وفيكم بارك الله شيخنا الفاضل والأخ الفاضل ابو راشد
وبالنسبة لمن نسي القرآ ن بعد أن حفظه فهاكم الجواب :
حكم نسيان القرآن بعد حفظه ( دراسة فقهية مقارنة )
نسيان القرآن لا شك أن نسيان القرآن مذموم
ولكن ما حكم هذا النسيان ؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن نسيان القرآن الكريم بعد حفظه لغير عذر حرام وعدهم بعضهم من الكبائر
وإليكم بعض أقوالهم في ذلك
من أقوال الحنفية قال الخادمي في بريقة محمودية 4/194:
( ومنها نسيان القرآن بعد تعلمه ) ... لأن المعدود هنا ذنب التفريط في محفوظه لعدم تعاهده ودرسه ) اه
وفي كشف الأسرار لعبد العزيز البخاري 4/276 :
( قال الشيخ رحمه الله : إنما يصير النسيان عذرا في حق الشرع إذا لم يكن غفلة فأما إذا كان عن غفلة فلا يكون عذرا كما في حق آدم عليه السلام وكنسيان المرء ما حفظه مع قدرته على تذكاره بالتكرار فإنه إنما يقع فيه بتقصيره فيصلح سببا للعتاب ولهذا يستحق الوعيد من نسي القرآن بعدما حفظه مع قدرته على التذكار بالتكرار ) اه
من أقوال المالكية في الاستذكار لابن عبد البر 2/487 : ( عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت في هذا الحديث الحض على درس القرآن وتعاهده والمواظبة على تلاوته والتحذير من نسيانه بعد حفظه وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم من حديث سعد بن عبادة أنه قال من تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله يوم القيامة أجذم قال أبو عمر : ومن حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضت علي أجور أمتي حتى يخرجها الرجل من المسجد وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها وحديث بن مسعود أنه كان يقول تعاهدوا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم من عقلها ... ) اه
من أقوال الشافعية وفي مغني المحتاج 1/39 : ( ونسيانه أو شيء منه كبيرة والسنة أن يقول أنسيت كذا لانسيته ويندب ختمه أول نهار أو ليل والدعاء بعده وحضوره والشروع بعده في ختمة أخرى وكثرة تلاوته) اه وفي حاشية البجيرمي على شرح المنهج 1/447 : (قال حج في حاشية الإيضاح ظاهر كلامهم توقف التوبة على تمام حفظ ما نسيه من القرآن وتمام قضاء الفوائت وإن كثرت حيث قال وخروج من المظالم بردها أو برد بدلها إن تلفت لمستحقها ما لم يبرئه منها ومنها قضاء نحو صلاة وإن كثرت ويجب عليه صرف سائر زمنه لذلك ما عدا الوقت الذي يحتاج لصرف ما عليه من مؤنة نفسه وعياله وكذا يقال في نسيان القرآن أو بعضه بعد بلوغه ا ه ) اه
وفي طرح التثريب 3/ 102 (الخامسة ) : فيه الحث على تعاهد القرآن بالتلاوة والدرس والتحذير من تعريضه للنسيان بإهمال تلاوته وفي الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعا ** بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي . استذكروا القرآن فلهو أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم بعقلها ** .
من أقوال الحنابلة في مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى
( وَحَرُمَ ) تَأْخِيرُ الْخَتْمِ فَوْقَ أَرْبَعِينَ ( إنْ خَافَ نِسْيَانَهُ قَالَ ) الْإِمَامُ ( أَحْمَدُ : مَا أَشَدُّ مَا جَاءَ فِيمَنْ حَفِظَهُ ثُمَّ نَسِيَهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ ) ، صَاحِبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ ( فِي مَعْنَى حَدِيثِ نِسْيَانِ الْقُرْآنِ : الْمُرَادُ بِالنِّسْيَانِ : أَنْ لَا يُمْكِنَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ ) ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ .
( وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ نَسِيَ الْقُرْآنَ لِاشْتِغَالِهِ بِعِلْمٍ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ ، فَهُوَ غَيْرُ مَأْثُومٍ ) .
وفي الصحيحين أيضا عن أبي موسى الأشعري مرفوعا
** تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها ** .
وفي سنن أبي داود والترمذي عن أنس مرفوعا ** عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها ** , تكلم فيه الترمذي ,
وفي التنزيل ** وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا **
وفي سنن أبي داود عن سعد بن عبادة مرفوعا
** من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله يوم القيامة أجذم ** ,
قيل معناه مقطوع اليد وقيل مقطوع الحجة وقيل منقطع السبب وقيل خالي اليد من الخير صفرها من الثواب
وقد ذكر صاحب العدة وهو أبو المكارم الروياني من أصحابنا : أن نسيان القرآن من الكبائر ) اه
وفي أسنى المطالب 1/64: ( ( ونسيانه كبيرة ) , وكذا نسيان شيء منه
لخبر** عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها **
وخبر ** من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله - عز وجل - يوم القيامة أجذم ** رواهما أبو داود ) اه
وفي حاشية الرملي عليه : ( قوله : ( ونسيانه كبيرة ) موضعه إذا كان نسيانه تهاونا وتكاسلا ) اه
وفي أسنى المطالب أيضا 3/340 قال وهو يعدد الكبائر :
( ( وَنِسْيَانَ الْقُرْآنِ ) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ ** عُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَتَكَلَّمَ فِيهِ التِّرْمِذِي ) اه
ّوفي فتاوى الرملي 4/376
( (سئل ) عمن نسي القرآن هل يجب عليه حفظه أم لا فإن قلتم بوجوبه فهل تركه كبيرة وهل يفرق بين البالغ وغيره ؟
فأجاب بأنه إن نسيه وهو بالغ تهاونا وتكاسلا كان نسيانه كبيرة ويجب عليه حفظه إن تمكن منه للخروج عن المعصية .
وفي فتاوى ابن حجر الهيتمي 1/36 :
( وسئل ) رضي الله عنه بما لفظه : صرحوا بأن نسيان القرآن كبيرة فكيف ذلك مع خبر الصحيحين لا يقول أحدكم نسيت آية كذا وكذا , بل يقول نسيت وخبرهما أنه سمع رجلا يقرأ
فقال - رحمه الله - لقد أذكرني آية كنت أسقطتها وما المراد بالنسيان وهل يعذر به إذا كان لاشتغاله بمعيشة عياله التي لا بد منها ؟ وهل يشمل ذلك نسيان الخط بأن كان يقرؤه غيبا , ومن المصحف فصار لا يقرؤه إلا غيبا وفي عكسه هل يحرم أيضا ؟
( فأجاب ) بقوله : لا تنافي بين الحديثين والحديث الدال على أن نسيان القرآن كبيرة
أما الأول فلأن الأمر بأن يقول نسيت بتشديد السين أو أنسيت إنما هو لرعاية الأدب مع الله تعالى في إضافة الأشياء إليه ; لأنها منه بطريق الحقيقة خيرها وشرها , ونسبتها للعبد إنما هي من حيث الكسب والمباشرة فأمرنا برعاية هذه القاعدة العظيمة النفع العزيزة الوقع التي ضل فيها المعتزلة ومن تبعهم كالزيدية , فليس في هذا الحديث أن النسيان كبيرة ولا أنه غير كبيرة كما اتضح مما قررته .
وأما الثاني فهو دليل على أن المراد بالنسيان المحرم أن يكون بحيث لا يمكنه معاودة حفظه الأول إلا بعد مزيد كلفة وتعب لذهابه عن حافظته بالكلية ,
وأما النسيان الذي يمكن معه التذكر بمجرد السماع أو إعمال الفكر فهذا سهو لا نسيان في الحقيقة فلا يكون محرما وتأمل تعبيره صلى الله عليه وسلم بأسقطتها دون أنسيتها يظهر لك ما قلناه ولا يعذر به وإن كان لاشتغاله بمعيشة ضرورية لأنه مع ذلك يمكنه المرور عليه بلسانه أو قلبه فلم يوجد في المعايش ما ينافي هذا المرور فلم يكن شيء منها عذرا في النسيان نعم المرض المشغل ألمه للقلب واللسان والمضعف للحافظة عن أن يثبت فيها ما كان فيها لا يبعد أن يكون عذرا ; لأن النسيان الناشئ من ذلك لا يعد به مقصرا لأنه ليس باختياره , إذ الفرض أنه شغل قهرا عنه بما لم يمكنه معه تعهده وقد علم مما قررته أن المدار في النسيان إنما هو على الإزالة عن القوة الحافظة بحيث صار لا يحفظه عن ظهر قلب كالصفة التي كان يحفظه عليها قبل . ونسيان الكتابة لا شيء فيه ولو نسيه عن الحفظ الذي كان عنده ولكنه يمكنه أن يقرأه في المصحف لم يمنع ذلك عنه إثم النسيان لأنا متعبدون بحفظه عن ظهر قلب ,
ومن ثم صرح الأئمة بأن حفظه كذلك فرض كفاية على الأمة , وأكثر الصحابة كانوا لا يكتبون وإنما يحفظونه عن ظهر قلب
وأجاب بعضهم عن الحديث الثاني بأن نسيان مثل الآية أو الآيتين لا عن قصد لا يخلو منه إلا النادر
وإنما المراد نسيان ينسب فيه إلى تقصير , وهذا غفلة عما قررته من الفرق بين النسيان والإسقاط ,
فالنسيان بالمعنى الذي ذكرته حرام بل كبيرة ولو لآية منه كما صرحوا به , بل ولو لحرف كما جزمت به في شرح الإرشاد وغيره لأنه متى وصل به النسيان ولو للحرف إلى أن صار يحتاج في تذكره إلى عمل وتكرير فهو مقصر آثم ومتى لم يصل إلى ذلك بل يتذكره بأدنى تذكير فليس بمقصر وهذا هو الذي قل من يخلو عنه من حفاظ القرآن ; فسومح به وما قدمته من حرمة النسيان وإن أمكن معه القراءة من المصحف نقله بعضهم عن جماعة من محققي العلماء وهو ظاهر جلي والله أعلم ) اه
وفي الزواجر لابن احجر الهيتمي 1/201
( الكبيرة الثامنة والستون : نسيان القرآن أو آية منه بل أو حرف )
أخرج الترمذي والنسائي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
** عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها ** .
وأبو داود عن سعد بن عبادة : ** ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم ** .
وأخرج محمد بن نصر عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال :
** إن من أكبر ذنب توافى به أمتي يوم القيامة لسورة من كتاب الله كانت مع أحدهم فنسيها ** .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
** عرضت علي الذنوب فلم أر فيها شيئا أعظم من حامل القرآن وتاركه ** : أي بعد ما كان حامله بأن نسيه .
وأخرج أيضا عن سعد بن عبادة : ** ما من أحد يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله وهو أجذم ** .
وأخرج محمد بن نصر عن سعد بن عبادة : ** من تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله وهو أجذم ** .
وكما يقال المحافظةعلى الحفظ أصعب من الحفظ
منقول : ملتقى عالم القرآن الكريم
أخوكم / المشفق