موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

تم غلق التسجيل والمشاركة في منتدى الرقية الشرعية وذلك لاعمال الصيانة والمنتدى حاليا للتصفح فقط

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام المنابر الإسلامية > المنبر الإسلامي العام

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 05-01-2009, 03:27 AM   #11
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي

(1/80)

قراءة الطالب للقرآن الكريمة في حصصه ، والطهارة لها
س 32: سائل يقول : هل يجب علي أن أتوضأ قبل كل حصة من حصص القرآن الكريم وأنا في المدرسة؟ أفيدونا أفادكم الله .

(1/80)

الجواب : ليس عليك الوضوء إذا كنت على طهارة، وكذلك إذا كانت القراءة عن ظهر قلب، أي من غير المصحف فليس عليك أن تتطهر .
أما إذا كانت القراءة من المصحف ، وقد أحدثت بعد الحصة الأولى، فعليك أن تتطهر للحصة الثانية، وهكذا الثالثة، فكلما أردت أن تقرأ من المصحف وأنت على غير وضوء، فعليك أن تتطهر; لما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « لا يمس القرآن إلا طاهر » (1) وهكذا أفتى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأن المحدث لا يمس القرآن، وهو الذي عليه جمهور أهل العلم، من الأئمة الأربعة وغيرهم.
فالواجب عليك يا أخي إذا أردت القراءة من المصحف وأنت على غير طهارة أن تتوضأ الوضوء الشرعي، أما إذا كنت على جنابة فليس لك أن تقرأ، لا عن ظهر قلب ولا من المصحف حتى تغتسل، والله ولي التوفيق .
__________
(1) موطأ مالك النداء للصلاة (468).

(1/81)

حكم لمس الحائض والنفساء والجنب للكتب التي بها آيات قرآنية
س 33: سائلة تقول في رسالتها : هل يجوز لمس الكتاب الذي توجد فيه آيات قرآنية وأحاديث نبوية من قبل المرأة التي عليها عادة أو جنابة؟ أفيدونا أفادكم الله .
الجواب : نعم، لا بأس بذلك. لا بأس أن تلمس المرأة الكتاب الذي فيه آيات وأحاديث مثل صحيح البخاري ومثل زاد المعاد لابن القيم، وغيرها من الكتب الإسلامية التي بها آيات وأحاديث، مثل كتب

(1/81)

التفسير كذلك، ومثل تفسير ابن كثير وغيره، فلا حرج أن تلمس المرأة الجنب، والرجل الجنب كذلك، وهكذا الحائض والنفساء. لا حرج في ذلك عليها.
وإنما الممنوع القرآن نفسه، فليس للمرأة الجنب أو الحائض أو المحدث أن يمس القرآن- أي: المصحف- إلا على طهارة .

(1/82)

حول قراءة القرآن والطهارة
س 34: يقول السائل: أقرأ القرآن وخاصة بعض الآيات القصيرة غيبا ولكنني أكون في بعض الأحيان غير متوضئ أو غير طاهر. فهل يجوز لي أن أقرأ القرآن في هذه الحالة؟ أفيدوني أفادكم الله.
الجواب : يجوز للمسلم والمسلمة قراءة القرآن ولو كانا على غير طهارة إذا لم يكونا جنبين، فيجوز له أن يقرأ عن ظهر قلب سورا أو آيات، وأن يقرأ ما تيسر له من القرآن، مثل قصار المفصل، الزلزلة والعاديات والقارعة وغيرها، يقرأ ما تيسر له من القرآن عن ظهر قلب، أما من المصحف فلا يقرأ حتى يتوضأ، إذا كان يقرأ من المصحف فلا يمس المصحف حتى يتوضأ.
أما إذا كان عن ظهر قلب من غير مس المصحف فلا بأس أن يقرأ، إلا إذا كان جنبا، فالجنب لا يقرأ حتى يغتسل، قال علي رضي الله عنه: « كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحجبه شيء عن القرآن إلا الجنابة » (1) ، وقال صلى الله عليه وسلم : « أما الجنب فلا ولا آية » (2) فالجنب لا يقرأ حتى يغتسل.
وأما الحائض والنفساء فلا تقرأا من المصحف لكن تقرأ عن ظهر
__________
(1) سنن الترمذي الطهارة (146),سنن النسائي الطهارة (265),سنن أبو داود الطهارة (229),سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (594),مسند أحمد بن حنبل (1/124).
(2) مسند أحمد بن حنبل (1/110).

(1/82)

قلب كالمحدث حدثا أصغر.
وقال بعض أهل العلم: إنهما كالجنب لا يقرآن ولو عن ظهر قلب؛ لأنهما كالجنب; لأن عليهم الغسل، والصحيح أنهما ليستا كالجنب لأن حدثهما يطول لأيام كثيرة، ويشق عليهما ترك القراءة، وربما ضيعتا حفظهما.
فالصحيح أنه يجوز لهما أن يقرآ عن ظهر قلب من الآيات كما يقرأ المحدث حدثا أصغر، وأما الجنب خاصة فهو الذي يمنع من القراءة حتى يغتسل، وأما من المصحف فيمنع الجميع، الجنب والحائض والنفساء والمحدث حدثا أصغر، كلهم يمنعون من المصحف حتى يتطهروا، لقول سبحانه: ** لا يمسه إلا المطهرون ** (1) في أحد قولي العلماء في تفسير الآية.
ولما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا يمس القرآن إلا طاهر » (2) وكتب بها إلى أهل اليمن ألا يمس القرآن إلا طاهر، وهو حديث له طرق يشد بعضها بعضا وجيد.
والخلاصة أن الجنب والحائض والنفساء ومن ليس على طهارة من ريح أو بول ليس لهم جميعا أن يقرؤوا من المصحف، وأما عن ظهر قلب فيجوز للمحدث حدثا أصغر أن يقرأ عن ظهر قلب، وللحائض والنفساء عن ظهر قلب على الصحيح، وأما الجنب فلا يقرأ القرآن عن ظهر قلب ولا من المصحف حتى يغتسل، هذا هو خلاصة البحث وهو مهم .
__________
(1) سورة الواقعة الآية 79
(2) موطأ مالك النداء للصلاة (468).

(1/83)

« خذ من القرآن ما شئت لما شئت »
هل هذا الأثر صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
س 35: يقول السائل: ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : « خذ من القرآن ما شئت لما شئت » ؟
الجواب : لا أعرف هذا الحديث، ولا أعتقد أنه صحيح، القرآن كلام الله عز وجل، وينبغي للمؤمن أن يكثر من تلاوته، وهكذا المؤمنة ينبغي أن تكثر من تلاوته مع التدبر والتعقل والعمل، لقول الله سبحانه: ** كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ** (1) [ص: 29] .
وقوله سبحانه : ** إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ** (2) [الإسراء : 9] . ولقوله عز وجل: ** قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ** (3) [فصلت: 44] . ولقوله سبحانه وتعالى: ** أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ** (4) [محمد: 24] .
فكتاب الله فيه الهدى والنور، فينبغي للمؤمنين جميعا والمؤمنات العناية بهذا الكتاب العظيم تلاوة وتدبرا وتعقلا وعملا في الليل والنهار وفي كل وقت .
__________
(1) سورة ص الآية 29
(2) سورة الإسراء الآية 9
(3) سورة فصلت الآية 44
(4) سورة محمد الآية 24

(1/84)

حكم من حرق القرآن الكريم سهوا أو عمدا
س 36: ما جزاء من قام بحرق القرآن الكريم سهوا ولم يعرف إلا بعد ما مضى هذا الفعل؟

(1/84)

الجواب : ليس عليه شيء ما دام سهوا مثل أن يحرقه وهو لا يدري أنه قرآن، وكذلك إذا حرقه عمدا لكونه متقطعا لا ينتفع به، حتى لا يمتهن، فلا بأس عليه; لأن القرآن إذا تقطع وتمزق ولم ينتفع به يحرق أو يدفن في محل طيب حتى لا يمتهن.
أما إذا حرقه كارها له، سابا له، مبغضا له، فهذا منكر عظيم وردة عن الإسلام. وهكذا لو قعد عليه، أو وطأ عليه برجله إهانة له، أو لطخه بالنجاسة، أو سبه وسب من تكلم به، فهذا كفر أكبر وردة عن الإسلام والعياذ بالله .

(1/85)

حكم الاستماع إلى تلاوة النساء للقرآن الكريم
س 37: ما حكم الاستماع إلى تلاوة النساء في مسابقات القرآن الكريم التي تقام سنويا في بعض البلاد الإسلامية؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب : لا أعلم بأسا في هذا الشيء إذا كان النساء على حدة والرجال على حدة، من غير اختلاط في محل المسابقة، بل يكن على حدة، مع تسترهن وتحجبهن عن الرجال .
وأما المستمع فإذا استمع للفائدة والتدبر لكلام الله فلا بأس، أما مع التلذذ بأصواتهن فلا يجوز. أما إذا كان القصد الاستماع للفائدة، والتلذذ في استماع القرآن والاستفادة من القرآن فلا حرج إن شاء الله في ذلك .

(1/85)

حكم أخذ الأجر على التلاوة
س38: يقول السائل : إذا جاء الإنسان بشخص إلى بيته ليقرأ عنده القرآن، ويجزيه بعد ذلك بمبلغ من المال. فما حكم ذلك أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب : أخذ الأجرة على التلاوة أمر لا يجوز، وقد حكى بعض أهل العلم إجماع أهل العلم على ذلك، فلا يجوز أن يقرأ الإنسان بالأجرة، فلا يقوم بالتلاوة حتى يأخذ الأجرة في بيت فلان أو فلان، أو على ميت فلان، بل يقرأ احتسابا ولا يعطى أجرة .
أما إن أهدي هدية أو أعطي شيئا من دون مشارطة فنرجو ألا يكون عليه شيء في ذلك، من باب الإحسان إذا كان فقيرا، أما أن يكون مشارطة، يعني أن يكون اليوم بكذا، أو الجزء بكذا، أو السورة بكذا، فهذا منكر لا يجوز .

(1/86)

الاجتماع على قراءة يس عدة مرات ثم الدعاء
س 39: يوجد بالسجن بعض الأشخاص يجتمعون ويقرءون سورة يس، ثم يتقدم أحدهم ويدعو، والباقي يرفعون أيديهم ويؤمنون على دعائه، وتكون القراءة بعدد معين مرة أو أكثر. فهل جاء في القرآن أو السنة ما يؤيد هذا؟ أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه

(1/86)

ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين .
أما بعد: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع بأصحابه ويقرأ القرآن في مجالسه عليه الصلاة والسلام، ويذكر أصحابه ويعلمهم ويوجههم إلى الخير عليه الصلاة والسلام، وربما مر بالسجدة في القرآن فيسجد ويسجدون معه، وربما أمر بعض أصحابه أن يقرأ وهو يستمع كما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ذات يوم: « يا عبد الله اقرأ علي القرآن، فقال يا رسول الله كيف أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إني أحب أن أسمعه من غيري -عليه الصلاة والسلام- قال عبد الله : فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت قوله تعالى: [النساء: 41] قال: حسبك. قال عبد الله : فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان » (2) عليه الصلاة والسلام، يعني يبكي لما تذكر هذا الموقف العظيم يوم القيامة عليه الصلاة والسلام.
فإذا اجتمع السجناء أو الإخوان في مجلس، أو في أي مكان، وقرءوا ما تيسر من القرآن وتدبروا وتعقلوا وتذكروا فهذا خير عظيم، وفيه فضل كبير ويستحب لمن يسمع القرآن أن ينصت، حتى يستفيد ويتدبر، وإذا دعوا بعد القراءة بما شاءوا من الدعاء فلا حرج في ذلك.
لكن كونهم يعتادون تكرار يس أو غيرها عددا معينا فهذا ما لا نعلم له أصلا ولكن يقرءون ما تيسر من يس أو من البقرة أو من غير ذلك، أو يتدارسون من أول القرآن إلى آخره، هذا يقرأ ثم يقرأ الآخر وهكذا، أو يقرأ هذا ثم يعيد القراءة هذا، حتى يستفيدوا جميعا ويتدبروا.
__________
(1) صحيح البخاري تفسير القرآن (4306),صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (800),سنن الترمذي تفسير القرآن (3025),سنن أبو داود العلم (3668),سنن ابن ماجه الزهد (4194),مسند أحمد بن حنبل (1/374).
(2) سورة النساء الآية 41 (1) ** فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا **

(1/87)

أما تخصيص عدد معين من السور وتكرار السورة فهذا ما لا أعلم له أصلا، وكذلك رفع الأيدي لا أعلم أنه وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في اجتماعاته مع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فالأولى أن يكون الدعاء بما تيسر من غير رفع أيد، ومن غير دعاء جماعي، بل كل يدعو لنفسه بما تيسر بينه وبين نفسه، هذا هو الذي نعلمه من السنة، ولكن ينبغي على كل جالس التدبر والتعقل، وأن تكون القراءة مقصودة ليس لمجرد القراءة فقط.
ولكن يعتني المؤمن بما يقرأ وبما يسمع ويتدبر; لقوله عز وجل: ** كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ** (1) [ص: 29] فالمقصود من القراءة التدبر والتعقل والعمل والفائدة، نسأل الله التوفيق والهداية .
__________
(1) سورة ص الآية 29

(1/88)

دخول الخلاء بما فيه ذكر الله
س40: يقول السائل: إننا نتعامل بدنانير كتب عليها سورة الإخلاص، فهل يجوز أن أدخل بها الكنيف أم لا؟
وإن كان غير جائز فماذا أفعل وخاصة عندما أكون خارج المنزل في مكان لا آمن فيه؟
الجواب: هذا فيه تفصيل; إذا كنت في محل آمن فاتركها في خارج المرحاض أو الكنيف، كأن تكون عند أهلك، أو في مكان آخر مأمون حتى تخرج; تعظيما لكلام الله عز وجل، وهكذا إذا كان فيها ذكر الله فالأفضل إخراجها، كالخاتم الذي فيه ذكر الله، أو رسائل فيها ذكر الله،

(1/88)

تجعلها في الخارج إذا تيسر ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم « كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه » (1) خارجه، لأن فيه محمدا رسول الله.
أما إذا كنت في محل غير آمن فلا حرج عليك أن تدخل وهي معك; لأن الله يقول: ** فاتقوا الله ما استطعتم ** (2) [التغابن: 16] .
__________
(1) سنن الترمذي اللباس (1746),سنن النسائي الزينة (5213),سنن أبو داود الطهارة (19),سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (303).
(2) سورة التغابن الآية 16

(1/89)

إهداء قراءة القرآن الكريم للرسول صلى الله عليه وسلم أو لغيره
س41: ما حكم إهداء قراءة القرآن الكريم للرسول صلى الله عليه وسلم أو لغيره؟
الجواب: إهداء قراءة القرآن الكريم لروح الرسول صلى الله عليه وسلم والأموات لا أصل له، وليس بمشروع ولا فعله الصحابة رضي الله عنهم، والخير في اتباعهم.
ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم يعطى مثل أجورنا; عما فعلناه من الخير فله مثل أجورنا; لأنه الدال عليه عليه الصلاة والسلام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: « من دل على خير فله مثل أجر فاعله » (1) ، فهو الذي دل أمته على الخير وأرشدهم إلى الخير; فإذا قرأ الإنسان أو صلى أو صام أو تصدق، فالرسول صلى الله عليه وسلم يعطى مثل أجور هؤلاء من أمته لأنه هو الذي دلهم على الخير وأرشدهم إليه عليه الصلاة والسلام، فلا حاجة به إلى أن يهدى له القراءة أو غيرها، لأن ذلك ليس له أصل كما تقدم.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » (2) . وهكذا القراءة للأموات أيضا ليس لها أصل والواجب ترك ذلك.
أما الصدقة عن أموات المسلمين والدعاء لهم ، فكل ذلك مشروع،
__________
(1) صحيح مسلم الإمارة (1893),سنن الترمذي العلم (2671),سنن أبو داود الأدب (5129),مسند أحمد بن حنبل (4/120).
(2) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/256).

(1/89)

كما قال الله عز وجل في صفة عباده الصالحين التابعين للسلف الصالح: ** والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ** (1) الآية [الحشر: 10] .
وقد شرع الله صلاة الجنازة للدعاء والترحم عليهم، وهكذا الصدقة عن الميت تنفعه كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهكذا الحج عنهم، والعمرة، وقضاء الدين، كل ذلك ينفع الميت المسلم.
__________
(1) سورة الحشر الآية 10

 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 05-01-2009, 04:02 AM   #12
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي

(1/90)

(11)
الرسل

(1/91)

الرسول يدخل في الأوامر التي جاءت على يديه
س42: يقول السائل: هل كل أمر موجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أهل بيته يكون موجها إلينا جميعا؟
الجواب: نعم، هذا هو الأصل; الرسول يدخل في الأوامر التي جاءت على يديه، وهكذا أهل بيته كجميع الناس.
فالرسل داخلون فيما جاء على أيديهم من الأوامر والنواهي ، فقوله جل وعلا: ** ولا تدع من دون الله ** (1) [يونس: 106] يعم الجميع وقوله تعالى: ** وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ** (2) [الجن: 18] ، يعم الجميع، يعم الرسل وغيرهم، وقوله: ** وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ** (3) [البينة: 5] يعم الجميع، وقوله: ** وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ** (4) [البقرة: 43] يعم الجميع، وقوله: ** ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ** (5) [النساء: 22] يعم الجميع.
وهكذا، الأصل أن الأنبياء والرسل داخلون في الأوامر والنواهي التي جاءوا بها ، وهكذا أهل بيوتهم داخلون إلا ما قام الدليل على التخصيص، فإذا قام دليل خاص على أن هذا خاص بالرسول أو خاص بفلان، كالتسع له صلى الله عليه وسلم من الزوجات فهذا خاص به صلى الله عليه وسلم، وكعناق أبي بردة جاء الحديث أنها خاصة به لما ضحى بها وهي لم تبلغ الثنية.
والمقصود: أن الأصل هو العموم فيما يأتي من الأوامر والنواهي على أيدي الرسل; تعم الرسل، وتعم أهل بيوتهم إلا ما خصه الدليل.
__________
(1) سورة يونس الآية 106
(2) سورة الجن الآية 18
(3) سورة البينة الآية 5
(4) سورة البقرة الآية 43
(5) سورة النساء الآية 22

(1/92)

حول حديث: « إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء » (1)
س43: سائل يقول: سمعت أحد المذيعين يوم جمعة وكان يتحدث في فضل يوم الجمعة، وقد أورد حديثا يقول: « فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي ، قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ فقال: إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء » (2) رواه الخمسة إلا الترمذي .
أليس هذا يتعارض مع الآية الكريمة التي يقول الله فيها: ** قل إنما أنا بشر مثلكم ** (3) [الكهف: 110] ، وقوله: ** وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ** (4) [الكهف: 8] ، وأنه لما دخل عليه العباس عمه حينما مات، ومكث ثلاثة أيام قبل أن يدفن، وكان واضعا يديه على أنفه، وقال: عجلوا بدفن صاحبكم، والله إنه ليأسن كما يأسن سائر البشر . وهذا الحديث الذي سمعته موجود في كتاب نيل الأوطار شرح منتقى الأخيار، والحديث أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وذكره ابن أبي حاتم في العلل وحكى عن أبيه بأنه حديث منكر; لأن في إسناده عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، وهو منكر الحديث، وقال ابن العربي إن الحديث لم يثبت. وأسأل الله تعالى أن يوفقني وإياكم لما يحبه ويرضاه؟
الجواب: الحديث المذكور معروف عند أهل العلم ولا بأس به عند أهل العلم، ولا نكارة في ذلك، فإن الله جل وعلا له أن يخص من شاء من
__________
(1) سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1085).
(2) سنن النسائي الجمعة (1374),سنن أبو داود الصلاة (1047),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1636),مسند أحمد بن حنبل (4/8),سنن الدارمي الصلاة (1572).
(3) سورة الكهف الآية 110
(4) سورة الكهف الآية 8

(1/93)

عباده بما يشاء سبحانه وتعالى، فإذا خص الأنبياء بتحريم أجسادهم على الأرض فلا غرابة في ذلك; لما لهم لديه من الكرامة.
والصلاة والسلام عليه مشروعة مطلقا، ولو فرضنا أن الجسد قد أكلته الأرض كما تأكل أجساد الناس الآخرين، فإن هذا لا يمنع من الصلاة والسلام عليه، ولا يمنع أيضا من تخصيص الجمعة بالإكثار من ذلك لما جاء في الحديث، فإن الصلاة والسلام عليه مشروعان دائما -عليه الصلاة والسلام- في حياته وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام.
وقد قال الله عز وجل: ** إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ** (1) [الأحزاب: 56] ، اللهم صل عليه وسلم صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين.
وقال عليه الصلاة والسلام كما روى مسلم في الصحيح : « من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا » (2) . فالصلاة والسلام عليه أمر مشروع في حياته وبعد وفاته، حال كونه في البرزخ وفي غير ذلك، وهذا أمر مشروع ومعلوم عند الجميع.
أما كون جسده يبقى فهو في هذا الحديث، وسنده لا بأس به عند أهل العلم، أما قول العباس ، فلم أعلم إلى يومي هذا صحته ولم أتتبع أسانيده، ولو فرضنا صحة هذا عن العباس فإنه لا ينافيه; فقد يعتري الجسد ما يعتريه ولكنه يسلم ويبقى، ويحرم على الأرض أن تأكله، ويزول ما يعتريه من تغير ورائحة، فإن الله على كل شيء قدير سبحانه وتعالى، فإذا وضع في القبر ففي الإمكان أن تزول هذه الرائحة وهذا التغير، وأن يبقى الجسد سليما طريا، وليس في الشرع ولا في العقل
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 56
(2) صحيح مسلم الصلاة (384),سنن الترمذي المناقب (3614),سنن النسائي الأذان (678),سنن أبو داود الصلاة (523),مسند أحمد بن حنبل (2/168).

(1/94)

ما يمنع ذلك.
والمقصود أن الصلاة والسلام عليه مشروعان مطلقا سواء بقي الجسد أم لم يبق الجسد، وكونه تعرض صلاتنا عليه لا يمنع ذلك فناء جسده لو لم يصح الحديث; لأن الروح باقية في الرفيق الأعلى، وهكذا الأرواح باقية عند أهل السنة والجماعة، أرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الكفار في النار، وروحه صلى الله عليه وسلم في أعلى عليين عليه الصلاة والسلام، وأرواح المؤمنين في طيور تعلق في شجر الجنة كما صح بذلك الحديث، وأرواح الشهداء تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم ترجع إلى قناديل معلقة تحت العرش، وهي في أجواف طير خضر كما جاء في الحديث الشريف.
فالمقصود أن الأرواح باقية وفي الإمكان عرض الصلاة والسلام عليه، عليه الصلاة والسلام، ولو ذهب الجسد، ولكن حديث « إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء » (1) لا بأس به، فالأصل الأخذ به والبقاء عليه، حتى يعلم بالأدلة التي لا شك فيها ما يخالف ذلك.
وقوله صلى الله عليه وسلم: « إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء » (2) خبر منه صلى الله عليه وسلم وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فمتى سلم الخبر من العلة، وهو عند أهل العلم في ظاهر أسانيده صحيح ولا بأس به، وإذا ثبت أثر العباس ، فإن ما قاله العباس لو ثبت ووقع لا يمنع من بقاء الجسد وزوال هذا الأثر كما تقدم.
__________
(1) سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1085).
(2) سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1085).

(1/95)

هل النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور؟
س44: سائل يقول: نسمع في بعض خطب الجمعة عندنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور، وليس من تراب كسائر الناس. نسأل عن صحة هذا الكلام؟
الجواب: هذا كلام باطل وليس له أصل، فالله خلق نبينا صلى الله عليه وسلم مثل ما خلق بقية البشر; من ماء مهين، من ماء أبيه عبد الله وأمه آمنة ، كما قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: ** ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ** (1) [السجدة: 8] ، فمحمد صلى الله عليه وسلم من نسل آدم، وجميع نسل آدم كلهم من سلالة من ماء مهين وهو منهم.
أما ما يروى أنه خلق من النور فهذا لا أصل له، وهو حديث موضوع مكذوب باطل لا أصل له، وبعضهم يعزوه إلى مسند أحمد عن جابر ، وهذا لا أصل له، وبعضهم يعزوه لمصنف عبد الرزاق وهذا لا أصل له. والمقصود أنه حديث باطل لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما خلقه الله مما خلق منه بني آدم، وخلق منه الأنبياء جميعا، وهو من ماء الرجل وماء المرأة، هذا هو الأمر المعلوم، وأما ما يدعيه بعض الغلاة، وبعض الجهلة أنه خلق من النور فهذا باطل لا أصل له.
وهو نور صلى الله عليه وسلم، جعله الله نورا للناس بما أوحى الله إليه من الهدى، من الكتاب العزيز والسنة المطهرة، كما قال الله سبحانه وتعالى: ** قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ** (2) [المائدة: 15] ، هذا النور هو محمد صلى الله عليه وسلم بما أوحى الله إليه من النور، سماه الله نورا; لأن الله جعله نورا بما أوحى إليه من الهدى، كما قال في الآية الأخرى:
__________
(1) سورة السجدة الآية 8
(2) سورة المائدة الآية 15

 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 05-01-2009, 04:39 AM   #13
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي

(1/96)

** إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ** (1) ** وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ** (2) [الأحزاب: 45 ، 46] .
فهو السراج المنير، وهو نور لما أعطاه الله من الوحي العظيم من القرآن والسنة، فإن الله أنار بهما الطريق، وأوضح بهما الصراط المستقيم، وهدى بهما الأمة إلى الخير، فهو نور وجاء بالنور عليه الصلاة والسلام، وليس معناه أنه خلق من نور، إنما خلق من ماء مهين، لكنه نور بما أوحى الله إليه من الهدى، وما أعطاه الله من العلم الذي علمه الناس صلى الله عليه وسلم، فالرسل نور، والعلماء نور; علماء الحق، لما أعطاهم الله من الهدى، فهم نور للعالم بما اقتبسوه مما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام.
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 45
(2) سورة الأحزاب الآية 46

(1/97)

حكم القول بأن أول ما خلق الله نور محمد صلى الله عليه وسلم
س45: يقول السائل: سمعت أناسا يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم خلق من نور، وأول ما خلق الله هو نور محمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء يقرءون القرآن الكريم، ويهدون ثوابه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والأموات ... أفيدونا عن صحة هذا جزاكم الله خيرا .
الجواب: ما يقوله الناس من أنه صلى الله عليه وسلم خلق من نور فهذا كله لا أصل له، فقولهم إنه خلق من نور أو أنه أول ما خلق نور محمد، هذه كلها أخبار موضوعة لا أصل لها، ولا أساس لها عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي موضوعة ومكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم.

(1/97)

وإنما الحق أنه صلى الله عليه وسلم خلق من ماء مهين كما خلق الناس الآخرون، خلق من ماء عبد الله بن عبد المطلب ، ومن ماء آمنة أمه، ولم يخلق من نور ولكن الله جعله نورا عليه الصلاة والسلام، جعله سراجا منيرا بما أعطاه الله من الوحي، وبما أنزل الله من القرآن والسنة، جعله الله نورا للناس، جعله الله سراجا منيرا بالدعوة إلى الله، وبيان الحق للناس وإرشادهم وتوجيههم إلى الخير، فهو نور جاءه بعدما أوحى الله إليه عليه الصلاة والسلام، وإلا فهو بشر من بني آدم خلق من ماء مهين، من ماء أبيه وأمه.
وأما ما يقوله بعض الناس، وبعض المخرفين، وبعض الصوفيين : إنه خلق من نور، أو إن أول شيء خلق هو نور محمد، فهذه كلها أخبار لا أصل لها، وكلها باطلة، وهي أخبار موضوعة لا أساس لها كما تقدم. وقد قال الله سبحانه في سورة الأحزاب: ** يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ** (1) ** وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ** (2) [الأحزاب: 45 ، 46] ، وذلك بما أوحى الله إليه من الكتاب والسنة عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 45
(2) سورة الأحزاب الآية 46

(1/98)

الزعم بأن الدنيا بما فيها خلقت من أجل الرسول صلى الله عليه وسلم
س46: يقول سائل: لقد أصبح من المتعارف عليه وشائعا على ألسنة الناس عندنا وكأنما هو شيء بديهيا أن الدنيا بما فيها خلقت لأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولاه لم تكن ولم تخلق ولم توجد. نرجو من فضيلة الشيخ المجيب على أسئلة المستمعين الإجابة على سؤالي مع الأدلة

(1/98)

الشافية إن كان كما قيل، وجزيتم خيرا؟
الجواب: هذا ينقل من كلام بعض العامة وهم لا يفهمون، يقول بعض الناس: إن الدنيا خلقت من أجل محمد ولولا محمد ما خلقت الدنيا ولا خلق الناس وهذا باطل لا أصل له، وهذا كلام فاسد، فالله خلق الدنيا ليعرف ويعلم سبحانه وتعالى وليعبد جل وعلا، خلق الدنيا وخلق الخلق ليعرف بأسمائه وصفاته، وبقدرته وعلمه، وليعبد وحده لا شريك له ويطاع سبحانه وتعالى، لا من أجل محمد، ولا من أجل نوح، ولا موسى، ولا عيسى، ولا غيرهم من الأنبياء، بل خلق الله الخلق ليعبد وحده لا شريك له.
خلق الله الدنيا وسائر الخلق ليعبد ويعرف ويعظم، وليعلم أنه على كل شيء قدير، وأنه بكل شيء عليم، كما قال سبحانه وتعالى: ** وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ** (1) [الذاريات: 56] ، بين أنه خلقهم ليعبدوه، لا من أجل محمد عليه الصلاة والسلام.
ومحمد من جملتهم خلق ليعبد ربه، كما قال له سبحانه: ** واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ** (2) [الحجر: 99] ، وقال سبحانه وتعالى في سورة الطلاق: ** الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ** (3) [الطلاق: 12] ، وقال سبحانه وتعالى: ** وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ** (4) [ص: 27] . فالله جل وعلا خلق الخلق ليعبد، خلقه بالحق وللحق ليعبد ويطاع ويعظم، وليعلم أنه على كل شيء قدير، وأنه العالم بكل شيء سبحانه وتعالى.
__________
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2) سورة الحجر الآية 99
(3) سورة الطلاق الآية 12
(4) سورة ص الآية 27

(1/99)

فأيها السائل، هذه الأشياء التي سمعتها باطلة لا أساس لها، لم يخلق الله الخلق، لا الجن، ولا الإنس، ولا السماء، ولا الأرض، ولا غير ذلك; لم يخلق ذلك من أجل محمد عليه الصلاة والسلام، ولا من أجل غيره من الرسل، وإنما خلق الخلق وخلق الدنيا ليعبد وحده لا شريك له، وليعرف بأسمائه وصفاته.
فهذا هو الحق، وهذا الذي قامت عليه الأدلة، وإن كان محمد صلى الله عليه وسلم هو أشرف الناس، وهو أفضل الناس عليه الصلاة والسلام وخاتم الأنبياء وسيد ولد آدم، لكن الله خلقه ليعبد ربه، وخلق الناس ليعبدوا ربهم سبحانه وتعالى، ما خلقهم من أجل محمد، وإن كان أفضل الناس، فاعرف هذا وبلغه لغيرك أيها السائل; لأن هذه مسألة مهمة، وقد وقع فيها بعض من ينتسب إلى العلم وهو من الجهلة ومن الغلاة، الذين ليس عندهم العلم الحقيقي الأصيل، وإنما هم في الحقيقة من الجهلة والعامة الذين ليس عندهم علم.
أما أهل العلم والبصائر فهم يعلمون أن هذا باطل، وأن الله خلق الخلق ليعبد وحده لا شريك له، وليعرف بأسمائه وصفاته وأنه الحكيم العليم، وأنه السميع المجيب، وأنه العليم القادر على كل شيء سبحانه وتعالى، وأنه الكامل في صفاته وأسمائه وذاته وأفعاله سبحانه وتعالى كما سبق.

 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 05-01-2009, 04:44 AM   #14
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي

(1/100)

عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، فهل هو أول رائد فضاء؟
س47: يقول السائل في رسالته: عندما كنت أدرس بالمرحلة المتوسطة طرح لنا أحد الأساتذة سؤالا وقال فيه: من هو أول رائد للفضاء؟ فأجبنا على سؤاله بأنه سوفيتي الجنسية. وقال لنا الأستاذ الإجابة خطأ. وقال: إن أول رائد للفضاء هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، عندما عرج به إلى السماوات، وكانت مركبته البراق. فهل هذا صحيح؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب: لا نعلم في الموضوع غير ما ذكره المجيب; فإننا لا نعلم أحدا عرج به إلى السماء وفرضت عليه صلوات خمس سوى نبينا عليه الصلاة والسلام، فإنه عرج به إلى السماء السابعة حتى كان فوقها، وحتى سمع كلام الرب عز وجل. فإذا عبر عنه بأنه رائد فضاء فهذا له بعض الوجاهة، لكن ليس بصحيح أنه رائد فضاء، بل إنما عرج به إلى السماء، إلى ربه عز وجل ليفيض عليه بما يشاء سبحانه وتعالى، وليس المقصود من هذه الرحلة أن يجوب الفضاء، وأن ينظر في الفضاء، بل المقصود من هذه الرحلة مع الملك جبرائيل عليه الصلاة والسلام أن يرتفع إلى الله، ويجوب السماوات حتى يصل إلى ما فوق السماء السابعة، وحتى يسمع كلام ربه، وليس المقصود أن يجوب الفضاء.
وهذا الكلام الذي قاله هذا المجيب له بعض الوجاهة من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم شق الفضاء كله حتى جاوز السبع الطباق، فله وجه من هذه الحقيقة، لكن ليس هو المعنى المقصود عند الدول الموجودة اليوم أمريكا والسوفيت وغيرهم; فإن مقصودهم هو اختبار الفضاء، واختبار

(1/101)

ما فيه من العجائب وهو ما دون السماء الدنيا، وليس المقصود هذا المعنى الذي حصل للنبي صلى الله عليه وسلم.
فالمجيب الذي قال: السوفيتي له وجه، والسائل الذي سأله لقصده وجه، ولكن ليس منطبقا على مراد الناس اليوم، وعلى مقصود الناس اليوم; لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرتحل ليجوب الفضاء، وإنما ارتحل بأمر ربه، ليتصل بالله عز وجل فوق السماء السابعة، وليسمع كلامه سبحانه وتعالى، وليمتثل أمره جل وعلا، فالرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يرتحل هذه الرحلة العظيمة، ويسمع كلام ربه، وليفرض الله عليه هذه الصلوات العظيمة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين. والله ولي التوفيق.

(1/102)

حول رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام
س48: يقول السائل: ادعى بعض الناس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وأنه عليه الصلاة والسلام قال له: إنه خجلان في قبره ؛ لأن الحرب لم تتوقف بين إيران والعراق . وقال آخر: إنه رآه عليه الصلاة والسلام وقال له: سوف تستمر الحرب ستة وثلاثين شهرا وها قد مضى على الحرب الآن أربع سنوات فما حكم الشرع في مثل هذه الرؤى التي فيها ما يخالف الواقع؟
الجواب: كثير من الناس يدعي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إما كاذب، وإما أنه لم يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم، وظن أنه الرسول وليس هو الرسول عليه الصلاة والسلام .

(1/102)

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي » (1) ، فمن رآه في صورته فقد رآه، وهو صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق.
لكن هذه المرائي تعرض على ما علم من الشرع، فإن وافقت ما علم من الشرع فهي حق، وإلا فهي تلبيس على صاحبها، وأن صاحبها لم ير الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما خيل له وظن أنه الرسول وليس هو الرسول، فقد يراه بعض الناس في صورة شاب أمرد، وقد يراه بعض الناس شيبة قد ابيض شعره، وقد يراه بعض الناس في صورة إنسان قصير، وقد يراه بعض الناس في صورة إنسان طويل، وقد يراه بعض الناس في صورة إنسان أسود اللون، وقد يراه بعض الناس في صور أخرى، وهذا ليس هو الرسول صلى الله عليه وسلم.
الرسول ربعة من الرجال، أبيض اللون، مشرب بحمرة عليه الصلاة والسلام، من أجمل الرجال عليه الصلاة والسلام، شعره أسود ليس فيه إلا بياض قليل، شعرات قليلة من الشيب.
فلا بد في الرائي أن يكون رآه على صورته المعروفة في كتب الحديث والسيرة، وأن يكون ثقة معروفا بالصدق والأمانة والعدالة، وإلا فإنه لا يعتمد على قوله؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: « فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي » (2) ولم يقل لا يتمثل بي، بل قال: « في صورتي » (3) ، فدل ذلك على أنه إذا رآه الإنسان في غير صورته فليس هو النبي عليه الصلاة والسلام، ثم إذا رآه فلا بد أن يعرض ما رآه على ما جاء به الشرع إن كانت تتعلق بالأحكام والعبادات فتعرض على الشرع، فإن خالفت الشرع فليس هو النبي عليه
__________
(1) صحيح البخاري العلم (110),صحيح مسلم الرؤيا (2266),سنن الترمذي الرؤيا (2280),سنن أبو داود الأدب (4965),سنن ابن ماجه تعبير الرؤيا (3901),مسند أحمد بن حنبل (2/232).
(2) صحيح البخاري العلم (110),صحيح مسلم الرؤيا (2266),سنن الترمذي الرؤيا (2280),سنن أبو داود الأدب (4965),سنن ابن ماجه تعبير الرؤيا (3901),مسند أحمد بن حنبل (2/232).
(3) صحيح البخاري العلم (110),صحيح مسلم الرؤيا (2266),سنن الترمذي الرؤيا (2280),سنن أبو داود الأدب (4965),سنن ابن ماجه تعبير الرؤيا (3901),مسند أحمد بن حنبل (2/232).

(1/103)

الصلاة والسلام.
ثم قوله: خجلان ليس من لغة النبي صلى الله عليه وسلم، بل هذه من لغة العصر، فهذا دليل على أنه لم ير الرسول عليه الصلاة والسلام وإنما رأى شيطانا، ثم الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، والوحي قد انقطع، فهو لا يعلم الغيب في حياته إنما يعلم ما أوحى الله إليه وبينه له سبحانه وتعالى، وما لم يأت به الوحي لا يعلمه -عليه الصلاة والسلام- من أمور الغيب، فهو لا يعلم شأن الحرب التي بين العراق وبين إيران ، والوحي قد انقطع بوفاته عليه الصلاة والسلام، وهذا من أوضح الدلالة على أن هذه الرؤيا مكذوبة وليست من النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي من بعض الشياطين الذين تراءوا للرجل القائل، أو أنه كاذب في رؤياه ولم ير شيئا.

(1/104)

الواجب الصلاة عليه إذا مر ذكره صلى الله عليه وسلم
س49: يقول السائل: هل يجب أن يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم كلما مر ذكره أم إن ذلك سنة؟
الجواب: الواجب الصلاة عليه إذا مر ذكره عليه الصلاة والسلام; لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: « رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل علي » (1) ، وهذا يدل على أن الصلاة عليه واجبة عند ذكره صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) سنن الترمذي الدعوات (3545),مسند أحمد بن حنبل (2/254).

(1/104)

عدد أهل الكهف
س50: سائلة تسأل تقول: ما هو القول الصحيح في عدد أهل الكهف؟ وهل هم أصحاب الصخرة؟ أم غيرهم؟ وإن كان كذلك فمن هم إذن أصحاب الصخرة؟ وما هي قصتهم؟
الجواب: أهل الكهف بينهم الله في كتابه العظيم، والأقرب هو ما قاله جماعة من أهل العلم أنهم سبعة وثامنهم كلبهم، هذا هو الأقرب والأظهر، وهم أناس مؤمنون، آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، وفارقوا قومهم لأجل الشرك والكفر، فلما توفاهم الله بعد ذلك بعدما ناموا المدة الطويلة توفاهم الله بعد ذلك على دينهم الحق، هؤلاء هم أهل الكهف كما بينه الله في كتابه العزيز.
إنهم فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، وناموا النومة الطويلة بإذن الله، ثم ماتوا بعد ذلك ثم بنى عليهم بعض أهل الغلبة من الأمراء والرؤساء مسجدا، وقد أخطأوا وغلطوا في ذلك; لأن القبور لا يجوز البناء عليها ولا اتخاذ المساجد عليها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ القبور مساجد ، وقال: « لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) ، وحذر من البناء على القبور، وتجصيصها، واتخاذ المساجد عليها، كل هذا نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز للمسلمين أن يبنوا على القبور مساجد ولا قبابا ولا غير ذلك، بل تكون القبور ضاحية للشمس والأمطار ليس عليها بناء، لا قبة ولا مسجد ولا غير ذلك؛ عملا بالأحاديث الصحيحة وسدا لذريعة الغلو فيها والشرك بأهلها.
وهكذا كانت قبور المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403).

 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 05-01-2009, 04:53 AM   #15
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي

(1/105)

الراشدين حتى غير الناس بعد ذلك وبنوا على القبور وهذا من الجهل والغلط والمنكر العظيم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) ، قالت عائشة رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا، وقال صلى الله عليه وسلم لما أخبرته أم حبيبة وأم سلمة لما كانتا في أرض الحبشة عن كنيسة فيها تصاوير قال: « أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، ثم صوروا فيه تلك الصور » (2) ، ثم قال: « أولئك شرار الخلق عند الله » (3) .
فأخبر أنهم شرار الخلق بسبب بنائهم على القبور واتخاذهم الصور عليها، نسأل الله السلامة، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه جندب بن عبد الله في صحيح مسلم : « ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك » (4) ، فنهى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد وحذر من هذا وبين أنه من عمل من كان قبلنا من اليهود والنصارى وهو عمل مذموم ملعون فاعله لكونه من وسائل الشرك، فلا يجوز للمسلمين أن يتخذوا قبابا ولا مساجد على قبور أمواتهم، بل هذا منكر ومن وسائل الشرك.
أما أصحاب الصخرة فهم أناس خرجوا يتمشون فآواهم المبيت والمطر إلى غار في جبل، فلما دخلوا انحدرت عليهم صخرة وسدت عليهم باب الغار، فقالوا فيما بينهم: لا ينجيكم من هذا إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم -التي فعلتموها لله-.
فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا، فنأى بي طلب الشجر ذات ليلة فلم أرح عليهما
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403).
(2) صحيح البخاري الصلاة (424),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (528),سنن النسائي المساجد (704),مسند أحمد بن حنبل (6/51).
(3) صحيح البخاري الصلاة (424),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (528),سنن النسائي المساجد (704),مسند أحمد بن حنبل (6/51).
(4) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532).

(1/106)

إلا وقد ناما فوقفت بالقدح أنتظر استيقاظهما فلم يستيقظا حتى برق الصبح، والصبية يتضاغون تحت قدمي. اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئا قليلا لا يستطيعون معه الخروج.
ثم قال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم، وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وإني أردتها على نفسها فأبت، فألمت بها سنة -يعني: حاجة في بعض السنين- فجاءت إلي تطلبني، فقلت لها: لا حتى تمكنيني من نفسك، فوافقت على ذلك -على عشرين ومائة دينار سلمها لها- فلما جلس بين رجليها، قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقام خوفا من الله وتركها، وترك الذهب لها، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة أيضا ولكنهم لا يستطيعون الخروج.
ثم قال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيت كل أجير حقه إلا أجيرا واحدا كان له فرق من أرز فتركه، فثمرته له حتى اشتريت منه رقيقا وإبلا وبقرا وغنما فجاء بعد ذلك وقال: أعطني حقي، فقلت: يا عبد الله كل هذا من حقك، فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي، فقلت له: إني لا أستهزئ بك بل هذا كله من حقك، فأخذه واستاقه جميعا. اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون.
وهذا دليل على أن الله على كل شيء قدير وأنه سبحانه وتعالى يبتلي عباده بالسراء والضراء، وهذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم

(1/107)

في الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو حديث صحيح فيه عبرة وفيه إرشاد إلى الضراعة إلى الله، وسؤاله عند الكروب والشدائد، وأنه سبحانه قريب مجيب يسمع دعاء الداعي ويجيب دعوته إذا شاء سبحانه وتعالى، وأن الأعمال الصالحات من أسباب تفريج الكروب ، ومن أسباب تيسير الأمور، ومن أسباب إزالة الشدة، والمؤمن إذا وقع في الشدة يضرع إلى الله ويسأله ويتوسل إليه بأسمائه وصفاته وبأعماله الصالحة، بإيمانه بالله ورسوله وبتوحيده وإخلاصه لله.
هذه هي الأسباب، والله سبحانه من فضله وإحسانه يجيب دعوة المضطر، ويرحم عبده المؤمن، ويجيب سؤاله، كما قال سبحانه وتعالى: ** وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ** (1) [البقرة: 186] ، وهو القائل سبحانه: ** ادعوني أستجب لكم ** (2) [غافر: 60] ، وهو القائل سبحانه: ** أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ** (3) [النمل: 62] ، وهؤلاء مضطرون، نزل بهم أمر عظيم وكربة شديدة، فسألوا الله بصالح الأعمال فأجاب الله دعاءهم.
وفي هذا من الفوائد فضل بر الوالدين ، وأن بر الوالدين من أفضل القربات ومن أسباب تفريج الكروب وتيسير الأمور، وهكذا العفة عن الزنا، فإن الحذر من الزنا من الأعمال الصالحات، ومن أسباب تفريج الكروب ومن أسباب النجاة من كل شدة، ومن أفضل الأعمال الصالحات، وهكذا أداء الأمانة، والنصح في أداء الأمانة من أعظم الأسباب في تفريج الكروب، ومن أفضل الأعمال الصالحات والنعم،
__________
(1) سورة البقرة الآية 186
(2) سورة غافر الآية 60
(3) سورة النمل الآية 62

(1/108)

فهذه الأعمال الصالحة من أسباب النجاة في الدنيا والآخرة.

(1/109)

قوله تعالى: ** فأردت أن أعيبها ** (1)
س51: يقول السائل: ورد في سورة الكهف على لسان الرجل الصالح في قصته مع موسى عليه السلام، في قوله تعالى: ** أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ** (2) إلى قوله تعالى: ** ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ** (3) [الكهف: 79-82] .
لاحظت أنه عند السفينة قال: ** فأردت أن أعيبها ** (4) وعند ذكر الأبوين المؤمنين: ** فأردنا أن يبدلهما ربهما ** (5) وعند ذكر قصة اليتيمين صاحبي الجدار: ** فأراد ربك ** (6) فما الفرق بين التعابير الثلاثة؟ وهل ذلك يعني أن للرجل الصالح إرادة في الأمر مع إرادة الله؟
الجواب: الصحيح أن هذا الرجل هو الخضر صاحب موسى عليه الصلاة والسلام، وأنه نبي، وليس مجرد رجل صالح بل الصحيح أنه نبي، ولهذا قال: ** وما فعلته عن أمري ** (7) أي: بل عن أمر الله سبحانه وتعالى.
وجاء في القصة نفسها في الصحيح أنه قال لموسى: « إنك على علم من علم الله علمك الله إياه لا أعلمه أنا، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت » (8) .
فدل ذلك على أنه من الأنبياء، ولهذا قال: ** فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ** (9)
__________
(1) سورة الكهف الآية 79
(2) سورة الكهف الآية 79
(3) سورة الكهف الآية 82
(4) سورة الكهف الآية 79
(5) سورة الكهف الآية 81
(6) سورة الكهف الآية 82
(7) سورة الكهف الآية 82
(8) صحيح البخاري تفسير القرآن (4450),صحيح مسلم الفضائل (2380),سنن الترمذي تفسير القرآن (3149),مسند أحمد بن حنبل (5/118).
(9) سورة الكهف الآية 82

(1/109)

وقال: ** وما فعلته عن أمري ** (1) والرسول يعلم إرادة الله حيث جاءه الوحي بذلك.
وفي قصة السفينة نسب الأمر إليه ** فأردت أن أعيبها ** (2) هذا والله أعلم لأن الرب سبحانه ينسب إليه الشيء الطيب، والعيب ظاهره ليس من الشيء الطيب، فنسبه إلى نفسه تأدبا مع ربه عز وجل، فقال: ** فأردت أن أعيبها ** (3) وهذا عيب يراد منه أن تسلم السفينة حتى لا يأخذها الملك; لأنه كان يأخذ كل سفينة صالحة سليمة فأراد الخضر أن يعيبها لتسلم من هذا الملك إذا رآها معيبة خاربة تسلم من شره وظلمه، فلما كان ظاهر الأمر لا يناسب ولا يليق إضافته لله نسبه لنفسه فقال: ** فأردت أن أعيبها ** (4)
وعند ذكر الأبوين المؤمنين قال: ** فأردنا أن يبدلهما ربهما ** (5) كذلك لما كان أمرا طيبا نسبه إلى نفسه؛ لأنه مأمور من جهة الله عز وجل ( أردنا )، وذكر نون الجمع؛ لأنه نبي، والنبي رجل عظيم فناسب أن يقول: ( أردنا ) ، ولأنه عن أمر الله وعن توجيه الله فناسب أن يقال فيه: ( أردنا ) ، ولأنه كان عملا طيبا ومناسبا وفيه مصلحة.
ولما كان أمر اليتيمين فيه خير عظيم وصلاح لهما، ومنفعة لهما قال: ** فأراد ربك ** (6) فنسب الخير إليه سبحانه وتعالى، وهذا من جنس قول الجن في سورة الجن، حيث قال سبحانه عن الجن: ** وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ** (7) [الجن: 10] .
فالشر لم يضيفوه إلى الله سبحانه وتعالى، ولما جاء الرشد قالوا: ** أم أراد بهم ربهم رشدا ** (8) فنسبوا الرشد إلى الله سبحانه وتعالى; لأن
__________
(1) سورة الكهف الآية 82
(2) سورة الكهف الآية 79
(3) سورة الكهف الآية 79
(4) سورة الكهف الآية 79
(5) سورة الكهف الآية 81
(6) سورة الكهف الآية 82
(7) سورة الجن الآية 10
(8) سورة الجن الآية 10

 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 05-01-2009, 04:56 AM   #16
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي

(1/110)

الرشد خير فنسبوه إلى الله، وأما الشر فلا ينسب إليه، كما جاء في الحديث الصحيح: « والشر ليس إليك » (1) ، وهذا من الأدب الصالح، من أدب الجن المؤمنين، ومن أدب الخضر عليه الصلاة والسلام ، قال في العيب: ** فأردت أن أعيبها ** (2) وفي اليتيمين: ** فأراد ربك ** (3) وهذا من الأدب المناسب مع الله سبحانه .
__________
(1) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (771),سنن الترمذي الدعوات (3422),سنن النسائي الافتتاح (897),سنن أبو داود الصلاة (760),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (864),مسند أحمد بن حنبل (1/103),سنن الدارمي الصلاة (1238).
(2) سورة الكهف الآية 79
(3) سورة الكهف الآية 82

(1/111)

(12)
اليوم الآخر

(1/113)

قوله تعالى: ** وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض ** (1)
س52: يقول السائل: يقول الله تعالي: ** وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ** (2) [النمل: 82] . ما تفسير هذه الآية الكريمة. جزاكم الله خيرا؟
الجواب: جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها دابة تخرج في آخر الزمان عند طلوع الشمس من مغربها; قبلها بقليل أو بعدها بقليل، والله أعلم بمكثها في الأرض، ولكنها تخرج في آخر الزمان، وتكلم الناس، كما قال الله عز وجل، وأما تفاصيل أخبارها فليس في تفاصيل أخبارها أحاديث صحيحة فيما أعلم.
__________
(1) سورة النمل الآية 82
(2) سورة النمل الآية 82

(1/114)

حول السؤال عن الأعمال يوم القيامة
س53: يقول السائل في رسالته: يقول الله تعالى يوم القيامة: ** تالله لتسألن عما كنتم تفترون ** (1) [النحل: 56] ، ويقول جل وعلا: ** ولتسألن عما كنتم تعملون ** (2) [النحل: 93] ، ولكني وجدت آية في سورة الرحمن تنفي حدوث السؤال للإنس والجن يوم القيامة، يقول المولى فيها: ** فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ** (3) [الرحمن: 39] ، فكيف يمكن الجمع بين هذه الآيات التي تثبت الحساب والأخرى التي تنفي السؤال؟
الجواب: أيها الأخ السائل، اعلم أن يوم القيامة له أحوال وله شئون، وهو يوم طويل، مقداره خمسون ألف سنة، كما قال جل وعلا في كتابه
__________
(1) سورة النحل الآية 56
(2) سورة النحل الآية 93
(3) سورة الرحمن الآية 39

(1/114)

العظيم: ** تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ** (1) ** فاصبر صبرا جميلا ** (2) ** إنهم يرونه بعيدا ** (3) ** ونراه قريبا ** (4) [المعارج: 4-7] .
فهو يوم طويل عظيم، وله شئون وله أحوال، والناس فيه على أحوال، ففي وقت يسألون، وفي وقت لا يسألون، في وقت يسألهم الله عن أعمالهم، كما قال عز وجل: ** فوربك لنسألنهم أجمعين ** (5) ** عما كانوا يعملون ** (6) [الحجر: 92 ، 93] ، فيسألهم ويجازيهم، وتعرض عليهم صحائفهم، وفي وقت آخر من هذا اليوم الطويل لا يسألون، وهكذا ما في قوله جل وعلا عن الكفار أنهم قالوا: ** والله ربنا ما كنا مشركين ** (7) [الأنعام: 23] ، وفي الموضع الآخر قال: ** ولا يكتمون الله حديثا ** (8) [النساء: 42] ، ولهذا نظائر، فيوم القيامة طويل عظيم، للناس فيه شئون مع ربهم عز وجل، فتارة يقرون وتارة يجحدون، وتارة يسألون وتارة لا يسألون، فانتبه لهذا، ولا تشك في شيء من ذلك، فكله حق، والله المستعان.
__________
(1) سورة المعارج الآية 4
(2) سورة المعارج الآية 5
(3) سورة المعارج الآية 6
(4) سورة المعارج الآية 7
(5) سورة الحجر الآية 92
(6) سورة الحجر الآية 93
(7) سورة الأنعام الآية 23
(8) سورة النساء الآية 42

(1/115)

مصير من تساوت حسناته وسيئاته
س54: ما مصير من تساوت حسناته وسيئاته يوم الحساب، هل سيدخل الجنة أم لا بد أن يأخذ نصيبه من النار؟
الجواب: الله أعلم، أمره إلى الله سبحانه، لكن لا بد من القطع بأنه لا بد أن يكون مصيره إلى الجنة في المنتهى، أما كونه قد يعذب أو لا يعذب، هذا إلى الله سبحانه وتعالى; لأن الموحد الذي تساوت حسناته وسيئاته

(1/115)

منتهاه الجنة، لكن قد يعفى عنه بفضل الله سبحانه، ويدخل الجنة من أول وهلة، وقد يدخل النار بسيئاته التي لم يتب منها، فهو تحت مشيئة الله عز وجل، والله أعلم هل يدخل الجنة من أول وهلة أو لا يعفى عنه، بل يعذب على قدر المعاصي التي مات عليها ولم يتب، ثم يدخل الجنة.
هذه قاعدة عند أهل السنة والجماعة; وهي أن مصير الموحدين الجنة، سواء دخلوا النار أم لم يدخلوا النار; فمن دخلها بذنوبه فإنه لا يخلد فيها; بل يخرج منها بعدما يطهر ويمحص يخرج من النار إلى الجنة، يلقى في ماء الحياة فينبت كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم بعد ذلك يدخل الجنة، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد يعفو الله سبحانه وتعالى عن العاصي الموحد المؤمن، بشفاعة الشفعاء أو برحمته من دون شفاعة أحد، فيدخله الله الجنة جل وعلا، كما قال الله سبحانه: ** إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ** (1) [النساء: 48 و 116] .
وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بعض العصاة يدخل النار ويبقى فيها ما شاء الله، ثم يخرجه الله سبحانه من النار بسبب توحيده وإيمانه وإسلامه إلى الجنة، فالذين تتساوى حسناتهم وسيئاتهم هم في حكم العصاة، وأمرهم إلى الله سبحانه وتعالى.
__________
(1) سورة النساء الآية 48

(1/116)

شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم
س55: يقول السائل: للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ثلاث شفاعات، فلمن

(1/116)

تجوز الشفاعة الأولى والثانية والثالثة؟
الجواب: له عليه الصلاة والسلام ثلاث شفاعات خاصة به عليه الصلاة والسلام.
إحداها: الشفاعة العظمى في أهل الموقف يوم القيامة ، يشفع لهم حتى يقضى بينهم، وهذا هو المقام المحمود الذي قال فيه سبحانه: ** ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ** (1) [الإسراء: 79] ، هذا هو المقام المحمود الذي يبعثه الله يوم القيامة، وهو أنه يشفع في أهل الموقف عليه الصلاة والسلام إلى الله سبحانه ليقضى بينهم في هذا الموقف العظيم، حتى ينصرف كل إلى ما كتب الله له.
أما الشفاعة الثانية: فهي الشفاعة في أهل الجنة حتى يدخلوا الجنة ; فإنهم لا يدخلون الجنة إلا بشفاعته عليه الصلاة والسلام فيشفع إلى ربه فيؤذن لهم بدخول الجنة.
الشفاعة الثالثة: خاصة بعمه أبي طالب ، يشفع في عمه أبي طالب أن يخفف عنه، قال صلى الله عليه وسلم: إنه وجده في غمرات النار فشفع له حتى صار في ضحضاح من النار، فالرسول صلى الله عليه وسلم يشفع لعمه أبي طالب فقط في التخفيف لا في الخروج; لأنه مات كافرا، هذا الذي عليه أهل العلم والتحقيق، أنه مات كافرا، أراد النبي صلى الله عليه وسلم عند موته أن يقول لا إله إلا الله فأبى وقال: هو على ملة عبد المطلب فمات على الكفر بالله.
فالرسول صلى الله عليه وسلم شفع له بأن يكون في ضحضاح من النار، بسبب ما حصل من نصره للنبي صلى الله عليه وسلم وتعبه وحمايته له عليه الصلاة والسلام، ولهذا حرص صلى الله عليه وسلم أن يسلم لكن لم يقدر له الإسلام فصار هذا من الآيات
__________
(1) سورة الإسراء الآية 79

(1/117)

الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم لا يملك هداية أحد، فالهداية بيد الله سبحانه وتعالى، فهو يهدي من يشاء، ولهذا لما مات عمه أبو طالب على الكفر أنزل الله في حقه: ** إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ** (1) [القصص: 56] ، وقال سبحانه: ** ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ** (2) [البقرة: 272] .
ولهذا شفع فيه في أن يكون في ضحضاح من النار يغلي منه دماغه -نسأل الله العافية- ، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « أهون الناس عذابا يوم القيامة أبو طالب فإنه في ضحضاح من النار يغلي منه دماغه » (3) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وفي لفظ آخر يقول: « إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة من يكون له نعلان من نار يغلي منهما دماغه » (4) وهو يرى أنه أشد الناس عذابا وهو أهونهم عذابا.
وهناك شفاعات له أخرى صلى الله عليه وسلم ليست مختصة به صلى الله عليه وسلم، فهناك شفاعات فيمن دخل النار من أهل التوحيد يخرج منها، ومن لم يدخلها أن لا يدخلها من العصاة; فإن العصاة قسمان:
قسم يعفى عنه قبل دخول النار بالشفاعة أو برحمة الله سبحانه وتعالى، وعفوه جل وعلا.
وقسم يدخل النار بمعاصيهم وسيئاتهم ثم بعد ما يمضي عليهم ما شاء الله في النار يخرجون منها بشفاعة الشفعاء، أو برحمة الله سبحانه المجردة من دون شفاعة أحد; لأنه كتب جل وعلا أنه لا يخلد فيها إلا الكفرة، فالنار لا يخلد فيها إلا الكفار.
__________
(1) سورة القصص الآية 56
(2) سورة البقرة الآية 272
(3) صحيح البخاري الرقاق (6196),صحيح مسلم الإيمان (210),مسند أحمد بن حنبل (3/55).
(4) صحيح البخاري الرقاق (6194),صحيح مسلم الإيمان (213),سنن الترمذي صفة جهنم (2604),مسند أحمد بن حنبل (4/271).

(1/118)

أما العصاة إذا دخلوها فإنهم يمكثون فيها ما شاء الله ثم يخرجون، هذا هو الذي عليه أهل الحق; من أهل السنة والجماعة أن العصاة لا يخلدون في النار ولكن يمكث فيها من دخلها منهم ما شاء الله ثم يخرجهم الله من النار إلى نهر يقال له نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة في ( حميل ) السيل.
وهؤلاء الذين يخرجون من النار أقسام:
منهم من يخرج بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يخرج بشفاعة غيره من الأنبياء، ومنهم من يخرج بشفاعة الملائكة، ومنهم من يخرج بشفاعة المؤمنين والأفراط، ومنهم من يبقى في النار حتى يخرجه الله برحمته، من دون شفاعة أحد، فإذا شفع الشفعاء وانتهى أمرهم يخرج الله من النار من بقي فيها من بقيه أهل التوحيد، الذين ماتوا على بعض السيئات والمعاصي، فيخرجهم سبحانه من النار فضلا منه ورحمة سبحانه وتعالى .
والأصل في هذا قوله تعالى: ** إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ** (1) مع ما ثبت من الأحاديث الصحيحة عن ذلك.
__________
(1) سورة النساء الآية 48

(1/119)

مصير أهل الفترة
س56: يقول السائل: نعلم أن من كان من أهل الجاهلية، أي: قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من أهل الفترة، وسؤالي عن حكم أهل الفترة لأنني سمعت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أنه جاءه رجل فقال: أين أبي؟ فقال في النار فذهب الرجل يبكي فناداه فقال له إن: أبي وأباك في النار » (1) فهل هذا الحديث صحيح؟ أفيدونا أفادكم الله؟
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (203),سنن أبو داود السنة (4718),مسند أحمد بن حنبل (3/119).

 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 05-01-2009, 04:58 AM   #17
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي

(1/119)

الجواب: الصحيح من أقوال العلماء أن أهل الفترة يمتحنون يوم القيامة، ويؤمرون فإن أجابوا وأطاعوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار، وجاء في هذا عدة أحاديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، وعن الأسود بن سريع التميمي ، وعن جماعة، كلها تدل على أنهم يمتحنون يوم القيامة، ويخرج لهم عنق من النار، ويؤمرون بالدخول فيه، فمن أجاب صار عليه بردا وسلاما، ومن أبى التف عليه وأخذه وصار إلى النار، نعوذ بالله من ذلك.
فالمقصود أنهم يمتحنون فمن أجاب وقبل ما طلب منه وامتثل دخل الجنة، ومن أبى دخل النار، وهذا هو أحسن ما قيل في أهل الفترة.
وأما حديث: « إن أبي وأباك في النار » (1) فهو حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه ، « أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال في النار فلما ولى دعاه وقال له إن أبي وأباك في النار » (2) واحتج العلماء بهذا على أن أبا النبي صلى الله عليه وسلم كان ممن بلغته الدعوة وقامت عليه الحجة، فلهذا قال: في النار، ولو أنه كان من أهل الفترة لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام في حقه، وهكذا لما استأذن ربه أن يستغفر لأمه نهي عن ذلك، ولكنه أذن له أن يزورها، ولم يؤذن له في الاستغفار لها، فهذا يدل على أنهما بلغتهما الدعوة، وأنهما ماتا على دين الجاهلية، وعلى دين الكفر، وهذا هو الأصل في الكفار أنهم في النار، إلا من كان لم تبلغه الدعوة أعني دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام فهذا هو صاحب الفترة، فمن كان في علم الله أنه لم تبلغه الدعوة والله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين وهو الحكم العدل، فيمتحنه يوم
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (203),سنن أبو داود السنة (4718),مسند أحمد بن حنبل (3/119).
(2) صحيح مسلم الإيمان (203),سنن أبو داود السنة (4718),مسند أحمد بن حنبل (3/119).

(1/120)

القيامة.
أما من بلغته دعوة الرسل في حياته، كدعوة إبراهيم وموسى وعيسى، وعرف الحق، ثم بقي على الشرك بالله فهذا ممن بلغتهم الدعوة، فيكون من أهل النار; لأنه عصى واستكبر عن اتباع الحق، والله جل وعلا أعلم.

(1/121)

حكم والدي النبي صلى الله عليه وسلم
س57: قال الله تعالى في كتابه الكريم: ** وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ** (1) وقد ورد في بعض الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن والديه في النار. والسؤال: ألم يكونا من أهل الفترة والقرآن صريح بأنهم ناجون؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب: أهل الفترة ليس في القرآن ما يدل على أنهم ناجون أو هالكون، إنما قال الله جل وعلا: ** وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ** (2) [الإسراء: 15] فالله جل وعلا من كمال عدله لا يعذب أحدا إلا بعد بعث الرسول، فمن لم تبلغه الدعوة فليس بمعذب حتى تقام عليه الحجة، أخبر سبحانه أنه لا يعذبهم إلا بعد إقامة الحجة. والحجة قد تقوم عليهم حتى يوم القيامة، كما جاء في السنة أنه تقام الحجة على أهل الفترات ويمتحنون يوم القيامة; فمن أجاب وامتثل نجا، ومن عصى دخل النار، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن أبي وأباك في النار لرجل سأله عن أبيه قال أين أبي فقال في النار فلما رأى ما في وجهه من التغير قال إن أبي وأباك في النار » (3) حتى يتسلى بذلك، وأنه
__________
(1) سورة الإسراء الآية 15
(2) سورة الإسراء الآية 15
(3) صحيح مسلم الإيمان (203),سنن أبو داود السنة (4718),مسند أحمد بن حنبل (3/119).

(1/121)

ليس خاصا بأبيه، ولعل هذين بلغتهما الحجة، فلعل أبا الرجل وأبا النبي صلى الله عليه وسلم بلغتهما الحجة.
والنبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: « إن أبي وأباك في النار » (1) قاله عن علم، فهو عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، كما قال الله سبحانه وتعالى: ** والنجم إذا هوى ** (2) ** ما ضل صاحبكم وما غوى ** (3) ** وما ينطق عن الهوى ** (4) ** إن هو إلا وحي يوحى ** (5) [النجم: 1-4] . فلولا أن عبد الله بن عبد المطلب والد النبي صلى الله عليه وسلم قد قامت عليه الحجة; لما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه ما قاله، فلعله بلغه ما يوجب عليه الحجة من جهة دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإنهم كانوا على ملة إبراهيم حتى أحدثوا ما أحدثه عمرو بن لحي الخزاعي ، وسار في الناس ما أحدثه عمرو ، من بث الأصنام ودعوتها من دون الله، فلعل عبد الله كان قد بلغه ما يدل على أن ما عليه قريش من عبادة الأصنام باطل فتابعهم; فلهذا قامت عليه الحجة.
وهكذا ما جاء في الحديث من أنه صلى الله عليه وسلم استأذن أن يستغفر لأمه فلم يؤذن له، فاستأذن أن يزورها فأذن له، فهو لم يؤذن له أن يستغفر لأمه; فلعله لأنه بلغها ما يقيم عليها الحجة، أو لأن أهل الجاهلية يعاملون معاملة الكفرة في أحكام الدنيا، فلا يدعى لهم، ولا يستغفر لهم; لأنهم في ظاهرهم كفار، وظاهرهم مع الكفرة، فيعاملون معاملة الكفرة وأمرهم إلى الله في الآخرة.
فالذي لم تقم عليه الحجة في الدنيا لا يعذب حتى يمتحن يوم القيامة; لأنه سبحانه وتعالى قال: ** وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ** (6) [الإسراء: 15]
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (203),سنن أبو داود السنة (4718),مسند أحمد بن حنبل (3/119).
(2) سورة النجم الآية 1
(3) سورة النجم الآية 2
(4) سورة النجم الآية 3
(5) سورة النجم الآية 4
(6) سورة الإسراء الآية 15

(1/122)

فإذا علم أن أناسا في فترة لم تبلغهم دعوة نبي فإنهم يمتحنون يوم القيامة فإن أجابوا صاروا إلى الجنة وإن عصوا صاروا إلى النار، وهكذا الشيخ الهرم الذي ما بلغته الدعوة، والمجانين الذين ما بلغتهم الدعوة وأشباههم، وأطفال الكفار على الصحيح يمتحنون; لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عنهم قال: « الله أعلم بما كانوا عاملين » (1) فأولاد الكفار يمتحنون يوم القيامة كأهل الفترة، فإن أجابوا جوابا صحيحا نجوا، وإلا صاروا مع الهالكين، فليس بحمد الله في حق أبوي النبي صلى الله عليه وسلم إشكال على من عرف السنة وقاعدة الشرع.
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1317),صحيح مسلم القدر (2660),سنن النسائي الجنائز (1951),سنن أبو داود السنة (4711),مسند أحمد بن حنبل (1/358).

(1/123)

مصير أطفال المسلمين
وأطفال المشركين الذين ماتوا صغارا
س58: يقول السائل: قرأت في كتاب شفاء العليل رواية « عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حينما توفي طفل قالت طوبى لك طير من طيور الجنة فقال صلى الله عليه وسلم وما يدريك يا عائشة أنه في الجنة لعل الله اطلع على ما كان يفعل ؟ » (1) والنبي صلى الله عليه وسلم قال: « رفع القلم عن ثلاثة » (2) ذكر منهم: « الطفل حتى يحتلم » (3) والروايتان صحيحتان فلا أدري كيف الجمع بينهما .
الجواب: هذا الحديث حديث صحيح عند الشيخين، قالت فيه عائشة رضي الله عنها: عصفور من عصافير الجنة. قال النبي: « لا يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم » (4) والمقصود من هذا منعها من أن تشهد لأحد معين بالجنة أو بالنار،
__________
(1) صحيح مسلم القدر (2662),سنن النسائي الجنائز (1947),سنن أبو داود السنة (4713),سنن ابن ماجه المقدمة (82),مسند أحمد بن حنبل (6/208).
(2) سنن الترمذي الحدود (1423),سنن ابن ماجه الطلاق (2042),مسند أحمد بن حنبل (1/140).
(3) مسند أحمد بن حنبل (1/140).
(4) صحيح مسلم القدر (2662),سنن النسائي الجنائز (1947),سنن أبو داود السنة (4713),سنن ابن ماجه المقدمة (82),مسند أحمد بن حنبل (6/208).

(1/123)

ولو كان طفلا لا يشهد له ; فقد يكون تابعا لأبويه وأبواه ليسا على الإسلام وإن أظهراه، فالإنسان قد يظهر الإسلام نفاقا، وقد تظهره أمه نفاقا، فلا يشهد لأحد بالجنة أو بالنار، ولو طفلا، ولا يقال هذا من أهل الجنة قطعا; لأنه لا يدري عن حالة والديه، والأطفال تبع لآبائهم.
ومن كان مات على الصغر ولم يتبع للمسلمين فإنه يمتحن يوم القيامة على الصحيح، فإذا كان ليس ولدا للمسلمين بل لغيرهم من الكفار فإنه يمتحن يوم القيامة، فإن أطاع دخل الجنة، وإن عصى دخل النار، كأهل الفترة، فالصحيح أنهم يمتحنون، فهكذا الأطفال، ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين قال: « الله أعلم بما كانوا عاملين » (1) وجاء في السنة ما يدل على أنهم يمتحنون، يعني يختبرون يوم القيامة، ويؤمرون بأمر، فإن أطاعوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار، فالمقصود من هذا أنه لا يشهد لأحد معين بجنة ولا بنار إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه قاعدة من قواعد أهل السنة والجماعة. فإنكار الرسول صلى الله عليه وسلم على عائشة لأنها شهدت بالتعيين; لأنها قالت: عصفور من عصافير الجنة، فلهذا أنكر عليها أن تقول هذا; لأن هناك شيئا وراء هذا الأمر قد يكون سببا لعدم دخوله الجنة، وأنه يمتحن يوم القيامة، لأن والديه ليسا على الإسلام.
أما أولاد المسلمين فإنهم تبع لآبائهم عند أهل السنة والجماعة في الجنة ، وأما أولاد الكفار فإنهم يمتحنون يوم القيامة وهذا هو الحق، فمن أطاع يوم القيامة دخل الجنة ومن عصى دخل النار، كأهل الفترة ، هذا هو الصواب وهذا وجه الحديث.
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1317),صحيح مسلم القدر (2660),سنن النسائي الجنائز (1951),سنن أبو داود السنة (4711),مسند أحمد بن حنبل (1/358).

 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 05-01-2009, 11:25 AM   #18
معلومات العضو
***
عضو موقوف

افتراضي

بارك الله فيكم اخت ام سلمى2

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 05-01-2009, 12:08 PM   #19
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي

(1/124)

(13)
القضاء والقدر

(1/125)

هل الإنسان مخير أم مسير؟
س59: يقول السائل: هناك بعض الناس يقول: إن كل الأعمال التي يعملها الإنسان هي من إرادة الله فنرجو أن توضحوا لنا: هل الإنسان مخير أم مسير؟
الجواب: هذه المسألة قد يلتبس أمرها على بعض الناس، والإنسان مخير ومسير، مخير لأن الله أعطاه إرادة اختيارية، وأعطاه مشيئة يتصرف بها في أمور دينه ودنياه، فليس مجبرا مقهورا، بل له اختيار ومشيئة وله إرادة، كما قال عز وجل: ** لمن شاء منكم أن يستقيم ** (1) ** وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ** (2) [التكوير: 28 ، 29] ، وقال تعالى: ** فمن شاء ذكره ** (3) ** وما يذكرون إلا أن يشاء الله ** (4) [المدثر: 55 ، 56] ، وقال سبحانه: ** من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ** (5) [الإسراء: 18] .
فالعبد له اختيار وله إرادة وله مشيئة، لكن هذه الإرادة وهذه المشيئة لا تقع إلا بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى، فهو جل وعلا المصرف لعباده، والمدبر لشئونهم، فلا يستطيعون أن يشاءوا شيئا أو يريدوا شيئا إلا بعد مشيئة الله له وإرادته الكونية القدرية سبحانه وتعالى، فما يقع في العباد، وما يقع منهم كله بمشيئة من الله سابقة وقدر سابق، فالأعمال والأرزاق والآجال والحروب وانتزاع ملك، وقيام ملك، وسقوط دولة، وقيام دولة، كله بمشيئة الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى:
__________
(1) سورة التكوير الآية 28
(2) سورة التكوير الآية 29
(3) سورة المدثر الآية 55
(4) سورة المدثر الآية 56
(5) سورة الإسراء الآية 18

(1/126)

** قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ** (1) [آل عمران: 26] سبحانه وتعالى.
والمقصود أنه جل وعلا له إرادة في عباده ومشيئة لا يتخطاها العباد، ويقال لها الإرادة الكونية والمشيئة، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ومن هذا قوله سبحانه وتعالى: ** فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ** (2) [الأنعام: 125] ، وقال تعالى: ** إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ** (3) [يس: 82] . فالعبد له اختيار وله إرادة ولكن اختياره وإرادته تابعتان لمشيئة الله وإرادته سبحانه وتعالى، فالطاعات بقدر الله، والعبد مشكور عليها ومأجور، والمعاصي بقدر الله والعبد ملوم عليها ومأزور آثم، والحجة قائمة، فالحجة لله وحده سبحانه قال تعالى: ** قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ** (4) [الأنعام: 149] ، وقال سبحانه وتعالى: ** ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين ** (5) [الأنعام: 35] .
فالله سبحانه لو شاء لهداهم جميعا ولكن له الحكمة البالغة حيث جعلهم قسمين: كافرا ومسلما، وكل شيء بإرادته سبحانه وتعالى ومشيئته فينبغي للمؤمن أن يعلم هذا جيدا، وأن يكون على بينة في دينه فهو مختار، له إرادة، وله مشيئة، يستطيع يأكل، ويشرب، ويضارب، ويتكلم، ويطيع، ويعصي، ويسافر، ويقيم، ويعطي فلانا، ويحرم فلانا، إلى غير هذا، فله مشيئة في هذا وله قدرة; ليس مقهورا ولا
__________
(1) سورة آل عمران الآية 26
(2) سورة الأنعام الآية 125
(3) سورة يس الآية 82
(4) سورة الأنعام الآية 149
(5) سورة الأنعام الآية 35

(1/127)

ممنوعا. ولكن هذه الأشياء التي تقع منه لا تقع إلا بعد سبق القدر من الله بها، بعد أن تسبق إرادة الله تعالى ومشيئته لهذا العمل قال تعالى: ** لمن شاء منكم أن يستقيم ** (1) ** وما تشاءون إلا أن يشاء الله ** (2) [التكوير: 28 ، 29] ، فهو سبحانه مسير لعباده، كما قال عز وجل: ** هو الذي يسيركم في البر والبحر ** (3) [يونس: 22] ، فهو مسير لعباده وبيده نجاتهم وسعادتهم وضلالهم وهلاكهم، وهو المصرف لعباده، يهدي من يشاء ويضل من يشاء سبحانه وتعالى، يعطي من يشاء ويحرم من يشاء، يسعد من يشاء ويشقي من يشاء، لا أحد يعترض عليه سبحانه وتعالى.
فينبغي لك يا عبد الله أن تكون على بصيرة في هذا الأمر، وأن تتدبر كتاب ربك، وسنة نبيك عليه الصلاة والسلام، حتى تعلم هذا واضحا في الآيات والأحاديث، فالعبد مختار له مشيئة وله إرادة وفي نفس الأمر ليس له شيء من نفسه، بل هو مملوك لله عز وجل مقدور لله سبحانه وتعالى، يدبره كيف يشاء سبحانه وتعالى فمشيئة الله نافذة، وقدره السابق ماض فيه، ولا حجة له في القدر السابق، فالله يعلم أحوال عباده ولا تخفى عليه خافية سبحانه وتعالى، وهو المدبر لعباده والمصرف لشئونهم جل وعلا، وقد أعطاهم إرادة ومشيئة واختيارا يتصرفون به فله الحكمة البالغة والحجة الدامغة وهو الحكيم العليم.
__________
(1) سورة التكوير الآية 28
(2) سورة التكوير الآية 29
(3) سورة يونس الآية 22

(1/128)

ليس هناك تعارض بين الآيتين
س60: يقول السائل: يقول الله تعالى: ** وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ** (1) [الشورى: 30]
__________
(1) سورة الشورى الآية 30

(1/128)

ويقول تعالى: ** قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ** (1) [التوبة: 51] فما معنى الآيتين؟ وكيف نجمع بينهما علما بأن ظاهرهما التعارض؟
الجواب: ليس هناك تعارض يا أخي; فالله جل وعلا بين لنا أن ما أصابنا هو بأسباب كسبنا، وبين أن ما يقع فهو بقضائه وقدره ** قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ** (2) فقد سبق علمه وقدره وكتابته لكل شيء، ولكنه سبحانه علق ما أصابنا مما يضرنا بأنه بأسباب معاصينا وإن كانت مكتوبة مقدرة، لكن لنا كسب ولنا عمل ولنا اختيار .
فكل شيء يقع بقدر سواء من الطاعات والمعاصي، فما وقع منا من معاص فهو من كسبنا ومن عملنا ونحن مؤاخذون به إذا فعلناه، ولنا عقول ومشيئة وقدرة وعمل ولهذا قال سبحانه: ** وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ** (3) [الشورى: 30] ، والآية الأخرى: ** ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ** (4) [النساء: 79] .
فلا تنافي بين القدر وبين العمل; فالقدر سابق ولله الحجة البالغة سبحانه وتعالى، والأعمال أعمالنا كالزنا وشرب الخمر وترك الصلاة والعقوق وقطيعة الرحم، فهي من أعمالنا ونحن نستحق عليها العقوبة بسبب تفريطنا وتقصيرنا لأن لنا اختيارا ولنا عمل ينسب إلينا، وإن كان سبق في علم الله كتابته وتقديره.
فالقدر ليس حجة على فعل المعايب والمنكرات ، فالله سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة فيما مضى به قدره وعلمه وكتابته، ونحن
__________
(1) سورة التوبة الآية 51
(2) سورة التوبة الآية 51
(3) سورة الشورى الآية 30
(4) سورة النساء الآية 79

(1/129)

مسئولون عن أعمالنا وعن أخطائنا وعن تقصيرنا، ومؤاخذون بذلك إلا أن يعفو ربنا عنا.
وبهذا تعلم أنه لا منافاة بين الآيتين، فإحداهما تدل على أن أعمالنا من كسبنا، وأننا نستحق عليها العقوبة إذا كانت غير صالحة، وهي أعمال لنا باختيارنا، والآية الأخرى تدل على أنه مضى في علم الله كتابتها وتقديرها، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء » (1) أخرجه مسلم في صحيحه.
فهو سبحانه الحكيم العليم، العالم بكل شيء، الذي سبق علمه بكل شيء سبحانه وتعالى، وكتب كل شيء. وفي آية أخرى يقول سبحانه وتعالى: ** ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ** (2) [الحديد: 22] .
فكتاب الله سابق، وعلمه سابق سبحانه وتعالى، وقدره سابق، وأعمالنا محصاة علينا، ومنسوبة إلينا، ومكتوبة علينا، وهي من كسبنا وعملنا واختيارنا، فنجزى على الطيب الجزاء الحسن، من الطاعات وأنواع الخير والذكر، ونستحق العقاب على سيئها; من العقوق، والزنا، والسرقة، وسائر المعاصي والمخالفات. والله المستعان.
__________
(1) صحيح مسلم القدر (2653),سنن الترمذي القدر (2156),مسند أحمد بن حنبل (2/169).
(2) سورة الحديد الآية 22

(1/130)

معنى قول الله تعالى : ** واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ** (1)
س61: يسأل هذا السائل عن معنى قول الله تعالى : ** واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ** (2) [الأنفال : 24] .
الجواب : الآية على ظاهرها ، فهو سبحانه يتصرف في عباده ، فقد يوفق هذا ويشرح قلبه للإيمان ويهديه للإسلام ، وقد يجعل في قلبه من الحرج والتثاقل عن دين الله ما يحول بينه وبين الإسلام ، فهو يحول بين المرء وقلبه ، كما قال عز وجل : ** فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ** (3) [الأنعام : 125] فهو سبحانه الذي يتصرف في عباده كيف يشاء ، فهذا يشرح قلبه للإيمان والهدى ، وهذا لا يوفق لذلك .
__________
(1) سورة الأنفال الآية 24
(2) سورة الأنفال الآية 24
(3) سورة الأنعام الآية 125

(1/131)

التوبة من الحسد
س62: أريد أن أتوب إلى الله من صفة الحسد ، وأحاول التخلص منها قدر الاستطاعة ولكن الشيطان يزين لي ذلك في كثير من الأحيان عن طريق الغيرة ؛ إذ أغار من زميلاتي أو من بقية النساء ثم أحسد ، وسمعت من صديقة لي أنها تقول : اكظمي غيرتك وحسدك في قلبك ولا تتلفظي به على لسانك حتى لا يؤاخذك الله عليه ؟
الجواب : نعم ، إذا أحسست بشيء فجاهدي نفسك ، واكظمي ما عندك ، ولا تفعلي شيئا يخالف الشرع ، لا تؤذي المحسودة

(1/131)

أو المحسود ، لا بقول ولا بفعل ، واسألي الله أن يزيله من قلبك ولا يضرك ، فالإنسان إذا حسد ولم يحقق شيئا لم يضره ذلك إذا كان لم يفعل ، لا أذى للمحسود ولا إزالة لنعمة عنه ، ولا تكلما في عرضه ، وإنما شيء في نفسه كظمه ، فإنه لا يضره ، ولكن عليه الحذر ، حتى لا يقول شيئا يضر المحسود أو يفعل شيئا يضره ، وقد روي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب » (1) فالحسد خبيث ، ولكنه يبدأ بصاحبه ، يؤذي صاحبه قبل غيره ، فينبغي للمؤمن والمؤمنة أن يحذرا ذلك مع سؤال الله العافية ، المؤمن يضرع إلى الله ، وهكذا المؤمنة تضرع إلى الله أن يزيل ذلك من قلبها ، حتى لا يبقى في قلبها شيء ، ومتى أحست بشيء فلتجاهد في كظمه وإبقائه في القلب من دون أذى للمحسود ، لا أذى فعلي ولا قولي ، والله المستعان .
__________
(1) سنن أبو داود الأدب (4903).

 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 05-01-2009, 12:27 PM   #20
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي

(1/132)

(14)
الكفر والتكفير

(1/133)

هذا إذا كان التكفير في غير محله
س63: يقول السائل : حدث حوار بيني وبين صديق لي عن الإسلام ، حيث قال هذا الصديق : إنه لا يصلي على الإطلاق ، فقلت له : أنت كافر ؛ لأن الله تعالى يقول : ** أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ** (1) وقال لي : أنت أيضا كذلك وذكر لي قول النبي صلى الله عليه وسلم : « من كفر مسلما فقد كفر » (2) وبعد ذلك تركته وذهبت حتي لا يحتدم النقاش إلى أكثر مما وصل إليه . فما حكم كلامنا هذا الذي تم بيننا ؟ وهل نأثم عليه ؟
الجواب : الصواب أن من ترك الصلاة فهو كافر ، وإن كان غير جاحد لها ، هذا هو القول المختار والراجح عند المحققين من أهل العلم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر » (3) خرجه الإمام أحمد وأهل السنن عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه بإسناد صحيح . ولقوله أيضا صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم : « بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة » (4) خرجه الإمام مسلم في صحيحه . ولقوله أيضا عليه الصلاة والسلام : « رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله » (5) خرجه الإمام أحمد والإمام الترمذي رحمة الله عليهما في إسناد صحيح عن معاذ رضي الله عنه . ولأحاديث أخرى جاءت في الباب .
__________
(1) سورة البقرة الآية 85
(2) صحيح البخاري الأدب (5753),صحيح مسلم الإيمان (60),سنن الترمذي الإيمان (2637),سنن أبو داود السنة (4687),مسند أحمد بن حنبل (2/142),موطأ مالك الجامع (1844).
(3) سنن الترمذي الإيمان (2621),سنن النسائي الصلاة (463),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079),مسند أحمد بن حنبل (5/346).
(4) صحيح مسلم الإيمان (82),سنن الترمذي الإيمان (2620),سنن أبو داود السنة (4678),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078),مسند أحمد بن حنبل (3/389),سنن الدارمي الصلاة (1233).
(5) سنن الترمذي الإيمان (2616),سنن ابن ماجه الفتن (3973),مسند أحمد بن حنبل (5/246).

(1/134)

فالواجب على من ترك الصلاة أن يتوب إلى الله وأن يبادر بفعلها ويندم على ما مضى من تقصيره ويعزم على ألا يعود ، وهذا هو الواجب عليه .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكون عاصيا معصية كبيرة ، وجعل هذا الكفر كفرا أصغر ، واحتج بما جاء في الأحاديث الصحيحة من فضل التوحيد وأن من مات عليه فهو من أهل الجنة إلى غير هذا ، لكنها لا تدل على المطلوب ، فإن ما جاء في فضل التوحيد وأن من مات عليه دخل الجنة إنما يكون بالتزامه أمور الإسلام ، ومن ذلك أمر الصلاة ، فمن التزم بها حصل له ما وعد به المتقون ، ومن أبى حصل عليه ما توعد به غير المتقين ولو أن إنسانا قال لا إله إلا الله ووحد الله ، ثم جحد وجوب الصلاة كفر ولم ينفعه قوله لا إله إلا الله وتوحيده لله مع جحده وجوب الصلاة عند جميع أهل العلم .
فهكذا من تركها تساهلا وقلة مبالاة ولم يجحد وجوبها ؛ حكمه حكم من جحد وجوبها في الصحيح من قولي أهل العلم ، ولم تنفعه شهادته بأنه لا إله إلا الله؛ لأنه ترك حق هذه الكلمة فإن من حقها أن يؤدي الصلاة ، وهكذا لو وحد الله وأقر بأنه لا إله إلا الله ولكنه استهزأ بشيء من دين الله فإنه يكفر كما قال الله عز وجل : ** قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ** (1) ** لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ** (2) [التوبة : 65 ، 66] .
وهكذا لو قال لا إله إلا الله ووحد الله ، وجحد وجوب الزكاة أو جحد وجوب صوم رمضان أو جحد الحج مع الاستطاعة أو جحد
__________
(1) سورة التوبة الآية 65
(2) سورة التوبة الآية 66

(1/135)

تحريم الزنا أو جحد تحريم السرقة أو جحد تحريم اللواط أو ما أشبه ذلك؛ فإن من جحد هذه الأمور أو شيئا منها كفر إجماعا ولو أنه يصلي ويصوم ، ولو أنه يقول لا إله إلا الله؛ لأن هذه النواقض تفسد عليه دينه ، وتجعله بريئا من الإسلام بهذه النواقض لكونه بجحدها أو شيء منها يعتبر مكذبا لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
فينبغي للمؤمن أن ينتبه لهذا الأمر العظيم ، وهكذا من ترك الصلاة وتساهل بها يكون كافرا وإن لم يجحد وجوبها في الأصح من قولي العلماء كما تقدم دليل ذلك في الأحاديث السابقة وما جاء في معناها ، فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يرد كافرهم وعاصيهم إلى التوبة النصوح .
وقوله : « من كفر مسلما فقد كفر » (1) هذا إذا كان التكفير في غير محله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من قال لأخيه يا عدو الله أو قال يا كافر وليس كذلك إلا حار عليه » (2)
لكن هذا الذي قال : أنت كافر بترك الصلاة ، قد وقع تكفيره في محله فلا يرجع إلى القائل ، ولا يكون القائل كافرا ، بل قائله قد نفذ أمر الله ، وأدى حق الله ، وبين ما أوجبه الله من تكفير هذا الصنف من الناس ، فهو مأجور وليس بكافر ، وإنما الكافر الذي ترك الصلاة وعاند وكابر ، نسأل الله العافية .
__________
(1) صحيح البخاري الأدب (5753),صحيح مسلم الإيمان (60),سنن الترمذي الإيمان (2637),سنن أبو داود السنة (4687),مسند أحمد بن حنبل (2/142),موطأ مالك الجامع (1844).
(2) صحيح البخاري المناقب (3317),صحيح مسلم الإيمان (61),سنن ابن ماجه الأحكام (2319),مسند أحمد بن حنبل (5/166).

(1/136)

من يسب الله ورسوله ويدعي أنه من أولياء الله
س64: يوجد رجل في بلدتنا لا يصوم ولا يصلي ، ورأيته بنفسي يلعب القمار ، ويدعي أصحابه أنه من الأولياء والمقربين ، وحدثني الثقات بأنه يسب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فلما أنكرت هذا العمل الشنيع ادعى مريدوه وأصحابه بأن هذه حاله في الظاهر ، أما في باطنه فهو مؤمن ، فما حكم الشرع في مثل هذا ؟
الجواب : هذا زنديق وليس بمؤمن ، بل مثل هذا من أولياء الشيطان؛ فأولياء الله هم أهل الإيمان والتقوى ، قال الله سبحانه : ** ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ** (1) ** الذين آمنوا وكانوا يتقون ** (2) [يونس : 62 ، 63] ، هكذا في سورة يونس هذه صفة أولياء الله الإيمان والتقوى في الظاهر والباطن ، وقال عز وجل في سورة الأنفال : ** وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ** (3) وقال صلى الله عليه وسلم : « إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما أوليائي هم المؤمنون » (4) فأولياء الله وأولياء الرسول صلى الله عليه وسلم هم المؤمنون هم أهل التقوى .
فالذي يتظاهر بعدم الصلاة وبعدم الصوم وبسب الله ورسوله هذا ليس من أولياء الله ، بل هو من أولياء الشيطان ، والواجب على ولاة الأمور إذا عرفوه أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، فتارك الصلاة كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
وأما ساب الله ورسوله فهذا يقتل من غير استتابة عند جمع من أهل العلم ؛ لأن جريمته عظيمة ، وقال قوم : يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
__________
(1) سورة يونس الآية 62
(2) سورة يونس الآية 63
(3) سورة الأنفال الآية 34
(4) صحيح البخاري الأدب (5644),صحيح مسلم الإيمان (215),مسند أحمد بن حنبل (4/203).

(1/137)

والخلاصة : أن هذا الرجل وأشباهه ليسوا من أولياء الله ولكنهم من أولياء الشيطان . والذين يناصرونهم ويذبون عنهم ويقولون : إنهم في الظاهر هكذا وفي الباطن مؤمنون ؛ حكمهم حكمهم وهم من جنسهم .
وقال علماء السنة رحمة الله عليهم فيمن يدعى له الولاية قالوا : لو طار في الهواء أو مشى على الماء فلا يعتبر أنه من أولياء الله حتى ينظر في أعماله ، وحتى يوزن بميزان الشريعة ، فإن استقام أمره في ميزان الشريعة ، وعلم أنه مستقيم على طاعة الله ورسوله ، مبتعد عن محارم الله ورسوله ، فهذا هو المؤمن وهو الولي ، وإن رؤي منه ما يدل على فسقه واقترافه المحارم ، أو تضييعه الواجبات فهذا يدل على أنه من أولياء الشيطان وليس من أولياء الله ، كما نص على هذا الشافعي رحمه الله وأحمد وغيرهما من أهل العلم .
فالحاصل : أن مثل هذا من أولياء الشيطان ، والواجب على من عرف ذلك أن يرفع أمره إلى ولاة الأمور ، حتى يعامل بما يجب من استتابته أو قتله إذا لم يتب ، أو قتله مطلقا إذا كان يسب الله ورسوله ؛ فإن جمعا من أهل العلم يرون أنه يقتل من غير استتابة ، نسأل الله العافية ، كما أوضح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول وكما ذكر ذلك أهل العلم في باب حكم المرتد .

(1/138)

حكم سب الدين
س65: يقول السائل : هناك أحد الأشخاص يجهل أمر الدين ويسب الدين فما حكمه ؟ وماذا عليه أن يفعل إذا أدرك خطأه أفيدوني

(1/138)

أفادكم الله ؟
الجواب : سب الدين كفر أكبر وردة عن الإسلام والعياذ بالله ، إذا سب المسلم دينه أو سب الإسلام ، أو تنقص الإسلام وعابه أو استهزأ به فهذه ردة عن الإسلام ، قال الله تعالى : ** قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ** (1) ** لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ** (2) [التوبة : 65 ، 66] .
وقد أجمع العلماء قاطبة على أن المسلم متى سب الدين أو تنقصه أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو انتقصه أو استهزأ به ؛ فإنه يكون مرتدا كافرا حلال الدم والمال ، يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
وبعض أهل العلم يقول : لا توبة له من جهة الحكم بل يقتل ، ولكن الأرجح إن شاء الله أنه متى أبدى التوبة وأعلن التوبة ورجع إلى ربه عز وجل أن يقبل ، وإن قتله ولي الأمر ردعا لغيره فلا بأس ، أما توبته فيما بينه وبين الله فإنها صحيحة ، إذا تاب صادقا فتوبته فيما بينه وبين الله صحيحة ولو قتله ولي الأمر سدا لباب التساهل بالدين وسب الدين .
والمقصود : أن سب الدين والتنقص للدين أو للرسول صلى الله عليه وسلم أو الاستهزاء بذلك ردة وكفر أكبر بإجماع المسلمين ، وصاحب هذا يستتاب فإن تاب قبل الله توبته ، وعفا عنه ، أما كونه يقبل في الدنيا أم لا يقبل فهذا محل خلاف بين أهل العلم كما ذكرنا .
__________
(1) سورة التوبة الآية 65
(2) سورة التوبة الآية 66

(1/139)

حكم زوجة من سب الدين ثم تاب
س66: لقد سمعت من بعض العلماء المسلمين أن الرجل إذا سب الدين طلقت عليه امرأته ، ويلزم له التوبة والاستغفار وعقد قران جديد ، وكثيرا

(1/139)

ما يحدث هذا الأمر خاصة وقت الغضب الشديد . فما مدى صحة هذا الكلام ؟
الجواب : سب الدين ردة عن الإسلام ، وكذلك سب القرآن وسب الرسول ردة عن الإسلام ، وكفر بعد الإيمان ، نعوذ بالله ، لكن لا يكون طلاقا للمرأة بل يفرق بينهما من دون طلاق ، فلا يكون طلاقا بل تحرم عليه لأنها مسلمة وهو كافر ، وتحرم عليه حتى يتوب فإن تاب وهي في العدة رجعت إليه من دون حاجة إلى شيء ، أي إذا تاب وأناب إلى الله رجعت إليه ، وأما إذا انتهت العدة وهو لم يتب فإنها تنكح من شاءت ، ويكون ذلك بمثابة الطلاق ، لا أنه طلاق ، لكن بمثابة الطلاق لأن الله حرم المسلمة على الكافر .
فإن تاب بعد العدة وأراد أن يتزوجها فلا بأس ، ويكون بعقد جديد أحوط خروجا من خلاف العلماء ، وإلا فإن بعض أهل العلم يرى أنها تحل له بدون عقد جديد ، إذا كانت تختاره ، ولم تتزوج بعد العدة بل بقيت على حالها ، ولكن إذا عقد عقدا جديدا فهو أولى خروجا من خلاف جمهور أهل العلم ، فإن الأكثرين يقولون : متى خرجت من العدة بانت منه وصارت أجنبية لا تحل إلا بعقد جديد ، فالأولى والأحوط أن يعقد عقدا جديدا ، هذا إذا كانت قد خرجت من العدة قبل أن يتوب ، فأما إذا تاب وهي في العدة فهي زوجته ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الذين أسلموا بعد إسلام زوجاتهم على أنكحتهم قبل خروج زوجاتهم من العدة .

 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 08:31 AM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com