يقول الحق جل في علاه
{الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ**
العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى -
تفسير أضواء البيان
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة العنكبوت
قوله تعالى: **الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ** .
قد قدّمنا الكلام على الحروف المقطعة مستوفي في أوّل سورة "هود" ، والاستفهام في قوله: {أَحَسِبَ النَّاسُ** ، للإنكار.
والمعنى: أن الناس لا يتركون دون فتنة، أي: ابتلاء واختبار، لأجل قولهم: آمنّا، بل إذا قالوا: أمنا فتنوا، أي: امتحنوا واختبروا بأنواع الابتلاء، حتى يتبيّن بذلك الابتلاء الصادق في قوله: {آمَنَّا** من غير الصادق.
وهذا المعنى الذي دلّت عليه هذه الآية الكريمة، جاء مبيّنًا في آيات أُخر من كتاب اللَّه؛
كقوله تعالى:
**أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ** ،
وقوله:
**أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ** ،
وقوله تعالى:
**وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ**
وقوله تعالى:
**مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ** ،
وقوله تعالى:
**وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ** ،
وقوله تعالى:
**أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ** ،
إلى غير ذلك من الآيات، وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله هنا:
**وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ** .
وقد بيَّنت السنة الثابتة أن هذا الابتلاء المذكور في هذه الآية يبتلى به المؤمنون
على قدر ما عندهم من الإيمان؛ كقوله صلى الله عليه وسلم:
"أشدّ الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل" .
تفسير أضواء البيان
(155/6)
رفع الله قدرك أختي الفاضلة كريمة زادك الله علما وفهما وتوفيقا آمين