منهج البحث في الموسوعة :

وأود الإشارة إلى بعض الأمور الهامة المتعلقة بمنهج البحث :-

أولا : لقد استقيت مادة هذا البحث من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، ومن كتب العقيدة ، ومن أمهات الكتب في التفسير والحديث ، وعلى رأسها : تفسير الطبري ، وتفسير ابن كثير ، والتفسير الكبير للفخر الرازي ، وصحيح الإمام مسلم وصحيح الإمام البخاري وغيرها من التفاسير والكتب التي لها مساس من قريب أو بعيد بالرقية الشرعية وعالم الجن والشياطين ، ولقد تم التفصيل في بعض المسائل التي تعرضت لها والمتعلقة بهذا الموضوع ، بحيث أوردت كثيرا من أقوال أهل علم التفسير ، تسهيلا لطلبة العلم في البحث والمراجعة 0

ثانيا : الاعتماد على النصوص الإسلامية من الآثار الصحيحة وأقوال التابعين وسلف هذه الأمة ، وكذلك إيراد أقوال الكتاب والمتمرسين في مجال الرقية الشرعية وعالم الجن والشياطين ، وقد شرحت ما استطعت إليه سبيلا من المعاني الغامضة في الآيات والأحاديث والأفكار تسهيلاً على القارئين 0 وحرصت على الدقة الموضوعية في صحة النقل ، وفي إسناد النصوص والأخبار لأصحابها ، وفي إتباع الرأي بالدليل ، وأشبعت البحث بشواهد قرآنية مشروحة غالباً وأحاديث نبوية كثيرة ؛ دعماً وتأييداً للأفكار 0

ثالثا : اتبعت منهج السلف الصالح في النفي والإثبات الواردين في نصوص الصفات ، وطريقتهم في ذلك أنهم ينفون نفيا إجماليا غالبا على حد قوله تعالى : ( 000 لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) ( سورة الشورى – الآية 11 ) ، ويثبتون إثباتا مفصلا على حد قوله تعالى : ( وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) ( سورة الشورى – الآية 11 ) ، فكل ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع الأسماء والصفات فيثبتونه لله على الوجه اللائق بجلاله وعظمته ، ولذلك تعرضت لأقوال السلف وبعض علماء الأمة في التأويلات المتعلقة بشروحات بعض الأحاديث التي لم تصب الحق ولم توافق منهج السلف 0

رابعا : حرصت خلال فهرسة هذه الموسوعة على ذكر كافة التفصيلات والجزئيات المتعلقة بكل موضوع ، نظرا لأهمية هذه الجزئيات وتسهيلا للمتخصص في هذا العلم والباحث وطالب العلم في العودة لما يهمه من بحث ودراسة وتحقيق 0

خامسا : وضعت خطة هذا العمل المتواضع على نحو ما آمل كونه مفيدا 0 محاولة للوصول إلى الهدف من الدراسة بطريق بيّن واضح ، مع التزام المنهج العلمي الصحيح في نظري ، من العرض ، والاستدلال ، ثم التحليل والمناقشة ، وإثارة التساؤل ، ومحاولة الإجابة فيما أحب لفت الانتباه إليه ، مما سيجده القارئ – إن شاء الله تعالى – في ثنايا هذا البحث 0

سادسا : أحببت قبل أن أدخل في التفصيلات الخاصة بالموضوعات الرئيسة في هذا البحث ؛ كوقاية الإنسان بالذكر والدعاء ، أو البعد عن المعاصي ، أو ما يتعلق بالأمراض التي تصيب النفس البشرية من صرع وسحر وحسد وعين ، أو البحث في الرقية الشرعية والعلاج ، أن أوضح بعض المرتكزات والقواعد الهامة كمدخل لدراسة علم الرقى وأهمية ذلك بالنسبة للقارئ لإعطائه صورة واضحة جلية عن كافة تلك النقاط لارتباطها الوثيق بموضوع البحث وذلك من منظور إسلامي بحت 0

سابعا : تم تخريج أحاديث الكتاب ليتسنى – لطلبة العلم والراغبين- متابعة البحث والدراسة لها ، وذلك بالعودة إلى مصادرها ومراجعها الرئيسة بيسر وسهولة ، وقد جهدت في عملية البحث والتخريج من كتب الحديث أو مظانها على الأغلب ؛ حرصاً على الدقة وإعانة للقارئ وإبعاداً لما لم يثبت أنه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع الإشارة إلى النقاط الهامة التالية :-

أ- تم اعتماد التبويب الخاص بالأبواب وأرقام الأحاديث للكتب الأربعة ( أبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة ) بناء على ما ورد في مؤلفات العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - ونفع الله به الأمة الإسلامية ، في تصحيحه لهذه السنن بتكليف من مكتب التربية العربي لدول الخليج بالرياض 0

ب- تم اعتماد ترقيم الأحاديث الخاصة بصحيح الإمام البخاري وصحيح الإمام مسلم على كتابي ( فتح الباري ) لابن حجر العسقلاني و ( صحيح مسلم بشرح النووي ) لمحي الدين بن شرف النووي 0

ج – سوف يلاحظ القارئ الكريم الاعتماد غالبا في تخريج الأحاديث الخاصة بهذا البحث على منظومة كتب الحديث الخاصة بعلامة بلاد الشام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - دون الاعتماد على من سواه من علماء الحديث ، وما كان ذلك الا بسبب أن فكرة البحث الرئيسة كانت عبارة عن كتيب صغير يبحث في بعض المسائل المتعلقة بالرقية الشرعية ، وقد دعمت بأحاديث صحيح الجامع ، وبعد اطلاع بعض طلبة العلم على هذا العمل أشاروا علي باكمال تخريج الأحاديث للفائدة العامة والخاصة ، ومن هنا بدأت بهذا العمل مستعينا بموسوعة الحديث النبوي ، وتطورت فكرة العمل الى الموسوعة التي بين أيديكم ، واريد أن أوضح من خلال هذا البند أني ما اعتمدت على تصحيحات العلامة الألباني-رحمه الله- دون غيره من علماء الحديث لأسباب خاصة دون السبب الذي أشرت اليه آنفا ، فهذا العمل هو بحث علمي لمسألة هامة جدا تتعلق بالعقيدة والدين ولا يعتبر بحثا في مصطلح الحديث ونحوه ، ويعلم الله سبحانه وتعالى ما أكنه من محبة وتقدير ووقار لكافة علماء الحديث سواء المتقدمين منهم أو المتأخرين من أهل السنة والجماعة 0

د- تم اقتصار الإشارة لبعض الأحاديث لسند واحد دون التوسع بذكر كافة الأسانيد والطرق المختلفة لرواة الحديث ، وتم ذكر المصادر دون تحديدها ، وبإمكان المهتم بالبحث والتخريج والتحقيق البحث في المراجع والمصادر الموضحة في التخريج 0

هـ- سوف يلاحظ في تخريج الشيخ الألباني - رحمه الله - لبعض الأحاديث في السنن الأربعة تضعيف من جهـة وتصحيح من جهة أخرى ، ويعزى مثل ذلك الأمر إلى أن الشيخ يحكم في تصحيحه أو تضعيفه للسنن بناء على ما ورد في سند الحديث ، وقد يصح لديه سند حديث رواه الترمذي ولا يصح لديه هذا السند عند أبي داوود مع أن المتن متطابق في الروايتين وهكذا ، أما إن وجد الحديث في السلسلة الصحيحة أو الضعيفة فيعني ذلك أن الشيخ قد حكم على صحة الحديث من ضعفه بمجموع طرقه والله تعالى أعلم 0

و- أرجو العذر والسماح في حصول تقصير أو زلل أو خطأ في تخريج تلك الأحاديث على الصورة الواردة ، فلست أهلا لمثل ذلك العمل ، وهي محاولة لاعتماد الأحاديث الصحيحة دون غيرها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والمكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتم اعتماد تخريج وتحقيق علماء الحديث حفظهم الله 0 وما فتئت بالدعاء خلال بحثي هذا للعلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - لما قدمه للأمة الإسلامية في تحقيقه وتخريجه لكثير من الكتب الإسلامية القيمة النافعة ، والتي أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها له ذخرا وأن يتجاوز عن عثراته إنه سميع مجيب 0

ثامنا : لقد حرصت خلال هذا البحث على إيضاح حقيقة الرقية الشرعية بمضمونها ومنهجها الصحيح ، وتقعيدها ضمن أطرها وضوابطها الشرعية ، وكذلك ربط الرقية الشرعية بالأمور المتعلقة بها كالدعاء والذكر والمعصية ونحوها ، من خلال شرح واف لمعظم الأحاديث التي عرج عليها في الكتاب ، وذلك لأسباب كثيرة أهمها :-

أ)- الفهم الصحيح لمعاني الأحاديث النبوية كما فهمها السلف الصالح وعلماء الأمة وأئمتها ، دون تأويل أو تحريف أو تعطيل أو تمثيل ونحوه ، والتقيد بتلك المعاني والمفاهيم وبناء الاستدلالات والاسترشادات بناء على ذلك الفهم 0

ب)- تأول بعض المعالجين لكثير من مسائل الرقية الشرعية حسب فهمه القاصر ، خاصة شرح بعض الأحاديث المتعلقة بهذا الجانب ، وقد يؤدي مثل ذلك التأويل إلى إضلال كثير من الناس وبعدهم عن الحق وانسياقهم وراء تأويلات باطلة تحكمها الأهواء والشهوات 0

ج)- رأيت في ثنايا تلك الشروحات بعض الفوائد والمنافع لعامة المسلمين ، لما تحتويه من أمور وأحكام شرعية تهمهم في حياتهم ومعاشهم 0


تاسعا : تم الإشارة في ثنايا هذا البحث لبعض القصص المعبرة عن مواقف صادفتني خلال تجربتي العملية في هذا المجال ، وقد عايشت أحداث تلك القصص ووقائعها ، وقد استخدمت في عرض تلك الأحداث أسلوبا بعيدا عن الإثارة والخوف والرعب ، وكان القصد من ذكرها المصلحة الشرعية العامة للمسلمين ، وبعض تلك القصص استأذنت أصحابها وقرأتها عليهم حرصا على الأمانة العلمية والنقل ، وما قصدت من سرد تلك القصص أي أمر من أمور الدنيا ، والله سبحانه وتعالى أعلم بسرائر القلوب ، وقد كنت عازما أمري في بداية البحث أن لا أتعرض لسرد القصص لما كنت أخشاه من الفهم الخاطئ لمثل ذلك التصرف ، وقد نصحني بعض الأخوة – الأحبة جزاهم الله خيرا – بذكر بعضها لما فيها من تذكرة وعبرة وموعظة ، وأسلوب تشويقي للقارئ ، وأذكر في سياق ذلك كلاما أورده الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مقدمة " مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم – ص 13 " يقول فيه : ( وقال بعض السلف : القصص جنود الله 0 يعني أن المعاند لا يقدر أن يردها ) ، وأود أن أوضح أمراً هاما لا بد للجميع من فهمه وتصوره وإدراكه على حقيقته ، وهذا الأمر يتعلق بادعاء البعض القدرة على إبطال السحر وإزالة العين أو الحسد أو إخراج الجن - وهذا ادعاء كاذب من قبل بعض المغرورين ممن تمكن منهم الشيطان ، وهذه الفئة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تفلح في تقديم العون والمساعدة لإخوانهم المسلمين ، فتلك القضايا والمسائل واقعة تحت قدرة الله ومشيئته ، وهو القادر وحده على شفاء الصرع والسحر والحسد والعين ونحوه 0 مع الاشارة الى النقاط الهامة التالية :-

أ)- عدم القياس أو الاستنتاجات الخاطئة لما روي من وقائع وأحداث ، حيث أن لكل واقعة ملابساتها وظروفها الخاصة 0

ب)- كافة الوقائع المدونة عبارة عن تجارب شخصية صادفتني خلال تجربتي العملية وهي عرضة للخطأ والصواب ، وقد نقلتها بأمانة وصدق ، ولا يجوز أن تؤخذ هذه التجارب كحقائق مسلمة بها ، أو تبنى عليها أحكام ونحوه ، ولقد كان همي الوحيد من خلال كافة الأحداث المشار إليها النتائج الإيجابية والتي من آثارها شفاء المريض بإذن الله تعالى 0

ج)- لا يجوز أن يفهم من خلال العرض الخاص بتلك القصص والمشاهدات بالكيفية المشار إليها إقحام النفس في القضايا الغيبية ، بل يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن التعامل مع تلك الأحداث جاء من منطلق التعامل مع الأمور الحسية المشاهدة نتيجة الوقائع البينة لالتقاء عالم الإنس وعالم الجن من خلال التعرض للإصابة بالأمراض الروحية كالصرع والسحر والعين والحسد 0


عاشرا : نظرا لأهمية هذا البحث العلمي ، وحرصا على إظهاره بشكل ومضمون لا يخالف في عمومياته وجزئياته أقوال أهل العلم وعلماء الأمة فقد ارتحلت بتاريخ الرابع والعشرين من غرة شعبان سنة ألف وأربعمائة وثمانية عشر لمقابلة فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين – حفظه الله - ومتعنا بطول عمره ، وتم عرض ستة وخمسون مسألة فقهية متعلقة بموضوع الكتاب ، وقد تقدم مشكورا بالإجابة على كافة تلك التساؤلات ووضع الإجابات الشافية والوافية لها ، فجزاه الله عني وعنكم خير الجزاء وجعل ذلك في ميزان أعماله يوم الموقف العظيم ، وكافة تلك المسائل تم الإشارة إليها في ثنايا هذه الموسوعة تحت عنوان ( فتوى مكتوبة بتاريخ 24 شعبان 1418 هـ ) 0

حادي عشر : بعض المسائل الفقهية المتعلقة بموضوع الرقية الشرعية وما يتعلق بها بشكل عام – تم اقتصار البحث فيها على الراجح من أقوال أهل العلم دون البحث في مسائل الخلاف ، إلا أنني قد تعرضت لبعض المسائل الخلافية الهامة لإيضاحها ودراستها دراسة مستوفية من منظور شرعي ، لكي لا تصبح قنطرة يعبر عليها كل جاهل أو مدعي للرقية بقصد تمرير ترهات وأباطيل تنطلي على العامة فتخدش أو تدمر العقائد ، مع الحرص على التزام الموضوعية عند طرح الآراء والقضايا ، وعند تحقيق الموضوعات التي يدور حولها الخلاف ، دون تحيز أو إنقاص لقدر المخالفين ، أو تسفيه لآرائهم 0

ثاني عشر : قد يلاحظ اقتباس من كتب أخرى خلال بعض الفقرات في ثنايا هذا البحث دون الإشارة لمصادرها ، وما فعلت ذلك إلا لمعرفتي بجواز ذلك من الناحية العلمية ، لعلمي أن هذا البحث لا يعد رسالة علمية يترتب عليها المحاسبة والمساءلة ، وقد رأيت التنويه لذلك الأمر من باب الأمانة العلمية 0

ثالث عشر : لا بد من التنويه لحقيقة في غاية الأهمية تتعلق بمسألة التسرع في التشخيص ، والتي يتبعها بعض المعالجين مع مرضاهم ، وإيضاح خطورة ذلك وآثاره السيئة على نفسية المرضى ، فواجب المعالج يحتم عليه الاهتمام بالنواحي العقائديـة والشرعية والسلوكية التربوية ، والتي يتحقق من خلالها الغاية والهدف المنشود من الرقية الشرعية ، وبذلك نصبو للمصلحة الشرعية لعامة المسلمين وخاصتهم من خلال اتباع هذا الأسلوب في طريقة العلاج ، ولذلك كان لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار أن الإجابات الواردة في الفصل الخاص بـ ( الأسئلة والأجوبة ) لم تكن لتهدف بحد ذاتها التشخيص – بقدر الاهتمام بالنواحي المذكورة آنفا ، وما تعرضت الدراسة لمثل تلك الأسئلة إلا لواقعيتها وحصولها بين الناس ، وبالتالي فهي تحتاج لإيضاح وتفسير بمفهوم النصوص القرآنية والحديثية وأقوال أهل العلم 0

رابع عشر : يعتقد البعض أن البحث والدراسة المتعلقين بالآثار المترتبة عن أحوال العالم الغيبي يعتبران تعديا وإقحاما للنفس في الأمور الغيبية ، وأرد على ذلك من عدة أوجه :-

أ- لا أنكر مطلقا أن العالم الغيبي أمر اختصه الله سبحانه وتعالى بعلمه ، ولا أقر من هذا العالم إلا ما تؤكده النصوص القرآنية والحديثية ، وهذا الجانب يتعلق بالحديث عن الجنة والنار والبعث وعالم الجن والشياطين ونحوه 0

ب- هنالك علاقة وارتباط بين عالم الإنس وعالم الجن والشياطين ، وهذه العلاقة بين العالمين غالبا ما يكون لها آثار ملموسة دون رؤيتها رؤيا العين ، وقد دلت كثير من النصوص القرآنية والحديثية على مثل ذلك المفهوم ، ومن ذلك قصة موت الفتى الذي كان حديث عهد بعرس من قبل جني متشكل بهيئة ثعبان ، ويقاس على ذلك بعض الوقائع والحوادث الأخرى ، والمقصود من تلك المقدمة القول : بأن التعامل مع تلك الآثار دون البحث والتقصي في أحوال عالم الجن والشياطين أمر جائز شرعا ولا حرج فيه البتة ، لكون تلك الآثار من الأسباب الحسية التي ثبت تواترها ، وتناقلها الصحابة والسلف وعلماء الأمة ، مع الأخذ بعين الاعتبار توفر القواعد والأصول التي تضبط هذا الأمر وتؤصله وتجعل له منهجية في التعامل مع الآثار الحسية لهذا العالم الغيبي ، ومن تلك القواعد والأصول :-


1)- لا يجوز الأخذ بقطعية وصدقية كافة الوقائع والأحداث التي قد تصادف المعالج في حياته وخبرته العملية ، بسبب كذب الجن والشياطين ، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، كما ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بقوله : ( صدقك وهو كذوب ) ، ويجوز سؤال الجن والشياطين لاختبار صدقهم من كذبهم ، كما أشار إلى ذلك المفهوم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - 0

2)- التزام المعالج بمنهجية التعامل مع الأمور المحسوسة ، وفق القواعد والأسس الشرعية والالتزام بالضوابط الشرعية ، وعدم البحث والتقصي في الأمور الغيبية المتعلقة بعالم الجن والشياطين ، والاكتفاء بما قدمته النصوص القرآنية والحديثية عن هذا العالم وأحواله 0

3)- الدعوة الصادقة المعتمدة والمبنية على العلم الشرعي ، ويعتبر ذلك من أقرب القربات إلى الله تعالى كما أشار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - 0

ج- كافة تلك الأحداث والوقائع مشاهدة محسوسة الآثار وقد نقل بها التواتر ، ولا بد أن نقدم للعامة والخاصة إجابات لتلك التساؤلات التي قد تحصل يوميا ، بحيث تعالج الحالة من منطلق ومضمون شرعي 0

د- لا بد من إدراك خطورة ترك العامة والخاصة دون إجابات وافية توضح الأمر وتفسره ، لما يترتب على ذلك من مفاسد عظيمة ، بحيث يلجأ الناس للسحرة والمشعوذين والدجالين لإشباع فضولهم وتحديد إجابات لتساؤلاتهم 0


هـ- وهناك مقولة مفادها ( ليس كل ما يعلم يقال ) ومع الإقرار بذلك في بعض الأمور ، إلا أن المفسدة المترتبة على هذا القول - وفي هذا الجانب بالذات - أعظم من المصلحة المتحصلة ، لذلك لا بد من تقديم تلك الإيضاحات ضمن مفهوم وإطار شرعي لكي لا يفتح الباب أمام الناس فيطرقون أبواب السحرة والمشعوذين والجهلة للاستفسار منهم عن تلك الوقائع والأحداث 0

خامس عشر : أفاد بعض أهل العلم بأن الرقية الشرعية أمر توقيفي تعبدي وهذا ما أراه وأنتهجه ، ولهذا لا يجوز الإخلال بجزئياتها أو اتباع غير ما جاء به الدليل من النصوص القرآنية والحديثية ، ولقد أوردت في ثنايا هذا البحث بعض الآيات من كتاب الله عز وجل والتي يعمد المعالجون للرقية بها ، وبعض تلك الآيات قد ورد بها الدليل ، والبعض الآخر ذكر من باب أنها آيات من كتاب الله عز وجل والقرآن كله خير وشفاء ، والأولى أن يلجأ المسلم في رقية نفسه وأهله وغيره للنصوص الثابتة القطعية ، لما فيها من خير عظيم وحفظ من الشيطان وأتباعه ، ولدلالتها الأكيدة على ما تحمله من معان ومفاهيم 0

سادس عشر : سوف يعرج القارئ الكريم اثناء قراءته في هذا البحث على مصطلح يتكرر كثيرا وهو مصطلح " الأرواح الخبيثة " ، وقد ورد هذا المعنى على لسان بعض علماء الأمة الأجلاء كشيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " ، وابن القيم في " زاد المعاد " وغيرهم ، وهذا المصطلح لا يعني مطلقا أن هؤلاء العلماء يعنون بذلك تجريد تلك الأرواح عن الأجساد ، بل على العكس من ذلك تماما فالجن والشياطين مخلوقات ذات أجسام وأرواح وهي أجساد قد تكون كثيفة وقد تكون رقيقة ولا يعلم كنهها وكيفيتها إلا الله سبحانه وتعالى ، خلقت من مارج من نار وتموت هذه المخلوقات بإذن الله سبحانه وتعالى بمفارقة الروح للجسد مثلها مثل الإنسان تماما ، وهذا ما عليه إجماع الأمة ، وأما كيفية وكنه هذه الأرواح والأجسام فهو من المغيبات التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى ، وبناء عليه فقد أوردت هذا المصطلح في مواضع عدة من هذا الكتاب آملا أن يفهم المعنى بالمضمون المعبر عن محتواه والذي أشرت اليه آنفا 0

سابع عشر : إن بعض الأمور المتعلقة بصرع الأرواح الخبيثة وبطريقة علاجها لم يثبت فيها دليل شرعي ، بمعنى أنه لا يوجد نص في كتاب الله أو سنة رسوله e يؤكد حصول ذلك ، ومثال ذلك كلام الجني الصارع على لسان المصروع أو طريقة خروج الجني أو عملية الفصد أو أماكن وجود الجني ونحوها من أمور كثيرة لم يرد بها النص ، ومع ذلك أصبحت تلك الأمور منقولة بالتواتر والمشاهدة ، وهي معروفة للمختصين في هذا العلم 0 والموقف المتزن الذي لا بد أن يسلكه المعالج في تحديده لكافة تلك الأمور هو أن تضبط بالأحكام الشرعية العامة دون أن تؤدي إلى مفاسد تؤثر تأثيرا مباشرا على الفرد والأسرة والمجتمع المسلم 0

ثامن عشر : لا بد من ملاحظة أمر هام جدا يتعلق بكافة الحوارات التي ضمنها الكتاب ، وهي حوارات اقتضتها المصلحة الشرعية والتي ساعدت - بإذن الله تعالى - على رفع ظلم الأرواح الخبيثة ، ولم تكن تهدف مطلقا إلى إيجاد مفاسد عظيمة تؤدي بمجملها إلى المحظور والإثم 0

تاسع عشر : سوف يلاحظ القارئ الكريم الاسترسال في ذكر الأنواع المتعلقة بالصرع والسحر والعين وبتفصيل دقيق ، وما كان ذلك الا لأسباب أوجزها بالآتي :-

أ)- إن هذا العمل يعتبر موسوعة شاملة لكل ما يتعلق بالرقية الشرعية ، ومن هنا أحببت التفصيل لاكتمال الموضوع من كافة جوانبه 0

ب)- ايضاح كافة الأشكال والصور للأنواع المذكورة لمعرفتها من قبل العامة والخاصة ومن ثم اتخاذ كافة السبل والوسائل المتاحة لمعالجتها من منطلق ومنهج إسلامي 0

ج)- استفادة المعالجين من هذا الجانب خاصة المبتدئين وتعريفهم بهذه الأنواع وأعراضها وآثارها ليستطيعوا الوقوف على حقيقتها ومن ثم اتخاذ السبل الكفيلة بمعالجتها وفق منهج إسلامي واضح صريح 0

د)- ايضاح كافة تلك الأنواع وحقائقها لكثير من منكري تلك الأمراض أو جزء منها أو تأثيراتها المختلفة 0


عشرون : قدمت هذا الكتاب المتواضع لكل من الدكتور الشيخ إبراهيم بن محمد البريكان أستاذ مادة العقيدة الإسلامية بكلية المعلمين بالدمام ، والدكتور الشيخ عادل بن رشاد غنيم الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك فيصل ، وقد كان حرصي على تقديم هذا الكتاب للمكانة العلميه لكلا الشيخين الفاضلين ، وليخرج هذا العمل على الوجه المطلوب ، ليحظى بمزيد من البحث والعناية والدراسة والتقويم ، لشموليته أولا ولارتباطه بالعقيدة ثانيا ، ولدقة المعلومات التي يطرحها 0
فتفضلا مشكورين بقراءته والاهتمام به غاية الاهتمام ، وكانت لي معهما جلسات نقاش وتدارس ، وكم سعدت عندما شعرت باهتمامهما - حفظهما الله - في الجانب التأصيلي للرقية ، وحرصهما على الالتزام الكلي بجزئياتها وأصولها ، ووضع القواعد والضوابط التي تضبطها ، وكذلك اهتمامهما بالجانب العقائدي والتربوي السلوكي المتعلق بهذا الموضوع بشكل عام ، وقد أثرى هذا النقاش الموضوعي البناء علمي المتواضع ، ودونت كافة الملاحظات القيمة التي أشار إليها الشيخين الفاضلين ، خاصة بعض التعليقات العقدية الهامة للدكتور ابراهيم البريكان - حفظه الله - بخصوص نقولات وأقوال بعض أهل العلم التي تخالف في محتواها ومضمونها منهج سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، وحقيقة فقد أثرت تلك التعليقات العقدية الهامة هذا البحث ، لذلك فقد ضمنتها للكتاب لقيمتها العلمية وفائدتها الكبيرة ، ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أتقدم بشكري وعرفاني للدكتور إبراهيم والدكتور عادل لاهتمامهما بهذا البحث ، والتقديم له ، وإعطاء الملاحظات القيمة والنافعة ، والتي زادت من قيمته العلمية ، برغم انشغالهما 0

ومن هنا فإنني أتقدم بالشكر والعرفان لكل من ساهم في تخريج هذا البحث بصورته النهائية ، واقتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول : ( جزاكم الله خيرا ) تعبيرا صادقا عما يكنه قلبي من محبة وأخوة وتقدير للجميع 0

الحادي والعشرون : ونهاية فلا بد أن أشير إلى أنني قد أمضيت جهداً مضنياً في جمع مادة هذا البحث واستغرق العمل مدة اثنى عشر عاماً اطلعت من خلالها على أكثر من أربعمائة كتاب ومرجع حتى جمعت ما حوى هذا الكتاب بين دفتيه ، وكان هدفي هو محاربة ومعالجة المظاهر الخطيرة للفساد الخلقي التي تهدف إلى هدم المجتمعات ونشر الحقد والعداوة والبغضاء بين ربوعها ، وكذلك سعيت أن أقدم هذا الكتاب هدية ثمينة متواضعة ، ولقمة سائغة هنيّة طّيبة للقارئ الكريم متضمناً البحث الجديد والفكر المخلص والكتابة الهادفة الصادقة الصادرة من القلب لتدخل إلى القلب ؛ كي ينتفع بها القارئ والمعالج والمهتم في هذا الجانب ، فتتضح الرؤيا ويقوّم السلوك ، وأتوجه لكافة القراء والمطالعين ممن وجد نقداً بناءً أو رأياً موضوعياً سديداً أو تصحيحاً لفكرة وردت أو نصيحة خالصة لله ، حول ما جاء في هذه الموسوعة ، أن يرسل بذلك مشكوراً مذيلاً تصحيحه بالدليل والمصدر 0
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

   

 

 

 

 

 

 

w      w      w      .      r       u       q       y       a       .       n       e       t