موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام الرقية الشرعية والتعريف بالموسوعة الشرعية في علم الرقى ( متاحة للمشاركة ) > فتاوى ودراسات وأبحاث العلماء وطلبة العلم والدعاة في الرقية والاستشفاء والأمراض الروحية

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 27-10-2008, 07:05 AM   #11
معلومات العضو
منذر ادريس
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

- ذكر ابن بطال أن في كتب وهب بن منبه: أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر –النبق-فيدقه بين حجرين، ثم يضربه بالماء ويقرأ فيه آية الكرسي وذوات قل، ثم يحسو منه ثلاث حسوات، ثم يغتسل به، فإنه يذهب عنه كل ما به، وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله [1]

- قال ابن حجر: "وأما النشرة فإنه يجمع أيام الربيع ما قدر عليه من ورد المفازة وورد البساتين، ثم يلقيها في إناء نظيف ويجعل فيها ماء عذبًا، ثم يغلي ذلك الورد في الماء غليًا يسيرًا، ثم يمهل حتى إذا فتر الماء أفاضه عليه، فإنه يبرأ بإذن الله".

- ومن أنجح الأدوية أيضًا الوصول إلى مكان السحر بعد البحث عنه، واستخراجه لإبطاله بقراءة المعوذات عليه وآيات السحر، ثم كسره إن كان ودعًا أو صدفًا، أو إذابته إن كان (بودرة)، أو حرقه بعد القراءة عليه، وكما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سأل الله سبحانه وتعالى في ذلك فأرشده إليه، ولا سبيل إلى ذلك إلا بسؤال الله تعالى مع الإلحاح في الدعاء بأن يكشف له مكان السحر، واعلم أن الله سميع قريب، ويجيب الدعاء إذا دعاه عبده بصدق وإخلاص، مع تمام المسكنة وكامل التوكل، واعلم أيضًا أن الله حيي كريم ويستحيي أن يرد يدي عبده صفرًا، فجد في المسألة وثق بالإجابة بإذن الله، فقد يمن الله على عبده بأن يريه رؤيا تدله على مكان السحر والرؤيا جزء من أجزاء النبوة؛ فعن أَنس بن مالكٍ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «الرُّؤيا الحسنةُ منَ الرجُلِ الصالح جُزءٌ من ستةٍ وأَربعينَ جزءًا منَ النبَّوة»، رواه البخاري.
أو أن يقدر الله بأن يتكلم الجني الموكل بالسحر فيخبر عن مكان السحر.

- قال ابن حجر: (أخرج عبد الرزاق من طريق الشعبي قال: لا بأس بالنشرة العربية التي إذا وطئت لا تضره، وهي أن يخرج الإنسان في موضع عضاه، فيأخذ عن يمينه وعن شماله من كل، ثم يدقه ويقرأ فيه ثم يغتسل به)، أي يأخذ من أوراق أشجار الشوك التي عن يمينه وعن شماله في البقعة التي هو فيها.

- وورد في كتب العلم علاج خاص للمربوط عن زوجته؛ يقول ابن حجر: (المبتلى بذلك يأخذ حزمة قضبان وفأسًا ذا قطارين، ويضعه في وسط تلك الحزمة، ثم يؤجج نارًا في تلك الحزمة حتى إذا حمي الفأس استخرجه من النار وبال على حره، فإنه يبرأ بإذن الله تعالى) [2]
فالأبخرة المتصاعدة من الفأس بعد تسخينه على النار تفيد المربوط عند تعريض الذكر لهذه الأبخرة فيخرج الجني بإذن الله ويبطل السحر.

- أما السحر المطعوم أو المشروب فإن علاجه باستسهال البطن للمسحور مع أخذ الرقية الشرعية.




الباب الثالث
( فك السحر بالسحر )

القول الراجح في مسألة فك السحر عن المسحور بالسحر:
لا يجوز فك السحر بالسحر؛ لعموم أدلة التحريم من الكتاب والسنة، وهي عامة في حال التداوي، أو النشرة، أو قصد الأذية، ومن فرق بينها فقد فرق بين ما جمع الله بينه وخص العموم، وهذا لا يجوز بدون مسوغ, والقاعدة عند العلماء أن ما حرم فعله حرم طلبه.

أولا:عموم أدلة التحريم من الكتاب:
يقول تعالى في محكم كتابه: **...وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ...** [البقرة: 102]. هم يعتقدون أنه نفع لما يتعجلون به من بلوغ الغرض، وحقيقته مضرة؛ لما فيه من عظيم سوء العاقبة، وحقيقة الضرر عند أهل السنة: كل ألم لا نفع يوازيه، وحقيقة النفع: كل لذة لا يعقبها عقاب ولا تلحق فيه ندامة، والضرر وعدم المنفعة في السحر متحققة [3]
وقال تعالى: **...وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ** [البقرة: 102].
وقال تعالى: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ** [الأعراف: 157].
الشاهد (ويحرم عليهم الخبائث)، والسحر لما يحويه من الكفر هو أولى بالتحريم، وهو أعلى درجات الخبائث لما فيه من الكفر والشرك.

ثانيا: نصوص السنة:
- قوله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله ما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنـات"، رواه البخاري ومسلم.
يقول شارح كتاب التوحيد: "قوله اجتنبوا أي ابعدوا, وهو أبلغ من قوله دعوا واتركوا؛ لأن النهي عن القربان أبلغ".

- عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة، فقال: (هي من عمل الشيطان)، رواه الإمام أحمد وأبو داود
و(النشرة): هي ضرب من العلاج والرقية، يُعالج به من يظن أن به مسًا من الجن، سُميت نشرة؛ لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء: أي يُكشف ويُزال.
قال ابن الجوزي: النشرة حل السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر، وفي كلامه إشارة منه أنه لا يرى جوازها لما فيها من السحر. وقد سئل الحسن عن النشرة فقال: لا يحل السحر إلا ساحر، والساحر كافر، وحكمه القتل، ولا يستعان به، وقال الإمام أحمد: ابن مسعود يكره هذا كله، أي الرقى كلها.
قال ابن القيم -رحمه الله-:
"النشرة: حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: حل السحر بمثله والذي هو من عمل الشيطان، وعليه يحمل قول الحسن، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب فيبطل عمله عن المسحور.
والثاني: بالرقية والتعوذات والأدوية المباحة فهذا جائز" انتهى كلام ابن القيم.
والشاهد على أن الرقية بالقرآن تسمى نشرة ما جاء في الحديث: "..فنشره بـ(قل أعوذ برب الناس)" أي رقاه.
وفي عون المعبود قال: "قوله: (هو من عمل الشيطان): أي من النوع الذي كان أهل الجاهلية يعالجون به ويعتقدون فيه، وأما ما كان من الآيات القرآنية والأسماء والصفات الربانية والدعوات المأثورة النبوية فلا بأس به"..

- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافًا أو ساحرًا أو كاهنًا يؤمن بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)، رواه أبو يعلى من حديث ابن مسعود موقوفًا، ورواه البزار، وصححه الألباني في صحيح الجامع.

- وعن عمران بن الحصين مرفوعًا: (ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له...)، رواه البزار، وهو حديث صحيح في صحيح الجامع والسلسلة الصحيحة.

- حكاية الصحابية زوجة عبدالله بن مسعود في الأثر المشهور، وملخصها أنها كانت عندها راقية ترقي بالسحر بخيط تربطه في كتفها، فدخل ابن مسعود فاختبأت الساحرة تحت السرير، فرأى ابن مسعود الخيط في كتف امرأته، فعلم أنه سحر فنزع الخيط وقال: (إن ابن أم عبد وآله أغنياء عن الشرك).

- وعنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عنْ أبي الدَّرْدَاءِ، قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله أنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا وَلاَ تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ»، سنن أبي داود كتاب الطب، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة بلفظ: (إن الله تعالى خلق الداء والدواء، فَتَدَاوَوْا وَلاَ تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ).

- وفي رواية: سئل ابن مسعود عن التداوي بشيء من المحرمات فأجاب: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)، علقه البخاري في صحيحه، وفي الحديث: رضِيتُ لأُمَّتي ما رضيَ لها ابنُ أُمِّ عَبْدٍ، لمعرفته بشفقته علـيهم ونصيحته لهم، وابنُ أُم عَبْدٍ: هو عبدالله بن مسعود.

- وفي الفتح قال الحافظ.. "ولأبي داود مرفوعًا من حديث أم سلمة قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها).

- قالت أم سلمة -رضي الله عنها-: اشتكت ابنة لي، فنبذت لها في كوز، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغلي، فقال: ما هذا؟ فقلت: إن ابنتي اشتكت فنبذنا لها هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)، وفي رواية: (إن الله لم يجعل في حرام شفاء)، انظر السلسلة الصحيحة.

- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الدواء الخبيث، سنن أبي داود، والترمذي كتاب الطب، ورواه أحمد، وقيل: هو النجس أو الحرام أو ما ينفر عنه الطبع [4]

ثالثا: بعض أقوال أهل العلم:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (والمسلمون وإن تنازعوا في جواز التداوي بالمحرمات كالميتة والخنزير، فلا يتنازعون في أن الكفر والشرك لا يجوز التداوي به بحال؛ لأن ذلك محرم في كل حال، وليس هذا كالتكلم به عند الإكراه، فإن ذلك إنما يجوز إذا كان قلبه مطمئنًا بالإيمان، والتكلم به إنما يؤثر إذا كان بقلب صاحبه، ولو تكلم به مع طمأنينة قلبه بالإيمان لم يؤثر) [5]

قال الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله-: (قال بعض الحنابلة: يجوز الحل بسحر ضرورة، والقول الآخر أنه لا يحل، وهذا الثاني هو الصحيح، وحقيقته أنه يتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب من ذبح شيء أو السجود له أو غير ذلك، فإذا فعل ذلك ساعد الشيطان، وجاء إلى إخوانه الشياطين الذين عملوا ذلك العمل، فيبطل عمله عن المسحور، أفيعمل الكفر لتحيا نفوس مريضة أو مصابة؟ مع أن الغالب في المسحور أنه يموت أو يختل عقله، فالرسول صلى الله عليه وسلم منع وسد الباب، ولم يفصل في عمل الشيطان ولا في المسحور) [6]


قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: (التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه في هذه المسألة: أن استخراج السحر إن كان بالقرآن كالمعوذتين، وآية الكرسي، ونحو ذلك مما تجوز الرقية به، فلا مانع من ذلك، وإن كان بسحر، أو ألفاظ أعجمية، أو بما لا يفهم معناه، أو بنوع آخر مما لا يجوز، فإنه ممنوع، وهذا واضح، وهو الصواب إن شاء الله تعالى كما ترى) [7]

وقال الشيخ حافظ حكمي:
وحَلُّه بالوحي نصًّا يُشرعُ = أما بسحر مثله فيُمنعُ
(وحله) يعني حل السحر عن المسحور (بـ) الرقى والتعاويذ والأدعية من (الوحي) الكتاب والسنة (نصًّا) أي بالنص (يشرع) كما رقى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين، وكما يشمل ذلك أحاديث الرقى.
وقال –رحمه الله–: (أما حل السحر عن المسحور بسحر مثله فيحرم؛ فإنه معاونة للساحر، وإقرار له على عمله، وتقرب إلى الشيطان بأنواع القرب ليبطل عمله عن المسحور، ولهذا قال الحسن: لا يحل السحر إلا ساحر، وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- عنها: هي من عمل الشيطان. ولهذا ترى كثيرًا من السحرة الفجرة في الأزمان التي لا سيف فيها يردعهم يتعمد سحر الناس ممن يحبه أو يبغضه، ليضطره بذلك إلى سؤاله حله، ليتوصل بذلك إلى أموال الناس بالباطل، فيستحوذ على أموالهم ودينهم، نسأل الله تعالى العافية) [8]

قال الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى-:

"فك السحر بالسحر لا يجوز، وإتيان الكهان أو إحضارهم عند المسحور لفك ما به من سحر لا يجوز، وتعليق الحجب والتمائم لذلك لا يجوز، ولو ترتب على ما ذكر فك السحر أحيانًا، ولكن يرقى المسحور بتلاوة القرآن عليه؛ كسورة الفاتحة، وآية الكرسي، وقل هو الله أحد، والمعوذتين ونحوها من سور القرآن وآياته، وكذلك يرقي بالأدعية الثابتة عن النبي (صلى الله عليه وسلم)".



شبه وحجج مجيزي فك السحر بالسحر
والرد عليها على ضوء الكتاب والسنة وقواعد الفقه وأصوله

أما حجج مجيزي فك السحر بالسحر، فالغالب أنه لا دليل لهم عليها، وما هي إلا تقديم للرأي على النص، وتعظيم لكلام الأشياخ أو قواعد تنتفي مناسباتها في هذه المسألة.
وهذه استدلالاتهم وحججهم وما توصل إليه البحثُ في حقها:
أولًا: يرد المجيزون قـول الرسول صلى الله عليه وسلم لما سأل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) عن كونه يدل على نهي النبي عن النشرة، فيرون أن قولـه: (هي من عمل الشيطان) إشارة لأصلها ولا يـرون أن فيه أي أمر بالنهي عنها, وذكر الحافظ ابن حجر مثل ذلك في فتح الباري [9]
قال مصنف كتاب التوحيد شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى– في باب النشرة: عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن النشرة، فقال: (هي من عمل الشيطان)، رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود وقال: سئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله.
ويقول أهل العلم هو حديث صحيح، رجاله رجال الصحيحين, وقال أهل العلم: هذا محمول على ما إذا كانت خارجة عما في كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام، وعن المداواة المعروفة. [10]
قال الشارح الشيخ حسن آل الشيخ -رحمه الله تعالى-: قوله: "سئل عن النشرة": الألف واللام في (النشرة) للعهد أي النشرة المعهودة التي كان أهل الجاهلية يصنعونها هي من عمل الشيطان".
ونرد عليهم من قواعد الأصول؛ فإن الألفاظ التي تتلقى منها الأحكام إما أن تأتي بصيغة الأمر أو بصيغة خبر يراد به الأمر فتستدعي الفعل, وإما أن تأتي بصيغة النهي أو بصيغة خبر يراد به النهي فتستدعي الترك[11]، فالرسول صلى الله عليه وسلم ليس في حديثه لفظ صريح بأمر أو نهي كقول: اجتنبوا أو دعوا.. وغيره من الألفاظ التصريحية. لكنه استعاض عنه بخبر جاء عوضًا عن التصريح ودل عليه.

[1]الجامع لأحكام القرآن ج2 ص49-50.

[2] ابن حجر العسقلاني, فتح الباري, (ج10، ص /233). والقَضِيب: الغُصْنُ. والقَضِيب: كلُّ نَبْتٍ من الأَغصان يُقْضَب، والجمع قُضُبٌ وقُضْب، وقُضْبان وقِضْبان الأَخيرة اسم للجمع. قاله ابن منظور في لسان العرب..

[3]ابن العربي, أحكام القرآن, القسم الأول, ص/31.

[4]عون المعبود, كتاب الطب. باب الأدوية المكروهة, م10 (ص/353)

[5] مجموع الفتاوى، ابن تيمية (19 /64)

[6] فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (ج1ص165) بتصرف

[7] أضواء البيان, (م/4 ص/ 465 )

[8]حافظ الحكمي, معارج القبول (م/1, ص/381) بتصرف

[9] كتاب الطب, باب هل يستخرج السحر, ص244

[10] تفسير القرطبي، سورة الإسراء، المجلد العاشر ص319

[11]محمد علي بن حسين المكي المالكي, تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 27-10-2008, 07:07 AM   #12
معلومات العضو
منذر ادريس
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

قال: (هي من عمل الشيطان). وفي الشرع هذا وصف خاص للمحرمات دون المباحات، وهو علة تستدعي وتدل على النهي، وخبر ويراد به الترك في الأصل.
ودليله أن أهل العلم يستنبطون من وصف أي أمر ما في النصوص بأنه من عمل الشيطان، أن الشارع يريد بذلك النهي عنه:
مثاله قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ** [المائدة: 90].
استفاد أهل العلم التحريم في هذه الآية من وجوه؛ منها قوله تعالى: (من عمل الشيطان).
يقول القرافي: "قال تعالى: {من عمل الشيطان** فإضافته إلى الشيطان تفيد التحريم في عرف الشرع" ا.هـ [1].
وقال أبو بكر الرازي في أحكام القرآن: "قال تعالى: (من عمل الشيطان)؛ لأن مهما كان من عمل الشيطان حرم تناوله" [2].
يقول الطيبي: قوله تعالى {من عمل الشيطان**، وما هو من عمله حرام. [3]
فقال تعالى: (فاجتنبوه) والحكم المقرون بالفاء بعيد وصف يشعر بعليته كما في قواعد الأصول, فالأمور المذكورة في الآية قرنت بعلة واحدة مشتركة فيها اقتضت النهي عن الجميع، فالعلة المجتمعة هي في قوله تعالى: "رجس من عمل الشيطان".
وبدوران العلة يثبت حكم النهي في النشرة؛ لوجود العلة التي اقتضت تحريم كل ما ذكر في الآية السابقة. فالأمر الذي يوصف بعمل الشيطان أو بالرجس يكون حكمه النهي دائمًا؛ سواء نهي كراهة أو نهي تحريم بحسب الحال.
وأيضًا من الأمثلة قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ** [النور: 31], يقول ابن جرير: "عن ابن عبـاس: وَلا يَضْرِبنَ بأرْجُلِهِنَّ، نهى الله سبحانه وتعالـى عن ذلك لأنه من عمل الشيطان". فالسبب الذي كان من دواعي النهي ذكره لنا ابن عباس, وقول الصحابي حجه.. إذن "عمل الشيطان" كما يظهر هي علة استفاد منها العلماء النهي والترك...
والرسول صلى الله عليه وسلم ينهانا في أحاديثه عن أمور ويصرح بالسبب: أنها من عمل الشيطان.
وفي صحيح مسلم وعند الإمام أحمد -رحمهما الله- عن أَبي هريرة رضي الله عنه [4] قال: قال رسول الله: «المؤمن القوي خير وأحب إِلى الله من المؤمنِ الضعيف، وفِي كل خير، احرِص علَى ما ينفعك، واستعن بِالله، ولا تعجز، وإِن أصابك شيء فَلا تقل: لو أنِي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قَدر الله وما شاء فَعل، فإِن لو تفتح عمل الشيطَانِ».
وفي صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد عَنْ أنس رضي الله عنه [5] قَال: (لما فتح رسول اللّه خيبر، أصبنا حمرًا خارِجًا من القرية، فطَبخنا منها، فنادى منادي رسولِ الله: أَلا إِن الله ورسوله ينهيانكم عنها فإنها رِجس من عملِ الشيطَانِ، فأكفئت القدور بِما فيها، وإنها لتفور بِما فيها).
السبب الذي دعا للنهي هو كونها من عمل الشيطان، وصرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم , فحري بنا أن ننتهي بنهيه ونحرص على اجتناب كل ما كان كذلك, وورد في الأصل تحريمه وتواترت الأدلة على ذلك.
وكثير من المحرمات والكبائر في الشرع يطلق عليها هذه التسمية: "من عمل الشيطان"، ولم يسبق أن سميت بها المباحات إطلاقًا...
قال تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي** [القصص: 16], موسى عليه السلام قتل القبطي فندم وقال: هذا من عمل الشيطان -أي القتل العدوان المحرم- واستغفر الله وتاب إليه. ويقول أهل العلم إن التوبة تكون من كفر أو شرك أو معصية أو نفاق.
وبنو إسرائيل لما أراد السامري إغواءهم وصدهم عن توحيد الله أتاهم بالعجل ليعبدوه, يقول ابن كثير: "قالت فرقة من بني إسرائيل: هذا من عمل الشيطان -أي الشرك- وليس بربنا لا نؤمن به ولا نصدق".
وفي فتح الباري قال الحافظ: وثبت النهي عن الأكل بالشمال وأنه من عمل الشيطان، من حديث ابن عمر ومن حديث جابر عند مسلم.
فالأمثلة الشرعية السابقة هي برهان على بطلان حجتهم ودليل على دحض شبهتهم وردها عليهم. وهي إثبات لعكس ما يقولون. فمن الخطأ أن يقال: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة: "هي من عمل الشيطان" لا يحمل دلالة على النهي عن النشرة، مع أنها قرنت فيه بهذه الصفة المقتضية للنهي..!! فـ"منهج الشريعة" هو الذي أكد استدعاء النهي؛ لأن عمل الشيطان عمل حقير خبيث يحمل عليه هو؛ فيزين القبيح، ويغوي الخلق به، ويضلل به العباد عن الحق وعن الصراط السوي, وعمله من الأعمال التي تسخط الله ولا ترضيه، وليست هي من الأعمال التي يرتضيها الله لصفوة عباده المسلمين.... قال عز وجل: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ** [البقرة: 168]، وقال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا** [فاطر: 6]، يقول المفسرون: أي لا تتبعوا طرائقه ومسالكه التي أضل بها أتباعه.
ثم إن النهي يحمل على التحريم لا الكراهة، وليس في النص إشارة كافية للحمل سواء على التحريم أو الكراهة، ولكن أدلة السحر العامة في حكمه وحكم فاعله وحكم طالبه ترجح حمل هذا النهي على التحريم لورود الزجر والعقاب وترتب الإثم الكبير على ذلك, ومنها.. قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ** [البقرة: 102]، أي من استبدل دينه بالسحر فإنه لا نصيب له، وعد الرسول صلى الله عليه وسلم السحر عامة من الموبقات المهلكات في الحديث الذي أخرجه البخاري، وقال: (ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له).
والأدلة في هذا المعنى كثيرة، ويستفاد منها التحريم لا الكراهة، والنصوص القرآنية تبين أن السحر كفر والساحر كافر، وتنهى عن طلب السحر واستبداله بالدين؛ فالنصوص عامة أو قد تكون مجملة، وإن كانت مجملة فهي تحتاج لما يبينها، وفي السنة ما يبينها؛ فالنشرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها: (هي من عمل الشيطان)، وبين الرسول أن إتيان الساحر كفر بما أنزل الله وهو القرآن، وهذا عام؛ سواء كان الإتيان لتعلم السحر، أو كان لسؤال الساحر عن المغيبات، أو لعمل السحر للآخرين، أو كان للنشرة، كما دلت النصوص، والتفريق بين ما جمع بينه النص بغير قرينة صحيحة لا يجوز.
ثم إن الرسول صلى اله عليه وسلم لم يصدر هنا حكمًا جديدًا أو وصفًا خاصًّا بالنشرة؛ لأن السحر أخبر الله عنه أنه من عمل الشيطان بدلالة قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ** [البقرة: 102]، قال ابن باز -رحمه الله-: "هنا في هذه الآية تحذير من تعلم السحر وتعليمه؛ لأنه من عمل الشيطان، َولأنه كفر ينافي الإيمان" ا.هـ.
فالذي يخلص إليه بعد النظر في الأدلة والقرائن، وبعد التتبع لهذه العبارة في أحكام القرآن والسنة، بيان أن وصف النشرة بأنها من عمل الشيطان كان كافيًا لنعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أراد فيها التحريم؛ لأنه ألصقها بوصفٍ مقتضٍ للنهي في الشرع دائمًا، ولا يدل على الإباحة... فما زعموه مغاير لمقتضى الكتاب والسنة.

يقول بعض المجيزين: [6] "أخذ البعض يستدلون بما لا دليل فيه، ويخلطون بين الساحر والكاهن، ويستدلون بقوله: (من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)، والكاهن والعراف هما اللذان يخبران بالغيب المستقبل الذي لا يعرفه إلا الله، ولهذا فإن الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- عقد بابًا فيما جاء في الكهان ونحوهم، ثم عقد بابًا آخر فقال: "باب ما جاء في النشرة"، مما يدل على التفريق".

قال الإمام أحمد: "العرافة طرف من السحر, والساحر أخبث؛ لأن السحر شعبة من الكفر. والساحر والكاهن حكمهما القتل أو الحبس حتى يتوبا؛ لأنهما يلبسان أمرهما" ا.هـ [7], والكاهن هو من يخبر بواسطة النجم عن المغيبات في المستقبل [8]. وما يقوم به العراف والكاهن من ادعاء علم الغيب يُعدُ من السحر بدلالة أن التنجيم ادعاء لعلم الغيب ودجل وكذب، وعده الرسول أيضًا من السحر؛ فعن العباس رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر, زاد ما زاد"، رواه أبو داود وإسناده صحيح,. فكل من ادعى علم الغيب فهو داخل في مسمى الساحر كما ثبت بالنص,,,, وكل حكم يلحق بالكاهن والعراف فالساحر أولى به لأن الساحر كاهن وزيادة. فزيادة على ادعائه لعلم الغيب هو يعقد وينفث.

ثم إن العلامة الألباني -رحمه الله تعالى- صحح الحديث برواية أخرى: (من أتى عرافًا أو ساحرًا أو كاهنًا يؤمن بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)، وحديث آخر على هذا المعنى: (ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له)، فيبطل احتجاجهم من غير ريب ولا شك.

وقال الشيخ حفظه الله أيضًا: "الذين يأمرون الناس بالاقتصار على الرقية يخالفون ما فعله من استخراج السحر وحله".
إن الرسول صلى الله عليه وسلم استخرجه بالوحي، ولم يستخرجه بالسحر والشعوذة، وحاشاه من ذلك، وإن من أنجح الأدوية الوصول إلى مكان السحر وإتلافه وإبطاله، لكن لا يباح إن كان ذلك بالسحر الذي حرمه الله في كتابه وعلى لسان نبيه، وعده من الموبقات المهلكة لما فيه من الأمور الموغلة في الكفر والشرك..

قال الشيخ أيضًا: "يُستدلُ بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التداوي بالحرام.... فإن حل السحر ليس من تعاطي الأدوية المحرمة المأكولة والمشروبة، فالحديث هو في التداوي بأكل الطعام المحرم أو شرب ما هو محرم؛ كالخمر ولو على سبيل التداوي، أما السحر فهو بحل عقد وإتلاف ما وضع فيه السحر واستخراجه كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم".

إن لفظ التداوي الوارد في الحديث الشريف لفظ عام لا يسوغ تخصيصه بالدواء المأكول والمشروب؛ لأن المفهوم الظاهر للحديث هو عموم الدواء, والأدوية متنوعة الهيئة والأساليب ليست فقط مأكولة أو مشروبه؛ فمنها ما هو على هيئة البخور، ومنها ما يكون عن طريق الرقى أو الحجامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِه الْحِجَامَة)، رواه الترمذي، أو الكي أو التدليك أو الاستفراغ، أو حرق الحصير كما ثبت ذلك بفعل فاطمة رضي الله عنها، أو الحمية أو الاغتسال بالسدر وغيره من الأعشاب، وكذلك حل العقد وإتلافها فهي من الأساليب الناجحة في دواء المسحور.
ثم إنه لا أحد يستطيع أن ينكر أن حل عقد وإتلاف ما وضع فيه السحر واستخراجه كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم هو من أسباب الشفاء وإزالة البأس. والرسول صلى الله عليه وسلم قيد أسباب الشفاء فقال: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)، أخرجه البخاري في صحيحه. فطلب الشفاء عن طريق السحر محرم؛ لأن السحر محرم في ذاته، ولأن الله سبحانه وتعالى لم يجعل في محرم شفاء، وقال الله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ** [سورة الأعراف: 157]، وهذا عام في تحريم كل ما هو خبيث، ويشمل التداوي بالسحر.

ثانيا: يتذرعون بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم النشرة
وحجتهم في ذلك ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: «مَكثَ النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا يُخيَّلُ إليه أنه يأتي أهلَه ولا يأتي. قالت عائشة: فقال لي ذات يوم: يا عائشة، إن الله تعالى أفتاني في أمر استفتيته فيه؛ أتاني رجُلان فجلسَ أحدُهما عندَ رجلَيَّ والآخرُ عندَ رأسي، فقال الذي عندَ رِجليَّ للذي عندَ رأسي: ما بالُ الرجُل؟ قال: مَطبوب -يعني مسحورًا- قال: ومَن طبَّه؟ قال: لَبيدُ بنُ أعصَم قال: وفيمَ؟ قال: في جُفِّ طلعةٍ ذَكر في مشطٍ ومُشاطة تحتَ رَعوفةٍ في بئرِ ذَروانَ. فجاءَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: هذهِ البئرُ التي أُرِيتها، كأَنَّ رُؤوس نخلِها رؤوس الشياطين، وكأنَّ ماءَها نقاعةُ الحنّاء. فأمرَ به النبي صلى الله عليه وسلم فأُخرجَ. قالت عائشة: فقلتُ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهلا، تَعني تَنشرْتَ؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أمّا الله فقد شفاني، وأما أَنا فأكرَهُ أن أثيرَ على الناسِ شرًّا. قالت: ولَبِيدُ بن أعصَم رجل من بني زُرَيق، حَليفٌ ليهود».
يقول الشعبي: إن في ذلك دلالة على جواز النشرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الإنكار على عائشة، وهذا دليل على الجواز.
ويؤخذ عليهم في استدلالهم هذا مأخذان:
أولا: أن من الأصول المستقرة عند الأصوليين إذا اختلفت الروايات فإن الجمع بينها أولى, وحملها جميعها على معنى واحد متوافق أولى، والحديث هذا أتى بروايات متعددة ظاهرها الاختلاف حول سؤال عائشة؛ فأتى سؤالها بلفظ: أفلا أحرقته؟ في صحيح مسلم، وعند أحمد بلفظ: أفأخرجته أو استخرجته؟ ولفظ: أفلا؟ أي تنشرت في البخاري, ومدار الحديث على هشام بن عروة , يقول ابن بطال: إن الاعتبار يعطى لسفيان الذي ورد في روايته أن عائشة سألت عن النشرة, فإن الزيادة منه مقبولة؛ لأنه أقواهم في الضبط، ويقول ابن حجر في فتح الباري: "إن سفيان عندما قال: أفلا؟ أي تنشرت، كأنه لم يستحضر اللفظة فذكره بالمعنى، وظاهر هذه اللفظة أنه من

[1]القرافي, كتاب الذخيرة، باب الأشربة, ص 116, الجزاء الرابع

[2]الحافظ ابن حجر العسقلاني، فتح الباري, كتاب الأشربة, (ص/31 ,م/10)

[3] عون المعبود على شرح سنن أبي داود, كتاب الأشربة, (ص/106 ,م/10)

[4] صحيح مسلم، كتاب القدر, مسند الإمام أحمد، في مسند أبي هريرة

[5] صحيح مسلم، باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية, مسند الإمام أحمد، في مسند أنس بن مالك

[6] الصارم المشهور على كل من أنكر حل السحر بسحر عن المسحور. للدكتور العبيكان

[7]ابن قدامة المقدسي, المغني كتاب المرتد, (ص/155 ,م/8)

[8] الخطيب الشربيني, مغني المحتاج كتاب دعوى الدم, (ص/120 ,م/4)

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 27-10-2008, 07:07 AM   #13
معلومات العضو
منذر ادريس
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

النشرة، ويحتمل أن يكون من النشر؛ بمعنى الإخراج فتوافق من رواه بلفظ: (فهلا أخرجته) أي أخرجت ما حواه الجف. ولأن النشر يأتي بمعنى الإخراج، فالأولى أن تحمل الروايات على معنى واحد يعبر عن هذه الألفاظ المتعددة؛ وهو أن سؤالها كان عن إخراج ما احتواه الجف من السحر وإظهاره للناس، فهناك إخراجان أحدهما مثبت والآخر منفي؛ الأول إخراجه من البئر، وهو المثبت؛ ففي الحديث: فأمرَ به النبي صلى الله عليه وسلم فأُخرجَ، والثاني المنفي؛ وهو إخراج ما حواه الجف من السحر وإظهاره للناس، وهو الذي سألت عنه عائشة رضي الله عنها.
وان قيل: إن الحمل على هذا المعنى لا يصح لأن بعض الروايات جاء فيها إشعار باستكشاف ما حواه الجف فوجدوا وترًا فيه عقد وانحلت عند قراءة المعوذتين، فهذه الروايات غير ثابتة، قال الحافظ: [1] "فلو كان ثابتًا لقدح في الجمع المذكور, لكن لا يخلو إسناد كل منهما من ضعف".
ثم إن سؤال عائشة من الصعب أن يحمل على معنى: لو أنك ذهبت للسحرة لفك سحرك؛ إذ كيف تشير عليه عائشة رضي الله عنها بطلب العون من السحرة واللجوء لهم, وهي تدرك قول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ** [البقرة: 102]، وتدرك وتعي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات)، وذكر منها السحر, ولا تجهل الكفر الذي يقوم به الساحر، فهل يعقل أن تشير على رسول هذه الأمة أن يلجأ إلى ساحر وهو الذي ينهى عنه وعن إتيانه؟
فالأولى حمل النشرة التي وردت في حديث سفيان على الإخراج؛ للتوفيق بين الأدلة وهذا ممكن ولله الحمد.

وثانيا: حتى وإن سلمنا أن سؤال عائشة كان عن الذهاب للسحرة, وثبت إقرار النبي للنشرة، فهذا أيضًا لا يرجح الجواز؛ لأن ذلك فيه تعارض بين النصوص مع بعضها، ولا يمكن الجمع والتوفيق بينها؛ وهي حديث عائشة هذا الذي برواية سفيان وحديث جابر الذي رواه أحمد وأبو داود، فعن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن النشرة قال: (هي من عمل الشيطان) وكل منهما دليل خاص.. فعلينا الترجيح بينهما، ومن قواعد الترجيح:
1- أن الفعل لا يقدم على القول؛ ويقول الأصوليون من باب أولى أن لا يقدم الإقرار على القول, فيرجح بهذا حديث جابر لأنه قولي فيقدم بذلك.
2- وأيضًا من قواعد الترجيح أخذ ما كان العمل به أحوط, وما لا يتعارض مع ما شهد به القرآن والسنة والإجماع، والذي لا يتعارض أيضًا مع ما عمل به الخلفاء؛ ففي البخاري عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلنا ثلاث سواحر, فلو كان في إبقائهم مصلحة ترجى أو خير يبتغى لما أمر بقتلهم عمر رضي الله عنه!!! فيرجح بهذا حديث جابر لأنه أحوط وأسلم ولا يخالف النصوص، بل جاء موافقًا للقرآن وسنة النبي وسنة أصحابه الأخيار من بعده.
3- وأيضًا من قواعد الترجيح إذا تعارض دليلان أحدهما يقتضي التحريم والآخر يقتضي الإباحة قدم التحريم في الأصح, قال الأئمة: وإنما كان التحريم أحب لأن فيه ترك مباح لاجتناب محرم، وذلك أولى من عكسه. وأورده جماعة حديثًا, وروي موقوفًا على ابن مسعود فيرجح بهذا حديث جابر لأنه نص على النهي.
ففِعله وإقراره صلى الله عليه وسلم إن عارض قوله ظاهرًا, فإما أن يكون ذلك خاصًّا به أو لأسباب وحكمة لا نعلمها بسب القصور في الذهن لدينا. فيبقى حكم النهي كما هو لا يزول لهذه الأسباب التي قررها أهل العلم.

ثالثا: يستدل المجيزون بما رواه البخاري عن قتادة قال: قلت لابن المسيب: رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته، أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس إنما يريدون به الإصلاح, فأما ما ينفع فلم ينه عنه.

وهذا من ابن المسيَّب يُحمل على نوع من النشرة لا يُعلم أنه سحر.
لأن سؤال قتادة في النشرة عن المسحور، وكان جواب ابن المسيب لا بأس -أي بالنشر- لأنهم يريدون الإصلاح, فأما ما ينفع فلم ينه عنه. فدل على أنه أراد الرقية الشرعية أو النشرة المباحة الخالية من الشرك؛ لأنها منفعة لا تلحقها مضرة لا دنيوية أو أخروية، والنبي لم يأذن بفك السحر إلا بالرقية الشرعية والأدوية المباحة؛ كما في الحديث: فلعل طبا أصابه، ثم نشره بـ(قل أعوذ برب الناس)، أي رقاه، وطلب من الصحابة الكرام أن يعرضوا رقاهم عليه فقال: اعرضوا علي رقاكم؛ لا بأس بالرقى ما لم تكن شركًا.
وأما حمل كلام ابن المسيب على جواز النشر عن المسحور بالسحر فلا يصح، وإن صح عنه ذلك فإنه لا يؤخذ بقوله؛ لأنه قول مخالف للنصوص العامة والخاصة, والسحر عرف منذ القدم وعرفته العرب، وكان يستخدم على الوجهين: في الشر والضرر, وفي النشر وحل السحر عن المسحور, وبعد الإسلام نزلت آيات السحر في ذمه والنهي عنه, آيات عامة بدون تخصيص, وكذلك أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم تأمر باجتنابه وتبين كفر طالِـبِه والخطاب فيها عام، فالنهي يشمل الوجهين.
يقول ابن قدامة في روضة الناظر وجنة المناظر: "إجماع الصحابة رضوان الله عليهم؛ فإنهم من أهل اللغة، بأجمعهم أجروا ألفاظَ الكتاب والسنة على العموم إلا ما دل على تخصيصه دليل، فإنهم كانوا يطلبون دليل الخصوص لا دليل العموم، والإجماع حجة، فالأصل استصحاب عموم الدليل حتى يرد المخصص".
والعموم لا يحمل على غيره إلا بقرينة. ولا توجد قرينة تنقله للخصوص, فأدلة الســــحر القرآنية والحديثية, أدلة تشتمل على ألفاظ وصيغ تعبر عن العموم، وهي معروفة ومدونة في كتب العلم، فإن وردت في النصوص كان دليلا عامًّا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافًا أو ساحرًا أو كاهنًا يؤمن بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم).
فيه من صيغ العموم "من" للعاقل, و"ما" فيما لا يعقل, أي عموم الإتيان للساحر والاستعانة به وقصد سحره يترتب عليه الكفر, بأي غاية كانت، وتصديقه بأي شيء قاله دون تخصيص أو استثناء, فهذا هو المفهوم الظاهر للحديث، فيبقى المعنى والحكم كما هو لانتفاء الناسخ أو المخصص أو الإجماع على خلاف العموم.
فلم يخصصون الدليل؟
وقال أيضًا صلوات ربي وسلامه عليه: (ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له)، فيه (من) وهي من ألفاظ العموم؛ ففيه كفر من تطلب عمل السحر، ولا شك أن الشخص المسحور الذي ينشر عنه بالسحر يدخل في هذا العموم, والسحر هنا لفظ عام يشمل الوجهين.
وقال صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله/ والسحر ..... الخ)، والسحر اسم جنس محلى بـ(ال) التعريف فيوجب العموم، أي يشمل سِـحرًا قُــصِد للشـرِِ والأذية أو التفريق أو للنشر عن المسحور لما فيه من الأمور الكفرية، فالأمر عام بالاجتناب، والأصل في الأوامر الحتم, يقول شارح كتاب التوحيد: "قوله: اجتنبوا أي ابعدوا, وهو أبلغ من قوله دعوا واتركوا؛ لأن النهي عن القربان أبلغ"، وغيره من الأدلة.
وهكذا الأدلة جميعها، فالناظر إليها يجدها أدلة عامة. فليست هي خاصة لمن قصد السحر لإرادة الإضرار.
والمخصصات هي: النص، والعقل، والحس، والمفهوم، والإقرار، والفعل، والإجماع, ولا أحد يستطيع أن يثبت شيئًا منها.
فالأولى حمل كلام ابن المسيب على نوع من النشرة لا يُعلم أنه سحر.

رابعا: يقولون حملَنا على الإباحة الضرورةُ التي تباح بها المحرمات
استنباطًا من قول الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ** [الأنعام: 119].
فهذا احتجاج فاسد لا اعتبار له؛ لأن علماء الأصول وضعوا لهذه القاعدة شروطًا تضبطها وتحكمها، فلا بد من تحققها واستيفائها أولا, ومن هذه الشروط -بل هو أولها- أن يتعين المحظور طريقًا لدفع الضرورة, أي انتفاء البديل عدا الأخذ بالمحظور, والمعلوم أن البدائل موجودة وطرق علاج السحر كثيرة، كما تبين سابقًا, فلا يرى إذن ما يسوغ فعل المحظور.
- وفي بيان للجنة الدائمة للبحوثالعلمية والإفتاء عن علاج السحر، جاء فيـه:
(.. ولا يصح القول بجواز حل السحر بسحر مثله بناء على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات؛ لأن من شرط هذه القاعدة أن يكون المحظور أقل من الضرورة، كما قرره علماء الأصول، وحيث إن السحر كفر وشرك، فهو أعظم ضررًا؛ بدلالة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس بالرقى مالم يكن فيها شرك)، أخرجه مسلم، والسحر يمكن علاجه بالأسباب المشروعة، فلا اضطرار لعلاجه بما هو كفر وشرك..)ا.هـ.

ثم إن التداوي لا يعد ضرورة، ولا تستحل به المحرمات، والدليل على ذلك ما قاله ابن تيمية في الرد على من أباح التداوي بالمحرمات؛ قال: "أما إباحة المحرمات للضرورة فحق؛ وليس التداوي بضرورة لوجوه:
أحدها: أن أكثر المرضى يشفون بلا تداو، ويشفيهم الله بما خلق فيهم من القوى المطبوعة في أبدانهم الرافعة للمرض، وفيما ييسره لهم من نوع حركة وعمل، أو دعوة مستجابة، أو رقية نافعة، أو قوة قلب وحسن التوكل، إلى غير ذلك من الأسباب الكثيرة ظاهرة وباطنة, ******ة وجسدية.
وثانيها: أن التداوي غير واجب، ومن نازع فيه خَصَمتْه السنةُ في المرأة السوداء التي خيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين الصبر على البلاء ودخول الجنة، وبين الدعاء بالعافية، فاختارت البلاء والجنة. ولو كان رفع المرض واجبًا لم يكن للتخير موضع، وخَصَمَه حالُ أنبياء الله المبتلين الصابرين على البلاء حين لم يتعاطوا الأسباب الدافعة له؛ مثل أيوب عليه السلام وغيره، وكذلك السلف الصالح.
ثالثها: أن الدواء لا يستيقن، بل وفي كثير من الأمراض لا يظن دفعه للمرض، إذ لو اطرد ذلك لم يمت أحد.
رابعها: أن المرض يكون له أدوية شتى، ومحال أن لا يكون له في الحلال شفاء أو دواء، والذي أنزل الداء أنزل لكل داء دواء إلا الموت، ولا يجوز أن يكون أدوية الأدواء في القسم المحرم، وهو سبحانه الرؤوف الرحيم كما جاء في الحديث المروي: "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها" [2].
ثم قال في موضع آخر -رحمه الله-: (والمسلمون وإن تنازعوا في جواز التداوي بالمحرمات كالميتة والخنزير، فلا يتنازعون في أن الكفر والشرك لا يجوز التداوي به بحال).

خامسا: احتجاجهم بالقاعدة (الأصل في المنافع الإذن, وفي المضار المنع)
فالمجتهد الضال عندما يخالف عموم النصوص الصريحة من غير مسوغ شرعي من أجل مصلحة يتوهمها ليس له عليها من الله برهان فقد وقع في الخطأ العظيم؛ لأنه تحليل للحرام وتحريم للحلال، وذلك دليل على ضحالة علمه وجرأته على دين الله.
فإن هذه القاعدة ليست على الإطلاق، بل قُيدتْ بقيد, يقول الفقهاء: إن الحكم على المضار والمنافع, يكون بأدلة السمع لا بأدلة العقل، خلافًا للمعتزلة [3]؛ لأن المصالح والمنافع نسبية يختلف اعتبارها من مجتهد لآخر، فاحتاجت لشرع من الإله يضبطها.
فالضابط هو قول الشارع، والله عز وجل قال في السحر الذي يزعم المجيزون منفعته ويحتجون لإثبات إذن التداوي به: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ** [البقرة: 102]، يقول أهل العلم: نفى الله أن يكون في السحر منفعة بأي وجه من الوجوه، فإنه ضرر محض خالص لا نفع فيه إطلاقا؛ لأن الفعل المضارع بعد النفي يدل على العموم كما حكاه بعض العلماء، فالمحرمات التي فيها شيء من النفع وفيها ضرر أكبر تحرم للضرر العظيم الذي فيها، فكيف بالذي كله ضرر؟ فإنه يحرم من باب أولى. والخمر والميسر أخبر الله أن فيهما منفعة، فالله لم ينفِ منافعهما مع رجحان إثمهما فلذلك حرما, وحرمت عموم الخبائث وكل نجس، ولكن أجيز التداوي بأبوال الإبل بالنص مع أنها مستقذرة لثبوت المنفعة الراجحة بها.
روى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعًا: (إن في أبوال الإبل شفاء لذربة بطونهم) [4].
لكن في السحر الأمر يختلف لنفي الشارع المنفعة مطلقًا؛ لأن الكفر لا توجد فيه منفعة، بل هو مفسدة عظمى للعقائد والنفوس، ولو كان فيه منفعة لنفع السحرة أنفسهم، فهؤلاء يعلمون أن الساحر ما له نصيب في الآخرة، لكنهم يطلبون به الشرف والرئاسة في الدنيا، وطالت الأزمان ولم يحصل لهم ذلك، فما نفعهم السحر كما دلت عليه أحوالهم، ولا ننكر أن الساحر قد يتحصل له بعض أغراضه لكن يعقبه الضرر عليه في الدنيا والآخرة أعظم مما حصل عليه من أغراضه.
وقال تعالى: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى** [طه: 69].
يقول البعض: إن هذه الآية المقصود بها نفي فلاحهم في الآخرة، وليس المقصود نفي فلاح سحرهم في الدنيا؛ لأنهم قد يفلحون في إيقاع الضرر أو النفع، ويقول المفسرون على هذه الآية: أي لا يظفر الساحر بسحره بـما طلب أين كان [5]، والمفلح: هو الذي ينال المطلوب وينجو من المرهوب، فالساحر لا يحصل له ذلك [6].
فالفعل في سياق النفي يدل على العموم؛ قال تعالى: (لا يفلح) أي يعم نفي جميع أنواع الفلاح عن الساحر، والفلاح يطلق في العربية على الفوز بالمطلوب؛ قال تعالى: (حيث أتى) تأكيدًا للعموم، أي حيث توجه وسلك، وهذا أسلوب عربي معروف، يقصد به التعميم كقولهم: فلان متصف بكذا أينما كان [7]، وإن قولهم بأن السحرة يفلحون في إيقاع الضرر والنفع فإنه مصادمة مع كتاب الله؛ لأن الأصل هو إثبات ما أثبته الله في كتابه ونفي ما نفاه. والله أثبت لهم إيقاع الضرر بعد مشيئته سبحانه فقال: {يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ** [البقرة: 102]، لكن النفع نفاه الله عز وجل فقال: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ** [البقرة: 102]، وحقيقة النفع: لذة لا يعقبها عقاب ولا يلحقها ندامة، ونفي فلاحهم بعملهم مقيد يخرج عنه ما أثبته لهم من التفريق والأذية.
فبطل احتجاجهم بالقاعدة؛ لأنها قاعدة مقيدة وليست على الإطلاق، فتبين زيف ادعائهم؛ لأن النصوص الإلهية تنفي النفع عن السحر، بل على العكس ثبت مضرته وفساده على العقائد والنفوس، فمن ادعى أن في السحر مصلحة فإنها مصلحة متوهمة، وهي مصلحة ملغاة؛ لتعارضها مع عموم نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: (إن الله تعالى خلق الداء والدواء، فتتداووا ولا تتداووا بحرام) [السلسلة الصحيحة], فعلى تقدير رجحان المصلحة يلزم انتفاء الحرمة كما قرر ذلك علماء الأمة.

سادسا: يحتجون بالقاعـدة الفقهية (الأمور بمقاصدها)
وذكر ابن حجر مثل هذا، والقاعدة استنباط من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى..)، يقول أهل العلم: إن الشريعة مبنية على المقاصد ووسائلها, ووسائل المقصود الموصلة إليه لها حكمه. وهذا الكلام صحيح، لكن في هذه المسألة لا يستدل به؛ لأنه إلباس للحق بالباطل, لأن القاعدة هي:
1- قاعدة فقهية موضوعها أفعال المكلفين، وهي ليست ضابطًا لاستنباط الحكم من النصوص الواردة في المسألة
2- وأيضًا لا يقتصر عليها بذاتها في إصدار الأحكام دون أن يعضدها نص يعزز الحكم.
3- وأهل العلم يستدلون بهذه القاعدة في العبادات المحضة، وفي المباحات والتروك الموجبة للمثوبة, لأن النية عبادة بحد ذاتها, وفي المعاملات والعقود بين الأفراد بشتى أنواعها, وفي الأيمان. لكن الاستدلال بها لتسويغ المحرمات والكبائر ما سبق أحد من أهل الحق لهذا
4- يقول المحققون: إن قواعد الفقه قواعد أغلبية مبنية على وجود مسائل مستثناة من تلك القواعد, تخالف أحكامها حكم القاعدة, بسب نص أو إجماع أو ضرورة أو قيد أو علة مؤثرة, لذلك سمى العلماء قواعد الفقه قواعد أغلبية أكثرية لا كلية مطردة, وسموا قواعد الأصول قواعد مطردة؛ لأنه لا يستثنى منها شيء.
وورد في كتب القواعد الفقهية مسائل مستثناة على قاعدة الأمور بمقاصدها, من هذه الاستثناءات التي وردت على القاعدة: التوسل بالوسائل المحرمة للحصول على أمر مباح شرعًا؛ إما استعجالا أو تحايلا، وعُبر عن هذا الناقض في منظومةٍ لأصُولِِ الفقهِ يقولُ نَاظِمُها:

وَكُـلُّ مَـنْ تَعَجَّـلَ الشَّيءَ على = وجْـهٍ مُحَـرَّمٍ فَمَنْعُــهُ جَلاََ
فالتوسل بالسحر المحرم المشتمل على أقوال أو أفعال أو اعتقادات كفرية, والتداوي به، والعدول عن الوسائل المباحة استعجالا للشفاء...هو أمر لا يستدل عليه بهذه القاعدة؛ لأنه مستثنى من القاعدة, ولا سبيل لهم للاحتجاج بها على ذلك؛ لأن السحر وسيلة في ذاتها محرمة بل كفر في أصلها.
5- قال ابن حجر: إن قصد بها خيرًا كان خيرًا، وإلا فهو شر.
أي بحسب النية؛ لكن أهل العلم قرروا أن هناك أفعالا لا تتبدل أحكامها باختلاف القصد أو النية، ولا شك أن الكفر هو في مقدمة الأشياء التي لا يتبدل حكمها، وإن قيل: النطق بالكفر يجوز كما في حال الفرار به من القتل فكذلك السحر؟ نقول: يختلف هذا؛ لأن الفرار به من القتل متيقن ومباح بالنص، لكن الاستشفاء بالسحر متوهم وغير متيقن وحرم بالنص، فاختلفا في الحكم، ثم إن النطق بكلمة الكفر لا يتعدى اللسان والقلب مطمئن بالإيمان, أما الاستعانة بالساحر فإن القلب عند ذلك يدخل عليه شيء قل أو كثر من التوكل عليهم واعتقاد مقدرتهم الخاصة فلذلك افترقا.
6- وفي مبحث شروط صحة وسلامة النية يقول الفقهاء: لا بد أن لا يتنافى المنوي مع الشرع، أي عدم التوصل للمنوي -الذي هو رفع الضرر بالسحر- بسبب منع منه الشرع، والشارع قد نفى مطلقًا المنفعة من السحر بوجه من الوجوه، فكيف ينوى بالسحر النفع ورفع الضرر؟ وان كان هناك نفع فهو وقتي زائل وتعقبه ندامة وحسرة وعقاب، فكان من المُفترض أن لا تترك النصوص الظاهرة الجلية وتستبعد الأدلة الشاملة للفرع والضابطة لحكمه، ويحتج بقاعدة فقهية يظهر بالبرهان أنها وُضِعتْ في غير محلها، وأنها لا ترجح ما اختاروه إطلاقًا.

سابعا: قالوا: إن مسألة فك السحر بالسحر قد تعرض لها علماء أجلاء من السلف وقالوا بجوازها؛ كالإمام أحمد، وابن الجوزي، والإمام البخاري، وابن حجر، والطبري، وابن بطال، والشعبي، وبعض علماء الحنابلة؛ رحمهم الله تعالى جميعًا.
وهذا مرود عليه؛ لأن الأصل أن لا يقدم قول أحد البشر على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء, أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟)
قال الإمام مالك: "ما منا إلا رادّ ومردود عيه، إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم"، وكلام الأئمة في هذا المعنى كثير. وما زال العلماء يجتهدون في الوقائع؛ فمن أصاب فله أجران, ومن أخطأ فله أجر كما في الحديث, لكن إذا استبان لهم الدليل أخذوا به وتركوا اجتهادهم، وعلى هذا فيجب الإنكار على من ترك الدليل لقول أحد العلماء كائنًا من كان، قال أبو حنيفة رحمه الله: "إذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين, وإذا جاء عن الصحابة رضي الله عنهم فعلى الرأس والعين, وإذا جاء عن التابعين فنحن رجال وهم رجال"، فالواجب على كل مكلف إذا بلغه الدليل من كتاب الله وسنة رسوله، وفهم معنى ذلك أن ينتهي إليه ويعمل به، وإن خالفه من خالفه؛ كما قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ** [الأعراف: 3]، وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ** [العنكبوت: 51]، فيجب على من نصح نفسه إذا قرأ كتب العلماء، ونظر فيها، وعرف أقوالهم، أن يعرضها على ما في الكتاب والسنة. والأئمة رحمهم الله لم يقصروا في هذا البيان, بل نهوا عن تقليدهم إذا استبانت السنة؛ لعلمهم أن من العلم شيئًا لم يعلموه وقد يبلغ غيرهم, قال أبو حنيفة: إذا قلت قولا وكتاب الله يخالفه فاتركوا قولي لكتاب الله، وقال الربيع: سمعت الشافعي -رحمه الله- يقول: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت. [8]
وأما قولهم: إن الإمام أحمد يجيزه فهذا خطأ؛ لأنه لما سئل عن الرجل يحل السحر قال: قد رخص فيه بعض الناس، قيل: إنه يجعل في الطنجير ماء، ويغيب فيه، فنفض يده وقال: لا أدري ما هذا، قيل له: أترى أن يؤتى مثل هذا؟ قال: لا أدري ما هذا. وهذا دليل على أنه لا يجيزه.

ومما يمكن أن يُستدل به على عدم جواز فـك السحر بالسحر أمور:

أ- المجيزون اجتهدوا فرأوا أن في النشرة السحرية علة التداوي فأباحوها لهذه العلة, والمانعون يرون أن فيها علة الأقوال والأفعال والاعتقادات الكفرية، فالذي دعاهم إلى المنع هذه العلة, ويقول الشيرازي في التبصرة: [9] "إذا كانت إحدى العلتين تقتضي الحظر والأخرى تقتضي الإباحة، فالتي تقتضي الحظر أولى، ولأن الحظر أحوط؛ لأن في الإقدام على المحظور إثمًا، وليس في ترك المباح إثم"، فهذا هو الفيصل في أمور الاجتهاد، والحق الذي لا بد أن يتأمله المجتهد ولا يغفل عنه؛ لأنه موقع عن الله جلا جلاله.

ب- أن القاعدة التي تحكم المتناولات كافة, كالأدوية والأطعمة والأشربة والزينة والألبسة, تقول: "ما أبيح لصفته حرم لسببه". [10]
فالأدوية الأصل فيها الإباحة لاشتمالها على مصلحة التعالج والشفاء, وتحرم لأسباب؛ كأن يكون الدواء مغصوبًا، أو أن يكون مسروقًا، أو أن يكون الدواء خبيثًا أو محرمًا، كما نصت أحاديث الرسول على ذلك؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الدواء الخبيث. رواه الترمذي [صحيح الجامع], والنشرة هذه لاشتمالها على السحر والكفر تكون من أخبث الخبائث التي يزينها الشيطان ويدعو لها، فالتداوي بها يحرم أيضًا لهذا السبب الذي أثبته النص.

[1]فتح الباري, كتاب الطب, باب هل يستخرج السحر (ص246)

[2]فتاوى ابن تيمية, (م/21ص563)

[3]الدكتور محمد صدقي البورنو, الوجيز في إيضاح فواعد الفقه الكلية ص43

[4]ابن حجر, فتح الباري، ك الوضوء، باب أبوال الإبل, (ص/404)

[5] تفسير الطبري, سورة طه, (ص/112 ,م/16)

[6] مجموع الفتاوى ابن تيمية, (م/35, ص/171)

[7] محمد الأمين الشنقيطي, أضواء البيان, (م/4, ص/441,442.443.444) بتصرف

[8]عبد الرحمن آل الشيخ, فتح المجيد شرح كتاب التوحيد. (ص340/373)

[9]التبصرة في أصول الفقه, لإبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي, ص484.

[10]كتاب أنوار البروق في أنواع الفروق, لشهاب الدين القرافي
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 27-10-2008, 07:08 AM   #14
معلومات العضو
منذر ادريس
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

ج- القياس الصحيح:
القياس لا يكون مع وجود النصوص، وهناك نصوص كثيرة مبينة للمسألة، وتغني عن اللجوء للقياس، لكن المجيزون لا يرجعون لها؛ لأنهم يرون العامة منها خصصها العقل بمن قصد السحر للإضرار، والنص الخاص بالنشرة يرونه لا يحمل دلالة على حكمها، فأصبحت النشرة لديهم وكأنها في محل المسكوت عن حكمها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والقياس الصحيح من العدل؛ فإنه تسوية بين متماثلين وتفريق بين المختلفين..).
وفي كتاب التوحيد قال المصنف شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-: وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرقى والتمائم والتولة شرك، هنا ثبوت ظاهر لحكم التولة ومتفق عليه.
قال الشارح -رحمه الله تعالى- الشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد:
قال الحافظ: التولة شيء كانت المرأة تجلب به محبة زوجها, وهو ضرب من السحر. وكان من الشركِ لما يُرادُ به من دفعِ المضار وجلب المنافع من غير الله تعالى.
ومن ضمن ما علق به الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- على التولة قال:
"الدجالون يكتبون التمائم والتولات على طريقة العقيدة اليهودية, فيزعمون أن للحروف خدامًا يقومون بما يطلب منهم من الأعمال السحرية، ويتخذون أنواعًا من البخور والأدوات المخصوصة التي يوحي بها شياطينهم, وكل ذلك من الكفر العظيم".
وقال ابن الأَثـير: التِّوَلة، بكسر التاء وفتـح الواو، ما يُحَبِّب الـمرأَة إلـى زوجها من السِّحْر, وحكى ابن بري عن القزاز: التُّولة والتِّوَلة السِّحْر. قال ابن الأعرابـي: تالَ يَتُول إذا عالـج التِّوَلة وهي السِّحْر.[1]
ومما لاشك فيه أن الوصول للقربة والألفة بين الزوجين اللذين هما لبنة المجتمع من الأمور التي يدعو لها ديننا الحنيف ويرغب فيها، ومن المنافع التي فيها خير عظيم, تعود على الأسرة أولا وعلى المجتمع ثانيًا، فالسحر هنا زالت عنه إرادة الأذية، بل على العكس أُرِيـد به جلب منفعة محضة ودفع مضرة التفكك والفرقة وابتغاء للأنس والطمأنينة -كما يظن- وهي منفعة قريبة لما يراه المجيزون في النشرة. فالزوجة من الخير لها أن تلجأ للوسائل التي تحبب زوجها فيها، لكن عندما يصل الأمر إلى العقيدة والإخلال بها...نقف!
فكان حكم التولة الشرك؛ لأن الوسيلة المستخدمة هي وسيلة كفرية بحد ذاتها، العلة هي وجود السحر لما فيه من الكفر والشرك والتعلق بغير الله، والنشرة هي كذلك؛ فهي إزالة وكشف الداء وحل السحر عن المسحور، ففيها جلب للمنفعة كما يظن، فالنشرة تُشبِهُ التولة للجامع الذي بينهما في كونِ السحر الكفري أداة لهما، وأيضًا ما عُمِدَ إليهما إلا لجلبِ المنافع ودفع المضار، فكلاهما طلب لأمر مشروع؛ النفع ورفع الأذى، بطريقة غير مشروعة محرمة هي السحر.
فلِمَ يثبتون الحكم في التولة وينفونه عن النشرة؟ مع وجود الأوصاف المشتركة بينهما من حيث الغرض والوسيلة والكيفية والعلة، ومع انتفاء المانع أو الناقض في هذا القياس!!

- استنباط العلة الصحيحة التي من أجلها حُرِّمَ الذهاب للساحر وسؤاله، أي العلة التي لا يزول المنع إلا بزوالها.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافًا أو ساحرًا أو كاهنًا يؤمن بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) [صحيح الجامع]، ويقول صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له) [صحيح الجامع والسلسلة الصحيحة]، فهنا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر من أتى الساحر وطلب السحر عمومًا، والمجيزون يثبتون ويسلمون بكفر من أتى الساحر لإضرار أحد الخلق، وهو كفر لا يخرج عن الملة في المشهور عن الإمام أحمد، لكن من قصدَ السحرة للتداوي وحل السحر فاستعان بهم على ذلك في حال الضرورة -كما يقولون- يرون أنه لا يدخل في الحكم، فينازعون في إثبات الحكم عليه؛ لأنه كما يرون هم أنه لم يذهب ليضر أحدًا بذلك، فلم يقصد أن يفرق بين المتحابين ولم يؤذ أحدًا, إذن.. ألا يلزم من قولهم هذا أن تكون علة المنع في الذهاب هي قصد الإضرار, فبزوالها يزول المنع.
والشرع والعقل يتفقان في عدم قبول أن هذه العلة هي التي قصدها الشارع؛ لأن أحكام الشرع كلها حق وعدل لا ظلم فيه, ولأن الحكم على الشخص بالكفر بالقرآن أمر عظيم، ليس بالهين أن يطلق على المسلم الموحد إلا إن كان بسبب قوي يستدعي ويوجب ذلك, بل إن الاستعانة بأهل وأرباب الكفر، وبأعمالهم ورقاهم وعزائمهم وطلاسمهم الشركية بحد ذاته هو السبب والعلة التي قصدها الشارع في النهي، فهي تتناسب مع حكم الكفر المنصوص.
والعلة الصحيحة عند الأصوليين لا بد لإثباتها من شروط منها أن تكون العلة مطردة في معلولاتها.
فيخرج بهذا الشرط قصد الإضرار للخلق عن كونه علة المنع في إتيان الساحر بالاستقراء والتتبع لهذه العلة في أحكام الشرع؛ لأنها ليست مطردة إطلاقًا مع الحكم السابق الكفر.
فقصد إضرار أحد الخلق؛ سواء الإضرار الحسي أو المعنوي, ليس سببًا يتأتى معه الكفر أبدًا، بخلاف قصد إضرار النبي صلى الله عليه وسلم, فإذن زوال قصد الإضرار عند الذهاب للساحر لا يجعل أبدًا من النشرة أمرًا مباحًا؛ لأنه بقي في النشرة السحرية ما يستدعي بقاء الحكم، فلا يتخلف عنها الحكم إلا إذا تخلف موجب الحكم، وهو فعل أو قول أو اعتقاد الكفر.
إن عند فك السحر بالسحر أمورًا توجب الكفر؛ كأن يعزم الساحر على الجن الموجود مع المسحور ليتركه، فيقسم بحق أبالسة الشياطين وملوك الجن بأن يخرج، أو يقوم باسترضائه عن طريق القرابين من ذبح وزار في طقوس غريبة شاذة, أو أن يقوم باستحضار شياطين لتبعد شياطين المسحور ويقدم لهم ما يشاءون من الأشياء التي ترضيهم، فيُتَقرب لهم بالذبح وإهانة المصحف بالنجاسات والزنا وشرب المسكرات، ويستخدمون لذلك طلاسم ورقى وتمائم موغلة في الكفر والشرك.
وتلك الرقى المنهي عنها هي التي يستعملها المعزم وغيره ممن يدعي تسخير الجن له، فيأتي بأمور مشتبهة مركبة من حق وباطل، يجمع إلى ذكر الله وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بهم والتعوذ بمردتهم. [2]
فالمعزم الذي يستعين بالجن، ذكره القاضي وأبو الخطاب في جملة السحرة قال: فأما المعزم الذي يعزم على المصروع، ويزعم أنه يجمع الجن، وأنها تطيعه، والذي يحل السحر، فذكرهما أصحابنا من السحرة الذين ذكرنا حكمهم. وسئل ابن سيرين عن امرأة تعذبها السحرة، فقال رجل: أخط خطا عليها، وأغرز السكين عند مجمع الخط، وأقرأ عليها القرآن، فقال محمد: ما أعلم بقراءة القرآن بأسًا على حال، ولا أدري ما الخط والسكين.. وأما من يحل السحر؛ فإن كان بشيء من القرآن، أو شيء من الذكر والأقسام والكلام الذي لا بأس به، فلا بأس به، وإن كان بشيء من السحر، فقد توقف أحمد عنه، قال الأثرم: سمعت أبا عبدالله سئل عن رجل يزعم أنه يحل السحر؟ فقال: قد رخص فيه بعض الناس، قيل لأبي عبدالله: إنه يجعل في الطنجير ماء، ويغيب فيه، ويعمل كذا، فنفض يده كالمنكر وقال: ما أدري ما هذا، قيل له: فترى أن يؤتى مثل هذا يحل السحر؟ فقال: ما أدري ما هذا [3]
فمتى ما كان الذهاب للساحر لفك السحر يترتب عليه قيام الساحر بأمر كفري من قول أو عمل أو اعتقاد، فالحكم هو كفر الذاهب، كما ثبت ذلك بالأدلة، وكما اتضح لنا من بيان العلة.

الأضرار المترتبة على الاستعانة بالساحر لفك السحر

قال ابن تيمية: يكفي المسلم أن يعلم أن الله تعالى لم يحرم شيئًا إلا ومفسدته محضة أو غالبة، وأما ما كانت مصلحته محضة أو راجحة، فإن الله شرعه؛ إذ الرسل بعثت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، والسحر قرن بالشرك؛ قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا** [النساء: 51-52].
وفي الذهاب للسحرة مخالفة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتلهم، ناهيك عن الإقرار للسحر دون الإنكار، وقد أمرنا أن نكفر به وهذا لا يجوز، فكيف إن كان يطلبه، فهذا تعاون على الإثم والعدوان، وهو محرم، والله يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ** [المائدة: 2].
قال شيخ الإسلام: (من حضر إلى مكان فيه منكر لم يستطع تغييره لم يجز له الحضور)، وقال تعالى: {فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ** [النساء: 140]
وقال العلماء: الرضى بالشيء رضى بما يتولد منه، والسحرة قد يكتبون كلام الله بالنجاسات دم أو غيره، وقد يقلبون حروف كلام الله عز وجل، وقد يقولون ما يرضي الشيطان، ويفعلون ما يرضيه من لواط أو زنا أو ذبح، فإذا فعلوا ما ترضاه الشياطين أعانتهم على أغراضهم.

ومن أشد الضرر الترويج لبضاعتهم الكاسدة المزجاة، والعمل على انتشارها، والتقوية لشوكتهم؛ قال د. إبراهيم أدهم: "فتلمع أسماء بعض السحرة وتشتهر، ويزداد الإيمان والتسليم بأقوالهم وقدراتهم، ويزداد نفوذهم في المجتمع، وينظر إليهم نظرة المنقذ والمخلص، وأصحاب الحلول التي لا تخطئ، فيتنفس السحرة الصعداء، ويكشرون عن أنيابهم وأظافرهم، ليبذروا حب الفتنة والفساد في أرض المجتمع الغافل عن نداء السماء".
ناهيك عن تسهيل أكل أموال الناس بالباطل, وإن كثرة التردد عليهم واللجوء لهم وسؤالهم يفتح الأبواب لتسلط جموع الجن والشياطين وتمردهم؛ لأنها لما رأت كثرة خضوع الإنس واستعاذتهم بها وبملوكها لقضاء الحاجات زاد طغيانهم وجورهم على بلاد الإسلام بسبب ضعاف الإيمان الذين يتمسكون بهذه الفتاوى الشاذة.

ومن أعظم البلاء أن الاستعانة بالسحرة والكهنة سبب لبعد القلوب عن فطرها السوية وعقيدتها السليمة، وسبب لدخول الشك في عون الله عند الملمات، ومن الضرر المحض التعلق بغير الله؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تعلق شيئا وكل إليه) رواه النسائي. والتعلق قد يكون في القلب أيضًا, أي التعلق بشيء والاعتقاد أنه قد يجلب نفعًا أو يدفع ضررًا من دون الله. فالساحر يعتقد أنه يشقي ويسعد ويشفي ويمرض بمعاونة الجن و******ات الكواكب، وفي ذلك شرك عظيم..
ومن المفاسد العظمى التي لا تخفى على كل ذي لب: أنه قد يتوسع البعض فيلجؤون إلى الكهان والسحرة في جميع حوائجهم كما كانوا في الجاهلية يفعلون.
ومن البلاء أنه قد يكذب الساحر ويقول كلامًا يكون سببًا في تقطيع الأرحام؛ كأن يقول: سحرك أخوك، أو سحرتك أختك، وهكذا، ويتبع ذلك نشر العداوة والبغضاء والانتقام والحقد والنميمة والكذب والظلم بين الناس.
وإن الضرر لا يزال بالضرر، فصاحب العقيدة السليمة حري به أن يبتعد عن السقوط بيد أمثال أولئك حفظًا لدينه وإبراء لذمته أمام الله.
يقول ابن قدامة: متى لزم من ترتب الحكم على الوصف المتضمن للمصلحة مفسدة مساوية للمصلحة أو راجحة عليها فقيل إن المناسبة تنتفي؛ فإن تحصيل المصلحة على وجه يتضمن فوات مثلها أو أكبر منها ليس من شأن العقلاء لعدم الفائدة..


وأخيرًا وصية لكل مسلم:

انتبه من كل نوم أغفلك = واخشَ ربًّا بالعطايا كفلك
بع له الدنيا بأخرى إنَّ مَن = يشتري الدنيا بأخراه هلك
تابع المختار واسلك نهجَه = فهْو نور من مشى فيه سلك
ثق بمولاك وكن عبدًا له = إن عبدالله في الدنيا ملك
جدد النَّوح على ما قد مضى = من زمانٍ بالمعاصي أثقلك
حاسب النفسَ وعلِّمْها الرضى = بالقضا واعصِ هواها ترض لك
خذ من التقوى لباسا طيبًا = إنها خير لباس يمتلك
داوم الذكرَ لخلاقِ الورى = واترك الأمرَ لمن أجرى الفلك
ذل واخضع واستقم واعبد له = مخلصًا يفتحْ طريقَ الخير لك
روح النفس له واعكف على = بابه فهو الذي قد فضلك
زين الباطنَ بالتقوى كما = تحسن الظاهر تُعطَى أملك
سلم الأمرَ له تسلم فكم = من فتى قد سلم الأمر سلك

وصلى الله وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه واقتفى أثره إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا,,،.

تم بحمد الله هذا البحث المتواضع
والله أعلـم بالصـواب



المراجع
- أبادي, أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم. عون المعبود في شرح سنن أبي داود. دار الكتاب العربي
- أدهم, إبراهيم كمال. السحر والسحرة من منظار القرآن والسنة. دار البشائر الإسلامية.
- ابن باز, عبد العزيز بن عبدالله. حكم السحر والكهانة وما يتعلق بها. وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف. 1423هـ.
- ابن بطال, أبو الحسين علي بن خلف بن عبد الملك. شرح صحيح البخاري. مكتبة الرشد.
- ابن تيمية, شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم. مجموع فتاوى شيخ الإسلام. مكتبة المعارف. المغرب.
- ابن حجر, أحمد بن علي. فتح الباري شرح صحيح البخاري. دار الريان القاهرة.
- ابن حنبل, أحمد بن محمد. مسند الإمام أحمد. دار أحياء التراث العربي.
- ابن العربي, أبو بكر محمد بن عبدالله. أحكام القرآن. دار المعرفة. بيروت.
- ابن قدامة, أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد المقدسي. روضة الناظر وجنة المناظر.
- ابن قدامة , أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد المقدسي. المغني على مختصر الخرقي. دار إحياء التراث العربي.
- ابن كثير, عماد الدين أبو الفداء إسماعيل القرشي. تفسير القرآن العظيم. دار المعرفة بيروت, 1402.
- أبو داود, سليمان بن الأشعث السجستاني. سنن أبي داود.دار إحياء التراث العربي.
- الأشقر, عمر سليمان. عالم السحر والشعوذة. مكتبة الفلاح 1989.
- آل الشيخ, عبد الرحمن بن حسن. فتح المجيد. المكتبة العصرية. بيروت. 1425هـ.
- باأخضر, حياة سعيد عمر. موقف الإسلام من السحر. دار المجتمع. 1995.
- البخاري, أبو عبدالله محمد بن إسماعيل. صحيح البخاري. دار إحياء التراث العربي.
- البغدادي , القاضي عبد الوهاب المالكي. الإشراف على نكت مسائل الخلاف. دار ابن حزم.
- البهوتي, مصور بن يونس الحنبلي. كشاف القناع عن متن الإقناع.
- البورنو, محمد صدقي. الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية. مؤسسة الرسالة 1422هـ.
- الترمذي, أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة. سنن الترمذي. دار إحياء التراث العربي.
- الحكمي, حافظ بن أحمد. معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد.
- الحمود, محمود قاسم. السحر في الشريعة الإسلامية. دار وائل. 2001.
- الذهبي, أبو عبدالله محمد بن أحمد. الكبائر. دار الغد الجديد 1426هـ. مصر.
- الرازي, فخر الدين محمد. أحكام السحر والسحرة في القرآن والسنة. دار الفكر اللبناني.
- الرازي, فخر الدين محمد. التفسير الكبير. دار الفكر 1401.
- السعيدان, وليد بن راشد. مختصر في أصول الفقه.
- السمرقندي, أبو الليث. المهذب (فقه شافعي). دار إحياء التراث العربي.
- السيوطي, الأشباه والنظائر.
- الشربيني, محمد. مغني المحتاج. دار إحياء التراث العربي.
- الشنقيطي, محمد الأمين بن محمد. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. 1403هـ.
- الشيرازي, أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن علي بن يوسف. التبصرة في أصول الفقه.
- الطبري, أبو جعفر محمد بن جرير. جامع البيان في تأويل آي القران. دار إحياء التراث العربي.
- العجرمي, يس أحمد عيد. كشف الستار عن أباطيل العرافين الأشرار. دار الأنصار. القاهرة.
- الفراء, محمد بن الحسين بن محمد. المسائل الفقهية. دار إحياء التراث العربي.
- القرافي, شهاب الدين أحمد بن إدريس. الذخيرة في الفقه المالكي.
- القرافي, الفروق.
- القرطبي, أبو عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري. الجامع لأحكام القرآن, دار إحياء التراث العربي.
- آل مبارك, أبو عبيدة ماهر بن صالح. فتح المغيث في الحسد والسحر ومس إبليس. دار علوم السنة للنشر.1417
- المحلي, جلال الدين أبو عبدالله محمد بن أحمد.شرح الورقات.
- المعاني, أبو البراء أسامه بن ياسين. الصواعق المرسلة للتصدي للمشعوذين والسحرة.
- المعتق, عواد بن عبدالله. حقيقة السحر وحكمه في الإسلام.
- المكي, محمد علي بن حسين. تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية.
- النووي, شرح صحيح مسلم. دار الفكر. 1401هـ.


فهرس الموضوعات
- المقدمة
( الباب الأول )
- تاريخ ظهور السحر
- تعريف السحر
- أنواع السحر
- حكم الساحر
( الباب الثاني )
- مشروعية التداوي في الإسلام
- العلاج المشروع للمسحور
( الباب الثالث )
- القول الراجح في مسألة فك السحر سحر مثله
- شبه وحجج مجيزي فك السحر بالسحر والرد عليها على ضوء الكتاب والسنة وقواعد الفقه وأصوله
- ومما يمكن أن يستدل به على عدم جواز فك السحر بالسحر أمور
- الأضرار المترتبة على الاستعانة بالساحر لفك السحر
- المراجع.

[1]لسان العرب

[2]ابن حجر, فتح الباري, (باب الرقى والمعوذات، ص/196 ,م/10)

[3] ابن قدامة المقدسي, المغني (ج8 ص/154)
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 27-10-2008, 07:13 AM   #16
معلومات العضو
أبو البراء

لموقع ومنتدى الرقية الشرعية - مؤلف ( الموسوعة الشرعية في علم الرقى )
 
الصورة الرمزية أبو البراء
 

 

افتراضي


،،،،،،

بارك الله فيكم أخي الحبيب ومشرفنا القدير ( المشفق ) ، بحث ماتع باتع ، وزادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0
 

 

 

 


 

توقيع  أبو البراء
 
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 27-10-2008, 07:21 AM   #17
معلومات العضو
منذر ادريس
اشراقة ادارة متجددة

Smile

وفيكم بارك الله شيخنا الفاضل والحبيب ابا البراء وقد اصطدت الكتاب من صيد الفوائد فحق لهذا الموقع ان يسمى صيد الفوائد

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 10:27 AM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com