(1/119)
الجواب: الصحيح من أقوال العلماء أن أهل الفترة يمتحنون يوم القيامة، ويؤمرون فإن أجابوا وأطاعوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار، وجاء في هذا عدة أحاديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، وعن الأسود بن سريع التميمي ، وعن جماعة، كلها تدل على أنهم يمتحنون يوم القيامة، ويخرج لهم عنق من النار، ويؤمرون بالدخول فيه، فمن أجاب صار عليه بردا وسلاما، ومن أبى التف عليه وأخذه وصار إلى النار، نعوذ بالله من ذلك.
فالمقصود أنهم يمتحنون فمن أجاب وقبل ما طلب منه وامتثل دخل الجنة، ومن أبى دخل النار، وهذا هو أحسن ما قيل في أهل الفترة.
وأما حديث: « إن أبي وأباك في النار » (1) فهو حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه ، « أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال في النار فلما ولى دعاه وقال له إن أبي وأباك في النار » (2) واحتج العلماء بهذا على أن أبا النبي صلى الله عليه وسلم كان ممن بلغته الدعوة وقامت عليه الحجة، فلهذا قال: في النار، ولو أنه كان من أهل الفترة لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام في حقه، وهكذا لما استأذن ربه أن يستغفر لأمه نهي عن ذلك، ولكنه أذن له أن يزورها، ولم يؤذن له في الاستغفار لها، فهذا يدل على أنهما بلغتهما الدعوة، وأنهما ماتا على دين الجاهلية، وعلى دين الكفر، وهذا هو الأصل في الكفار أنهم في النار، إلا من كان لم تبلغه الدعوة أعني دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام فهذا هو صاحب الفترة، فمن كان في علم الله أنه لم تبلغه الدعوة والله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين وهو الحكم العدل، فيمتحنه يوم
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (203),سنن أبو داود السنة (4718),مسند أحمد بن حنبل (3/119).
(2) صحيح مسلم الإيمان (203),سنن أبو داود السنة (4718),مسند أحمد بن حنبل (3/119).
(1/120)
القيامة.
أما من بلغته دعوة الرسل في حياته، كدعوة إبراهيم وموسى وعيسى، وعرف الحق، ثم بقي على الشرك بالله فهذا ممن بلغتهم الدعوة، فيكون من أهل النار; لأنه عصى واستكبر عن اتباع الحق، والله جل وعلا أعلم.
(1/121)
حكم والدي النبي صلى الله عليه وسلم
س57: قال الله تعالى في كتابه الكريم: ** وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ** (1) وقد ورد في بعض الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن والديه في النار. والسؤال: ألم يكونا من أهل الفترة والقرآن صريح بأنهم ناجون؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب: أهل الفترة ليس في القرآن ما يدل على أنهم ناجون أو هالكون، إنما قال الله جل وعلا: ** وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ** (2) [الإسراء: 15] فالله جل وعلا من كمال عدله لا يعذب أحدا إلا بعد بعث الرسول، فمن لم تبلغه الدعوة فليس بمعذب حتى تقام عليه الحجة، أخبر سبحانه أنه لا يعذبهم إلا بعد إقامة الحجة. والحجة قد تقوم عليهم حتى يوم القيامة، كما جاء في السنة أنه تقام الحجة على أهل الفترات ويمتحنون يوم القيامة; فمن أجاب وامتثل نجا، ومن عصى دخل النار، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن أبي وأباك في النار لرجل سأله عن أبيه قال أين أبي فقال في النار فلما رأى ما في وجهه من التغير قال إن أبي وأباك في النار » (3) حتى يتسلى بذلك، وأنه
__________
(1) سورة الإسراء الآية 15
(2) سورة الإسراء الآية 15
(3) صحيح مسلم الإيمان (203),سنن أبو داود السنة (4718),مسند أحمد بن حنبل (3/119).
(1/121)
ليس خاصا بأبيه، ولعل هذين بلغتهما الحجة، فلعل أبا الرجل وأبا النبي صلى الله عليه وسلم بلغتهما الحجة.
والنبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: « إن أبي وأباك في النار » (1) قاله عن علم، فهو عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، كما قال الله سبحانه وتعالى: ** والنجم إذا هوى ** (2) ** ما ضل صاحبكم وما غوى ** (3) ** وما ينطق عن الهوى ** (4) ** إن هو إلا وحي يوحى ** (5) [النجم: 1-4] . فلولا أن عبد الله بن عبد المطلب والد النبي صلى الله عليه وسلم قد قامت عليه الحجة; لما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه ما قاله، فلعله بلغه ما يوجب عليه الحجة من جهة دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإنهم كانوا على ملة إبراهيم حتى أحدثوا ما أحدثه عمرو بن لحي الخزاعي ، وسار في الناس ما أحدثه عمرو ، من بث الأصنام ودعوتها من دون الله، فلعل عبد الله كان قد بلغه ما يدل على أن ما عليه قريش من عبادة الأصنام باطل فتابعهم; فلهذا قامت عليه الحجة.
وهكذا ما جاء في الحديث من أنه صلى الله عليه وسلم استأذن أن يستغفر لأمه فلم يؤذن له، فاستأذن أن يزورها فأذن له، فهو لم يؤذن له أن يستغفر لأمه; فلعله لأنه بلغها ما يقيم عليها الحجة، أو لأن أهل الجاهلية يعاملون معاملة الكفرة في أحكام الدنيا، فلا يدعى لهم، ولا يستغفر لهم; لأنهم في ظاهرهم كفار، وظاهرهم مع الكفرة، فيعاملون معاملة الكفرة وأمرهم إلى الله في الآخرة.
فالذي لم تقم عليه الحجة في الدنيا لا يعذب حتى يمتحن يوم القيامة; لأنه سبحانه وتعالى قال: ** وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ** (6) [الإسراء: 15]
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (203),سنن أبو داود السنة (4718),مسند أحمد بن حنبل (3/119).
(2) سورة النجم الآية 1
(3) سورة النجم الآية 2
(4) سورة النجم الآية 3
(5) سورة النجم الآية 4
(6) سورة الإسراء الآية 15
(1/122)
فإذا علم أن أناسا في فترة لم تبلغهم دعوة نبي فإنهم يمتحنون يوم القيامة فإن أجابوا صاروا إلى الجنة وإن عصوا صاروا إلى النار، وهكذا الشيخ الهرم الذي ما بلغته الدعوة، والمجانين الذين ما بلغتهم الدعوة وأشباههم، وأطفال الكفار على الصحيح يمتحنون; لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عنهم قال: « الله أعلم بما كانوا عاملين » (1) فأولاد الكفار يمتحنون يوم القيامة كأهل الفترة، فإن أجابوا جوابا صحيحا نجوا، وإلا صاروا مع الهالكين، فليس بحمد الله في حق أبوي النبي صلى الله عليه وسلم إشكال على من عرف السنة وقاعدة الشرع.
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1317),صحيح مسلم القدر (2660),سنن النسائي الجنائز (1951),سنن أبو داود السنة (4711),مسند أحمد بن حنبل (1/358).
(1/123)
مصير أطفال المسلمين
وأطفال المشركين الذين ماتوا صغارا
س58: يقول السائل: قرأت في كتاب شفاء العليل رواية « عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حينما توفي طفل قالت طوبى لك طير من طيور الجنة فقال صلى الله عليه وسلم وما يدريك يا عائشة أنه في الجنة لعل الله اطلع على ما كان يفعل ؟ » (1) والنبي صلى الله عليه وسلم قال: « رفع القلم عن ثلاثة » (2) ذكر منهم: « الطفل حتى يحتلم » (3) والروايتان صحيحتان فلا أدري كيف الجمع بينهما .
الجواب: هذا الحديث حديث صحيح عند الشيخين، قالت فيه عائشة رضي الله عنها: عصفور من عصافير الجنة. قال النبي: « لا يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم » (4) والمقصود من هذا منعها من أن تشهد لأحد معين بالجنة أو بالنار،
__________
(1) صحيح مسلم القدر (2662),سنن النسائي الجنائز (1947),سنن أبو داود السنة (4713),سنن ابن ماجه المقدمة (82),مسند أحمد بن حنبل (6/208).
(2) سنن الترمذي الحدود (1423),سنن ابن ماجه الطلاق (2042),مسند أحمد بن حنبل (1/140).
(3) مسند أحمد بن حنبل (1/140).
(4) صحيح مسلم القدر (2662),سنن النسائي الجنائز (1947),سنن أبو داود السنة (4713),سنن ابن ماجه المقدمة (82),مسند أحمد بن حنبل (6/208).
(1/123)
ولو كان طفلا لا يشهد له ; فقد يكون تابعا لأبويه وأبواه ليسا على الإسلام وإن أظهراه، فالإنسان قد يظهر الإسلام نفاقا، وقد تظهره أمه نفاقا، فلا يشهد لأحد بالجنة أو بالنار، ولو طفلا، ولا يقال هذا من أهل الجنة قطعا; لأنه لا يدري عن حالة والديه، والأطفال تبع لآبائهم.
ومن كان مات على الصغر ولم يتبع للمسلمين فإنه يمتحن يوم القيامة على الصحيح، فإذا كان ليس ولدا للمسلمين بل لغيرهم من الكفار فإنه يمتحن يوم القيامة، فإن أطاع دخل الجنة، وإن عصى دخل النار، كأهل الفترة، فالصحيح أنهم يمتحنون، فهكذا الأطفال، ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين قال: « الله أعلم بما كانوا عاملين » (1) وجاء في السنة ما يدل على أنهم يمتحنون، يعني يختبرون يوم القيامة، ويؤمرون بأمر، فإن أطاعوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار، فالمقصود من هذا أنه لا يشهد لأحد معين بجنة ولا بنار إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه قاعدة من قواعد أهل السنة والجماعة. فإنكار الرسول صلى الله عليه وسلم على عائشة لأنها شهدت بالتعيين; لأنها قالت: عصفور من عصافير الجنة، فلهذا أنكر عليها أن تقول هذا; لأن هناك شيئا وراء هذا الأمر قد يكون سببا لعدم دخوله الجنة، وأنه يمتحن يوم القيامة، لأن والديه ليسا على الإسلام.
أما أولاد المسلمين فإنهم تبع لآبائهم عند أهل السنة والجماعة في الجنة ، وأما أولاد الكفار فإنهم يمتحنون يوم القيامة وهذا هو الحق، فمن أطاع يوم القيامة دخل الجنة ومن عصى دخل النار، كأهل الفترة ، هذا هو الصواب وهذا وجه الحديث.
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1317),صحيح مسلم القدر (2660),سنن النسائي الجنائز (1951),سنن أبو داود السنة (4711),مسند أحمد بن حنبل (1/358).