هل السؤال في القبر عام في حق المسلمين والمنافقين والكفار
تدل أن السؤال للكافر والمسلم قال الله
تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء وقد ثبت في الصحيح أنها نزلت في عذاب القبر حين يسأل من ربك وما دينك ومن نبيك
عن أنس بن مالك عن النبي أنه قال
إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه انه ليسمع قرع نعالهم وذكر الحديث زاد البخارى
وأما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدرى كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ويضرب بمطرقة من حديد يصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين هكذا في البخارى
-وأما المنافق والكافر بالواو في حديث أبى سعيد الخدرى :
فقال يا أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فاذا الإنسان دفن وتولى عنه أصحابه جاء ملك وفي يده مطراق فأقعده فقال ما تقول في هذا الرجل فإن كان مؤمنا قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقول له صدقت
فيفتح له باب إلى النار فيقول هذا منزلك لو كفرت بربك وأما الكافر والمنافق فيقول له ما تقول في هذا الرجل فيقول لا أدرى فيقال لا دريت ولا اهتديت ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول له هذا منزلك لو آمنت بربك فأما إذ كفرت فان الله أبدلك به هذا ثم يفتح له باب إلى النار
ثم يقمعه الملك بالمطراق قمعة يسمعه خلق الله إلا الثقلين فقال بعض الصحابة يا رسول الله ما أحد يقوم على رأسه ملك إلا هيل عند ذلك فقال رسول الله
يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء
-وفي حديث البراء بن عازب الطويل
وأما الكافر إذا كان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا نزل عليه الملائكة من السماء معهم مسوح
إلى أن قال ثم تعاد روحه في جسده في قبره وذكر الحديث وفي لفظ فاذا كان كافر جاءه ملك الموت فجلس عند رأسه
ما هذه الروح الخبيثة فيقولون فلان بأسو أسمائه فاذا انتهى به إلى سماء الدنيا أغلقت دونه قال يرمى به من السماء ثم قرأ قوله تعالى ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق قال فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فيجلسانه وينتهرانه فيقولان من ربك فيقول هاه لا أدرى فيقولان لا دريت فيقولان ما هذا النبي الذى بعث فيكم فيقول سمعت الناس يقولون ذلك لا ادرى فيقولان له لا دريت وذلك قوله تعالى ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء
هل سؤال منكر ونكير مختص بهذه الأمة
1- فقال أبو عبد الله الترمذى إنما سؤال الميت في هذه الأمة خاصة واستدلوا قال إن هذه الأمة تبتلى في قبورها
2-والقرطبى وقالوا السؤال لهذه الأمة ولغيرها
لا يدل هذا على اختصاص السؤال بهذه الأمة دون سائر الأمم فإن قوله ان الأمة اما ن يراد به أمة الناس كما قال تعالى و ما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم
هل يمتحن الأطفال في قبورهم
اختلف الناس في ذلك على قولين هما وجهان لأصحاب أحمد
و حجة من قال أنهم يسألون أنه يشرع الصلاة عليهم و الدعاء لهم و سؤال الله أن يقيهم ! عذاب القبر و فتنة القبر واحتجوا بما رواه
أنه مر عليها بجنازة صبي صغير فبكت فقيل لها ما يبكيك يا أم المؤمنين فقالت هذا الصبي بكيت له شفقة عليه من ضمة القبر
السؤال أنما يكون لمن عقل الرسول و المرسل فيسأل هل آمن بالرسول و أطاعه أم لا و أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فليس المراد بعذاب القبر فيه عقوبة الطفل على ترك طاعة أو فعل معصية قطعا فان الله لا يعذب أحدا بلا ذنب عمله بل عذاب القبر قد يراد به الألم الذي يحصل للميت بسبب غيره
جوابها أنه نوعان نوع دائم سوى ما ورد في بعض الأحاديث أنه يخفف عنهم ما بين النفختين فإذا قاموا من قبورهم قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ويدل على دوامه قوله تعالى النار
ويدل عليه أيضا ما تقدم في حديث سمرة الذي رواه البخاري في رؤيا النبي وفيه فهو يفعل به ذلك إلى يوم القيامة
في قصة الجريدتين لعله يخفف عنهما ما لم تيبسا فجعل التخفيف مقيدا برطوبتهما فقط
و في حديث الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة
ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت لا يفتر عنهم من ذلك شيء و
قد تقدم وفي الصحيح في قصة الذي لبس بردين وجعل يمشي يتبختر فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة
وفي حديث البراء بن عازب في قصة الكافر
ثم يفتح له باب إلى النار فينظر إلى مقعده فيها حتى تقوم الساعة وفي بعض طرقه ثم يخرق له خرقا إلى النار فيأتيه من غمها و دخانها إلى القيامة
إلى مدة ثم ينقطع وهو عذاب بعض العصاة الذين خفت جرائمهم فيعذب بحسب جرمه ثم يخفف عنه كما يعذب في النار مدة ثم يزول عنه العذاب
وقد ينقطع عنه العذاب بدعاء أو صدقة أو استغفار أو ثواب حج أو قراءة تصل إليه من بعض أقاربه أو غيرهم
أين مستقر الأرواح ما بين الموت إلى القيامة
هل هى في السماء أم في الأرض وهل هي في الجنة أم لا وهل تودع في أجساد غير أجسادها التي كانت فيها فتنعم وتعذب فيها أم تكون مجردة
هذه مسالة عظيمة تكلم فيها للناس واختلفوا فيها
أرواح المؤمنين عند الله في الجنة شهداء كانوا أم غير شهداء إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة ولا دين وتلقاهم ربهم بالعفو عنهم والرحمة لهم وهذا مذهب أبى هريرة وعبد الله بن عمر رضى الله عنهم
2-وقالت طائفة هم بفناء الجنة على بابها يأتيهم من روحها ونعيمها ورزقها
بلغنى أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت
في رواية ابنه عبد الله أرواح للكفار في النار وأرواح المؤمنين في الجنة
وفي صحيح البخارى عن أنس أن أم الربيع بنت البراء
وهى أم حارثة بن سراقة أتت النبي فقالت يا نبي الله ألا تحدثنى عن حارثة وكان قتل يود بدر أصابه سهم غرب قان كان في الجنة صبرت وإن كان في غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء قال يا أم حارثة إنها جنان وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى
أرواح الشهداء تجول في أجواف طير خضر تعلق في تتمر ! الجنة
هذه الآثار كلها تدل على أنهم الشهداء دون غيرهم وفي بعضها في صور طير وفي بعضها في أجواف طير وفي بعضها كطير خضر قال والذى يشبه عندى والله أعلم أن يكون القول قول من قال كطير أو صور طير لمطابقته لحديثنا المذكور يريد حديث كعب ابن مالك وقوله فيه
نسمة المؤمن كطائر ولم يقل في جوف طائ
هل تنتفع أرواح الموتى بشيء من سعى الأحياء أم لا
أنها تنتفع من سعى الأحياء بأمرين مجمع عليهما بين أهل السنة من الفقهاء وأهل الحديث والتفسير
أحدهما
ما تسبب إليه الميت في حياته
دعاء المسلمين له واستغفارهم له والصدقة والحج على نزاع ما الذي يصل من ثوابه هل ثواب الإنفاق أو ثواب العمل فعند الجمهور يصل ثواب العمل نفسه وعند بعض الحنفية إنما يصل ثواب الإنفاق
واختلفوا في العبادة البدنية
كالصوم والصلاة وقراءة القرآن والذكر فمذهب الإمام أحمد وجمهور السلف وصولها وهو قول بعض أصحاب أبى حنيفة نص على هذا الإمام أحمد في قيل لأبى عبد الله الرجل يعمل الشيء من الخير من صلاة أو صدقة أو غير ذلك فيجعل نصفه لأبيه أو لأمه قال أرجو أو قال الميت يصل إليه كل شيء من صدقة أو
والمشهور من مذهب الشافعي ومالك أن ذلك لا يصل
"إنما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره أو ولدا صالحا تركه أو مصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا إكراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته
من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء
والدليل على انتفاعه بغير ما تسبب فيه القرآن والسنة والإجماع وقواعد الشرع
والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان
فأثنى الله سبحانه عليهم باستغفارهم للمؤمنين قبلهم فدل على انتفاعهم باستغفار الأحياء
من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله
إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء
مد حديث عوف بن مالك قال على جنازة فحفظت من دعائه وهو
يقول اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار
-وفي السنن عن وائلة بن الأسقع قال على رجل من المسلمين فسمعته يقول
اللهم إن فلانا ابن فلان في ذمتك وحبل جوارك فقه من فتنة القبر وعذاب النار وأنت أهل الوفاء والحق فاغفر له وارحمه إنك الغفور الرحيم
وهذا كثير في الأحاديث بل هو المقصود بالصلاة على الميت وكذلك الدعاء له بعد الدفن
من حديث عثمان بن عفان رضى الله عنه قال
كان النبي إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فانه الآن يسأل
وكذلك الدعاء لهم عند زيارة قبورهم
من حديث بريدة بن الخصيب قال
كان رسول الله يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية
أن عائشة رضى الله عنها سألت النبي كيف نقول إذا استغفرت لأهل القبور قال
قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وانا إن شاء الله بكم للاحقون
-وفي صحيحه عنها أيضا أن رسول الله خرج في ليلتها من آخر الليل إلى البقيع فقال
السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون وانا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد
ففي الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أن
رجلا أتى النبي فقال يا رسول الله أن أمي افتلت ! نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها قال نعم
2-وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما أن سعد بن عبادة توفيت أمه وهو غائب عنها فأتى النبي فقال يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها إن تصدقت عنه قال
نعم قال فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عنها
3-وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه
أن رجلا قال للنبي ان أبى مات وترك مالا ولم يوص فهل يكفى عنه أن أتصدق عنه قال نعم
وأما وصول ثواب الصوم ففي الصحيحين
1-عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه
2-وفي الصحيحين أيضا عن ابن عباس رضى الله عنهما قلا جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها قال نعم فدين الله أحق أن يقضى
3-وفي رواية جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها قال أفرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدى ذلك عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك وهذا اللفظ للبخاري وحده تعليقا
4-وعن بريدة رضى الله عنه قال بينا ! أنا جالس عند رسول الله إذ أتته امرأة فقالت إني تصدقت على أمي بجارية وأنها ماتت فقال وجب أجرك وردها عليك الميراث فقالت يا رسول الله انه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها قال صومي عنها قالت إنها لم تحج قط أفأحج عنها قال حجى عنها رواه مسلم وفي لفظ صوم شهرين
5-وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن الله نجاها أن تصوم شهرا فنجاها الله فلم تصم حتى ماتت فجاءت بنتها أو أختها إلى رسول الله فأمرها أن تصوم
6-ففي السنن عن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه لكل يوم مسكين
1-ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضى الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى
النبي فقالت إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها قال حجى عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته اقضوا الله فالله أحق بالقضاء
2-وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال إن امرأة سنان بن سلمة الجهني سألت رسول الله أن أمها ماتت ولم تحج أفيجزىء أن تحج عنها قال نعم لو كان على أمها دين فقضته عنها ألم يكن يجزىء عنها رواه النسائي
هل الروح قديمة أو محدثة مخلوقة
وإذا كانت محدثة مخلوقة وهي من أمر الله فكيف يكون أمر الله محدثا مخلوقا وقد أخبر سبحانه أنه نفخ في آدم من روحه فهذه الإضافة إليه هل تدل على أنها قديمة أم لا وما حقيقة هذه الإضافة فقد أخبر عن آدم أنه خلقه بيده ونفخ فيه من روحه فأضاف اليد والروح إليه إضافة واحدة
فهذه مسألة زل فيها عالم وضل فيها طوائف من بنى آدم وهدى الله اتباع رسوله فيها للحق المبين والصواب المستبين فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم كما يعلم بالاضطرار من دينهم أن العالم حادث وأن معاد الأبدان واقع وأن الله وحده الخالق وكل ما سواه مخلوق له وقد انطوى عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم وهم القرون الفضيلة على ذلك من غير اختلاف بينهم في حدوثها وأنها مخلوقة
-حتى نبغت نابغة فزعم أنها قديمة غير مخلوقة واحتج بأنها من أمر الله وأمره غير مخلوق وبأن الله تعالى أضافها إليه كما أضاف إليه علمه وكتابه وقدرته وسمعه وبصره ويده
-وتوقف آخرون فقالوا لا نقول مخلوقة ولا غير مخلوقة
1.فقال بعضهم الأرواح كلها مخلوقة وهذا مذهب أهل الجماعة والأثر واحتجوا بقول النبي الأرواح جنود مجنده فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف والجنود المجندة لا تكون إلا مخلوقة
2.وقال بعضهم الأرواح من أمر الله أخفي الله حقيقتها وعلمها عن الخلق واحتجوا بقول الله تعالى قل الروح من أمر ربى
3.وقال بعضهم الأرواح نور من أنوار الله تعالى وحياة من حياته واحتجت بقول النبي إن الله خلق خلقه في ظلمة وألقى عليهم من نوره ثم ذكر الخلاف في الأرواح هل تموت أم لا وهل تعذب مع الأجساد في البرزخ وفي مستقرها بعد الموت وهل هي النفس أو غيرها
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
روح الآدمي مخلوقة مبدعة بإتفاق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة وقد حكى إجماع العلماء على أنها مخلوقة فقال أنا أجد آية في كتاب الله مما يدل على أن القرآن مخلوق قول الله تعالى إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه
- ولكن المعنى في قوله تعالى
إن المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه
فالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له كن فكان عيسى بكن وليس عيسى هو كن ولكن كان بكن فكن من الله قول وليس كن مخلوقا وكذبت النصارى والجهمية على الله
في أمر عيسى وذلك أن الجهمية قالوا روح هذه الخرقة من هذا الثواب قلنا نحن أن عيسى بالكلمة كان وليس عيسى هو الكلمة وإنما الكلمة قول الله تعالى كن وقوله وروح منه يقول من أمره كان الروح فيه كقوله تعالى وسخر لكم ما في السموات وما الأرض جميعا منه يقول من أمره وتفسير روح الله
إنما معناها بكلمة الله خلقها كما يقال عبد الله وسماء الله وأرض الله فقد صرح بأن روح المسيح مخلوقة فكيف بسائر الأرواح وقد أضاف الله إليه الروح الذي أرسله إلى مريم
وهو عبده ورسوله ولم يدل على ذلك أنه قديم غير مخلوق فقال تعالى فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا فهذا الروح هو روح الله وهو عبده ورسوله
والروح في القرآن على عدة أوجه
1.أحدها الوحي كقوله تعالى وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا وقوله تعالى يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده وسمى الوحي روحا لما يحصل به من حياة القلوب والأرواح
2.الثاني القوة والثبات والنصرة التي يؤيد بها من شاء من عباده المؤمنين كما قال أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه
3.الثالث جبريل كقوله تعالى نزل به الروح الأمين على قلبك وقال تعالى من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك وهو روح القدس قال تعالى قل نزله روح القدس
4.الرابع الروح التي سأل عنها اليهود فأجيبوا بأنها من أمر الله وقد قيل أنها الروح المذكورة في قوله تعالى يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون وأنها الروح المذكور في قوله تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم
5.الخامس المسيح ابن مريم قال تعالى إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه
@ وأما أرواح بنى آدم فلم تقع تسميتها في القرآن إلا بالنفس
قال تعالى يا أيتها النفس المطمئنة وقال تعالى ولا أقسم بالنفس اللوامة وقال تعالى إن النفس لأمارة بالسوء وقال تعالى أخرجوا أنفسكم وقال تعالى ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها وقال تعالى كل نفس ذائقة الموت وأما في السنة فجاءت بلفظ النفس والروح
والمقصود أن كونها من أمر الله لا يدل على قدمها وأنها غير مخلوقة
هل تقدم خلق الأرواح على الأجساد أو تأخر خلقها عنها
-فهذه المسألة للناس فيها قولان
معروفان حكاهما شيخ الإسلاح وغيره وممن ذهب إلى تقدم خلقها وحكاه ابن حزم إجماعا ونحن نذكر حجج الفريقين وما هو الأولى منها بالصواب
1-قال من ذهب إلى تقدم خلقها على خلق البدن قال الله تعالى "ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا"
- قالوا ثم للترتيب والمهلة فقد تضمنت الآية أن خلقها مقدم على أمر الله للملائكة بالسجود لآدم ومن المعلوم قطعا أن أبداننا حادثة بعد ذلك فعلم أنها الأرواح قالوا ويدل عليه قوله سبحانه
" وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى "
قالوا وهذا الاستنطاق والإشهاد إنما كان لأرواحنا إذ لم تكن الأبدان حينئذ موجودة
عن مسلم بن يسار الجهنى أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم فقال سمعت رسول الله يسأل عنها فقال
خلق الله آدم ثم مسح ظهره بيمينه فإستخرج منه ذريته فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون وخلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون
فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل فقال رسول
الله إن الله إذا خلق الرجل للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار "
-وروى عن أبى هريرة مرفوعا
لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نمسة هو خالقها إلى يوم القيامة أمثال الذر ثم جعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور ثم عرضهم على آدم فقال من هؤلاء يا رب قال هؤلاء ذريتك فرأي رجلا منهم أعجبه وبيص ما بين عينيه فقال يا رب من
هذا فقال هذا ابنك داود يكون في آخر الأمم قال كم جعلت له من العمر قال ستين سنة قال يا رب زده عمري أربعين سنة فقال الله تعالى إذا يكتب ويختم فلا يبدل فلما انقضى عمر آدم جاء ملك الموت قال أو لم يبق من عمرى أربعون سنة فقال أو لم تجعلها لأبنك داود قال قال فجحد فجحدت ذريته ونسى فنسيت ذريته وخطىء فخطئت ذريته "
الفريق الاخر: فأما المقام الأول فقد قال تعالى
" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى"
وهذا خطاب للإنسان الذى هو روح وبدن فدل على أن جملته مخلوقة بعد خلق الأبوين
" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله" الآية
وهذا صريح في أن خلق جملة النوع الإنساني بعد خلق اصله
فصل فهذا بعض كلام السلف والخلف في هذه الآية وعلى كل تقدير فلا تدل على خلق الأرواح قبل الأجساد خلقا مستقرا وإنما غايتها أن تدل على إخراج صورهم وأمثالهم في صور الذر واستنطاقهم ثم ردهم إلى أصلهم أن صح الخبر بذلك والذي صح إنما هو إثبات القدر السابق وتقسيمهم إلى شقي وسعيد
وأما الدليل على أن خلق الأرواح متأخر عن خلق أبدانها فمن وجوه
1.أحدها أن خلق أبى البشر وأصلهم كان هكذا فإن الله سبحانه أرسل جبريل فقبض قبضة من الأرض ثم خمرها حتى صارت طينا ثم صوره ثم نفخ فيه الروح بعد أن صوره فلما دخلت الروح فيه صار لحما ودما حيا ناطقا ففي تفسير أبى مالك وأبى صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب النبي لما فرغ عز و جل من خلق ما أحب استوى على العرش فجعل إبليس ملكا على سماء الدنيا وكان من الخزان قلبه من ملائكة يقال لهم الجن وإنما سموا الجن لأنهم خزان خزان أهل الجنة
وكان إبليس مع ملكه خازنا فوقع في صدره وقال ما أعطاني الله هذا إلا لمزيد لي وفي لفظ لمزية لي على الملائكة فلما وقع ذلك الكبر في نفسه اطلع الله على ذلك منه فقال الله للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا ربنا وما يكون حال الخليفة وما يصنعون في الأرض قال الله تكون له ذرية يفسدونه
في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا قالوا ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون يعني من شأن إبليس فبعث جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها فقالت الأرض إني أعوذ بالله منك أن تقبض مني فرجع ولم يأخذ وقال رب إنها عاذت بك فأعذتها فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها فبعث ملك الموت فعاذت منه فقال وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره فأخذ من وجه الأرض
وخلط فلم يأخذ من مكان واحد فأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء ولذلك خرج بنو آدم مختلفين فصعد به قبل الرب عز و جل حتى عاد طينا لازبا واللازب هو الذي يلزق بعضه ببعض ثم قال للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فخلقه الله بيده لكيلا يتكبر إبليس عنه ليقول له تتكبر عما عملت بيدي ولم أتكبر أنا عنه فخلقه بشرا فكان جسدا من طين أربعين سنة فمرت به الملائكة ففزعوا منه
لما رأوه وكان أشدهم منه فزعا إبليس فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار تكون له صلصة فذلك حين يقول من صلصال كالفخار ويقول لأمر ما خلقت ودخل من فيه فخرج من دبره فقال للملائكة لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف لئن سلطت عليه لأهلكنه فلما بلغ الحين الذي يريد الله جل ثناؤه أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة إذا نفخت ! فيه من روحي فأسجدوا له فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس فقالت الملائكة قل الحمد لله فقال الحمد لله فقال له الله يرحمك ربك فلما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة فلما دخل في جوفه اشتهي الطعام قبل أن يبلغ الروح رجليه فنهض عجلان إلى ثمار الجنة فذلك حين يقول خلق الإنسان من عجل وذكر باقي الحديث
هل هي جزء من أجزاء البدن أو عرض من أعراضه أو جسم
مساكن له مودع فيه أو جوهر مجرد وهل هي الروح أو غيرها وهل الإمارة واللوامة والمطمئنة نفس واحدة لها هذه الصفات أم هي ثلاث أنفس
وهدى الله أتباع الرسول أهل سنته لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم فنذكر أقوال الناس وما لهم وما عليهم في تلك الأقوال ونذكر الصواب بحمد الله وعونه
وذهب سائر أهل الإسلام والملل المقرة بالمعاد إلى أن النفس جسم طويل عريض عميق ذات مكان جثة متحيزة مصرفة للجسد قال وبهذا نقول قال والنفس والروح اسمان مترادفان لمعنى واحد معناهما واحد
و مذاهب الناس في النفس فقال ما يشير إليه كل إنسان بقوله إنا إما أن نكون جسما أو عرضا ساريا في الجسم أو لا جسما ولا عرضا ساريا فيه
جمهور العقلاء أن الإنسان هو البدن والروح معا والروح أنه جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس وهو جسم نور أنى علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد وسريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكا لهذه الأعضاء وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية
وإذا فسدت هذه الأعضاء بسب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن وانفصل إلى عالم الأرواح وهذا القول هو الصواب في المسألة هو الذي لا يصح غيره وكل الأقوال سواه باطلة وعليه دل الكتاب والسنة
هل النفس والروح شيء واحد أو شيئان متغايران
فمن قائل أن مسماهما واحد وهم الجمهور ومن قائل أنهما متغايران ونحن نكشف سر المسألة بحول الله وقوته فنقول النفس تطلق على أمور أحدها الروح
قلت والنفس في القرآن تطلق على الذات بحملتها كقوله تعالى فسلموا على أنفسكم وقوله تعالى
يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها
وتطلق على الروح وحدها كقوله تعالى
وقوله تعالى ونهى النفس عن الهوى
فلا تطلق على البدن لا بإنفراده ولا مع النفس
وسميت الروح روحا
لأن بها حياة البدن وكذلك سميت الريح لما يحصل بها من الحياة فالفرق بين النفس والروح فرق بالصفات لا فرق بالذات
هل النفس واحدة أم ثلاث فقد وقع في
كلام كثير من الناس أن لابن آدم ثلاث انفس نفس مطمئنة ونفس لوامة ونفس أمارة وأن منهم من تغلب عليه هذه ومنهم من تغلب عليه الأخرى ويحتجون على ذلك بقوله تعالى يا أيتها النفس المطمئنة
لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة
-والتحقيق أنها نفس واحدة ولكن لها صفات فتسمى بإعتبار كل صفة بأسم فتسمى مطمئنة بإعتبار طمأنينتها إلى ربها بعبوديته ومحبته والطمأنينة إلى أسماء الرب تعالى وصفاته نوعان
طمأنينة إلى الإيمان بها وإثباتها واعتقادها
وطمأنينة إلى ما تقتضيه وتوجبه من آثار العبودية
وقد امتحن الله سبحانه الإنسان بهاتين النفسين الأمارة واللوامة كما أكرمه بالمطمئنة فهي نفس واحدة تكون أمارة ثم لوامة مطمئنة وهي غاية كمالها وصلاحها وأيد المطمئنة بجنود عديدة فجعل الملك قرينها وصاحبها الذي يليها ويسددها ويقذف فيها الحق ويرغبها فيه ويريها حسن صورته ويزجرها عن الباطل ويزهدها فيه ويريها قبح صورته وأمدها بما علمها من القرآن والأذكار وأعمال البر وجعل وفود الخيرات ومداد التوفيق تنتابها وتصل إليها من كل ناحية وكلما تلقتها بالقبول والشكر والحمد لله ورؤية أوليته في ذلك كله ازداد مددها فتقوى على محاربة الإمارة فمن جندها وهو سلطان عساكرها وملكها الإيمان واليقين
فجعل الشيطان قرينها وصاحبها الذي يليها فهو يعدها ويمنيها ويقذف فيها الباطل ويأمرها بالسوء ويزينه لها ويطيل في الأمل ويريها الباطل في صورة تقلبها وتستحسنها ويمدها بأنواع الإمداد الباطل من الأماني الكاذبة والشهوات المهلكة ويستعين عليها بهواها
والمقصود أن الملك قرين النفس المطمئنة والشيطان قرين الأمارة قال رسول الله
أن للشيطان لمة بأبن آدم وللملك لمة فأما الشيطان فيعاد ! بالشر وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فايعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم انه من الله وليحمد الله ومن وجد الآخر فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم قرأ الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم الفحشاء