشواهد ؛ فقد أتبعه بالرواية بسندين آخرين عن
غير يونس تكذيبَ عمرو بن عبيد .
فإذن ؛ لا قيمة لرواية الشيخين لنعيم بن حماد ، وبخاصة بعد ثبوت جرح
جمع له لسوء حفظه ، وكثرة وهمه ، وكذلك لا قيمة لتوثيق من وثقه ، الذي
جنح إليه التويجري معرضاً عن قاعدة علماء الحديث : "الجرح مقدم على
التعديل " ، ولا غرابة في ذلك ؛ فإنه حديث عهد بهذا العلم الشريف ؛ كما يدل
عليه كتابُه هذا ، وكثرة الأحاديث الضعيفة التي فيه ساكتاً عنها ، ومغرراً قرّاء
كتابه بها ، ظنّاً منهم أنه لا يسكت عن الضعيف!
وإن مما يؤكد ما ذكرته أمرين اثنين :
الأول : أنه وقف عند جوابه عن إعلال الذهبي الحديث بنعيم بن حماد ، فرد
عليه بما عرفت وهاءه ، ثم أتبعه بقوله :
"وأيضاً ، فلم ينفرد نعيم بهذا الحديث ، بل قد تابعه عليه محمد بن ناصح ،
رواه عن بقية بن الوليد بنحوه . رواه ابن أبي الدنيا ، فبرئ نعيم من عهدته . والله
أعلم " .
وأقول : كلا ؛ لأن التبرئة لا تَحَقَّقُ إلا إذا ثبتت عدالة محمد بن ناصح هذا ؛
لاحتمال أن يكون مجهولاً ، أو يسرق الحديث أو غير ذلك من العلل القادحة ، وقد
ترجمه الخطيب في "تاريخ بغداد" (3/324) برواية محمد بن الليث (الأصل :
أبي الليث) الجوهري وابن أبي الدنيا ، قال : "وغيرهما" ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا
تعديلاً . والأمر الآخر : أننا لو سلمنا جدلاً بالتبرئة المذكورة ؛ فإنه يرد على الشيخ
مؤاخذتان هامتان :
الأولى : أن في الإسنادين علتين فوق نعيم بن حماد :
1 - بقية بن الوليد : فإنه مدلس وقد عنعنه من طريق نعيم كما رأيت ، ومن
طريق محمد بن ناصح كما سترى . ومن المعروف في علم المصطلح أن العنعنة من
المدلس علة تقدح في ثبوت الحديث ، وبخاصة إذا كان من مثل بقية الذي قال فيه
أبو مسهر :
(أحاديث بقية ليست نقية ؛ فكن منها على تقية ".
2 - يزيد بن عبد الله الجهني : الظاهرأنه من شيوخ بقية المجهولين ، فإنه لا
يعرف إلا بروايته عنه ، ولم أجد له ذكراً في شيء من كتب الرجال القديمة
الأصول ؛ مثل : "تاريخ البخاري" و "الجرح والتعديل" وغيرهما ، وإنما ذكره الذهبي
في "الميزان " ، وساق له برواية بقية عنه عن هاشم الأوقص عَنْ ابْنِ عُمَرَ مرفوعاً :
، من اشترى ثوباً بعشرة دراهم ، وفي ثمنه درهم حرام ... " الحديث ، وقد
سبق تخريجه برقم (844) ، وذكرت هناك أن بقية اضطرب في إسناده ؛ فراجعه .
والمقصود : أن الذهبي لم يذكر في ترجمة الجهني هذا غير هذا الحديث ،
وقال فيه : "لا يصح " . ووافقه العسقلاني .
قلت : فهو مجهول العين ؛ فلا أدري أعلم الشيخ التويجري بهاتين العلتين أم
تجاهلهما ؟! وسواء كان هذا أو ذاك : أفيجوز لمثله أن يتطاول على الحافظ الذهبي وأن
ينسبه إلى التحامل! وهو من هو في هذا العلم ونقد الرواة والمتون ؟!
ومما سبق تعلم أن تصحيح الحاكم لهذا الإسناد على شرط مسلم هو من
أفحش أخطائه الكثيرة في "مستدركه " ! والمؤاخذة الأخرى : أنه دلس على القراء : فأوهمهم بالمتابعة التي ادعاها أنها
متابعة تامة مطابقة لسياق نعيم بن حماد إسناداً ومتناً ، وليس كذلك ، وبيانه من
وجهين :
الأول : أن ابن أبي الدنيا قال : حدثنا محمد بن ناصح : حدثنا بقية بن
الوليد عن يزيد بن عبد الله الجهني : حدثني أبو العلاء عن أنس بن مالك : أنه
دخل على عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ورجل معه ، فقال لها الرجل : يا أم المؤمنين!
حدثينا عن الزلزلة ؛ فقالت :
إذا استباحوا الزنا ... إلخ .
هكذا ساقه ابن القيم رحمه الله في كتابه "إغاثة اللهفان من مصائد
الشيطان " (ص 264 - طبعة الحلبي) ، ومنه نقل الشيخ التويجري - فيما أظن - ،
ومن عادته أن لا يعزو إلى المصدر الذي نقل عنه ، وهذا من سيئات مؤلفاته ،
وبخاصة إذا كان المصدر مما لم يطبع بعد ؛ ككتاب ابن أبي الدنيا هذا ، وأظنه "ذم
الملاهي ، له ، وقد كنت استنسخته من نسخة مخطوطة الظاهرية ، ثم تبين أن فيها
خرماً في منتصفها ، فأهملته ، ثم لا أدري أين بقيت المنسوخة .
والمقصود أن محمد بن ناصح زاد في الإسناد : (أبو العلاء) بين الجهني
وأنس . فمن أبو العلاء هذا ؟ لا أدري ، ولا الشيخ نفسه يدري ! وقد ذكر الذهبي
في "المقتنى في سرد الكنى" (1/405 - 409) فيمن يكنى بأبي العلاء - جمعاً
كثيراً من الرواة ، ثلاثة منهم رووا عن أنس :
1 - يزيد بن درهم : عن أنس .
2 - صَبيح الهذلي : رأى أنساً ، لين . 3 - موسى القتبي : سمع أنساً .
1 - أما يزيد بن درهم : فهو مختلف فيه ؛ فوثقه الفلاس ، وقال ابن معين :
"ليس بشيء " . انظر "الميزان " و"اللسان " .
2 - وأما صَبيح الهذلي : فله ترجمة في "التاريخ الكبير" (2/2/325) - وهو
عمدة الذهبي في قوله : "رأى أنساً " ، وتمامه عنده : " ... ينبذ له في جرة" - ،
وذكره ابن حبان في "الثقات " (4/385) :
"يروي عن أنس بن مالك ، وعنه حماد بن سلمة وعبد العزيز بن المختار" .
3 - وأما موسى القُتَبي : فذكره البخاري وابن أبي حاتم برواية حماد بن سلمة
عنه ، ولا أستبعد أن يكون الذي قبله ، ويكون "صبيح " لقباً له . ولعل عدم ذكر
ابن حبالت له بترجمة مفردة يشعر بذلك . والله أعلم .
وجملة القول : أن أبا العلاء في سند ابن أبي الدنيا لا يعرف من هو من بين
هؤلاء الثلاثة . فإن كان أحدهم ؛ فليس فيهم من تطمئن النفس للثقة بعدالته
وحفظه .
هذا هو الوجه الأول مما يؤاخذ عليه الشيخ .
والوجه الآخر : - وهو الأهم - : أنه ليس في رواية ابن أبي الدنيا الفقرتان
الأوليان المتعلقتان بالمرأة تخلع ثيابها وتَطَيَّبُ لغير زوجها - وهما موضع الشاهد في
بحث الشيخ - ، فلو أن سند الرواية كان صحيحاً ؛ لم يجز للشيخ ولا لغيره - هدانا
الله وإياه - أن يوهم القراء ما تقدمت الإشارة إليه ، كما هو ظاهر . والله المستعان .
لكن مما يجب التنبيه عليه ، أن الشطر الأول من حديث عائشة المتعلق
بالمرأة تخلع ثيابها قد صح من طريق أخرى عنها ، ومن حديث أم الدرداء أيضاً ،
وهما مخرجان في كتابي "آداب الزفاف في السنة المطهرة" (ص 140 - 141/
الطبعة الجديدة - عمان) ، فاقتضى التنبيه ، وأن سوق حديث عائشة من رواية نعيم
ابن حماد ؛ إنما كان من أجل أن فيه الفقرة الثانية الشاهدة لحديث الترجمة ...
فاستلزم ذلك تحقيق الكلام فيه ، وبيان أنه لا يصبح شاهداً ؛ لوقفه ووهائه . والله
ولي التوفيق .
ثم إن الذي في نسخة "الأوسط " المصورة : "أم سليمة" ، وفي نسخة "مجمع
البحرين في زوائد المعجمين" المصورة من مكتبة الحرم المكي : "أمي سليمة" ، ولما
لم نجد لها ترجمة ؛ لم نتمكن من معرفة الراجح منهما . والله أعلم .
ومن الغريب أن الشيخ التويجري حين يحاول تقوية حديث عائشة بدفاعه
عن نعيم بن حماد لا يَشْعُرُ أنه يقيم الحجة به على نفسه لقول أنس عنها :
" فأعرضت بوجهها عنه " ؛ لأن الإعراض بالوجه في مثل هذه الحالة لا يتبادر
لذهن العربي إلا أن الوجه مكشوف! ولكني لا أستبعد على الشيخ أن يسلط عليه
معول التأويل حتى يخرجه عن دلالته الظاهرة ؛ كما فعل في غيره من النصوص
الصريحة الدلالة على خلاف رأيه!
__________
(1) كذا ، رفي رواية ابن أبي الدنيا الآتية : " معه " ... ولعلها الصواب .
6051 - (إن النساءَ سُفَهاءُ ؛ إلا التي أطاعتْ
زوجَها) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
منكر .
أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" من طريق عثمان بن أبي العاتكة
عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة ... مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ علي بن يزيد - وهو الألهاني - : قال الذهبي في
" الكاشف " :
"ضعفه جماعة ولم يترك " . وقال الحافظ في "التقريب " :
"ضعيف " . قال ابن كثير في "تفسيره " :
" ورواه ابن مردويه مُطَوَّلاً " .
قلت : وفي " الدر المنثور" آثار موقوفة بمعناه ، فلعل أصل الحديث موقوف ؛ وهم
بعض رواته الضعفاء فرفعه .
وهذا الحديث من الأحاديث الكثيرة الضعيفة التي أوردها الشيخان الحلبيان
في كتابيهما "مختصر تفسير ابن كثير"، وقد زعما في المقدمة أنهما لا يذكران
فيه إلا ما صح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! كما أورده الشيخ التويجري في "الصارم
المشهور" في عشرات الأحاديث الضعيفة ؛ ساكتاً عنها ، موهماً القراء الذين لا
علم عندهم أنها صحيحة!
6052 - (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي النساءُ والخمر ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
ضعيف .
أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (14/79) من طريق محمد بن
إسحاق السَّرَّاج عن موسى بن هلال النخعي : حدثنا أبو إسحاق عن هبيرة بن
يريم عن علي ... مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ وله علتان :
الأولى : أبو إسحاق - وهو السبيعي ؛ وهو مختلط - مدلس .
والأخرى : موسى بن هلال النخعي ؛ روى ابن أبي حاتم (4/1/166) عن
أبي زرعة أنه قال :
"ضعيف الحديث " .
وهذا الحديث مما فات السيوطي في "الجامع الكبير" و"الجامع الصغير" والزيادة
عليه ، والمناوي في "الجامع الأزهر"!
6053 - ( يَا عَكَّافُ ! هَلْ لَكَ مِنْ زَوْجَةٍ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : وَلَا جَارِيَةٍ ؟
قَالَ : وَلَا جَارِيَةَ ؟ . قَالَ : وَأَنْتَ مُوسِرٌ بِخَيْرٍ ؟ قَالَ : وَأَنَا مُوسِرٌ بِخَيْرٍ . قَالَ :
أَنْتَ إِذاً مِنْ إِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ ، وَلَوْ كُنْتَ فِي النَّصَارَى ؛ كُنْتَ مِنْ
رُهْبَانِهِمْ ، إِنَّ سُنَّتَنَا النِّكَاحُ ، شِرَارُكُمْ عُزَّابُكُمْ ، وَأَرَاذِلُ مَوْتَاكُمْ عُزَّابُكُمْ ،
أَبِالشَّيْطَانِ تَمَرَّسُونَ ؟!
مَا لِلشَّيْطَانِ مِنْ سِلَاحٍ أَبْلَغُ فِي الصَّالِحِينَ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا الْمُتَزَوِّجينَ ،
أُولَئِكَ الْمُطَهَّرُونَ الْمُبَرَّءُونَ مِنْ الْخَنَا .
وَيْحَكَ يَا عَكَّافُ ! إِنَّهُنَّ صَوَاحِبُ أَيُّوبَ وَدَاوُدَ وَيُوسُفَ وَصَوَاحِبُ
كُرْسُفَ . فَقَالَ لَهُ بِشْرُ بْنُ عَطِيَّةَ : وَمَنْ كُرْسُفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ! قَالَ :
رَجُلٌ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ بِسَاحِلٍ مِنْ سَوَاحِلِ الْبَحْرِ ثَلَاثَ مِائَةِ عَامٍ ،
يَصُومُ النَّهَارَ ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ ، ثُمَّ إِنَّهُ كَفَرَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ فِي سَبَبِ امْرَأَةٍ
عَشِقَهَا ، وَتَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ اسْتَدْرَكَهُ اللَّهُ
بِبَعْضِ مَا كَانَ مِنْهُ ؛ فَتَابَ عَلَيْهِ .
وَيْحَكَ يَا عَكَّافُ ! تَزَوَّجْ ، وَإِلَّا فَأَنْتَ مِنْ الْمُذَبْذَبِينَ .
قَالَ : زَوِّجْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ قَدْ زَوَّجْتُكَ كَرِيمَةَ بِنْتَ كُلْثُومٍ
الْحِمْيَرِيِّ ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
منكر .
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف " (6/ 171) ، وعنه أحمد في "المسند" .
(5/163 - 164) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/118/999) .
قال عبد الرزاق : ثنا محمد بن راشد عن مكحول عن رجل عن أبي ذر قال :
دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَكَّافُ بْنُ بِشْرٍ التَّمِيمِيُّ ، فَقَالَ لَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره . وقال ابن الجوزي :
"لا يصح ؛ فيه رجل لم يسم ، ولا يعرف في الصحابة من اسمه بسر بن
عطية ولا عطية بن بسر" .
كذا قال ؛ ورجح الحافظ أنه عطية بن بسر ، وأنه صحابي ، فقيل : المازني ،
وقيل : الهلالي ، ثم قيل : إنهما واحد ، وقيل : إنهما اثنان ، والمازني : قال ابن
حبان في الثقات " (3/307) :
"له صحبة" .
وليس لهذا علاقة بهذا الحديث ، وإنما للآخر - كما يأتي في بعض الطرق - ،
وقد ذكره في "ثقات التابعين " (5/ 261) ؛ فقال :
"عطية بن بسر ، شيخ من أهل الشام ، حديثه عند أهلها ، روى عنه مكحول
في التزويج ... متن منكر ، وإسناد مقلوب " .
وأقره الحافظ في "التعجيل " .
ومن طرق الحديث ما رواه بقية بن الوليد عن معاوية بن يحيى عن سليمان
ابن موسى عن مكحول عن غَضيف بن الحارث عن عطية بن بسر المازني قال :
جاء عكاف بن وداعة الهلالي إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"يا عكاف! ... " الحديث بتمامه .
أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (12/260/6856) . وعنه ابن حبان في
"الضعفاء" (3/3 - 4) في ترجمة معاوية بن يحيى هذا ، وهو الصدفي ، وقال
فيه :
"منكر الحديث جدّاً" . وقال الهيثمي (4/ 251) :
"وهو ضعيف " .
ومن طريقه أخرجه بَحْشَل أيضاً في "تاريخ واسط " (ص 213) ، وعلقه ابن
الجوزي في " العلل " وقال (2/ 120) :
"قال يحيى بن معين : ليس بشيء" .
وبقية بن الوليد مدلس ؛ وقد عنعنه .
وغضيف بن الحارث مختلف في صحبته ، وقد أسقطه الوليد بن مسلم ، فقال :
عن معاوية بن يحيى عن سليمان بن موسى عن مكحول عن عطية بن بسر ... به .
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (3/356) من طريق داود بن رشيد عنه .
والوليد بن مسلم معروف بأنه كان يدلس تدليس التسوية ؛ لكن تابعه برد بن
سنان عن مكحول عن عطية بن بسر الهلالي عن عكاف بن وداعة الهلالي : أنه
أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : ... الحديث .
أخرجه العقيلي أيضاً - ومن طريقه ابن الجوزي ، وقال العقيلي - في ترجمة
عطية ابن بسر :
"لا يتابع عليه ، قال البخاري : عطية بن بسر عن عكاف بن وداعة ، لم يقم
حديثه " .
وبعد ؛ فمن الملاحظ أن هذه الطرق على ما فيها من الاضطراب في أسانيدها
ومتنها ، فإن مدارها كلها على مكحول . وهو موصوف بالتدليس ، فيمكن أن يكون
إسقاط غضيف منه . وقد ذكر الحافظ في "الإصابة " أكثر هذه الطرق . ثم قال :
"والطرق المذكورة كلها لا تخلو من ضعف واضطراب " (1) .
__________
(1) وقد سبق الحديث في "المجلد السادس" رقم (2511) . وهو مطبوع بحمد الله . (الناشر) .
6054 - (إِنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا أُنْزِلَ إِلَى الأَرْضِ، قَالَ: يَا رَبِّ ! أَنْزَلْتَنِي إِلَى
الأَرْضِ وَجَعَلْتَنِي رَجِيماً - أَوْ كَمَا ذَكَرَ - فَاجْعَلْ لِي بَيْتاً ؟ قَالَ: الْحَمَّامُ .
قَالَ: فَاجْعَلْ لِي مَجْلِساً ؟ قَالَ: الأَسْوَاقُ وَمَجَامِعُ الطُّرُقِ . قَالَ: اجْعَلْ
لِي طَعَاماً؟ قَالَ: مَا لا يُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ . قَالَ: اجْعَلْ لِي شَرَاباً ؟ قَالَ:
كُلُّ مُسْكِرٍ . قَالَ: اجْعَلْ لِي مُؤَذِّناً ؟ قَالَ: الْمَزَامِيرُ . قَالَ: اجْعَلْ لِي قُرْآناً؟
قَالَ: الشِّعْرُ . قَالَ: اجْعَلْ لِي كِتَاباً؟ قَالَ: الْوَشْمُ . قَالَ: اجْعَلْ لِي
حَدِيثاً ؟ قَالَ: الْكَذِبُ . قَالَ: اجْعَلْ لِي مَصَايِدَ ؟ قَالَ: النساءُ ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
منكر جداً .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/245/7837) عَنْ
عُبَيْدِاللَّهِ بن زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بن يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ... فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جدّاً ؛ آفته علي بن يزيد الألهاني ، قال البخاري :
"منكر الحديث " . وكذا قال ابن حبان ، وزاد :
"جدّاً" . وكذلك قال في عبيد الله بن زَحْر ، وزاد :
" يروي الموضوعات عن الأثبات ، وإذا روى عن علي بن يزيد ؛ أتى بالطامات " .
والحديث رواه ابن جرير أيضاً وابن مردويه - كما في "الجامع الكبير" للسيوطي - .
وقال العراقي في "تخريج الإحياء" (3/34) :
"أخرجه الطبراني في "الكبير" . وإسناده ضعيف جدّاً . ورواه بنحوه من
حديث ابن عباس بإسناد ضعيف أيضاً" .
كذا قال . ولم أعرف حديث ابن عباس الذي أشار إليه . ولعله يعني طرفاً منه
أو نحوه .
ثم عرفته ؛ فاقتضى الأمر تخريجه والكشف عن حاله :
6055 - (قَالَ إِبْلِيسُ لِرَبِّهِ: يَا رَبِّ ! قَدْ أُهْبِطَ آدَمُ ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ
سَيَكُونُ كِتَابٌ وَرُسُلٌ ؛ فَمَا كِتَابُهُمْ وَرُسُلُهُمْ؟ قَالَ: قَالَ رُسُلُهُمْ الْمَلائِكَةُ ،
وَالنَّبِيُّونَ مِنْهُمْ ، وَكُتُبُهُمْ التَّوْرَاةُ وَالزَّبُورُ وَالإِنجيلُ وَالْفُرْقَانُ . قَالَ: فَمَا
كِتَابِي؟ قَالَ: كِتَابُكَ الْوَشْمُ ، وَقُرآنُكَ الشِّعْرُ، وَرُسُلُكَ الْكَهَنَةُ ،
وَطعامُكَ مَا لا يُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَشَرابُكَ كُلُّ مُسْكِرٍ ، وَحَدِيْثُكَ
(الأصلُ : وَصِدْقُكُ) الْكَذِبُ ، وَبيتُكَ الْحَمَّامُ ، وَمصائدُكَ النِّسَاءُ ،
وَمُؤَذِّنُكَ الْمِزْمارُ ، وَمَسْجِدُكَ الأَسْوَاقُ ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
منكر
. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/903/11181) ، وعنه أبو
نعيم في "الحلية" (3/278- 279) - ومنه صححت الأصل - : حَدَّثَنَا يَحْيَى بن
عُثْمَانَ بن صَالِحٍ : ثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ : حَدَّثَنِي يَحْيَى بن صَالِحٍ الأَيْلِيُّ عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بن أُمَيَّةَ عَنْ عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره . وقال أبو نعيم :
"حديث غريب ؛ تفرد به يحيى بن صالح الأيلي " .
قلت : وبه أعله الهيثمي فقال (1/114) :
"ضعفه العقيلي " .
قلت : وكذا ابن عدي ؛ فإنه ساق له في "الكامل " حديثين آخرين ، ثم قال
(7/ 2700) :
"وله غير ما ذكرت ، وكلها غير محفوظة" . ونص كلام العقيلي (4/409) :
"أحاديثه مناكير ، أخشى أن تكون منقلبة ، هو بعمر بن قيس أشبه " .
قلت : وهو الملقب بـ "سَنْدَل " ، وهو متروك .
.
6057 - (إياكم ومحادَثَةَ النساءِ ؛ فإنه لا يخلو رجلٌُ بامرأةٍ ليس
لها مَحْرَمٌ إلا همَّ بها ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
ضعيف .
أخرجه الحكيم الترمذي في "كتاب أسرار الحج " من طريق المقبُري
عن ابن أَنْعَمَ عن سعد بن مسعود قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره .
أورده الحافظ ابن حجر في ترجمة سعد بن مسعود الكندي من "الإصابة"
وقال :
"وابن أنعم ضعيف ".
قلت : واسمه : عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي .
وسعد بن مسعود هذا مختلف في صحبته ؛ فقال الحافظ :
"قال البغوي : له صحبة . وقال ابن منده : ذكر في الصحابة ، ولا يصح له
صحبة . وذكره البخاري في الصحابة ، وأما ابن أبي حاتم فذكره في (التابعين) " .
ثم ذكر ما يدل على تأخره ؛ وهو ما رواه ابن أبي حاتم عن أبيه : نا أبو شريك
يحيى بن يزيد المرادي : نا ضِمام بن إسماعيل قال :
كان عمر بن عبد العزيز بعث سعداً يفقِّههم ويعلمهم دينهم .
وهذا إسناد جيد ؛ ضمام هذا صدوق ، مصري مترجَم في "التهذيب " .
ويحيى بن يزيد : قال أبو حاتم "
"شيخ " . وذكره ابن حبان في "الثقات " (9/262) .
ولما ترجمه البخاري في "التاريخ الكبير" (2/2/64) ؛ لم يذكر ما يدل على
صحبته ، بل لم يزد على قوله : "سمع عبد الرحمن بن حيويل " . وكذلك فعل ابن
أبي حاتم .
وذكره ابن حبان في "ثقات التابعين " (4/297) بروايته عن عبد الله بن عمرو .
وعبد الرحمن بن حيويل ليس صحابياً ، بل ولا تابعياً ؛ فقد ذكره ابن حبان
في (أتباع التابعين) (7/72) وقال :
"روى عنه سعد بن مسعود" .
وكذا قال البخاري في ترجمة عبد الرحمن هذا من "التاريخ " (3/1/273) ؛
فأنى لمثله الصحبة ؟!
ثم وجدت ما ينفي عنه الصحبة : فقد ترجمه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"
(7/196) ، وذكر أنه توفي في خلافة هشام بن عبد الملك .
ومعنى هذا أنه مات بعد سنة خمس ومائة ؛ لأن هشام بن عبد الملك توفي
سنة (125) ، وكانت خلافته عشرين سنة - كما في "شذرات الذهب " لابن
العماد - .
والخلاصة أن سعد بن مسعود ليس صحابياً ؛ فالحديث مرسل ، مع ضعف
السند إليه . والله أعلم .
6058 - (كَانَ فِيمَا أَخَذَ [ لمَّا بايع النساءَ ]: أَلا تُحَدِّثْنَ الرِّجَالَ ، إِلا
أَنْ تَكُونَ ذَاتَ مَحْرَمٍ ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ لا يَزَالُ يُحَدِّثَ الْمَرْأَةَ حَتَّى يُمْذِيَ
بَيْنَ فَخْذَيْهِ ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
منكر .
أخرجه ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن مبارك عن الحسن قال : ...
فذكره .
قلت : والحسن هو البصري ؛ فهو مرسل .
ومبارك - هو : ابن فضالة ، وهو - صدوق يدلس ويسوي - كما في "التقريب " - ؛
فهو مع إرساله ضعيف .
لكن قد تابعه أبو الأشهب مختصراً ؛ فقال ابن سعد في "الطبقات " (8/10) :
أخبرنا وكيع بن الجراح عنه ، ومبارك عن الحسن : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بايع النساء ؛ أخذ عليهن أن لا يحدثن من الرجال إلا مَحْرماً .
وأبو الأشهب اسمه : جعفر بن حيان البصري ، وهو ثقة من رجال الشيخين ؛
فالعلة الإرسال من الحسن .
وقد تابعه قتادة مختصراً أيضاً ؛ قال :
ذكر لنا أن نبي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ عليهن يومئذٍ النياحة ، ولا تحدّثن الرجال ؛
إلا رجلاً محرماً منكن .
أخرجه ابن جرير في "التفسير" (28/51 - 52 و 52) من طريقين عنه ؛ فهو
صحيح مرسل . ورواه عبد الرزاق (3/560/6691) من أحدهما .
وقد روي موصولاً من طريق عبد المنعم أبي سعيد الحراني الأسواري عن
الصلت بن دينار عن أبي عثمان النهدي عن امرأة منهم - يقال لها : أم عفيف -
قالت :
بايعنا رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين بايع النساء - ؛ فأخذ عليهن أن لا تحدثن الرجل
إلا محرماً .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (25/168/410) ، وقال الهيثمي في
"المجمع " (3/32) :
"وفيه عبدالمنعم أبو سعيد ؛ وهو ضعيف " .
قلت : بل هو متروك ؛ كما في "التقريب " ، واقتصاره على إعلاله به فقط يوهم
أنه ليس فوقه من يُعَلُّ به أيضاً ! وليس كذلك ؛ فإن الصلت بن دينار متروك أيضاً .
وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 211) - وسكت عنه! - لابن مردويه .
ثم عزاه إليه وإلى ابن المنذر من حديث أم عطية ، وسكت عنه أيضاً! وفيه
تلك الزيادة المنكرة بلفظ :
"فإن الرجل قد يلاطف المرأة فيُمذي في فخذيه " .
وهذا الحديث عن الحسن مما شان به الشيخ الحلبي الصابوني "مختصر تفسير
ابن كثير" ؛ فأورده فيه (3/489) موهماً القرّاء صحته - بما صرح به في مقدمته أنه
لا يورد فيه إلا ما صح من الحديث - ، وهيهات هيهات ؛ فالرجل ليس من أهل
الحديث ، ولا شم رائحته ، فكم من أحاديث غير صحيحة قد وقع له فيه ، وكساها
ثوب الصحة ! وقد سبق التنبيه على الكثير منها .
وكذلك أخطأ الشيخ حمود التويجري بإيراده إياه في كتابه "الصارم المشهور"
(ص 113) ساكتاً عنه . ولعله غره ما عزاه (ص 112) للإمام أحمد في "مسنده "
بإسناد جيد عن أم عطية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت :
كنت فيمن بايع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فكان فيما أخذ علينا : أن لا ننوح ، ولا نحدث
من الرجال إلا محرماً .
فأقول : أخرجه أحمد (5/85) : ثنا غسان بن الربيع : ثنا أبو زيد ثابت بن
يزيد عن هشام عن حفصة عن أم عطية ... به .
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين ؛ غير غسان بن الربيع : قال الذهبي
في " الميزان " :
"كان صالحاً ورعاً . ليس بحجة في الحديث ، قال الدارقطني : ضعيف . وقال
مرة : صالح " . وأقره الحافظ في "اللسان" . إلا أنه زاد عليه فقال :
"وذكره ابن حبان في "الثقات " ، وقال : كان نبيلاً فاضلاً ورعاً ، وأخرج
حديثه في "صحيحه " عن أبي يعلى عنه " .
كذا وقع فيه! وهو في "ثقات ابن حبان " (9/2) ، وليس فيه قوله : "كان
نبيلاً فاضلاً ورعاً" ... وهذه الجملة قالها الخطيب البغدادي في ترجمة غسان هذا
من "تاريخ بغداد" ؛ فكأن في "اللسان" سقطاً من الطابع أو الناسخ . والله أعلم .
وأفاد الخطيب أنه توفي سنة (226) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ،
وكذلك فعل ابن أبي حاتم (3/2/52) .
وليس يخفى على المتقنين لهذا العلم أن الجرح مقدم على التعديل ، وبخاصة
إذا كان المعدِّل معروفاً بالتساهل - كما هنا - ، أعني : ابن حبان . ويبدو لي أن
تضعيف الدارقطني ومن تبعه إنما هو لسوء حفظ غسان ؛ وهذا الحديث مما يدل على
ذلك لتفرده بقوله في هذا الحديث : "ولا نحدث ... " إلخ ، دون كل الثقات الذين
رووه عن هشام وغيره عن حفصة وغيرها ، وهاك البيان :
1 - أسباط - وهو : ابن محمد القرشي مولاهم - : عند مسلم (3/46) ، وزائدة :
في "كبير الطبراني " (25/59/134) ، ومحمد بن جعفر ويزيد بن هارون : عند
أحمد (5/84 و 6/408) كلهم عن هشام .
2 - وتابع هشاماً عاصمٌ الأحول : عند مسلم أيضاً وابن أبي شيبة في "المصنف "
(3/ 389) ، وأ حمد (5/ 85 و 6/407 و408) ، والطبراني (25/59/135) .
3 - وتابعه أيضاً أيوب السختياني . رواه البخاري (4892 و7215) ، ومسلم
أيضاً وابن سعد (8/8) ، والطبراني (25/58/133) .
4 - وتابع حفصة أخوها محمد بن سيرين : عند البخاري (1306) ، وأحمد
(6/408) .
قلت : كل هؤلاء الثقات لم يذكروا فِي حَدِيثِ عطية هذا جملة التحديث ،
فكانت منكرة لتفرد غسان بها وضعفه . ولولا ذلك لكان الوجه أن يحكم بشذوذها
لتفرد ثابت بن يزيد بها ؛ لأنه هو المخالف مباشرة لمن تقدم ذكرهم من الثقات الذين
رووه عن هشام ؛ ولكن لما كان هو ثقة ثبتاً - كما في "التقريب " - ، وكان الراوي عنه
ضعيفاً ؛ كان لا بد من تعصيب العلة به .
ومما سبق يتبين خطأ تجويد الشيخ التويجري لإسناده ، وإن كان ذلك ليس من
اجتهاده - فيما أعتقد - ؛ لأنه ليس من رجال هذا العلم الشريف ، ولذلك فكان
عليه أن يعزوه إلى قائله ، أداءً للأمانة العلمية أولاً ، وللابتعاد عن التشبع بما لم
يعط ثانياً . وهذا مما يقع فيه أكثر المؤلفين في العصر الحاضر ، وبخاصة منهم بعض
الشباب المغرم بأن يحشر اسمه في زمرة المؤلفين ، وهذا داء عضال من أدواء هذا
الزمان . والله المستعان .
وقد وقفت على حديث آخر لغسان بن الربيع هذا أخطأ في إسناده على
حماد بن سلمة ، وخالف فيه الثقات الذين رووه عنه بإسناد آخر ؛ وبيان ذلك في
"صحيح أبي داود" تحت الحديث (443) .
6059 - (إيَّاك والقَواريرَ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
منكر .
أخرجه الحاكم (3/291) : أخبرني أبو معن محمد بن عيسى العطار
- بمرو - : ثنا عبدان بن محمد الحافظ : ثنا إسحاق بن منصور : ثنا عبد الرحمن بن
معن : أنبأ محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أنس قال . : يسمعت أنس بن مالك
يقول :
كان البراء بن مالك رجلاً حسن الصوت ، فكان يرجز لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
بعض أسفاره ، فبينما هو يرجز إذ قارب النساء ، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ...
فذكره . قال : فأمسك . قال محمد : كره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تسمع النساء صوته .
وقال الحاكم :
"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!
قلت : وهذا من تساهلهما ؛ فإن ابن إسحاق - مع صدقه - مشهور بالتدليس ،
وأنه لا يحتج به إلا بما قال فيه : "حدثنا" ، كما قال العلائي في "جامع التحصيل "
(ص 221) ، وقال في مكان آخر (ص 125) :
" أكثر من التدليس ، وخصوصاً عن الضعفاء" .
يضاف إلى ذلك أن في حفظه بعض الضعف ، وقد أطال الذهبي ترجمته في
"الميزان " ، وذكر عن الإمام أحمد أنه قال :
"هو كثير التدليس جدّاً . قيل له : فإذا قال : "أخبرني " و"حدثني " فهو ثقة ؟
قال : هو يقول : "أخبرني " ويخالف " . وكذلك ختم الذهبي ترجمته بقوله :
" فالذي يظهر لي أن ابن إسحاق حسن الحديث ، صالح الحال صدوق ، وما
انفرد به ففيه نكارة ؛ فإن في حفظه شيئاً" . وقال الحافظ في "التقريب " :
"صدوق يدلس " .
وخلاصة ترجمته أنه حسن الحديث إذا صرح بالتحديث ، ولم يخالف ، وكل
من الشرطين هنا غير متوفر .
أما الأول : فلأنه قد عنعن كما ترى ، وأما الآخر : فلأنه خالف في سنده
ومتنه .
أما السند : فقوله : "عن عبد الله بن أنس " ... فهذا خطأ من ناحيتين :
الأولى : أنه لا يعرف لأنس ابن اسمه عبد الله يروي عنه ، وإنما هو حفيده
عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري .
والأخرى : الانقطاع ؛ فإن ابن المثنى هذا إنما يروي عن أنس بالواسطة ، ويؤيده
أن أبا نعيم أخرج الحديث في "الحلية" (1/ 350) من طريق أخرى عن محمد بن
إسحاق عن عبد الله - يعني : ابن المثنى - عن ثمامة عن أنس ... فذكر الحديث ؛
دون قول ابن إسحاق في آخره : كره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ، وكرر : "إياك والقوارير"
مرتين .
وفيه شيخ أبي نعيم علي بن هارون ، وقد ترجمه الخطيب في "التاريخ "
(12/120) بقوله :
"كان أمره في ابتداء ما حدث جميلاً ، ثم حدث مثه تخليط " .
ولم يذكر في "الميزان " ولا في "اللسان " .
وأما المتن : فقد رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك :
أن البراء بن مالك كان يحدو بالرجال ، وأَنْجَشَةَ يحدو بالنساء ، وكان حسن
الصوت ، فحدا ؛ فأعنقت الإبل ؛ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"يا أنجشة ! رويداً سوقك بالقوارير" .
أخرجه الطيالسي (2048) ، وأحمد (3/254 و 285) ، وإسناده صحيح على
شرط مسلم .
فهذا هو أصل الحديث ، والقصة لأنجشة - وهو المذكور بأنه حسن الصوت - ،
فانقلب ذلك على ابن إسحاق أو شيخه الذي دلسه ولم يذكره ، وجعله للبراء بن
مالك .
وقد تابعه حماد بن زيد عن ثابت ؛ إلا أنه لم يذكر فيه طرفه المتعلق بالبراء .
أخرجه البخاري (6209) وفي "الأدب المفرد" (883) ، ومسلم (7/78) ،
والنسائي في "عمل اليوم والليلة " (528) ، وابن حبان (5773) ، والبيهقي
(10/199/ - 200 و227) ، والبغوي في "شرح السنة" (13/156 - 157) ، وأحمد
(3/172 و 202 و227) .
وتابع ثابتاً أبو قلابة عن أنس "
أخرجه الشيخان والنسائي (525) ، وابن حبان أيضاً وأحمد (3/187 و227) ،
وأبو يعلى (2809 و 2810) ، والرامهرمزي في "الأمثال " (ص 127) .
وتابعه قتادة عنه :
أخرجه البخاري (6211) ، ومسلم أيضاً والنسائي (526) ، وابن حبان (5771) ،
والبيهقي (10/227) ، والبغوي (13/156) ، وأحمد (3/252) ، وأبو يعلى (2868) ،
وعنه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (507) .
وتابعه سليمان التيمي عنه :
أخرجه مسلم والنسائي (529) ، وابن حبان (5770 و 5772) ، وابن سعد
(8/430) ، وأحمد (3/111 و117 و176، و 6/376) ، والحميدي (1209) ،
والرامهرمزي أيضاً وأبو نعيم في "أخبار أصبهان " (1/143) ، والخطيب في "التاريخ "
(12/208) .
وحميد عنه :
أخرجه أحمد (3/107) .
قلت : وإسناده صحيح ثلاثي ؛ إن كان حميد سمعه من أنس .
وزرارة بن أبي الحلال العتكي قال : سمعت أنس بن مالك ...
أخرجه أحمد (3/206) .
قلت : وإسناده صحيح ثلاثي أيضاً ، وزرارة هذا هو ابن ربيعة ، له ترجمة في
"التعجيل " ، وذكر أنه وثقه ابن حبان وابن خَلْفون والعجلي . وابن حبان أورده في
"أتباع التابعين " (6/343) ، قال الحافظ :
"وكأنه لم يقف على روايته عن أنس " . يعني : هذه .
وللحديث شاهد من رواية ابن عباس :
أخرجه الدارمي (2/295) ، وفي إسناده من لم أعرفه ، وأخشى أن يكون فيه
تحريف أو سقط .
والخلاصة : أن هذه الطرق الصحيحة عن أنس ؛ تدل دلالة قاطعة على خطأ
حديث ابن إسحاق هذا عن أنس ، وأن القصة لأنجشة ... لا البراء ، وأن لفظه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إنما هو :
"رويدك ؛ سوقك بالقوارير " ونحوه ، وليس بلفظ :
"إياك والقوارير" ... كما رواه ابن إسحاق ؛ فهو لفظ منكر ، وعليه : فقول ابن
إسحاق في آخر الحديث :
"كره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تسمع النساء صوته " !
مما لاقيمة له ، لأنه تفسير لما لم يثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وبذلك تعلم ضعف الاستدلال بهذا الحديث على ترجيح قول من قال في
تفسير قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "رويدك ؛ سوقك بالقوارير" : أنه خشي على النساء الفتنة ،
فأَمَرَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالكف عن الحداء ؛ كما فعل الشيخ التويجري في "الصارم المشهور"
(ص 115 - 116) ، وقلده أخونا محمد زينو في "كيف نربي أولادنا" (ص 23)
فصححه!
بل الصواب القول الآخر ؛ وهو ما جاء في "شرح السنة" :
" المراد بالقوارير : النساء ؛ شبههن بالقوارير لضعف عزائمهن ، والقوارير يسرع
إليها الكسر ، وكان أَنْجَشَةُ غلاماً أسود ، وفي سوقه عنف ، فأمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرفق بهن
في السوق ؛ كما يرفق بالدابة التي عليها قوارير" .
قلت : وهذا هو الذي رجحه الشيخ العلامة علي القاري ؛ فقال في "المرقاة"
(4/619) :
"وهذا المعنى أظهر - كما لا يخفى - ؛ فإنه ناشئ عن الرحمة والشفقة ، وذاك
عن سوء ظن لايليق بمنصب النبوة" .
فأقول : هذا هو الحق الذي لا يمكن القول بغيره إذا ما جمعت طرق الحديث
وألفاظه ، وزياداته ، وأمعن النظر في معانيها :
أولاً : قوله : " رويدك " ... معناه : أمْهِل وتَأَنَّ - كما في " النهاية " وغيره - ، وقال
الرامهرمزي :
"يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اجعل سيرك على مهل ؛ فإنك تسير بالقوارير ... فكنى عن ذكر
النساء بالقوارير ... " . وقال عياض : " أي : سُق سوقاً رويداً " (1) .
قلت : والذين ذهبوا إلى القول الأول فسروه بالكف عن الحداء - كما تقدم - ،
ومثله في "النهاية" وغيره ، وهذا خَلف كما لا يخفى! وهو يلتقي مع حديث
الترجمة الذي جاء في آخره : "فأمسك " . وهذا مثال من عشرات بل مئات الأمثلة
في الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة كما هو مصرح في عنوان هذه "السلسلة" ، ومع ذلك فكثير من أهل العلم في غفلتهم ساهون عن آثارها!
ثانياً : قوله في رواية النسائي وأحمد فِي حَدِيثِ شعبة عن ثابت :
"ارفق بالقوارير" . وجمع الأنصاري في "جزئه " بين اللفظين ؛ فقال :
"رويدك ارفق " - ذكره في "الفتح " (10/544) - .
فأقول : صريح في أنه ليس المراد بهذا الأمر الإمساك عن الحداء مطلقاً ، وإنما
تلطيفه وتخفيفه " لكي لا تسرع الإبل في سيرها ، وإلا ؛ كانت النساء مُعَرَّضَاتٍ
للتألم ، وربما للسقوط من الإبل بسبب كثرة الحركة والاضطراب الناشئ عن
السرعة ؛ من باب إطلاق السبب وإرادة المسبب . ويزيده وضوحاً :
ثالثاً : قوله في رواية حماد بن سلمة :
"فحدا ؛ فأعنقت الإبل ... " .
أي : أسرعت ؛ وَزْناً ومعنى - كما قال الحافظ في "الفتح " - .
فهذا يوضح ما ذكرته آنفاً أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد بذلك الأمر سلامة النساء من الأذى
في أبدانهن ، وليس السلامة من الفتنة ، وإلا ، لم يكن لذكر إسراع الإبل معنى
يذكر .
رابعاً : فِي حَدِيثِ حميد عن أناس :
كان رجل يسوق بأمهات المؤمنين يقال له : (أنجشة) ، فاشتد في السياقة . زاد
شعبة عن ثابت : فكان نساؤه يتقدمن بين يديه .
فهذا يعني : أنه كان من نتيجة السرعة أن تقدمت نساؤه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يديه ،
وذلك مما يؤلمهن ولا تتحمله أجسامهن ؛ فأمر (أنجشة) بالرفق بهن ، وعدم الإسراع
بإبلهن ، وليس خوفاً عليهن من الافتتان بحسن صوته ! ويؤكد هذا : خامساً وأخيراً : زيادة شعبة عند أحمد بلفظ :
! ... يحدو بنسائه ، فضحك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فإذا هو قد تنحى بهن " .
فأقول : فضحكه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رأى إسراع الإبل بالنساء أكبر دليل على إبطال
حَشْر الخوف من الافتتان بحسن صوت أنجشة ، وعلى نسائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة ، وأنه كان
لظاهرة إسراع الإبل بالنساء حتى تقدَّمْنَ الرجال . وتصوُّرُ هذا وحده كافٍ لإبطال
القول الأول وتصحيح القول الآخر ؛ فكيف إذا انضم إليه ما قبله من الأدلة ؟ ورحم
الله الشيخ عليّاً القاري فإنه لخص الموضوع بأوجز عبارة حين علل تأييد هذا القول
الصحيح بقوله - لا فُضَّ فُوهُ - :
"فإنه ناشئ عن الرحمة والشفقة ، وذاك عن سوء ظن لا يليق بمقام النبوة" .
__________
(1) ذكره الحافظ في جملة أقوال أخرى للعلماء ، ولا تخرج عن هذا المعنى ، فانظر "فتح
الباري ، (10/ 544) .
6106 - ( مَا وُجِدَ مِنْ نَاقِصِ الدِّينِ وَالْرَأْي أَغْلَبَ لِلرِّجَالِ ذَوِي الأَمْرِ
عَلَى أَمْرِهِمْ مِنَ النِّسَاءِ ، قَالُوا : وَمَا نقْصُ دِينِهِنَّ ورأيِهِنَّ ؟ ، قَالَ : أمَّا
نقْصُ رأيِهِنَّ : فَجُعِلَتْ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ ، وأمَّا نقْصُ دِينِهِنَّ :
فإن إحداهن تَقْعُدُ ما شاء الُله من يومٍ وليلةٍ لا تسجُدُ للهِ سجدةً ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
منكر بهذا اللفظ .
أخرجه الحاكم (2/ 190) فقال : ... وأخبرنا عبد الله بن
محمد بن موسى العدل - واللفظ له - : ثنا محمد بن أيوب : أنبأ يحيى بن
المغيرة السعدي : ثنا جرير عن منصور عن ذر عن وائل بن مُهانة السعدي عن
عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ... فذكره ، وقبله
مقطع أخر بلفظ :
"يا معشر النساء! تصدقن ولو من حليكن ؛ فإنكن أكثر أهل جهنم " . فقالت
امرأة ليست من عِلْيَة النساء : وبم يا رسول الله! نحن أكثر أهل جهنم ؛ قال : "إنكن
تكثرن اللعن وتكفرن العشير" . وقال الحاكم :
"هذا حديث صحيح الإسناد" ! ووافقه الذهبي!
واغتر بذلك الشيخ التويجري في "صارمه " فَنَبا عن صوابه (ص 75 - 76) ؛
لأن وائل بن مهانة هذا : قال الذهبي نفسه في "الميزان " :
"لا يعرف ، له حديث واحد" . يعني : هذا . وقال الحافظ :
"مقبول " . يعني : عند المتابعة ، وإلا ؛ فلين الحديث .
قلت : ولم يتابع - كما يأتي - ، ولا ينفع فيه أن ابن حبان ذكره في "ثقاته "
(5/495) ؛ لأن ذلك من تساهله المعروف! وقد أشار إلى ذلك الذهبي بقوله في
" الكاشف " :
" وُثِّق " .
وفي الإسناد علة أخرى ؛ وهي تنحصر في : شيخ الحاكم ؛ فإني لم أعرفه ،
أو : محمد بن أيوب ؛ فلم أعرفه أيضاً . وبهذا الاسم والنسبة جمع فيهم الثقة
والضعيف ، ولا أدري إذا كان هذا أحدهم .
ثم إنه قد خولف ؛ فقد أخرجه النسائي في (العشرة) من "السنن الكبرى"
(5/398/9257) ، وأحمد (1/423) ومن طريقه الحاكم من حديث سفيان
الثوري عن منصور ... به ؛ بالمقطع الأول فقط دون حديث الترجمة . وقول أحمد
بمنصور الأعمش ، وأعاده (1/425) برواية أخرى عن الأعمش وحده .
وتابعهما الحكم قال : سمعت ذراً ... به ؛ دون حديث الترجمة .
أخرجه النسائي وأحمد (1/433) .
والمقطع الأول صحيح ؛ له شاهد من حديث ابن عمر عند مسلم وغيره ، وهو
مخرج في "الإرواء" (1/205) تحت الحديث (190) ، وتمامه حديث الترجمة لكن
بلفظ : "وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن " . قالت : يا رسول
الله! وما نقصان العقل والدين ... الحديث نحوه ، إلا أنه قال في آخره :
"وتمكث الليالي ما تصلي ، وتفطر في رمضان ؛ فهذا نقصان الدين " .
فهذا هو المحفوظ ، فقوله فِي حَدِيثِ الترجمة : "لا تسجد لله سجدة" ... منكر
مخالف للحديث الصحيح من جهتين :
الأولى : أنه لم يذكر الصيام .
والأخرى : أنه ذكر السجدة مكان الصلاة ؛ فقد يأخذ منه بعض لا علم
عنده بالسنة وفقهها أن المرأة الحائض أو النفساء ليس لها أن تسجد سجدةً ما
- كسجدة الشكر والتلاوة - ، وهذا مما لا دليل عليه ، وإن كان يمكن تأويل السجدة
بالصلاة - من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل - ، لكن التأويل فرع التصحيح ، وإذا
لم يصح الحديث بهذا اللفظ ؛ فلا مسوغ للتأويل . فتنبه!
ثم رأيت الحديث قد أخرجه ابن حبان (818 و 1294 - موارد) من طريق
الحكم قال : سمعت ذراً ... به ، إلا أنه قال :
"لا تصلي فيه صلاة واحدة" .
وهذا هو الصحيح الثابت في الأحاديث الصحيحة ، ولكنه أوقفه على ابن مسعود
أيضاً!
6145 - ( نعم يا عباس ! إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة ؛ فهي
لك ولولدك ، منهم السفاح ، ومنهم المنصور ، ومنهم المهدي ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
باطل .
أخرجه الخطيب في "التاريخ " (1/63) من طريق جماعة من الثقات
قالوا : أنبأنا أحمد بن راشد الهلالي قال : نبأنا سعيد بن خُثيم عن حنظلة عن
طاوس عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال : حدثتني أم الفضل بنت الحارث الهلالية قالت :
مررت بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في الحجر ، فقال :
"يا أم الفضل! إنك حامل بغلام " . قالت : يا رسول الله! وكيف وقد تحالف
الفريقان أن لا يأتوا النساء ؟ قال :
"هو ما أقول لكِ ، فإذا وضعتيه ؛ فأتيني به " . قالت : فلما وضعته ؛ أتيت به
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فأذن في أذنه اليمنى ، وأقام في أذنه اليسرى ، وقال :
"اذهبي بأبي الخلفاء" .
قالت : فأتيت العباس فأعلمته ، وكان رجلاً جميلاً لباساً ، فأتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
فلما رآه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ قام إليه فقبل بين عينيه ، ثم أقعده عن يمينه ، ثم قال :
" هذا عمي ، فمن شاء ؛ فليباه بعمه " .
قالت : يا رسول الله بعضَ هذا القول ، فقال :
" يا عباس! لم لا أقول هذا القول ؟ وأنت عمي ، وصنو أبي ، وخير من أخلف
بعدي من أهلي "!
فقلت : يا رسول الله! ما شيء أخبرتني به أم الفضل عن مولودنا هذا ؟ قال : ...
فذكره .
ومن طريق الخطيب رواه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/ 291) وقال :
" لا يصح ؛ في إسناده حنظلة : قال يحيى بن سعيد : كان قد اختلط . وقال
يحيى بن معين : ليس بشيء . وقال أحمد : منكر الحديث ؛ يحدث بأعاجيب " .
كذا قال! وهو يعني : حنظلة بن عبد الله السدوسي ؛ فإنه المجروح من هؤلاء
الأئمة ، وذلك خطأ منه ؛ لأنه حنظلة بن أبي سفيان الجمحي المكي الثقة ،
واللليل على ذلك أمران :
الأول : أنه المعروف بالرواية عن عطاء - وهو : ابن أبي رباح المكي - كما في
"التهذ يب " وغيره .
والأخر : أن الطبراني رواه في "الكبير" (10/289 - 290) من طريق أخرى
عن أحمد بن رَشَتد (!) بن خثيم الهلالي ... به ؛ مصرحاً بأنه حنظلة بن أبي
سفيان ، وليس عنده قوله : "وخير من أخلف بعدي ... " إلى آخر الحديث ، بما فيه
حديث الترجمة . وقال الهيثمي في "المجمع " (9/276) :
"رواه الطبراني ، وإسناده حسن "!
كذا قال! وكأنه خفي عليه قول الحافظ الذهبي المتقدم في الحديث
(6143) : "إنه خبر باطل" . واتهم به أحمد بن راشد الهلالي ، لأنه رواه جماعة
عنه فقال :
"فهو الذي اختلقه بجهل " . وأقره الحافظ في "اللسان" (1/172) ، لكنه زاد
عقبه فقال :
"وذكره ابن حبان في "الثقات" ، فقال : روى عن عمه سعيد بن خثيم
ووكيع ، أكثر عليك الرازي الرواية عنه" .
قلت : أورده (8/ 40) في الطبقة الرابعة الذين رووا عن أتباع التابعين ، وقد
روى عنه جمع ؛ كما تقدمت الإشارة إليهم ، وقد ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح
والتعديلاً (1/ 1/ 51) كما وقع في "الطبراني الكبير" : أحمد بن رشد ... وقال :
"روى عنه أبي ، وسمع منه أيام عبيد الله بن موسى أربعة أحاديث" .
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . فكأن الهيثمي اعتمد على هذا مع توثيق
ابن حبان إياه .
ثم رأيته قد عاد إلى الصواب في مكان آخر ؛ ذكره بتمامه ، ثم قال (5/187) :
رواه الطبراني في "الأوسط" ، وفيه أحمد بن راشد الهلالي وقد اتهم بهذا الحديث " .
وهو في "الأوسط " عن شيخ آخر فقال (2/292/2/9404) : حدثنا النعمان
ابن أحمد : حدثنا أحمد بن رشد بن خثيم الهلالي ... به . وقال :
"لم يروه عن طاوس إلا حنظلة بن أبي سفيان (الأصل : سليمان) ، ولا عنه
إلا سعيد ، تفرد به أحمد بن رشد" .
وقد اغتر بتحسين الهيثمي الشيخ عبد الله الغماري المعروف باتباعه لهواه ،
وأنة لم يستفد من اشتغاله بهذا العلم الشريف إلا انتصاراً لأهوائه ؛ فإنه نقل
التحسين المذكور ، وأقره بجهل أو تجاهل - أحلاهما مر! - ، ثم علق عليه بقوله في
رسالته "إعلام النبيل بجواز التقبيل" (ص 5) :
"يؤخذ منه استحباب القيام على سبيل التعظيم لذوي المزايا الدينية"!
يعني كأمثاله ؛ فمريدوه يقومون له بمثل توجيهه هذا الخاطئ ، ثم ينتصب أحد
مريديه شيخاً من بعده ليقوم له مريدوه ، وهكذا تُحيى البدع وتموت السنن! والله
المستعان .
وهو مع ذلك يعلم - إن شاء الله - أن الحديث - لو صح ؛ - لا يدل مطلقاً على
القيام الذي استحبه ؛ للفرق المعروف لغة وشرعاً بين القيام إلى الرجل - كما في
الحديث - ، والقيام له تعظيماً ، وهو المكروه ، وليراجع من شاء بعض تعليقاتي في
هذه المسألة ، ومن آخرها التعليق على كتابي الجديد "صحيح الأدب المفرد للإمام
البخاري " الأحاديث (727/945 و 748/946 و 752/977) ، وهو تحت الطبع ،
وعسى أن يكون بين أيدي القراء قريباً إن شاء الله تعالى (*) . (تنبيهان) :
الأول : وقع في "التاريخ " - كما تقدم - : (راشد) ... وزن فاعل ، وكذا في غيره
- مثل "الميزان " و "اللسان " و "المجمع" - . وفي "الطبراني الكبير" - كما رأيت - :
(رَشَد) ... وزن بلد ، وكذا هو في "الأوسط " (2/292/2/9404) من طريق أخرى
عنه ، وهو الصواب ؛ كما في "المؤتلف والمختلف" للدارقطني (2/907) وغيره - كالمصادر
المذكورة في التعليق عليه - ؛ فراجع إن شئت .
والآخر : كنت ذكرت في "الصحيحة" (1041) لأحمد بن رشد هذا حديثاً
آخر له بإسناده هذا عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ شاهداً لحديث الترجمة هناك بلفظ :
"أنت عمي وبقية آبائي والعم والد" .
وإنما استشهدت به لتحسين الهيثمي لإسناده ، ولشواهد ذكرتها هناك ، وليس
فيه حديث الترجمة الذي هو الدال على سوء حاله - كما تقدم عن الذهبي - ،
ولسكوت ابن أبي حاتم عنه . والآن ؛ فقد وجب التنبيه على ذلك .
وكذلك كنت سقت له طريقاً بحديث :
"اقتدوا باللذين بعدي ... " في "الصحيحة" (1233) من رواية ابن عساكر
عنه ، وقلت : "لم أعرفه " .
والآن ؛ فقد تبين أنه المترجم في "الميزان " و"اللسان " باسم : (أحمد بن راشد
الهلالي) ، وأنه متهم ؛ فاقتضى التنبيه!
__________
(*) وقد صدر في حياة الشيخ رحمه الله . (الناشر) .