موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام المنابر الإسلامية > المنبر الإسلامي العام

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 08-11-2006, 05:41 PM   #1
معلومات العضو
الليبي السلفي
إشراقة إشراف متجددة

افتراضي مصادر الاستدلال عند أهل السنة والجماعة

بسم الله الرحمن الرحيم


المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا اله ألا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

أما بعد

فإن أصدق الحديث كتاب الله , وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم , وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار .

ثم أما بعد

لقد اتفق أهل السنة على أن الأدلة المعتبرة شرعاً هي الكتاب , والسنة , والإجماع , والقياس , وهذه الأدلة الأربعة متفقة لا تختلف إذ يوافق بعضها بعضاً ويصدق بعضها بعضاً لأن الجميع حق , والحق لا يتناقض , كما أن جميع هذه الأدلة ترجع إلى الكتاب .
فالكتاب دل على حجية السنة , والكتاب والسنة دلا على حجية الإجماع , وهذه الأدلة الثلاثة دلت على حجية القياس , لذلك يصح أن يقال إن مصدر هذه الأدلة هو القرآن , باعتبار أنه ماعداه بيان له وفرع عنه ومستند إليه .
وهناك أدلة اختلف العلماء عليها وهى, قول الصحابي , و شرع من قبلنا ,والعرف ,والاستحسان , و المصالح المرسلة . وغيرها
وسوف نقوم إن شاء الله ببيان هذه الأدلة وما هو الدليل على أنها من مصادر الاستدلال , وما هي أقسامها وشروط الاستدلال بها.


الأدلة المتفق عليها



الكتاب - السنة - الإجماع – القياس



أولا:الكتاب


س1)- ما هو تعريف الكتاب ؟
الكتاب هو القرآن لقوله تعالى (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ) , ويمكن تعريف القرآن بأنه كلام الله عز وجل حقيقة حروفه ومعانيه , ليس كلامه الحروف دون المعانى ولا المعانى دون الحروف , تكلم الله به قولاًوأنزله على نبيه وحياً وآمن به المؤمنون حقاً, وهو كتاب الله تعالى الذى جعله آية باهرة,ومعجزة قاهرة , وحجة باقية إلى قيام الساعة , وقد تكفل الله سبحانه وتعالى القرآن من التبديل و التحريف فقال تعالي جل شأنه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر9, نزل به الروح ا لأمين جبريل عليه السلام على النبى الأمى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه.
وقد انعقد الإجماع على أن القرآن نزل على النبى صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام فى اليقظة ولم ينزل منه شى فى المنام, وهذا لا يعنى أن طرق الوحى الأخرى يعتريها اللبس أو يلحقها الشك , فالوحى بجميع أنواعه فى اليقظة أو فى المنام يصاحبها علم يقينى بأنه من عند الله سبحانه وتعالى .
ومن هذا التعريف نستنتج الآتي :-
1) - أن القرآن كلام الله حقيقة هو اللفظ والمعنى جميعاً قال الله تعالى (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ) .
2) - أن القرآن منزل من عند الله نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلام قال تعالى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ ) .
3) - القرآن معجزاً أي أن القرآن معجزته من عند الله تعالى أما الحديث النبوي والحديث القدسي فهو ليس كذلك .

س2)- هل القرآن كله نزل باللغة العربية ؟
يمتاز القرآن الكريم عن بقية الكتب السماوية الأخرى ( التوراة و الإنجيل وغيرهما ) بأنه نزل باللغة العربية قال الله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ) وقوله تعالى (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) وقوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ) , وبمقتضى هذه الخاصية فإن ما ترجم من القرآن إلى غير اللغة العربية لا يسمى قرآناً وبالتالي لا يصح الاعتماد عليه في استنباط الأحكام الشرعية سواء كانت الترجمة حرفية أو غير حرفية .

س3)- هناك بعض الكلمات الأعجمية في القرآن مثل المشكاة و غيرها من الألفاظ الأعجمية فما جوابكم على ذلك ؟
أن وجود بعض الكلمات الأعجمية في القرآن مثل كلمة (مِشْكَاةٍ ) في قوله تعالى ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ) , وكلمة (الْقِسْطَاسِ ) في قوله تعالى ( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ) , وكلمة (قَسْوَرَةٍ ) في قول الله تعالى (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ) .
يمكن الجواب عنها بعدة وجوه :-
1) - أن هذه الألفاظ إنما هي عربية ولكن قد يجهل بعض الناس كونها ألفاظا عربية , وذلك إن لسان العرب أوسع الألسنة مذهباً و أكثرها ألفاظا ولا يحيط بجميع ألفاظها إنسان غير نبي .
2) - إنه لا يمتنع أن تكون هذه الألفاظ أعجمية وعربية وإن لها معنى في كل لغة فمن نسبها إلى العربية فهو محق ومن نسبها إلى غيرها فهو محقاً كذلك .
3) - ويمكن أن يقال إن هذه الألفاظ اصلها غير عربي ثم عربتها العرب واستعملتها فصارت من لسانها وإن كان اصلها أعجميا .

س4)- ما معنى المحكم والمتشابه في القرآن الكريم ؟
لقد ورد وصف القرآن إنه كله محكم فقال تعالى (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ) , بمعنى أنه متقن غاية الإتقان في أحكامه وألفاظه ومعانيه , فهو غاية في الفصاحة والأعجاز .
كما ورد وصفه أنه متشابه قال تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا ) , بمعنى أن آياته تشبه بعضها بعضاً في الأعجاز والصدق والعدل .
وورد أيضا من أن القرآن منه ما هو محكم ومنه ما هو متشابه قال الله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) , وقد ذهب بعض السلف إلى أن المحكم هو ما لم يحتمل من التأويل غير وجه واحد والمتشابه ما احتمل من التأويل أكثر من وجه , وذهب بعضهم إلى أن المحكم ما اتضح معناه والمتشابه ما لم يتضح معناه وغيرها من الأقوال . ولكن كانت طريقتهم في التعامل مع المحكم والمتشابه متفقه وقالوا الواجب أن يرد المتشابه إلى المحكم ,كما قالوا إن القرآن ليس فيه ما لا معنى له , كما اتفقوا على أن جميع ما في القرآن يفهم معناه ويمكن تدبره وإنه ليس في القرآن مالا يمكن أن يعلم معناه أحد .

س5)- ما هي دلالة القرآن على الأحكام ؟
للقرآن الكريم جانبان :- جانب ثبوت وجانب الدلالة .
إما من حيث الثبوت فقد اتضح مما سبق أن القرآن كله متواتر ثابت , وإما من حيث دلالة على الأحكام فإنه قد يكون إما قطعي الدلالة , وإما ظني الدلالة .

س6)- ما معنى أن يكون القرآن قطعي الدلالة وما معنى أن يكون ظني الدلالة ؟
قد يكون القرآن قطعي الدلالة , وقد يكون ظني الدلالة .
ومعنى قطعي الدلالة أن لا يحتمل اللفظ إلا معنى واحداً فيتعين حمله عليه ومن أمثلة ذلك .
1)- آيات المواريث
ومنها قوله تعالى (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ) .
فإن النصف والربع والثمن والثلث و السدس مقادير محدودة لا تحتمل أكثر من معنى واحد ولا مجال فيها للرأي والاجتهاد .
2)- آيات الحدود
ومنها قوله تعالى ** الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ** , وقوله تعالى ** وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ** .
فإن المائة والثمانين ومثلهما ليس لها سوى معنى واحد وليس للاجتهاد فيها مجال .
ومعنى أن يكون ظني الدلالة هو أن يحتمل هذا الحكم ويحتمل غيره ( أي أن اللفظ يحتمل عدة معاني) ومن أمثلة ذلك , قول الله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ ) , فإن الإرضاع يحتمل أن يكون المرة الواحدة , ويحتمل المرات المتعددة , ولذلك اختلف الفقهاء في القدر المحرم من الرضاع فدلالة الآية على أن الرضاع مرة واحده محرم دلالة ظنية .
هذا وقد يكون النص الواحد من القرآن قطعي الدلالة باعتبار وظني باعتبار آخر .
ومثال ذلك قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) , فإن دلالة هذه الآية على أصل المسح قطعية , ودلالتها على القدر المطلوب مسحه من الرأس ظنية , ولذلك اتفق الفقهاء على أن مسح الرأس في الوضوء مطلوب واختلفوا في القدر المطلوب مسحه .

س7)- هل في القرآن مجاز ؟
المجاز هو اللفظ المستعمل في غير موضوعه على وجه يصح , كاستعمال لفظ ( أسد ) في الرجل الشجاع.
وقد اختلف العلماء في المجاز في القرآن .
فقال فريق من العلماء لا مجاز في القرآن , قال ابن القيم المجاز طاغوت .
وقال فريق آخر بان المجاز جائز في القران ولكن على النحو الآتي :-
يقع المجاز في القرآن كما في قوله تعالى (وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) .
فبداء الأمر بمسألتهم عن القرية الحاضرة البحر إنما أراد به أهل القرية , لأن القرية لا تكون عادية ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا غيره , وإنه إنما أراد بالعدوان أهل القرية الذين بلاهم بما كانوا يفسقون , وعلى هذا يجب من وجود قرينة من إثبات المجاز , أما في آيات الصفات فلا مجاز ويجب حملها على حقيقتها .


ثانياً:السنة


س1)- عرف السنة ؟
السنة في اللغة هي الطريقة والسيرة , حميدة كانت أو ذميمة , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ) مسلم .
أما في الاصطلاح , هي ماصدر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير القرآن , وهذا يشمل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعله وتقريره وكتابته وإشارته وهمه وتركه .
مثال للسنة القولية قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ) البخاري .
ومثال السنة الفعلية , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ ) البخاري .
ومثال السنة التقريرية , قوله صلى الله عليه وسلم للجارية (أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ ) مسلم , فأقرها الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك .
ومثال كتابته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ وَقَالَ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ ) البخاري .
ومثال إشارته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا ) البخاري
ومثال همه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى مَنَازِلِ قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ ) البخاري .
والمقصود بالترك , هو تركه صلى الله عليه وسلم فعل أمر من الأمور , وهى أنواع .
منها التصريح من الصحابة بأنه صلى الله عليه وسلم ترك كذا , أو لم يفعل كذا , كقول الصحابي في صلاة الْعِيدَ , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَّى الْعِيدَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ ) .
ومنها عدم نقل الصحابة للفعل الذي لو فعله صلى الله عليه وسلم لنقلوه إلينا , مثال ترك النبي صلى الله عليه وسلم التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة .
وهذه الأنواع السابقة (( القولية , والفعلية , والتقريرية , والكتابية , والإشارية , والهمية , والتركية)) قد يدخل بعضها في بعض , فيدخل كل من الكتابة و الإشارة والهم والترك في الفعل .

س2)- ماالذي يدل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟
يمكن تصنيف أفعال النبي صلى الله عليه وسلم على النحو الآتي :-
1)- أفعال جبليه تصدر عنه بحكم الطبيعة كإنسان , وذلك مثل المشي والأكل والشرب والنوم ونحو ذلك وهذا القسم مباح , لأن ذلك لم يقصد به التشريع , لكن لو تأسى به متأسي فلا باس من ذلك ويثاب على قصد التأسي , كما ورد عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا قَالَ مَا هِيَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ (رَأَيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنْ الْأَرْكَانِ إِلَّا الْيَمَانِيَيْنِ وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا الْهِلَالَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَمَّا الْأَرْكَانُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ إِلَّا الْيَمَانِيَيْنِ وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ ) البخاري.
وكما ورد عن الإمام أحمد أنه اختفى ثلاثة أيام ثم انتقل إلى موضع آخر اقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في اختفائه في الغار ثلاثة أيام وقال : ما بلغني حديث إلا عملت به حتى أعطي الحجام ديناراً .
2)- أفعال خاصة به صلى الله عليه وسلم , واختصاصيتها ثابت بدليل , كالجمع بين تسع نسوة وهذا القسم يحرم فيه التأسي به .
3)- أفعال يقصد بها لبيان التشريع , كأفعال الصلاة والحج وغيرهما , وحكم هذا القسم تابع لما بينه فإن كان المبين واجباً كان الفعل المبين له واجباً وإن كان مندوباً فمندوب .

س3)- ما هي الأدلة على وجوب اتباع السنة ؟
أولاً )- القرآن :-
الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) .
ترتب الوعيد على من يخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .
الأمر بالرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) , وغيرها من الأدلة على وجوب اتباع السنة .
ثانياً )- السنة :-
َقولهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَالْمُحْدَثَاتِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ و قَالَ أَبُو عَاصِمٍ مَرَّةً وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ) , وقَولهَِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) البخاري

س4)- ما هي علاقة السنة بالقرآن الكريم ؟
1)- التأكيد :- وتسمى السنة المؤكدة وهى الموافقة للقرآن من كل وجه , ومن أمثلة ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ) , فإن الحديث يؤكد النهى في قوله جل وعلا (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) .
2)- البيان :- وتسمى السنة المبينة أو المفسرة لما أجمل في القرآن , كما هو الحال في الصلاة فإن القرآن أمر بها على وجه الإجمال ثم جاءت السنة لبيان أوقاتها وشروطها وموانعها , وكذلك الحال في الزكاة والصيام والحج وغير ذلك من كل ما جاء مجملاً في القرآن ثم تولت السنة شرحه وإيضاحه , ومنها ( السنة البيانية ) تخصيص ما ورد عاماً في القرآن وتقييد ما أطلق في القرآن .
3)- السنة الاستقلالية :- أو الزائدة على ما في القرآن , ومن أمثلة ذلك تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في عصمة واحدة فإن ذلك الحكم لم ينص عليه في القرآن وإنما بينة ذلك السنة وذلك لما يترتب عليه من العداوة والبغضاء بين ذوى الأرحام , وغير ذلك من الأحكام التي استقلت بها السنة عن القرآن .


ثالثاً : الإجماع


س1)- عرف الإجماع ؟
يعرف الإجماع اصطلاحاً بأنه اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي.
شرح التعريف :-
1- اتفاق : خرج به الاختلاف ولو من واحد فإذا خلاف ولو واحد فلا ينعقد الإجماع .
2- مجتهدى : خرج به العوام والمقلدون فلا يعتبر وفاقهم ولا خلافهم .
3- هذه الأمة : خرج به إجماع غير هذه الأمة فلا عبرة بإجماعهم .
4- بعد النبي صلى الله عليه وسلم : خرج به اتفاقهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعتبر إجماعا لأن قول الصحابي كنا نفعل أو كانوا يفعلون كذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يكون مرفوع حكماً لا نقلاً للإجماع .
5- على حكم شرعي : خرج به اتفاقهم على حكم غير شرعي فلا دخل له هنا .

س2)- ما هي أنواع الإجماع ؟
يمكن تقسيم الإجماع باعتبارين هما :-
أولاً باعتبار ذاته :-
وينقسم إلى :-
1- الإجماع القولى : وهو أن يتفق قول الجميع على حكم , بأن يقول الجميع مثلاً (( هذا حرام , أو هذا حلال )) .
2- الإجماع العملي : وهو أن يتعامل المجتهدون جميعاً في عصر ما بنوع من المعاملة كأن يتعاملوا بالتجارة مثلاً فإن عملهم هذا يدل على أن ما عملوه مشروع ويفيد جوازه .
3- إجماع السكوت : وهو أن يشتهر القول أو الفعل من البعض فيسكت الباقون عن إنكاره .
وقد اختلف العلماء على حجية إجماع السكوت فبعضهم اعتبره حجة والبعض الآخر لم يعتبره حجة وسبب الخلاف هو أن السكوت محتمل للرضا وعدمه , فمن رجح جانب الرضا وجزم به قال إنه حجة , ومن رجح جانب المخالفة وجزم به قال إنه لا يكون حجة .
لذلك لا يمكن إطلاق الحكم على إجماع السكوت بل لا بد من النظر في القرائن وأحوال الساكتين وملابسات المقام .
ثانياً باعتبار قوته :-
وينقسم إلى :-
1- القطعي : وهو ما يعلم وقوعه من الأمة بالضرورة كالإجماع على وجوب الصلوات الخمس وتحريم الزنى , وهذا النوع لا أحد ينكر ثبوته ولا كونه حجة , ويكفر مخالفة إذا كان ممن لا يجهله .
2- الظني : وهو ما لا يعلم إلا بالتبليغ والاستقراء وقد اختلف العلماء في إمكانية ثبوته , وأصح الأقوال ما قاله شيخ الإسلام ابن تيميه وهو أن الإجماع الذي ينضبط هو إجماع السلف الصالح وهم الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون وتابع التابعون ( أي القرون الثلاثة المفضلة ) إذ بعدهم كثرت الاختلافات وانتشرت الأمة .

س3)- ما هي الأدلة على وحجية الإجماع ؟
قول الله تعالى (وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) , ووجه الدلالة بهذه الآية أن الله توعد من يتبع غير سبيل المؤمنين بالعذاب الشديد , ولا يكون هذا الوعيد إلا على شيء محرم , فيكون اتباع سبيل غير المؤمنين محرماً , ويلزم من وجوب اتباع سبيل المؤمنين حجية الإجماع إذ المراد بسبيل المؤمنين ما يختارونه من قول أو فعل أو اعتقاد .
وقوله تعالى ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) , ووجه دلالة هذه الآية أن الله امتدح هذه الأمة بأن جعلها خياراً , ولا يحسن هذا المدح إلا إذا كانوا على صواب , والصواب يجب اتباعه , وهو يدل على حجية الإجماع .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمََ (لَا يَجْمَعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ ).


رابعاً : القياس

س1)- عرف القياس ؟
القياس هو حمل فرع على أصل في حكم لعلة جامعة بينهما .
ومن هذا التعريف نستنتج أن للقياس أربعة أركان هي :-
الركن الأول الأصل : وهو المحل الذي ثبت فيه الحكم , ويسمى المقيس عليه , والمشبه به , والملحق به .
الركن الثاني الفرع : وهو المحل الذي لم يرد فيه نص , ويراد معرفة حكمه , ويسمى المقيس , والمشبه , والملحق .
الركن الثالث حكم الأصل : وهو الحكم الشرعي الثابت للأصل بالكتاب أو السنة أو إجماع , أما حكم الفرع فلا يعتبر ركناً لأن حكم الفرع ليس جزءاً من ماهية القياس , وإنما هو ثمرة القياس ونتجته , لأن ظهوره للمجتهد متأخر عن حكم الأصل , فهو لم يظهر له إلا بعد عملية القياس , والركن لا يتأخر عن الماهية .
الركن الرابع العلة : وهى الوصف الذي شرع الله من أجله حكم الأصل ووجده المجتهد في الفرع أيضا .
واليكم هذا المثال الذي يبين هذه الأركان الأربعة :-
قول صلى الله عليه وسلم ( الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ ) فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الوارث إذا قتل موروثه ظلماً وعدواناً فإنه لا يرثه , فحرمان الوارث القاتل من الميراث حكم شرعي , فإذا بحث المجتهد عن علة هذا الحكم فإنه يجد إنها القتل المحرم , وحيثما وجدت هذه العلة غلب على ظنه وجود الحكم معها , لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً .
ولذلك إذا قتل الموصى له الموصى فانه يمنع من اخذ الوصية لوجود العلة وهى ( القتل غير المشروع ) .
"فقتل الوارث موروثه : هو الأصل المنصوص على حكمه .
"ومنع القاتل من الميراث : هو حكم الأصل .
"والقتل المحرم : هو علة الحكم .
"وقتل الموصى له الموصى : هو الفرع .

س2)- ما معنى كل من ( تنقيح المناط - تخريج المناط - تحقيق المناط ) عند الأصوليين ؟
تنقيح المناط :-
معنى تنقيح المناط تخليصه من كل ما ليس له دخل في العلية , ويكون ذلك عندما تكون العلة منصوصاً عليها وتكون مشتملة على أوصاف متعددة ولم يوجد ما يعين أحد هذه الأوصاف للعلية .
واليكم هذا المثال الذي يبين هذا :-
قصة الأعرابي الذي جاء فزعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم واخبره بأنه جامع زوجته في نهار رمضان عمداً فأوجب عليه النبي صلى الله عليه وسلم الكفارة .
فإيجاب الكفارة حكم شرعي على الأعرابي , والذي وقع فيه الأعرابي أمور متعددة هي :-
(1)- الوقاع .
(2)- كونه من الأعراب .
(3)- كونه في زوجته .
(4)- كونه في رمضان معين .
(5)- كونه في نهار رمضان متعمداً .
فلكي يصل المجتهد إلى معرفة العلة التي أنيط بها هذا الحكم عليه أن ينقح هذه الأوصاف ويخلصها من كل مالا يصلح لأن يكون علة .
وبالبحث يتضح له أنه لا يصح واحد من تلك الأوصاف أن تكون علة لوجوب الكفارة سوى واحد , وهى الوقاع في نهار رمضان عمداً , وبذلك يتعين أن يكون هذا الوصف هو مناط الحكم الذي هو إيجاب الكفارة , غير أن الفقهاء اختلفوا في أن علة إيجاب الوقاع عمداً في نهار رمضان للكفارة , هل هو لخصوصية فيه فلا يجب في غيره بالأكل ونحوه عمداً ؟ أم إنه إنما كان علة لما فيه من انتهاك حرمة الشهر وعليه فإن الكفارة تجب في ما وجد الانتهاك ؟
تخريج المناط :-
هو الاجتهاد في استخراج علة الحكم المنصوص عليه , ولم تثبت علته بنص ولا إجماع , ويتم تخريج المناط بأي مسلك من مسالك العلة عدا النص والإجماع .
واليكم هذا المثال الذي يبين هذا :-
إذا ورد نص بتحريم الخمر , ولم تثبت علته بنص ولا إجماع , فإن المجتهد سيبحث عن علة التحريم , وهذا البحث يسمى تخريج المناط .
فتخريج المناط إذاً هو استنباط علة لحكم شرعي ورد به النص ولم يكن هناك نص ولا إجماع يثبت علته .
تحقيق المناط :-
هو البحث لغرض إثبات علة الحكم المنصوص عليه في واقعة لم ينص على حكمها .
واليكم هذه الأمثلة:-
المثال الأول : ورد النص بان علة اعتزال النساء في المحيض هو الأذى بقوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) , فينظر المجتهد في تحقيق الأذى في النفاس , فإذا ما تحقق ثبت الحكم المنصوص عليه .
المثال الثاني : ثبت أن علة تحريم الخمر هي الإسكار , فإذا ما أرد المجتهد أن يعرف حكم شرب النبيذ , فعليه أن يثبت أنه مسكر , فمتى ما اثبت هذه العلة ظهر الحكم .

س3)- لقد دل الكتاب والسنة وأقوال الصحابة على أن القياس أحد الأدلة التي تثبت بها الأحكام الشرعية . اذكر هذه الأدلة ؟
اولا : الكتاب
قوله تعالى ( اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ) , والميزان ما توزن به الأمور ويقاس به بينها .
وقوله تعالى (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) , فشبه الله تعالى إعادة الخلق بابتدائه .
وقوله ( وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ
ثانيا : السنة
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ ( أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكِ عَنْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ ) مسلم , ووجه الدلالة هي أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاس دين الله تعالى على دين الآدمي .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ فَقَالَ ( هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ قَالَ أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ قَالَ فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ ) البخاري , فهذا قياس مقنع لان البشر كالإبل في هذه الناحية فلا فرق .
وقد استعمل الصحابة القياس ومنها ما ذكر عن عمر بن الخطاب في كتابه إلى موسى الأشعري في القضاء

س4)- ما هي أنواع القياس ؟
يمكن تقسيم القياس إلى ثلاثة أقسام بثلاثة اعتبارات وهى :-
اولا : باعتبار قوته وضعفه :-
ينقسم القياس باعتبار قوته وضعفه إلى قسمين هما :-
1- قياس جلي : وهو ما ثبتت علته بنص أو إجماع أو كان مقطوعاً فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع .
من هذا التعريف يتضح أن العلة يجب أن تكون ثابتة بأحد الأمور الآتية :-
• النص وهو الكتاب والسنة .
• إجماع العلماء على أن هذه هي العلة , لأن الإجماع سبقا لنا أنه حجة ودليل شرعي فإذا اجمع العلماء على أن هذه العلة لهذا الحكم صارت كالعلة التي نص عليها الشارع .
• ما يقطع فيه ( أي يعلم علم اليقين أنه لا فرق بين الأصل والفرع ) .
واليكم هذه الأمثلة لهذه الأنواع الثلاثة :-
أولاً )- ما ثبتت علته بالنص : وهو قياس المنع من الاستجمار بالدم النجس إلحاقاً على المنع من الاستجمار بالروثة , فإن علة حكم الأصل ثابتة بنص الدليل وهو حديث عبدا لله رضي الله عنه قال ( أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبرز فقال ائتني بثلاثة أحجار فوجدت له حجرين وروثه حمار فامسك الحجرين وطرح الروثه وقال : هي رجس ) صححه الألباني , والرجس هي النجس .
ثانياً )- ما ثبتت علته بالإجماع : وهو نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضى القاضي وهو غضبان , فإن قياس منع الحاقن من القضاء على منع الغضبان ثبتت علته بالإجماع وهي تشويش الفكر وانشغال القلب
ثالثاً )- ما كان مقطوع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع : ومثاله قياس تحريم إتلاف مال اليتيم بالبس على تحريم إتلافه بالأكل للقطع بنفي الفارق بينهما .
2)- القياس الخفي : وهو ما ثبتت علته باستنباط ولم يقطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع .
ومثال ذلك قياس الأشنان على البر في تحريم الربا بجامع الكيل فإن التعليل بالكيل لم يثبت بنص ولا إجماع ولم يقطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع إذ من الجائز أن يفرق بينهما بأن البر مطعوم بخلاف الأشنان .
ثانيا باعتبار إثبات أو نفي الحكم :-
ينقسم القياس باعتبار إثبات أو نفي الحكم إلى قسمين هما :-
1- القياس الطردي : وهو ما اقتضى إثبات الحكم في الفرع لثبوت علة الأصل فيه .
ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ ) فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الوارث إذا قتل موروثه ظلمـاً وعدواناً فإنه لا يرثه ولذلك إذا قتل الموصي له الموصي فإنه يمنع من أخذ الوصية لوجود العلة وهى (( القتل غير المشروع )) .
2- القياس العكسي : وهو إثبات نقيض حكم الأصل للفرع لوجود نقيض علة حكم الأصل فيه .
ومثال ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا ) مسلم .
فاثبت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للفرع وهو الوطء الحلال نقيض علة الأصل وهو الوطء الحرام لوجود نقيض علة حكم الأصل فيه , وإثبات للفرع أجراً لأنه وطء حلال كما أن الأصل وزراً لأنه وطء حرام .
ثالثا باعتبار صحته وبطلانه :-
ينقسم القياس باعتبار صحته وفساده إلى ثلاثة أقسام هي :-
1- القياس الصحيح : وهو ما جاءت به الشريعة في الكتاب والسنة وهو الجمع بين المتماثلين ( أن تكون العلة موجودة في الفرع من غير معارض يمنع حكمها ) .
2- القياس الفاسد : وهو كل قياس دل النص على فساده , وكل من الحق منصوصاً بمنصوص يخالف حكمه فقياسه فاسد .
3- قياس الشبه ( القياس المتردد فيه بين الصحة والفساد ):- وهو أن يتردد فرع بين أصلين مختلفي الحكم وفيه شبه بكل منهما , فيلحق بأكثرهما شبهاً به .
ومثال ذلك العبد هل يملك بالتمليك قياساً على الحر أو لا يملك قياساً على البهيمة ؟
إذا نظرنا إلى هذين الأصلين ( الحر والبهيمة ) وجدنا أن العبد متردد بينهما , فمن حيث أنه إنسان عاقل يثاب ويعاقب وينكح ويطلق يشبه الحر , ومن حيث أنه يباع ويرهن ويوقف ويوهب ويورث ويضمن بالقيمة ويتصرف فيه يشبه البهيمة , وقد وجد أنه من حيث التصرف المالي أكثر شبهاً بالبهيمة فالحق بها .


شروط الاستدلال بالأدلة المتفق عليها


س1)- ما هي شروط الاستدلال بالكتاب والسنة والإجماع والقياس ؟
سبق وأن عرفنا أن الكتاب والسنة والإجماع والقياس من الأدلة المتفق عليها , ولكن هناك شروطاً يجب مراعاتها عند الاستدلال بكل منها وهذه الشروط هي :-


شروط الاستدلال بالكتاب

صحت الاستدلال : إن المستدل بالقرآن الكريم يحتاج إلى ثبوت دلالته على الحكم لأنه قد يستدل به مستدل ويكون هذا الدليل لا دلالة فيه على ما زعم .


شروط الاستدلال بالسنة

1- صحت الدليل : وهى ثبوت سندها إلي النبي صلى الله عليه وسلم , لأن الأحاديث منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف .
2- صحت الاستدلال : لأن المستدل بالسنة يحتاج إلى ثبوت دلالته على الحكم كما هو الحال في القرآن الكريم .


شروط الاستدلال بالإجماع

1- أن يثبت بطريق صحيح : بأن يكون إما مشهوراً بين العلماء , أو ناقله ثقة واسع الاطلاع .
2- ألا يسبقه خلاف مستقر : فإن سبقه خلاف ولم يتراجع المخالف عن قوله فلا إجماع لأن الأقوال لا تبطل بموت قائليها , أما إن تراجع المخالف عن قوله ووفق ما اجمع عليه يكون إجماعاً لأن الخلاف لم يستقر .


شروط الاستدلال بالقياس

1- أن لا يصادم دليلاً أقوى منه : فلا اعتبار بقياس يصادم النص ( الكتاب والسنة ) أو الإجماع , ويسمى هذا القياس ( فاسد الاعتبار ) .
2- أن يكون حكم الأصل ثابتاً بنص أو إجماع : فإن كان ثابتاً بقياس لم يصح القياس عليه .
3- أن يكون لحكم الأصل علة معلومة ليمكن الجمع بين الأصل والفرع فيها : فإن كان حكم الأصل تعبدياً محضاً لم يصح القياس عليه .
4- أن تكون العلة مشتملة على معنى مناسب للحكم يعلم من قواعد الشرع اعتباره : ومثاله ما ثبتت علة بنص أو إجماع أو ما كان مقطوع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع .
5- أن تكون العلة موجودة في الفرع كوجودها في الأصل : ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ ) فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الوارث إذا قتل موروثـه ظلمـاً وعدواناً فإنه لا يرثه ولذلك إذا قتل الموصي له الموصي فإنه يمنع من اخذ الوصية لوجود العلة في كلاً من الأصل والفرع وهى ( القتل غير المشروع ) .


الأدلة المختلف فيها



قول الصحابي - شرع من قبلنا- العرف - الاستحسان - المصالح المرسلة



أولا : قول الصحابي


س1)- عرف الصحابى ؟
الصحابي : هو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم أو راه مؤمناً به ومات على ذلك فيدخل فيه من ارتد ثم رجع إلى الإسلام .

س2)- هل قول الصحابي حجة ؟
اتفق العلماء على أن :
1- قول الصحابى ( الذى لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب ) قولاً لا مجال للاجتهاد فيه ولا يتعلق ببيان لغةأو شرح غريب.
2- فعل الصحابى إذ لم يكن من قبيل الرأي .
له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويعتبر من السنة التى يجب اتباعها .
واختلفوا في قول الصحابي الذي ليس له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم هل هو حجة أم لا على قولين فمنهم من قال إنه حجة وعلل ذلك بأن الصحابة أقرب إلى الصواب , لكونهم شاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا من أقواله وأفعاله وأحواله ما لم يعرفه أحد , ولأنهم أخلص لله نية وأبعد عن الهوى , ولأنهم خير هذه الأمة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله ( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) البخاري , ولأنهم مقدمون على غيرهم في كتاب الله تعالى قال تعالى ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ) , وهذا يدل على أن لهم قولاً متبوعاً , فهذه الوجوه تدل على أن قول الصحابة حجة .
وقال البعض إنه لا حجة إلا فيما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى قال ( لِأَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) , وقال تعالى (مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ) , وقال تعالى ( وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) , ومعلوم أننا لو اتبعاً الصحابة لكنا أطعنا غير الرسول صلى الله عليه وسلم , أخذنا بغير ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم , وهذا لادليل على وجوبه , وما ذكر من الأوصاف السابقة في الصحابة فنحن نؤمن بها لكن هذا لا يقتضي أن يكون ما قالوه مما لم يرد به نص حجة يجب اتباعها .

س3)- ما هو القول الراجح في حجية قول الصحابي ؟
يمكن تقسيم حجية أقوال الصحابة إلى ثلاثة أقسام حسب اختلاف أحوالهم :-
القسم الأول : من نص الشرع على أن أقوالهم حجة فهذا واضح في أن قولهم حجة بنص الشرع .
ومثل ذلك :-
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ) , فهذا نص في أن قولهما حجة لأنه قال اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي , وهذا لايعني أن الاقتداء بهما فيما فعلاه من سنته صلى الله عليه وسلم , إذ لو كان هذا هو المعنى لكان الحديث عديم الفائدة , لأن الاقتداء بمن أخذ بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم أمر مأمور به ولو كان الذي اقتدى به من القرن السابع أو العاشر .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( َإِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا ) البخاري , وهذا الحديث صريح في الاقتداء بهما .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ) , فهذا الحديث يدل على اتباع سنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتباع سنة الخلفاء الراشدين من بعده .
القسم الثاني : من عرفوا بالإمامة في الدين والفقه في العلم , فهؤلاء أيضا يعتبر قولهم حجة ولكن ليس مثل من نص الشرع على الاقتداء بهم.
القسم الثالث : من لم يتصفوا بهذه الأوصاف السابقة ( القسم الأول والثاني ) , فقول هذا القسم من الصحابة ليس بحجة على القول الراجح .
ملاحظة :
قول الصحابي الذي ذهب الأئمة إلى الاحتجاج به لا يكون مخالفاً للنص , فإذا خالف النص أخذ بالنص وترك قول الصحابي .
وهذا المثال يوضح ذلك : كان على بن أبى طالب ( من القسم الأول ) , وابن عباس ( من القسم الثاني ) رضى الله عنهما يريان أن المرأة الحامل إذا توفى عنها زوجها اعتدت بأطول الأجلين ( الأشهر أو وضع الحمل ) فيقولان : إن وضعت قبل أربعة أشهر وعشرة أيام انتظرت حتى تتم أربعة أشهر وعشرة أيام , إن تم لها أربعة أشهر وعشرة أيام ولم تضع انتظرت حتى تضع. وقد خالف قولهما هذا النص وهو : ( إن سبيعة الأسلمية نفست بعد موت زوجها بليال , فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزوج ).
أما إذا خالف قول الصحابي قول صحابي آخر نأخذ بالراجح منهما والراجح هو الأقرب إلى النص .


ثانياً : شرع من قبلنا


س1)- ما المراد بشرع من قبلنا ؟
المراد بشرع من قبلنا تلك الأحكام التي شرعها الله تعالى للأمم السابقة على لسان الأنبياء الذين أرسلهم الله إلى تلك الأمم , مثل سيدنا نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة والتسليم .
ملاحظة : إن المقصود من الأحكام الواردة فيما سبق هي تلك الأحكام التي قصها علينا القرآن الكريم أو جاءت على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم , أما ماعدا ذلك من أحكام الشرائع السابقة فالإجماع منعقد على عدم العمل بها , ولذلك فلا يعمل بحكم ثبت بالتوراة أو الإنجيل ولم يرد ذكره في الكتاب ولا في السنة لأن كلاً من التوراة والإنجيل قد تعرضا للتحريف والتغيير .

س2)- هل يعتبر شرع من قبلنا شرعاً لنا أم لا ؟
للإجابة على هذا السؤال نقول إن أحكام من قبلنا تتنوع إلى ثلاثة أنواع :
النوع الأول : أحكام ورد في القرآن الكريم أو في السنة النبوية الشريفة ما يفيد إنها منسوخة بالنسبة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وهذه لا تعتبر شرعاً لنا باتفاق العلماء .
ومثال ذلك : كان العاصي في شريعة موسى عليه السلام لا يكفر ذنبه إلا أن يقتل نفسه قال تعالى ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) , أما العاصي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فتكفيه التوبة الصادقة إلى الله تعالى ليكفر عن ذنبه .
النوع الثاني : أحكام أقرتها الشريعة الإسلامية , ووافقت فيها الشرائع السابقة وإن اختلفت معها أحيانا في الشكل والكيفية , وقد اتفق العلماء على إنها شرعاً لنا .
مثل الصيام فإنه كان واجباً في الشرائع السابقة وقد أبقت الشريعة الإسلامية على هذا الحكم ,قال تعالى ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) , ولا شك إن كيفية أداة هذا الحكم تختلف في الشريعة الإسلامية عن الشرائع السابقة .
ومثال آخر وهو الأضحية فقد كانت مشروعة في ملة إبراهيم عليه السلام وقد أقرها الإسلام .
النوع الثالث : أحكام قصها الله علينا في كتابه العزيز أو جاءت على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولم يوجد في سياق النص أو في نص آخر ما يفيد أنها منسوخة عنا ولا ما يفيد أنها مقررة علينا .
وقد اختلف العلماء في الاحتجاج بها , فذهب الأكثر إلى أنها شرعاً لنا وهذا هو القول الراجح .


ثالثاً : العرف


س1)- ما المراد بالعرف؟
يطلق العرف لغة على كل ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه , ويطلق أيضا على المعروف , وهو الخير والرفق والإحسان .
أما اصطلاحاً فهو ما اعتاد جمهور الناس وألفوه من فعل شاع بينهم أو لفظ تعارفوا إطلاقه على معنى خاص , بحيث لا يتبادر غيره عند سماعه .

س2)- ما الفرق بين العرف والعادة ؟
ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا فرق بين العادة والعرف , فهما لفظان مترادفان , وذهب المحققون منهم إلى أن العادة أعم من العرف لأنها تكون من الفرد ومن الجماعة , أما العرف فلا يكون إلا من جميع الناس أو أغلبهم .

س3)- ما الفرق بين العرف والإجماع ؟
قد يتبادر إلى الذهن أن العرف والإجماع شئ واحد , لأن كلاً منهما يتمثل في قول أو فعل طائفة من الناس , ولكن بشيء من التأمل في حقيقة كل واحد منهما ونوع الحكم المترتب عليه ومدى صلاحيته يتضح أن بينهما عدة فروق سواء من حيث الماهية أو من حيث قوة الحكم الثابت بهما , أو من حيث بقاء ذلك الحكم واستمراره .
ومن هذه الفروق ما يلي :-
1- إن العرف يتحقق باتفاق أغلب الناس على قول أو فعل بغض النظر عن صفتهم , فهو يتحقق باتفاق المجتهدين وباتفاق غيرهم من الأميين والعوام .
أما الإجماع فلا يتحقق إلا باتفاق المجتهدين خاصة على حكم شرعي عملي , ولاعتداد باتفاق من سواهم
2- إن العرف يتحقق باتفاق أغلب الناس ولا يتأثر بمخالفة بعضهم له .
أما الإجماع فلا يتحقق إلا باتفاق جميع المجتهدين , فإذا خالف مجتهد واحد في المسألة فإنه لا ينعقد .
3- إن الحكم الثابت بالإجماع الصريح يكون كالحكم الثابت بالنص , فلا مجال فيه للاجتهاد , ولا يقبل التغيير بحال .
أما الحكم الثابت بالعرف فهو على خلاف ذلك .

س4)- ما هي أنواع العرف ؟
يمكن تقسيم العرف إلى ثلاثة أنواع بثلاثة اعتبارات وهى :-
النوع الأول : القولي والعملي .
1- العرف القولي : وهو أن يتعارف جمهور الناس على إطلاق لفظ معين خاص بحيث إذا أطلق هذا اللفظ انصرف الذهن إلى ذلك المعنى المتعارف عليه دون حاجة إلى قرينة .
مثال ذلك :-
أ- إطلاق لفظ الولد على الذكر دون الأنثى مع إنه في اللغة يشملهما معاً قال الله تعالى ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ).
ب]- إطلاق لفظ اللحم على ما عدا السمك مع إنه يسمى في اللغة لحماً يشهد لذلك قوله تعالى ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا ) , فقد سماه لحماً .
2- العرف العملي : وهو ما اعتاده جمهور الناس في تصرفاتهم , وساروا عليه في معاملاتهم .
مثال ذلك :-
تعارفهم على البيع بالتعاطي من غير صيغة لفظية بالإيجاب و القبول , وذلك بأن يدفع المشترى الثمن للبائع في السلع المعلومة الثمن , ويأخذ السلعة دون أن يقع منهما صيغة لفظية .
النوع الثاني : العام والخاص .
1- العرف العام : وهو الذي يتعارفه أهل البلاد جميعاً في زمن من الأزمنة .
ومثال ذلك :-
تعارفهم على أن أجرة دخول الحمام لا تتعلق بمدة المكث فيه , ولا مقدار الماء المستهلك .
2- العرف الخاص : وهو ما كان سارياً في بعض البلدان دون باقيها , أو طائفة دون غيرها من الطوائف .
ومثال ذلك :-
تعارف أهل العراق على إطلاق لفظ الدابة على الفرس فقط .
النوع الثالث : الصحيح والفاسد .
1- العرف الصحيح : وهو ما تعارف عليه الناس , وليس فيه مخلفة لنص ولا تفويت لمصلحة , ولا جلب لمفسدة .
ومثال ذلك :-
تعارف الناس على أن ما يقدمه الخاطب إلى خطيبته من ملابس ونحوها إنما هو هدية فقط وليس له علاقة بالمهر .
2- العرف الفاسد : وهو ما خالف نصاً شرعياً أو فوت مصلحة أو جلب مفسدة .
مثال ذلك :-
تعارف الناس على بعض العقود الربوية , وعلى بعض العادات المستنكرة التي تفعل في الأفراح والمآتم , ولا شك إن هذا النوع من العرف لا يلتفت إليه ولا يعول عليه , بل يجب محاربته والقضاء عليه .

س5)- هل يعتبر العرف حجة أم لا ؟
لا خلاف بين الفقهاء في أن العرف إذا كان مخالفاً لأدلة الشرع مناقضاً لحكمة وأهدافه , لا يعتد به بل يجب إلغاؤه , لأنه في بقائه من المفاسد ما يعلمها إلا الله , ولذلك فإن الشرع الحكيم قد ألغى جميع الأعراف الفاسدة الموجودة عند العرب قبل الإسلام مثل الطواف بالبيت عراة , ودفن البنات أحياءً , وحرمان النساء من الميراث , ونكاح الرهط , ونحو ذلك من الأعراف التي كانت قبل مجيء الإسلام .
ولا خلاف أيضا بينهم في أن العرف إذا كان صحيحاً بأن كان لا يخالف دليلاً من الأدلة الشرعية ولا قاعدة من قواعد الدين فإنه يجب الاعتداد به واعتباره .
أما إذا كان خاصاً فإنه محل خلاف بينهم , فقد ذهب فريق منهم إلى عدم الاعتداد به , وذهب فريق آخر إلى القول بوجوب الاعتماد عليه , وهذا هو القول الراجح الذي يدل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه من بعده .

س6)- ما هي شروط العمل بالعرف ؟
للعمل بالعرف شروطاً ثلاث يجب مراعاتها وهى :-
1- أن يكون سابقاً أو مقروناً لإنشاء التصرف , فإذا حصل نزاع بين شخصين مثلاً في أي تصرف من التصرفات فإن العرف الذي يحكم به في هذا النزاع هو الموجود وقت النزاع , وبناءً على ذلك فلا يعتد بأي عرف طرأ بعد النزاع .
مثال ذلك :-
لو حلف شخص أن لا يأكل لحماً وكان عرف أهل البلد أن اللحم كل لحماً سوى السمك , فإذا ما تغير هذا العرف في هذه البلدة بعد ذلك واصبح يطلق على السمك لحماً , فإن هذا العرف المتغير لا يؤثر على هذا الشخص لأن اليمين سبق هذا العرف , وإنما يؤثر فيما يحدث بعده .
2- أن لا يكون مخالفاً لشرط صريح , فإذا خالف العرف شرطاً صريحاً لا يعمل به .
مثال ذلك :-
إذا كان عرف أهل البلد تعجيل نصف الصداق وتأجيل النصف الآخر , واشترطت الزوجة على الزوج تعجيله كله وقبل هو هذا الشرط وجب عليه تعجيله كله , ولا يلتفت إلى العرف في هذه الحالة .
3- أن لا يكون معطلاً لنص ولا مناقضاً لأصل شرعي فإذا كان هناك نص يمنع من فعل الشيء المتعارف عليه فإنه لا يعمل بهذا العرف .
ملاحظة :- إن السيمة المميزة للأحكام المستندة إلى العرف إنها غير ثابتة بل إنها تتغير بتغير العرف , وعلى هذا قد يتغير رأى الفقيه في القضية الواحدة بتغير العرف ويعبر الفقهاء عن هذا الاختلاف بأنه ( اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان ) .
ومثال ذلك :-
ما فعله الإمام الشافعي رحمة الله حينما جاء إلى مصر فإنه قد غير رأيه في كثير من الأحكام التي بناها على عرف أهل بغداد , وكان هذا التغير نتيجة حتمية لاعتبار عرف أهل مصر المخالف لعرف أهل بغداد .


رابعا ً: الاستحسان


س1)- ما هو الاستحسان ؟
الاستحسان هو العدول بالمسألة عن حكم نظائرها إلى حكم آخر أقوى يقتضي هذا العدول .
شرح التعريف :-
من هذا التعريف يتضح أنه يوجد في المسألة دليلان إحداهما عام أو ظاهر والآخر خاص أو خفي وكان مقتضى هذا الظاهر إن هذه المسألة تأخذ حكم نظائرها بما دل عليه الدليل الظاهر , ولكن بعد التأمل وجد المجتهد أن الدليل الآخر أقوى و أوضح فعدل بها عن حكم نظائرها إلى حكم آخر , فهذا العدول هو المسمى بالاستحسان .

س2)- هل الاستحسان حجة أم لا ؟
ينسب إلى طائفة من الفقهاء القول بحجية الاستحسان والاعتماد عليه في إثبات الأحكام الشرعية , وينسب إلى طائفة أخر منهم القول بعدم الاحتجاج به , بل والتشنيع على من يحتج به .
ومن يقف على هذه الأقوال يتبادر إلى ذهنه أن مسألة الاستدلال بالاستحسان مسألة خلافية , ولكن بعد التدقيق يتضح أن للاستحسان نوعان هما :-
النوع الأول : وهو الاستحسان الصحيح باتفاق العلماء .
وهو ترجيح دليل على دليل أو هو العمل بالدليل الأقوى أو الأبين , وهذا ما يعبر عنه الفقهاء ( العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل خاص من الكتاب أو السنة ) .
النوع الثاني : وهو الاستحسان الباطل باتفاق العلماء .
وهو ما استحسنه المجتهد بعقله دون استناد إلى شيء من أدلة الشريعة المعتبرة .
ومما سبق يتضح أن لفظ الاستحسان من الألفاظ المجملة فلا يصح الحكم عليها بالصحة أو الفساد إلا بعد معرفته من أي الأنواع .

س3)- ما هي أنواع الاستحسان الصحيح ؟
يمكن تقسيم الاستحسان باعتبار نوع الدليل الذي ثبت به إلى :-
1- استحسان ثبت بالنص ( القران أو السنة ) :-
مثال ما ثبت بالقرآن :-
عقد الإجارة : فإن مقتضى القياس الظاهر أن هذا العقد لا يجوز لأن المعقود عليه غير موجود , والعقد على المعدوم يؤدى إلى الغور فيكون باطلاً , ولكن جاز استحساناً وسند هذا الاستحسان النص القرآني الكريم وذلك في قوله تعالى ( عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ ).
مثال ما ثبت بالسنة :-
الأكل والشرب نسياناً في نهار رمضان : فإن ظاهر القياس يقتضي فساد الصوم , لأن الإمساك عن المفطرات من أركان الصوم , ولكن صح الصوم استحساناً وسند هذا الاستحسان قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ ) البخاري , فقد عدل الفقهاء عن ظاهر القياس إلى النص وهذا العدول يسمى استحسان , والنص المعدول إليه هو وجه الاستحسان ودليله .
2- استحسان ثبت بالإجماع .
ومثال ذلك : لو اتفق شخص مع آخر على أن يصنع له شيئاً ما فإن مقتضى القياس الجلي أن هذا العقد باطلاً لأنه عقد على شيء غير موجود , وقد عدل عن مقتضى هذا القياس إلى القول بجوازه استحساناً , فقد جرى التعامل به في جميع الأعصار والأمصار دون أن ينكر أحد .
3- استحسان ثبت بالعرف .
ومثال ذلك : لو حلف شخص أن لا يأكل لحماً واكل سمكاً , فان مقتضى اللفظ انه يحنث لان القران سمى السمك لحماً قال سبحانه و تعالى ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا ) , ولكن الفقهاء نصوا على أنه لا يحنث ( إذا كان عرف أهل البلد لا يسمي السمك لحماً ) , فالعدول إلى عدم الحنث هو الاستحسان ودليله العرف .


خامساً: المصالح المرسلة


س1)- ما هي أقسام مطلق المصلحة ؟
تتنوع المصلحة من حيث اعتبار الشارع لها وعدم اعتباره إلى ثلاثة أنواع هي :-
النوع الأولى : المصلحة المعتبرة :- وهي التي ورد دليل شرعي من الكتاب أو السنة أو الإجماع يفيد أن الشارع قد رعاها , فشرع من الأحكام ما يحقق تلك المصلحة .
وهذا النوع يدخل في عموم القياس , ولذلك يتفق جميع القائلين بحجية القياس على جواز التعليل به وبناء الحكم عليه .
ومثال ذلك ما يسمى بالضروريات الخمس وهى :-
1) - حفظ الديـن .
2) - حفظ النفس .
3) - حفظ العقل .
4) - حفظ النسب .
5) - حفظ المـال .
فمن أجل مثلاً حفظ المال وحمايته حرمت السرقة , وشرع حد قطع يد السارق .
ومن أجل حفظ النفس شرع القصاص , وحرم الاعتداء عليها .
ومن أجل حفظ العقول حرم شرب الخمر وغيرها من المسكرات وواجب الحد على شاربها .
إلى غير ذلك من المصالح التي اعتبرها الشارع وشرعت الأحكام لتحقيقها .
النوع الثاني : المصلحة الملغاة :- هي المصلحة التي يرها العبد ( بنظرة القاصر ) مصلحة ولكن الشرع ألغاها و أهدرها ولم يلتفت إليها , بل جاءت الأدلة الشرعية بمنعها والنهي عنها من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس .
وإليكم هذه الأمثلة:-
1- الاستسلام للعدو : فقد يظهر لأول مرة أن فيه مصلحة وهى حفظ النفس من القتل , ولكن هذه المصلحة لم يعتبرها الشارع , لأن هناك مصلحة أرجح منها , وهي احتفاظ الأمة الإسلامية بالعزة والكرامة فشرع الله القتال لتحقيق هذه المصلحة العظيمة ودفعاً للمفاسد المترتبة على الخضوع والاستسلام للعدو .
2- تعدد الزوجات : قد يبدو لأول وهلة أن في منع تعدد الزوجات مصلحة وهي تلافي ما يحدث بين الضرائر من منازعات وخصومات قد تؤدى إلى حل الروابط بين أفراد الأسرة الواحدة , ولكن الشارع الحكيم لم يعتبر هذه المصلحة ولم يعتد بها حيث أباح التعدد , واكتفى باشتراط العدل بين الزوجات فقال تعالى ( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) , وذلك لما يترتب على التعدد من المصالح التي لا تكاد تحصى والتي من أهمها :-
أ- كثرة النسل والتوالد الذي هو المقصود الأول من تشريع الزواج
ب- صون أصحاب الشهوات الحادة من الوقوع في رذيلة الزنا واتخاذ الخليلات .
ج- علاجاً اجتماعياً عندما يعرض للأمة نقص في رجالها وبخاصة في أعقاب الحروب .
وبهذا يدرك أن الشارع لم يلغ أية مصلحة من المصالح إلا إذا ترتب على اعتبارها ضياع مصلحة ارجح منها
النوع الثالث : المصلحة المسكوت عنها :- وهى المصلحة آتى لم يرد من الشارع ما يفيد اعتبارها ولا إلغاءها .
وتسمى المصلحة المرسلة , فلمصلحة المرسلة إذ هي التي لم يشرع حكم لتحقيقها ولم يشهد لها أصل خاص بالاعتبار أو الإلغاء .
فإن شهد لها اصل خاص باعتبار دخلت في عموم القياس , وأن شهد لها بعدم الاعتبار كانت باطلة .
وإليكم هذا المثال :-
قتل الجماعة بالواحد : فلم يرد دليل خاص باعتباره ولا بإلغائه , ولكن في قتلهم من المصلحة ما هو واضح , إذ لو لم يقتل الجماعة بالواحد عند اشتراكهم في القتل لأدى ذلك إلى إهدار الدماء , وفيه من المفاسد ما لا يخفى .

س2)- ما هي أنواع المصلحة المرسلة ؟
يمكن تقسيم المصلحة المرسلة إلى ثلاثة أقسام وذلك حسب قوتها :-
1- المصلحة الضرورية ( درء المفاسد ) : وهي ما كانت المصلحة فيها في محل الضرورة بحيث يترتب على تفويت هذه المصلحة تفويت شيء من الضروريات أو كلها , وهذه أعلى المصالح .
2- المصلحة الحاجية ( جلب المصالح ) : وهى ما كانت المصلحة فيها في محل الحاجة لا الضرورة فيحصل بتحقيق هذه المصلحة التسهيل وتحصيل المنافع , ولا يترتب على فواتها فوات شيء من الضروريات
3- المصلحة التحسينية ( التتميمات ) : وهي ما ليس ضروريا ولا حاجيا , ولكن من باب الجري على مكارم الأخلاق واتباع أحسن المناهج .

س3)- ما هي الأدلة على اعتبار المصلحة المرسلة ؟
من الأدلة على اعتبار المصلحة المرسلة :-
عمل الصحابة رضي الله عنهم بها في وقائع كثيرة مشهورة مثل :-
أ- استخلاف أبي بكر رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه بعد أن أحس بدنو أجله , فلا يوجد في القرآن ولا في السنة ما يفيد ذلك , ولكن أبا بكر رضي الله عنه راعى في هذا الاستخلاف مصلحة الناس المتمثلة في حفظ كلمتهم من التفرق واختلافهم في اختيار الخليفة .
ب- جمع القرآن في مصحف واحد في عهد أبي بكر رضي الله عنه , وليس في القرآن ولا في السنة ما يدل على ذلك , وإنما هو عمل مبني على المصلحة , وهي لمحافظة على القرآن من الضياع .

س4) - ما هي شروط العمل بالمصلحة المرسلة ؟
إن العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب فيه من التحفظ والحذر حتى يتحقق صحة المصلحة , ومن شروط العمل بالمصلحة المرسلة مايلي :-
1- ألا تكون المصلحة مصادمة لنص أو إجماع .
2- أن تعود على مقاصد بالحفظ والصيانة .
3- ألا تكون المصلحة في الأحكام التي لا تتغير كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود والمقدرات الشرعية .
4- ألا تعارضها مصلحة ارجح منها أو مساوية لها , وألا يستلزم من العمل بها مفسدة أرجح منها أو مساوية لها .


الخاتمة

الحمد لله الذي بفضله يتم صالح الأعمال وبتوفيقه تحقق الآمال , والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله وصحابته أجمعين , وأسأل الله في الختام أن ينفع به , ويجعله خالصاً لوجهه تعالى .

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 06:11 PM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com