بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ولرحمة الله وبركاته
قال الله تعالى:"مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ".(الحديد: 22، 23)
فكيف يتطرق اليأس إلى النفس وهي تطالع قوله تعالى: "يَا بَنِيَّ اذهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ". (يوسف:87)
قال الطبري رحمه الله:"( ولا تيأسوا من روح الله ) ،يقول: ولا تقنطوا من أن يروِّح الله عنا ما نحن فيه من الحزن على يوسف وأخيه بفرَجٍمن عنده، فيرينيهما،( إنه لا ييأس من روح الله ) يقول: لا يقنط من فرجه ورحمتهويقطع رجاءه منه (1) ( إلا القوم الكافرون ) ، يعني: القوم الذين يجحدون قُدرته علىما شاءَ تكوينه" انتهى .
- ويقول ابن كثير رحمه الله:"ونَهّضهم وبشرهموأمرهم ألا ييأسوا من روح الله، أي: لا يقطعوا رجاءهم وأملهم من الله فيما يرومونهويقصدونه ، فإنه لا يقطع الرجاء، ويقطع الإياس من الله إلا القوم الكافرون" انتهى.
- وقال البغوي في تفسيره:"** مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ** أي: من رحمة الله،وقيل: من فرج الله. "انتهى.
- وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:"** وَلاتَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ** فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيمارجاه، والإياس: يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا العباد، فضل الله وإحسانهورحمته وروحه، ** إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُالْكَافِرُونَ ** فإنهم لكفرهم يستبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم، فلا تتشبهوابالكافرين
ودل هذا على أنه بحسب إيمان العبد يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه.
إن القرآن يزرع في نفوس المؤمنين روح الأمل والتفاؤل:
"لاتَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ".(الزمر:53)
"وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ" (الحجر:56).
إن الأمور وإن تعقدت، وإن اشتدت، وإن زاد، فالفرج قريب:
"حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ". (يوسف:110)
قال الله تعالى:"فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً" (الشرح: 5، 6)
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا ، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ". رواه أبو داود
ورغم ضعف الحديث ، فإن معناه مقبول له ما يشهد له من الأدلة الصحيحة ،
فقد قال الله تعالى في فضل الاستغفار : ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) نوح/10-12.
ويقول سبحانه وتعالى : ( وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِير ) هود/3.
ولذلك ذكر العلامة ابن القيم في كتابه "الوابل الصيب" في الفصل الثامن عشر : الاستغفار ، ضمن الأذكار الجالبة للرزق ، الدافعة للضيق والأذى .
وهو على كل حال من تقوى الله عز وجل ، التي هي سبب كل خير يصيب المتقين .
يقول الله سبحانه : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) الطلاق/2-3
ولكن الأدلة الكثيرة من الآيات والأحاديث تدل على فضل الاستغفار والترغيب فيه ،
مثل قول الله سبحانه : ( وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ) الآية من سورة هود ،
وقوله سبحانه في آخر المزمل : ( وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) والله ولي التوفيق " .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" هذا الحديث ضعيف ، ولكن معناه صحيح ؛
لأن الله تعالى قال : ( وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ) ،
وقال تعالى عن هود : ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ) ،
ولا شك أن الاستغفار سبب لمحو الذنوب ، وإذا محيت الذنوب تخلفت آثارها المرتبة عليها ،
وحينئذٍ يحصل للإنسان الرزق والفرج من كل كرب ، ومن كل هم ، فالحديث ضعيف السند ، لكنه صحيح المعنى " .
والله أعلم .
حسبنا الله و نعم الوكيل