![]() |
حديث افتراق الأمة الإسلامية وجوابٌ على إشكال
203 - ( افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة ، وتَفَرّقت النّصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة ، وتفتَرقُ أُمَّتي على ثلاث وسبعين فرقة ) . _ أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما وانظر السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني رحمه الله تعالى ( 1 / 402 ) حديث رقم 203 204 - ( ألا إنَّ مَن قَبلَكم من أهلِ الكتابِ افترقوا على ثِنتَينِ و سبعين ملّةً ، و إنَّ هذه الملّةَ ستَفترِقُ على ثلاثٍ و سبعين : ثنتانِ و سبعون في النّارِ ، و واحدةٌ في الجنَّةِ ، و هي الجماعةُ ) . _ أخرجه أبو داود والدارمي وغيرهما وانظر السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني رحمه الله ( 1 / 404 ) حديث رقم 204 _ قال العلامة الألباني رحمه الله بعد كلام : الأمر الآخر : أن بعض المحققين من العلماء اليمانيين مِمَّن نقطع أنه وقف على كتب ابن الوزير ، ألا و هو الشيخ صالح المَقْبَلي ، قد تكلم على هذا الحديث بكلام جيد من جهة ثبوته و معناه ، و قد ذكر فيه أن بعضهم ضَعَّف هذا الحديث فكأنه يشير بذلك إلى ابن الوزير ، و أنت إذا تأملت كلامه وجدتَه يشير إلى أن التضعيف لم يكن من جهة السند ، و إنما من قبل استشكال معناه ، و أرى أن أنقل خلاصة كلامِه المشار إليه لما فيه من الفوائد . قال رحمه الله تعالى في " العلم الشامخ في إيثارالحق على الآباء و المشايخ " ( ص 414 ) : « حديث افتراق الأمة إلى ثلاث و سبعين فرقة ، رواياته كثيرة يَشُدُ بعضُها بَعضاً بحيث لا يبقى ريبة في حاصل معناها ... ( ثم ذكر حديث معاوية هذا ، و حديث ابن عمرو بن العاص الذي أشار إليه الحافظ العراقي و حسنه الترمذي ثم قال : ) و الإشكال في قوله : ( كلها في النار إلا ملة )، فمن المعلوم أنهم خير الأمم ، و أن المرجو أن يكونوا نصف أهل الجنة ، مع أنهم في سائر الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود حسبما صرحت به الأحاديث ، فكيف يتمشى هذا ؟ فبعض الناس تكلم في ضعف هذه الجملة ، و قال : هي زيادة غير ثابتة . و بعضهم تأول الكلام » . قال : « و من المعلوم أن ليس المراد من الفرقة الناجية أن لا يقع منها أدنى اختلاف ، فإن ذلك قد كان في فضلاء الصحابة . إنما الكلام في مُخالفةٍ تُصَيِّرُ صاحبَها فرقةً مستقلة ابْتَدَعها . و إذا حَقَقْتَ ذلك ، فهذه البِدَع الواقعة في مهمات المسائل ، و فيما يترتب عليه عَظائِم المفاسِد لا تكاد تنحصر ، و لكنها لم تَخُصَ مُعيناً من هذه الفرق التي قد تحزبت و التأم بعضهم إلى قوم و خالف آخرون بحسب مسائل عديدة » . ثم أجاب عن الإشكال بما خلاصته : « إن الناس عامة و خاصة ، فالعامة آخرهم كأولهم ، كالنساء و العبيد و الفلاحين و السوقة و نحوهم ممّن ليس من أمر الخاصة في شيء ، فلا شك في براءة آخرهم من الابتداع كأولهم . و أما الخاصة ، فمنهم مبتدع اخترع البدعة و جعلها نصب عينيه ، و بلغ في تقويتها كل مبلغ ، و جعلها أصلا يرد إليها صرائح الكتاب و السنة ، ثم تبعه أقوام من نمطه في الفقه و التعصب ، و ربما جددوا بدعتَه و فرعوا عليها و حملوه ما لم يتحمله ، و لكنه إمامهم المقدم و هؤلاء هم المبتدعة حقا ، و هو شيء كبير ** تكاد السّماوات يَتَفَطّرن منه و تَنشقُّ الأرضُ و تَخِرّ الجبال هدّا ** سورة مريم 90 كنفي حكمة الله تعالى ، و نفي إقداره المكلف ، و ككونه يكلف ما لا يطاق ، و يفعل سائر القبائح و لا تقبح منه ، و أخواتهن ! و منها ما هو دون ذلك ، و حقائقها جميعها عند الله تعالى ، و لا ندري بأيها يصير صاحبها من إحدى الثلاث و سبعين فرقة . و من الناس من تَبِعَ هؤلاء و ناصرهم و قَوَّى سوادَهم بالتدريس و التصنيف ، و لكنه عند نفسه راجع إلى الحق ، و قد دس في تلك الأبحاث نقوضها في مواضع لكن على وجه خَفيٍّ ، و لعله تخيل مصلحة دنيئة ، أو عظم عليه انحطاط نفسه و إيذاؤهم له في عرضه و ربما بلغت الأذية إلى نفسه . و على الجملة فالرجل قد عَرَف الحق من الباطل ، وتخبط في تصرفاته ، و حسابه على الله سبحانه ، إما أن يحشره مع من أحب بظاهر حاله ، أو يقبل عذره ، و ما تكاد تجد أحدا من هؤلاء النظار إلا قد فعل ذلك ،لكن شرهم و الله كثير ، فلربما لم يقع خبرهم بمكان ، و ذلك لأنه لا يفطن لتلك اللمحة الخفية التي دَسُّوها إلا الأذكياء المحيطون بالبحث ، و قد أغناهم الله بعلمهم عن تلك اللمحة ، و ليس بكبير فائدة أن يعلموا أن الرجل كان يعلم الحق و يخفيه . و الله المستعان . و من الناس من ليس من أهل التحقيق ، و لا هُيء للهجوم على الحقائق ، و قد تدرب في كلام الناس ، و عرف أوائل الأبحاث ، و حفظ كثيرا من غثاء ما حصلوه و لكن أرواح الأبحاث بينه و بينها حائل . و قد يكون ذلك لقصور الهمة و الاكتفاء و الرضَى عن السلف لوقعهم في النفوس ، و هؤلاء هم الأكثرون عددا ، و الأرذلون قدرا ، فإنهم لم يحظوا بخصيصة الخاصة ، و لا أدركوا سلامة العامة . فالقسم الأول من الخاصة مبتدعة قطعا . و الثاني ظاهره الابتداع ، و الثالث له حكم الابتداع . و من الخاصة قسم رابع ثُلةٌ من الأولين ، و قليل من الآخرين ، أقبلوا على الكتاب و السنة و ساروا بسيرها ، و سكتوا عما سكتا عنه ، و أقدموا و أحجموا بهما و تركوا تكلُّف مالا يعنيهم ، و كان تهمُّهم السلامة ، و حياة السنة آثر عندهم من حياة نفوسهم ، و قرة عين أحدهم تلاوة كتاب الله تعالى ، و فهم معانيه على السليقة العربية و التفسيرات المروية ، و معرفة ثبوت حديث نبوي لفظا و حكما . فهؤلاء هم السنة حقّاً ، و هم الفرقة الناجية ، و إليهم العامة بأسرهم ، و من شاء ربك من أقسام الخاصة الثلاثة المذكورين ، بحسب علمه بقدر بدعتهم و نياتهم . إذا حققت جميع ما ذكرنا لك ، لم يلزمك السؤال المحذور و هو الهلاك على معظم الأمة ، لأن الأكثر عددا هم العامة قديما و حديثا ، و كذلك الخاصة في الأعصار المتقدمة ، و لعل القسمين الأوسطين ، و كذا من خفَّت بدعته من الأول ، تُنقِذهُم رحمة ربك من النظام في سلك الابتداع بحسب المجازاة الأخروية ، و رحمة ربك أوسع لكل مسلم ، لكنا تكلمنا على مقتضى الحديث و مِصداقِه ، و أن أفراد الفرق المبتدعة و إن كثرت الفرق فلعله لا يكون مجموعُ أفرادهم جزءا من ألف جزء من سائر المسلمين ، فتأمل هذا تسلم من اعتقاد مناقضة الحديث لأحاديث فضائل الأمة المرحومة » . قلت : و هذا آخر كلام الشيخ المَقْبَلي رحمه الله ، و هو كلام متين يدل على علم الرجل و فضله و دقة نظره ، و منه تعلم سلامة الحديث من الإشكال الذي أظن أنه عمدة ابن الوزير رحمه الله في إعلاله إياه . و الحمد لله على أن وفقنا للإبانة عن صحة هذا الحديث من حيث إسناده ، و إزالة الشبهة عنه من حيث متنه . و هو الموفق لا إله إلا هو . سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ( م 1 ق 1 ص 402 - 413 ) |
بارك الله فيك أخي الفاضل طرح قيم
|
اقتباس:
|
الساعة الآن 12:57 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com