عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 28-02-2010, 07:50 PM   #1
معلومات العضو
أحمد الجبلي

افتراضي إضاءة في ظلام القضية: المرأة في الإسلام الحلقة - 1 -

لعل الكثير من أبناء الحركة الإسلامية لا يستسيغ ما جاء به الشيخ عبد الحليم أبو شقة، رحمه الله، رغم أن هذا الأخير لم يعتمد في كتابه " تحرير المرأة في عصر الرسالة" إلا على الأحاديث التي اتفقت الأمة على صحتها أي التي وردت في صحيحي البخاري ومسلم. وقد عالجها بمنهج علمي رصين، وبتحليل لا تعوزه الحجة والبرهان. وقد أشار الشيخ الجليل محمد الغزالي رحمه الله في مقدمة الكتاب إلى هذا بقوله: وددت لو أن هذا الكتاب قد خرج إلى الوجود منذ عشرين سنة" وهي إشارة إلى المواقف الرجعية التي كان يتبناها الإسلاميون في مصر والتي عانى منها الشيخ الغزالي الشيء الكثير. وبما أن الحركة الإسلامية في مصر تعد أم الحركات الإسلامية في العالم فلا غرابة إذن إذا وقع نوع من التأثر بالمواقف التي لا تعتمد على سند صحيح بما فيها الموقف من الكثير من القضايا المتعلقة بالمرأة. ولم يخفى عن "أبو شقة" نفسه المواقف المتردية والمتخلفة للكثير من الإسلاميين من خلال نظرتهم للمرأة. ولذلك لم يفته أن يشير في مقدمته إلى هذا حيث قال وهو يتحدث عن قصة تأليف الكتاب: " كنت أعزم منذ سنوات على عمل دراسة معمقة في السيرة النبوية ولكنني أثناء استعراض الأحاديث وتصنيفها فوجئت بأحاديث عملية تتصل بالمرأة وبأسلوب التعامل بين الرجال والنساء في مجالات الحياة المختلفة، وكان سبب المفاجأة أن هذه الأحاديث تغاير تماما ما كنت أفهمه وأطبقه بل تفهمه وتطبقه جماعة من المتدينين، ولم يقف الأمر عند المفاجأة بل شدتني تلك الأحاديث لخطورتها إلى تصحيح تصوراتنا عن شخصية المرأة المسلمة ومدى مشاركتها في عصر الرسالة"

والقارئ للنصوص التي جمعها أبو شقة وهي نصوص صحيحة، يزيد إيمانا وقناعة من أن المرأة كالرجل مسؤولة عن واجب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنه بدونها يستحيل التغيير والحركة، وإذا كانت تحمل في شخصيتها بعض الضعف الناتج عن سيطرة الجانب العاطفي في المشاعر فلا شيء يمنع من أن يتبلور هذا الضعف وينقلب إلى قوة عن طريق الترويد الفكري والممارسة العقلية، وإن كان ضعفا جسديا فالواقع يثبت ما وصلت إليه بعض النساء وحققنه من صلابة وقوة وبنيان جسمي متماسك يفوق صلابة وقوة أجسام الكثير من الرجال.

إن الضعف في الإنسان طبيعة ( وخلق الإنسان ضعيفا) ولهذا نجده في كل من المرأة والرجل، ليبقى المجال مفتوحا لكل منهما أن يطور ذاته وفكره ويوسع من رقعة تجاربه في اتزان وموضوعية.

إن المرأة عندما تتمرد على نوازع الضعف فيها وتتجاوزها وتحولها إلى قوة، تعتبر مثلا إنسانيا أعلى للرجال والنساء معا. والقرآن يزخر بمثل هذه النماذج الحية في القوة والصلابة، ويسجل وقفات جريئة إرادة وموقفا وحركة، وهي أمثلة نسائية يضربها للرجل والمرأة معا، فهو يصور لنا أن فرعون بكل استكباره وجبروته وبطشه وسطوه استطاعت المرأة / الزوجة أن تقف في وجهه موقف الرافض والمتمرد على سلطانه وظلمه (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)

ويضرب الله مثلا آخر بمريم بنت عمران كنموذج نسوي آخر في القوة الإيمانية والصلابة الأخلاقية، والقنوت الخاشع، والإخبات والانقياد لله تعالى(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) ، ونلاحظ أن الله تعالى قال: ( من القانتين) ولم يقل من القانتات، أي القانتين من الرجال والنساء. وفي ظروفنا الراهنة، وعبر تحولات العالم نجد قوة المرأة بارزة بشكل مثير، وما حققته في ميادين الإقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة والإعلام يعجز عن تحقيقه الكثير من الرجال، فأكدت المرأة وجودها، وفرضت ذاتها في واقع القوة الإنسانية إبداعا واختراعا.

ومن الأمور التي يترتب عليها حق المرأة المسلمة في الاقتحام والتدافع من إنقاذ المجتمع، وتحقيق العدالة والكرامة بالعمل على مستوى كل الواجهات نذكر منها ما يلي:

1- إن أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تشمل المرأة فضلا عن الرجل، وبالتالي فهي معنية بحدود معينة بالحركة الفكرية والسياسية والسلوكية في المجتمع.

2- آيات الاستخلاف في الأرض عامة، باعتبار أن لسانها يحظ الإنسان من دون تخصيص للرجل أو المرأة، وبالتالي فإن وظيفة الاستخلاف من إقامة الدين وعبادة الخالق والارتباط به تعالى...كلها مسائل عامة تشمل الجنسين معا.

3- إن إقامة دولة العدل أو دولة الظلم لها انعكاسات مباشرة على المرأة كما على الرجل تماما من حيث تأثيرها على فكر ومعتقد وسلوك، وبشكل عام على المناخ الذي تعيش في ظله المرأة.

4- الأمر بإقامة حكم الله على الأرض وتطبيق شريعته متعلق بكل المكلفين ذكورا وإناثا.

ومن مجموع هذه المقدمات يمكن القول بعدم الفصل بين الرجل والمرأة في مسألة أي عمل إسلامي يروم إقامة الدين والدفاع عنه وإصلاح العباد والبلاد لكن بشروط محددة في الشرع الحنيف كالجد والوقار في الحديث والحركة، عدم الخلوة، والاقتصار على الضروري وعدم الميوعة والحديث الزائد...وما هذه الضوابط التي حددها الشرع إلا لتلتقي بالرجال وتعمل معهم وتشاركهم هموم الدين والدعوة تماما كما فعلت المرأة في عصر النبوة.

إلا أن المرأة لم تأخذ دورها كاملا حتى الآن في العمل الإسلامي المعاصر، وهي للأسف ما تزال في كل بلاد المسلمين وفي جل الحركات الإسلامية ذات دور هامشي، وهذا ناتج عن مجموعة من المعوقات، أهمها المفاهيم المغلوطة التي تركت أثرا سيئا عند الرجال والنساء معا، وهي مفاهيم تحتاج إلى أن نقف عندها من أجل التصحيح وإزالة اللبس، وهي مفاهيم تستند أحيانا إلى نصوص صحيحة لكن عندما يتم التفسير بما يلائم الأهواء والعادات غالبا ما يؤدي إلى نتائج معكوسة.

ولهذا سنجعل هذ
ه السلسلة من المقالات التصحيحية ضمن منتدانا الرقية الشرعية الغر من أجل تصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة تجاه نظرة الإسلام إلى المرأة، والتي يقع فيها الكثير من أبناء الحركة الإسلامية الذين يعتبرون أنفسهم أوصياء على تصحيح فهم العامة للإسلام. وقد كان أحرى بالإسلاميين أنفسهم القيام بكثير من المراجعات قبل مخاطبة الناس بما لا علاقة له بالإسلام. ولعل هذا كان كافيا لتسمية هذه السلسلة بسلسلة إضاءات في ظلام القضية وهو لا يروم إقصاء أي أحد بل لكوننا نرى أن الحركة الإسلامية تشتغل أكثر في الحقل الديني وتتعامل أكثر مع أصول التشريع والفقه الإسلاميين، ولأنها – في رأينا – تحتاج بشكل كبير إلى نظرات في الداخل، كما أنها مطالبة بتلبية نداء عالمين جليلين، لم يلتفت إليهما من قبل بالشكل المطلوب، وهما نداء الدكتور فهد عبد الله النفيسي من خلال كتابه القيم: أوراق في النقد الذاتي، والدكتور خالص جلبي من خلال كتابه النفيس: الحركة الإسلامية وضرورة النقد الذاتي.

ومن الأمور التي سنتعرض لها بالمناقشة والتحليل قوامة الرجل في بيته، حديث وقرن في بيوتكن، وحديث إن المرأة خلقت من ضلع أعوج، ونقصان الدين والعقل عند المرأة...وتوليها للخلافة الكبرى وسيبقى المجال مفتوحا لمزيد من المطارحات إن شاء لله.

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة