ثانياً: منهج الإمام الشّوكاني في كتاب: " نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار ".
اسم الكتاب: كما سمَّاه مؤلّفه في المقدّمة " نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار ".
توطئة:
كتاب "منتقى الأخبار" للإمام المجد بن تيمية من أوسع كتب أحاديث الأحكام, وأكثرها شمولاً وفائدة, حيث بلَغَت أحاديث الكتاب قرابة (5000) حديث.
وقد خدم الإمام المجد أحاديث الكتاب خدمات جليلة متنوعة منها :
- حسن التبويب وتسمية الأبواب بما يظهر فقه الحديث.
- شرح كثيراً من غريب الحديث.
- علق على كثير من الأحاديث تعليقات مهمة تنوَّعت ما بين استنباط لفقه الحديث ،أو ذكر لاختيار له في المسألة ، أو توجيهٍ للأحاديث ، وغير ذلك من الفوائد .
مقدّمة المؤلِّف :
قدَّم -رحمه الله لهذا الشّرح مقدّمة بيّن فيها بعض معالم المنهج الذي سيسير عليه, فقال:
" ... وبعد :
فإنه لما كان الكتاب الموسوم بالمنتقى من الأخبار في الأحكام . مما لم ينسج على بديع منواله . ولا حرر على شكله ومثاله أحد من الأئمة الأعلام . قد جمع من السنة المطهرة ما لم يجتمع في غيره من الأسفار . وبلغ إلى غاية في الإحاطة بأحاديث الأحكام تتقاصر عنها الدفاتر الكبار . وشمل من دلائل المسائل جملة نافعة تفنى دون الظفر ببعضها طوال الأعمار . وصار مرجعا لجلة العلماء عند الحاجة إلى طلب الدليل لا سيما في هذه الديار وهذه الأعصار .
فإنها تزاحمت علي مورده العذب أنظار المجتهدين . وتسابقت على الدخول في أبوابه أقدام الباحثين من المحققين . وغدا ملجأ للنظار يأوون إليه . ومفزعا للهاربين من رق التقليد يعولون عليه . وكان كثيرا ما يتردد الناظرون في صحة بعض دلائله .
ويتشكك الباحثون في الراجح والمرجوح عند تعارض بعض مستندات مسائله . حمل حسن الظن بي جماعة من حملة العلم بعضهم من مشايخي على أن التمسوا مني القيام بشرح هذا الكتاب .
وحسنوا لي السلوك في هذه المسالك الضيقة التي يتلون الخريت في موعرات شعابها والهضاب . فأخذت في إلقاء المعاذير . وأبنت تعسر هذا المقصد على جميع التقادير .
وقلت : القيام بهذا الشأن يحتاج إلى جملة من الكتب يعز وجودها في هذه الديار . والموجود منها محجوب بأيدي جماعة عن الأبصار بالاحتكار والادخار كما تحجب الأبكار.
ومع هذا فأوقاتي مستغرقة بوظائف الدرس والتدريس . والنفس مؤثرة لمطارحة مهرة المتدربين في المعارف على كل نفيس . وملكتي قاصرة عن القدر المعتبر في هذا العلم الذي قد درس رسمه . وذهب أهله منذ أزمان قد تصرَّمَت فلم يبق بأيدي المتأخرين إلا اسمه . لا سيما وثوب الشباب قشيب . وردن الحداثة بمائها خصيب . ولا ريب أن لعلو السن وطول الممارسة في هذا الشأن أوفر نصيب.
فلما لم ينفعني الإكثار من هذه الأعذار . ولا خلَّصني من ذلك المطلب ما قدمته من الموانع الكبار . صمَّمتُ على الشروع في هذا المقصد المحمود . وطمعت أن يكون قد أتيح لي أني من خدم السنة المطهرة معدود . وربما أدرك الطالع شأو الضليع وعد في جملة العقلاء المتعاقل الرقيع .
- وقد سلكت في هذا الشرح لطول المشروح مسلك الاختصار .
- وجرَّدته عن كثير من التفريعات والمباحثات التي تُفضي إلى الإكثار . لا سيما في المقامات التي يقل فيها الاختلاف . ويكثر بين أئمة المسلمين في مثلها الائتلاف .
- وأما في مواطن الجدال والخصام فقد أخذت فيها بنصيب من إطالة ذيول الكلام لأنها معارك تتبين عندها مقادير الفحول . ومفاوز لا يقطع شعابها وعقابها إلا نحارير الأصول . ومقامات تتكسر فيها النصال على النصال . ومواطن تلجم عندها أفواه الأبطال بأحجار الجدال . ومواكب تعرق فيها جباه رجال حل الإشكال والإعضال.
وقد قمت ولله الحمد في هذه المقامات مقاما لا يعرفه إلا المتأهلون . ولا يقف على مقدار كنهه من حملة العلم إلا المبرزون . فدونك يا من لم تذهب ببصر بصيرته أقوال الرجال . ولا تدنَّست فطرة عرفانه بالقيل والقال . شرحا يشرح الصدور ويمشي على سنن الدليل وإن خالف الجمهور . وإني معترف بأن الخطأ والزلل هما الغالبان على من خلقه الله من عجل . ولكني قد نصرت ما أظنه الحق بمقدار ما بلغت إليه الملكة.
ورضت النفس حتى صفت عن قذر التعصب الذي هو بلا ريب الهلكة .
- وقد اقتصرت فيما عدا هذه المقامات الموصوفات على بيان حال الحديث.
- وتفسير غريبه.
- وما يستفاد منه بكل الدلالات.
- وضممتُ إلى ذلك في غالب الحالات الإشارة إلى بقية الأحاديث الواردة في الباب مما لم يذكر في الكتاب . لعلمي بأن هذا من أعظم الفوائد التي يرغب في مثلها أرباب الألباب من الطلاب .
- ولم أطوِّل ذيل هذا الشرح بذكر تراجم رواة الأخبار . لأن ذلك مع كونه علما آخر يمكن الوقوف عليه في مختصر من كتب الفن من المختصرات الصغار .
- وقد أشير في النادر إلى ضبط اسم راو أو بيان حاله على طريق التنبيه . لا سيما في المواطن التي هي مظنة تحريف أو تصحيف لا ينجو منه غير النبيه .
- وجعلتُ ما كان للمصنف من الكلام على فقه الأحاديث وما يستطرده من الأدلة في غضونه من جملة الشرح في الغالب ونسبت ذلك إليه .
- وتعقبت ما ينبغي تعقبه عليه وتكلمتُ على ما لا يحسن السكوت عليه مما لا يستغني عنه الطالب . كل ذلك لمحبة رعاية الاختصار وكراهة الإملال بالتطويل والإكثار . وتقاعد الرغبات وقصور الهمم عن المطولات.
وسمَّيت هذا الشرح لرعاية التفاؤل الذي كان يعجب المختار "نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار".
والله المسؤول أن ينفعني به ومن رام الانتفاع من إخواني . وأن يجعله من الأعمال التي لا ينقطع عني نفعها بعد أن أدرج في أكفاني . وقبل الشروع في شرح كلام المصنف نذكر ترجمته على سبيل الاختصار فنقول... ". اهـ
بعض المعالم الأخرى التي يُمكن استخلاصها من منهجية الشوكاني في "نيل الأوطار":
- يبدأ بنقل كلام المجد.
- ثمّ يُعقبه بتخريج الحديث من المصادر المختلفة, وما قيل فيه, ومن تصحيح وتضعيف, وإعلال, وكلام على الرّجال.
- ويأتي بالرّوايات الأخرى للحديث.
- كما يُنبّه على أوهام المجد بن تيميّة إن كانت, كقوله: وقد وهم المصنف رحمه الله فقال أبو مالك الأشجعي : وليس كذلك بل هو الأشعري". وقوله: وقد وهم المصنف رحمه الله في نسبة جميع ما ذكره من ألفاظ هذا الحديث إلى البخاري ولعله نقل لفظ الحميدي في الجمع بين الصحيحين والحميدي كأنه نقل السياق من مستخرج البرقاني كعادته فإن كثيرا ن هذه الألفاظ ليس في صحيح البخاري وإنما هي في مستخرج البرقاني من طريق حماد بن سلمة ".
- ثمّ يبدأ بتحليل الحديث, وشرحه فقرة فقرة.
- فيشرح الغريب. وينقل عن أئمّة الشأن واللّغة.
- ويَضبط بعض الألفاظ - إن احتاج - بالحروف.
- ويُعرب الكلمات -أحياناً-
- ثمّ يتكلّم على فقه الفقرة, وينقل أقوال الأئمة من الشُّرّاح, وأصحاب المذاهب, ويُبيّن اختلافهم وأقوالهم, وتعقّباتهم على بعضهم, ثم يختار ما يُرجّح, الرأي الذي يرتضيه من هذه الأقوال, ويُناقش الأدلة, مناقشة مستوعبة, فيتكلّم في الأصول, والقواعد, واللّغة, والتفسير, مؤيّداً الرّأي الذي انتهى إليه.
- إضافة لذلك, فهو ينقل أحياناً مذهب الزيديّة ( الهادويّة ).
- كما لا ينسى التنبيه على الفوائد التي تُستفاد من الحديث.
- كما لا ننسى التنبيه أنّ الشوكاني قد استفاد كثيراً في الكلام على فقه الحديث من كتاب الحافظ ابن حجر "فتح الباري", وشرح النووي, والخطابي, والعيني, والكرماني، وغيرهم, فهو موسوعة في ذلك.
- كما أنه اعتمد في الحكم على الحديث, ونقل أقوال العلماء جرحاً, وتعديلاً, وتصحيحاُ, وتضعيفاً, على أمّهات الكتب في هذا الفنّ, والتي منها: "التلخيص الحبير" لابن حجر في الكلام, و"نصب الرّاية" للزيلعي, و"البدر المنير" لابن الملقّن - رحم الله الجميع-, ولم يكُن -رحمه الله- مجرّد ناقل, وإنّما كان ناقداً, ومناقشاً, ومُرجّحاً, والأدلّة على ذلك أكثر من أن تُحصَر, فنظرةٌ عجلَى في الكتاب يتحقّق المرء منها صدق ما قلناه.
وعلى هذا المنوال سار -رحمه الله- في بقيّة الكتاب
مراجع الفقرة: كتاب " نيل الأوطار " للشوكاني.
الأعمال على الكتاب:
- قام الشيخ محمد بن راشد بترتيب أحاديث نيل الأوطار باسم " تنوير أولي الأبصار بترتيب أحاديث نيل الأوطار " نشرته دار الكتب العلمية في بيروت سنة (1413هـ) ،والترتيب المذكور لأحاديث الكتاب متناً وشرحاً.
- وقد اختصر هذا الشرح الشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك المتوفي سنة (1376هـ) رحمه الله تعالى وسماه" بستان الأخبار مختصر نيل الأوطار " طبعته المطبعة السلفية في مصر سنة (1373هـ) في مجلدين ،وصورته مكتبة المعارف في الطائف أخيراً.
- كما اختصره الشيخ خالد بن عبد الرحمن العك وطبع باسم " مختصر نيل الأوطار " نشرته دار الحكمة للطباعة والنشر في دمشق الطبعة الأولى سنة (1409هـ) في أربع مجلدات.
طبعات الكتاب:
شرحه "المنتقى" جماعة من أهل العلم :
ولم يطبع من شروحه فيما وقفت عليه سوى شرحه العلامة الشيخ محمد بن علي الشوكاني المتوفي سنة (1355هـ) رحمه الله تعالى في كتابه المشهور " نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار" ، وقد طبع هذا الشرح عدة مرات منها:
أ ـ الطبعة الأولى في دار الطباعة العامرة في مصر سنة (1297هـ) في صمان مجلدات ، وبهامشه " عون الباري لحل أدلة البخاري " للشيخ صديق بن حسن خان ، وهو شرح كتاب " التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح " للزبيدي.
ب ـ في المطبعة المنيرية في مصر.
جـ ـ في المطبعة العثمانية المصرية سنة (1357هـ) ، في أربع مجلدات.
د ـ طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده في مصر سنة (1347هـ) ثم سنة (1371هـ) ثم سنة (1380هـ) في أربع مجلدات.
هـ ـ طبعة مكتبة الكليات الأزهرية في القاهرة سنة (1398هـ) بتحقيق الشيخين طه عبد الرؤوف سعد ،ومصطفى محمد الهواري.
و ـ طبعة دار الحديث في القاهرة (1413هـ) ، نشر دار زمزم في الرياض في تسع مجلدات ، التاسع بكامله فهارس ، خرج أحاديثه وعلق عليه الشيخ عصام الدين الصبابطي.
ع- طبعة دار ابن الجوزي بتحقيق: صبحي حسن حلاق
ق- طبعة دار بتحقيق: طارق عوض الله في (12) مجلد
منقول