أيها الاخوة لقد أخرج أبو داود والترميذي وابن ماجه , عن أبي رزين العقلي , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( الرؤيا على رجل طاهر , مالم تعبر , فان عبرت (بضم العين) وقعت ...) .
ومن ثم نقول منبهين : لابد أن تعبر الرؤيا على خير مهما أمكن بغير تعسف , وإلا فالكف عن تفسيرها أولى وأحرى.
حيث قال ابن الوردي هذه الابيات : وهي على جناح طائرإذا****
***أولتها حلت ببشرى أو أذى).
وان وجدت الرؤيا تحتمل معنيين متضاديين , وتفسيرين مختلفين نظرت أيهما أولى بألفاظها , وأقرب من أصولها , فحملتها عليه.
نقل المناوي في شرحه للالفية الوردية عن بعضهم قوله ينبغي للمعبر أن يتأنى ويثبت , وأن يبحث بحثا تاما , وينظر تأليف الكلام ونظمه, ويميز بين حشوه, وحقيقه ,وأن يقف على المقصود من كل رؤيا عرضت عليه, ثم يعرضها على قوانين التعبير ,فان احتملت الرؤيا تعبيرين , يخرجها على ماهو أليق وأوفق بالرأي).
وربما ترى الرؤيا ويعود تأويلها الى أخيك أو صديقك, أو أحد أقاربك , أو من له علاقة بك, ويكون ذلك اذا كانت الرؤيا لا تليق بك معانيها, ولا يمكن أن ينال مثلك موجبها , ويكون صاحبك أحق بها منك, كدلالة الموت مثلا لا تنقل
عن صاحبها الا أن يكون سليم الجسم في اليقظة وشريكه مريضا , فيكون لمرضه أولى بها لدنوه من الموت.
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم مبايعة أبي جهل له , فكان ذلك لابنه عكرمة,فلما أسلم , قال صلى الله عليه وسلم ( هو هذا) ورأى لأسيد بن العاص ولاية مكة , فكان لابنه عتاب بن أسيد ولاه النبي صلى الله عليه وسلم مكة.
واذا رأيت رؤيا , وكان في تأويلها عورة لمسلم قد سترها الله , فاستر عليه , ولا تحكها , ولا تسمه فيها إن ذكرتها
فإنك إن فعلت ذلك اغتبت أخاك.
قال ابن الوردي:
واكتم عوار(بفتح العين والواووالراء)الناس إن عبرتا**
**واحذر من الإعجاب إن أصبتا.
وغلب الأرجح والأقوى اعتبر***إذ ي المنام الخير والشر حضر.
كضارب الطنبور وسط المسجد**** فرجح المسجد وادرأ الردي.
وأعلم أن التأويل يختلف باختلاف أقدار الأشخاص وهيئاتهم,
فلكل إنسان تعبير يناسبه , وتأويل يليق به, فتكون لواحد رحمة,وعلى الاخر عذابا.
سأل رجل ابن سيرين , قال : رأيت في المنام كأني أؤذن قال: تحج , وسأله أخر , فأوله بقطع يده في السرقة , فقيل له في التأولين , فقال :
رأيت الأول على سيماء حسنة , فأولت قوله سبحانه وتعالى وأذن في الناس بالحج), ولم أرض هيئة الثاني فأولت قوله -عز وجل - ( ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون).
وكان يقول في الرجل يخطب على المنبر يصيب سلطانا, فإن لم يكن من أهله يصلب.
وربما رأى الصبي الصغير الشئ فكان لأحد أبويه , والخادم فكان لسيده, والمرأة فكان لبعلها أو لأهل بيتها.
قال ابن لوردى:
والعبدرؤياه تخص المولى**وماترى المرأةنال لبعلا.
وانقل الى الوالدرؤيا الطفل**إن كان هؤلاء غير أهل.
كيفية استخراج المشكل والغريب من الرؤيا:
يقول المناوي في شرح ألفية ابن الوردي:
اعلم أن الرؤيا إن علمت وفهمت من أولها إلى أخرها فتأويلها سهل, وإن علم بعضها وفهم, وأشكل البعض فيعبر ما علم , ويفحص عن الباقي بعضا فبعضا,فإن صارت أبعاضا مفهومة فذلك ,وإن لم تفهم كلها نظر في المناسبة بين أجزائها فإن كان لها مناسبة استدل بتلك المناسبة من بعضها لبعض, ويدقق النظر في استنباط تأويلها , وإن كانت الرؤيا غريبة نادرة لم تقع مثلها فلا يتجاسر, ولا يبادر في تعبيرها, بل يتوقف فيها حتى يظهر عاقبتها.
وأخيرا فلكي تصير حادقا في تعبير رؤياك فلا بد لك من حفظ الأصول الصحيحة ووجوهها واختلافها المستنبطة بدلالات القرأن والسنة والمعاني والأسماء, والقدرة على تأليف هذه الأصول بعضها إلى بعض مع فراسة وذكاء
ومعرفة بأحوال الناس.
وهذا حين أنقل لكم أيها الاخوة قاموس الرؤى والأحلام مستعينا بالله سبحانه وتعالى.
وهذا سيكون أيها الاخوة الاكارم بداية من الاظافات القادمة بهذا الموضوع المتسلسل ترتيبا حسب الحروف الابجدية.
السلام من أخيكم المهذب.