وفي الحديث: "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر" فسئل عنه فقال: "الرياء"(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الحديث: أي الحديث الذي رواه الإمام أحمد والطبراني وابن أبي الدنيا والبيهقي.
أخوف ما أخاف عليكم: أي أشد خوفاً أخافه عليكم.
الرياء: إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدونه عليها.
المعنى الإجمالي للحديث: لكمال شفقته –صلى الله عليه وسلم- ورحمته بأمته ونصحه لهم بحيث لم يترك خيراً إلا دلهم عليه ولا شراً إلا حذّرهم منه، ومن الشر الذي حذّر منه الظهور بمظهر العبادة لقصد تحصيل ثناء الناس لأنه شركٌ في العبادة –وهو وإن كان شكاً أصغرَ فخطره عظيم، لأنه يحبط العمل الذي قارنه- ولما كانت النفوس مجبولة على محبة الرئاسة والمنزلة في قلوب الخلق إلا من سلَّم الله كان هذا أخوف ما يُخاف على الصالحين –لقوة الداعي إليه- بخلاف الداعي إلى الشرك الأكبر، فإنه إما معدوم في قلوب المؤمنين الكاملين، وإما ضعيف.
مناسبة الحديث للباب: أن فيه الخوف من الشرك الأصغر كما أن في الآيتين قبله الخوف من الشرك الأكبر، والباب شاملٌ للنوعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد في مسنده (5/428، 429). والطبراني في معجمه الكبير (4/253 رقم 4301).
ص -46- ما يستفاد من الحديث:
1- شدة الخوف من الوقوع في الشرك الأصغر، وذلك من وجهين:
الأول: أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- تخوَّف من وقوعه تخوفاً شديداً.
الثاني: أنه –صلى الله عليه وسلم- تخوَّف من وقوعه في الصالحين الكاملين فمن دونهم من باب أولى.
2- شدة شفقته –صلى الله عليه وسلم- على أمته وحرصه على هدايتهم ونصحه لهم.
3- أن الشرك ينقسم إلى أكبر وأصغر –فالأكبر هو أن يسوِّي غير الله بالله فيما هو من خصائص الله، والأصغر هو ما أتى في النصوص أنه شرك ولم يصل إلى حد الأكبر- والفرق بينهما:
أ-أن الأكبر يحبط جميع الأعمال، والأصغر يحبط العمل الذي قارنة.
ب- أن الأكبر يخلد صاحبه في النار، والأصغر لا يوجب الخلود في النار.
ج- أن الأكبر ينقل عن الملة، والأصغر لا ينقل عن الملة.