أختي الكريمة صاحبة الرسالة
ليس في القرآن ما ينفر الزوج عن زوجته أو يكرهها فيه بل على العكس تماما فكلام الله يهدي للتي هي أقوم .
قال تعالى :
(( إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ))
قال ابن كثير :
يمدح تعالى كتابه العزيز الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن بأنه يهدي لأقوم الطرق وأوضح السبل .
وقد وصفه الله جل وعلا بأنه (( هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ ))
وقال تعالى :
** وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً **النحل72
وقال :
** وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ **الروم21
قال القرطبي رحمه الله :
المودة والرحمة عطف قلوبهم بعضهم على بعض. وقال السدي: المودة: المحبة، والرحمة: الشفقة؛ وروي معناه عن ابن عباس قال: المودة حب الرجل امرأته، والرحمة رحمته إياها أن يصيبها بسوء.
ويقول الشيخ مناع القطان في مباحث علوم القرآن :
فلا شك ولا ريب أنَّ العلاج بالقرآن الكريم وبما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الرقى هو علاجٌ نافعٌ وشفاءٌ تامٌ {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ** [فصلت: 44]، {وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ** [الإسراء: 82] ومن هنا لبيان الجنس، فإِنَّ القرآن كله شفاءٌ كما في الآية المتقدمة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ** [يونس: 57].
فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كلُّ أحدٍ يُوهَّل ولا يُوفَّق للاستشفاء بالقرآن، وإِذا أحسن العليل التَّداوي به وعالج به مرضهُ بصدقٍ وإِيمانٍ، وقبولٍ تامٍ، واعتقاد جازمٍ، واستيفاء شروطه، لم يُقاومه الداءُ أبداً. وكيف تُقاوم الأدواء كلام ربِّ الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها، أو على الأرض لقطعها، فما من مرضٍ من أمراض القلوب والأبدان إِلا وفي القرآن سبيل الدلالة على علاجه، وسببه، والحمية منه لمن رزقه الله فهماً لكتابه. والله عزَّ وجلَّ قد ذكر في القرآن أمراض القلوب والأبدان، وطبَّ القلوب والأبدان.
فأمَّا أمراض القلوب فهي نوعان: مرض شبهةٍ وشكٍ، ومرض شهوةٍ وغيٍّ، وهو سبحانه يذكر أمراض القلوب مفصلةً ويذكر أسباب أمراضها وعلاجها. قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ** [العنكبوت: 51]، قال العلامة ابن القيِّم رحمه الله: "فمن لمن يشفه القرآن فلا شفاه الله ومن لم يكفه فلا كفاه الله". انتهى .
فالقرآن هدى ورحمة ونور و شفاء وموعظة .
وإذا وقع الشقاق والنزاع بين الزوجين بعثا حكمين من أهلهما
جاء في الموسوعة الفقهية :
( التَّفْرِيقُ لِلشِّقَاقِ ) : -
الشِّقَاقُ هُنَا : هُوَ النِّزَاعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِسَبَبٍ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ ، أَوْ بِسَبَبِهِمَا مَعًا ، أَوْ بِسَبَبِ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُمَا ، فَإِذَا وَقَعَ الشِّقَاقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِمَا الْإِصْلَاحُ ، فَقَدْ شُرِعَ بَعْثُ حَكَمَيْنِ مِنْ أَهْلِهِمَا لِلْعَمَلِ عَلَى الْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا وَإِزَالَةِ أَسْبَابِ النِّزَاعِ وَالشِّقَاقِ ، بِالْوَعْظِ وَمَا إلَيْهِ ، قَالَ تَعَالَى : ** وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إنْ يُرِيدَا إصْلَاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ** وَمُهِمَّةُ الْحَكَمَيْنِ هُنَا الْإِصْلَاحُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِحِكْمَةٍ وَرَوِيَّةٍ .
فإن تعذر الإصلاح بينهما فلها أن تختلع منه وتفتدي نفسها
قال الشوكاني في سبل السلام : باب الخلع
بضم المعجمة وسكون اللام هو فراق الزوجة على مال مأخوذ من خلع الثوب لأن المرأة لباس الرجل مجازاً وضم المصدر تفرقة بين المعنى الحقيقي والمجازي والأصل فيه قوله تعالى : ** وإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت **
عَنِ ابنِ عَبّاسٍ رضيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ امْرَأَةَ ثابتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النّبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فَقَالَتْ : يَا رسولَ اللَّهِ ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ مَا أَعِيبُ عَلَيْهِ في خُلُقٍ ولا دينٍ وَلكني أَكْرَهُ الْكُفْرَ في الإسْلامِ فقالَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم : " أَتَرُدِّينَ عَلَيهِ حَديقَتَهُ ؟ " فَقَالَتْ : نَعَمْ فقالَ رسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم : " اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً " رَوَاهُ البُخَاريُّ وفي روَايَةٍ لهُ : " وأَمَرَهُ بِطَلاقِهَا " . وَلأبي دَاودَ وَالتِّرْمِذيِّ وَحَسّنَهُ : " أَنَّ امَرأَةَ ثَابتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَجَعَلَ النّبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عِدَّتها حَيْضَةً " . وفي روايةِ عَمْرو بْن شُعَيْبٍ عن أبيه عَنْ جَدِّه عِنْدَ ابنِ مَاجَهْ : " أَنَّ ثابتَ بن قَيْسٍ كانَ دَميماً وَأَنَّ امْرَأَتَهُ قالَتْ : لَوْلا مَخَافَةُ اللَّهِ إذا دَخَلَ عَليَّ لَبَصَقْتُ في وَجْهِهِ " . ولأحْمَدَ مِن حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبي حَثْمَةَ : " وَكَانَ ذلكَ أَوَّلَ خُلْعٍ في الإسْلامِ "
( عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابتِ بنِ قَيْسٍ ) سماها البخاري جميلة ذكره عن عكرمة مرسلاً وأخرج البيهقي مرسلاً أن اسمها زينب بنت عبد الله بن أبّي بن سلول وقيل غير ذلك ( أتَتِ النّبيَ صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : يا رسولَ اللَّهِ ثابتُ بنُ قَيْسٍ ) هو خزرجي أنصاري شهد أحداً وما بعدها وهو من أعيان الصحابة كان خطيباً للأنصار ولرسول لله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وشهد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة ( ما أعيبُ ) روى بالمثناة الفوقية مضمومة ومكسورة من العتب وبالمثناة التحتية ساكنة من العيب وهو أوفق بالمراد ( عليه في خُلُقٍ ) ضم الخاء وضم اللام ويجوز سكونها ( ولا دِينٍ ولكني أَكْرَهُ الكُفْرَ في الإسلامِ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟ " فقالتْ : نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً " رواه البخاري . وفي رواية له : وأمره بطلاقها ولأبي داود والترمذي أي : من حديث ابن عباس وحسنه : " أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدّتها حيضة )
قولها : أكره الكفر في الإسلام أي أكره من الإقامة عنده أن أقع فيما يقتضي الكفر
والمراد ما يضاد الإسلام من النشوز وبغض الزوج وغير ذلك أطلقت على ما ينافي خلق الإسلام الكفر مبالغة ويحتمل غير ذلك
وقوله : " حديقته " أي بستانه ففي الرواية أنه كان تزوجها على حديقة نخل.
الحديث فيه دليل على شرعية الخلع وصحته وأنه يحل أخذ العوض من المرأة .انتهى مختصرا .
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وسلم