أما الضوابط الخاصة بالمرقي فهي (1) :
أولاً: أن يعتقد المرقى أن الشافي هوالله: ينبغي على المرقي أن يعتقد اعتقاداً جازماًأن الشافي هو الله سبحانه وتعالى، كما بينت في اعتقاد الراقي؛ لأن ذلك الاعتقادأنفع علاج له. فإن وجد الراقي إيمان المرقى واعتقاده في ذلك ضعيفاً قواه بإعطائهدرساً في العقيدة، يبين فيه أن كمال التلقي للعلاج يحصل بالإيمان بالله تعالى،والإذعان له، والاعتقاد بأنه الشافي ولا شفاء بعده، وأن هذه الرقى لا تؤثر بذاتها،وإنما بقدر الله. ولذا فلا ينتفع بها من أنكرها، أو سخر منها، أو شك فيها أو فعلهامجرباً لا يعتقد أن ذلك ينفعه (2).
ثانياً: أن يتعاطى الرقى للعلاج من الأمراض: عند بعض الفقهاء الرقى والتمائم يتعاطاها المريض لعلاجالأمراض، فلا يجوز أن يتعاطاها الصحيح للوقاية من الأمراض والاحتراز منها عندالإمام مالك في رواية، وأحمد في رواية الخلال(3) ، لقول عائشة رضي الله عنها: "التمائم ما علق قبل نزول البلاء، وما علق بعد نزول البلاء فليس بتميمة"(4) أيأن التميمة المنهي عنها ما علقت قبل نزول البلاء، وأما ما علق بعد نزول البلاء فليسمن التمائم المنهي عنها.وخالف في ذلك الشافعية، ومالك في رواية أشهبوأحمد في رواية، حيث ذهبوا إلى عدم اشتراط هذا الشرط، فأجازوا الرقية للصحيحوالمريض لعموم أدلة جواز الرقية .؟والراجح ما ذهب إليه الشافعية ومن معهم منعدم اشتراط هذا الشرط، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح وغيره أنه كان يقرأ بالمعوذات قبل النوم خوفاً من الشيطان والجن، فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان إذا أَخَذَ مَضْجَعَهُ نَفَثَ في يَدَيْهِ وَقَرَأَ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَمَسَحَ بِهِمَا جَسَدَهُ.(5)
ثالثاً: صيانة الرقى عن الإهانة. ينبغي على المرقى أن يحافظ على الرقى التييستعملها ويصونها عن الإهانة لأنها تتضمن آيات من القرآن الكريم وأسماء اللهوصفاته. فإن كانت تمائم تعلق على جسده فإنها تلف لفاً محكماً وتحفظ في وعاء من شمع،أو كيس من جلد، بحيث لا تتسرب إليها النجاسة والقاذورات. ولا يدخل بها بيت الخلاء،ولا يقعد عليها، وينـزعها عند الجماع (1)، وإن كانت سائلاً مقروءاً عليه أعد للشربسمى الله على كل نفس وعظم النية فيه، فإن الله يؤتيه على قدر نيته. وإن كان معداًللاغتسال فلا يصبه على كناسة، أو في حفرة نجاسة، أو على موضع يوطأ. ولكن يصبه ناحيةمن الأرض في بقعة لا يطأها الناس، ويحفر حفرة في موضع طاهر ويصبه فيها (2) .
رابعاً: أن يبتعد المرقى عن المعاصي في فترةالعلاج وبعدها. ينبغي على المرقي أن يبتعد عن المعاصي صغيرةكانت أو كبيرة- في جميع الأوقات وبخاصة في أثناء العلاج، فلا يستمع للغناء، ولايتناول الدخان، ولا يهمل في صلاته. وإذا كانت امرأة فلا تتبرج، ولا تخرج كاسيةعارية، فإن فعل الطاعات واجتناب المعاصي من أعظم العلاجات كما قال ابن القيم: "منأعظم علاجات المرضى فعل الخير والإحسان، والذكر والدعاء، والتضرع والابتهال إلىالله، والتوبة، ولهذه تأثير في دفع العلل وحصول الشفاء أعظم من الأدوية الطبيعية " (3).
خامسا : التوجه إلى الله بصدق أنيشفيه : كما سبق وأن ذكرناه ضمن شروط الراقي .
سادساً: أن لا يستبطئ الشفاء : لأن الرقية دعاء ، وإذا استعجل الداعي الإجابةفإنه قد لا يستجاب له ، قال صلى الله عليه وسلم : " يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول : دعوت فلم يستجب لي" (4).
هذه هي ضوابط العلاج بالقرآن ، التي يجب الالتزام بها من أجل أن يكون عملنا وفق منهج الله ، وحتى نبعد ما علق بهذا الموضوع من شبهات الشرك والبدع ، ولكي تؤتي الرقى الشرعية ثمارها ، ويتحقق العلاج للمريض بإذن الله تعالى .
(1) انظر حاشية ابن عابدين : 2/160 ، حاشية البجيرمي : 3/238 ، القوانين الفقهية ص 295 ، فتح الباري : 10/197 .
(2) فيض القدير : 5/87 ، الأحكام الشرعية الكبرى : 3/52 ، فتح الباري : 10/205 ، الطب النبوي : ص 171 .
(3) الثمر الداني : 1/710 ، كفاية الطالب الرباني : 2/639 ،
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك(8290)4/463، والبيهقي في السنن الكبرى (19391) 9/350 .
(5) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات باب التعوذ والقراءة عند النوم ( 5960 ) 5/2329 .
(1) القوانين الفقهية ص 295 ،
(2) نوادر الأصول : ص 325 .
(3) الطب النبوي : ص 114 .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات باب يستجاب للعبد ما لم يعجل ( 5981 ) 5/2335 ، ومسلم في كتاب الذكر باب بيان أن يستجاب للداعي ما لم يعجل ( 2735 ) 4/2095 .