بسم الله الرحمن الرحيم
(( ... التاسع من شهر رمضان ... ))
قال الإمام الواعظ يحيى بن عمار : العلوم خمسة : علمٌ هو حياة الدين وهو علم التوحيد ، وعلمٌ هو قوت الدين وهو العِظة والذكر ، وعلمٌ هو دواء الدين وهو الفقه ، وعلمٌ هو داء الدين وهو أخبار ما وقع بين السلف ، وعلمٌ هو هلاك الدين وهو الكلام . أضاف الذهبي رحمه الله : وعلم الأوائل .
**
قال ابن عثيمين رحمه الله : قال تعالى : " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما * واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما " . استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن الذنوب تحول بين الإنسان وبين العلم ، ثم قال تعالى : " واستغفر الله " ، فدل هذا على أن الاستغفار من أسباب فتح العلم - وهو ظاهر - .
**
قال الشافعي رحمه الله :
شَكوتُ إلى وَكيعٍ سوءَ حفظي . . . فأرشـدني إلى تركِ المعـاصي
وقال اعلمْ بأنَّ العِلمَ فضلٌ . . . وفضـلُ اللهِ لا يُؤتاهُ عاصي
**
من ترك فضول الكلام مُنح الحكمة .
ومن ترك فضول النظر مُنح الخشوع .
ومن ترك فضول الطعام مُنح لذة العبادة .
ومن ترك فضول الضحك مُنح الهيبة .
ومن ترك المزاح مُنح البهاء .
ومن ترك الدنيا مُنح حب الآخرة .
ومن ترك الاشتغال بعيوب غيره مُنح الإصلاح لعيوب نفسه .
**
سمع بعض الملوك أن ملك الروم المجاور له عزم على أن يدخل أرضه ، ويحصر بعض بلاده ، فأراد أن يبعث إليه رسولاً يطلب منه الصلح ، فشاور وزرائه فيمن يبعث إليه ، فأشار عليه كل واحدٍ منهم برجل من كبار خدامه ونبهاء فرسانه ، وسكت منهم واحد ، فقال له الملك : لِمَ سكت ؟ . فقال له : لا أرى أن ترسل واحداً ممن ذكروا . فقال الملك : فمن ترى أن نرسل ؟ . فذكر له رجلاً ليس مشهوراً بنباهة ولا بفصاحة ، فقال له الملك بغضب شديد : أتهزأ بي في مثل هذا ؟ . فقال الرجل : معاذ الله يا مولاي ، ولكنك تريد أن تبعث إليه من ترجو رجوعه مقضي الحاجة . قال الملك : وذلك مرادي . فقال الرجل : إني فكرت ونظرت فلم أجد غير ذلك الرجل ، لأنك وجّهته في كذا فأنجح ، وفي كذا فقضى حاجتك ، وما ذلك إلا ببخته ، لا بفصاحته ولا نباهته ولا شجاعته ! . فقال له الملك : صدقت ! . فأمر بالرجل فأتى ، وأمره أن يأخذ كل ما يحتاج إليه في السفر ، فتزود الرجل وخرج قاصداً بلاد الروم ، فسمع ملك الروم أن رسولاً سيأتيه ، فقال لخدامه : إن هذا الرسول الآتي ، لَهوَ أكبر مَن عند المسلمين ، فإذا وصل فأدخلوه عليّ قبل إنزاله ، فإن فهم عني ما أقول له أنزلته وقضيت حاجته ، وإن لم يفهم عني لم أنزله ، ورددته غير مقضي الحاجة .
فلما وصل الرجل ، أُدخل على ملك الروم ، فلما سلّم عليه ، أشار إليه ملك الروم بإصبعه الواحد إلى السماء ، فأشار ذلك الرجل بإصبعه الواحد إلى السماء وإلى الأرض ! . فأشار الملك بإصبعه الواحد باتجاه وجه الرجل ، فأشار الرجل بإصبعين باتجاه وجه الملك ! . فأخرج الملك زيتونة من تحت بساطه ، وأشار بها إلى الرجل ، فأخرج الرجل بيضة من تحته وأشار بها إلى الملك ! .
فذهل الملك وأسقط بيده ، فأمر بإنزال الرجل وإكرامه ، ثم سأله فيما جاء ، فأخبره الرجل ، فقضى حاجته وصرفه ، فقيل لملك الروم : ما قلت له حتى فهمك وقضيت حاجته ؟ . فقال الملك : ما رأيت أفهم منه ولا أحذق ! . أشرت له بإصبعي إلى السماء أقول له : " الله يعلم ما في السماء " ، فأشار لي بإصبعه إلى السماء والأرض قائلاً لي : " هو في السماء والأرض " . ثم أشرت بإصبعي باتجاهه قائلاً له : " جميع ما ترى من الناس إنما أصلهم واحد وهو آدم " ، فأشار إليّ بإصبعين قائلاً : " أصلهم آدم وحواء " . ثم أخرجت له زيتونة ، أقول له : " انظر ما أغرب حال هذه " ، فأخرج بيضة وقال : " حال هذه أغرب من تلك ، لأنه يخرج من حيوان فهي أعجب " . فلذلك قضيت حاجته .
أما الرجل ، فقد سأله الناس عن هذه الحادثة فقال : والله ما رأيت أثقل روحاً ، ولا أجهل من ذلك النصراني ساعة وصولي إليه ، يقول لي : " آخذك بطرف إصبعي وأرفعك هكذا " ، فقلت له : " أنا أرفعك بإصبعي هكذا ، وأنزلك في الأرض هكذا " !! . فقال لي : " أَخْرِج عينك بإصبعي هكذا " ، فقلت له : " أنا أخرج عينيك الاثنتين بإصبعَيْ هكذا " !! . فقال لي : " ليس معي ما أعطيك إلا هذه الزيتونة بقيت لي من غدائي " ، فقلت له : " يا محروم ، أنا خير منك ، فإني بقي لي من غدائي هذه البيضة ، ودفعتها إليه " ، ففزع مني وقضى حاجتي !! .
**
قال الشاعر :
الموتُ بابٌ وكل الناس داخِلَهُ . . . يا ليت شعري بعد الباب ما الدارُ
الدار جنة خُلدٍ إن عملت بما . . . يُرضي الإله وإن قصَّرت فالنارُ
**
قال بعض الحكماء : مروءة الرجل صدق لسانه ، واحتماله عثرات جيرانه ، وبذل المعروف لأهل زمانه ، وكفّه الأذى عن أباعده وجيرانه .
**
عزل الاسكندر غلاماً كان يشغل عملاً كبيراً ، وولاه أمر عمل آخر حقير . فأتى ذلك الرجل في بعض الأيام ، وقال له : كيف تجد عملك ؟ . فقال : أطال الله بقاء الملك ، الرجال لا تشرف بالأعمال ، بل الأعمال تشرف بالرجال ، وذلك بحسن السيرة والإنصاف ، وإفاضة العدل وتجنب الإسراف . فاستحسن الاسكندر مقاله وأعاده إلى عمله .
**
أرسل رجل ولده ليشتري له حبلاً للبئر ، طوله عشرون ذراعاً ، فوصل الولد إلى منتصف الطريق ثم رجع فقال : يا أبت ، عشرون ذراعاً في عرض كم ؟ . قال الأب : في عرض مصيبتي فيك يا بُنيّ !! .
**
جاء رجل إلى الشعبي فقال : تزوجت امرأة وهي عرجاء ، أفلي أن أردها بالعيب ؟ . فقال الشعبي : إن كنت تريد أن تسابق عليها فلك ردها !! .
**
سُئل أحد الحمقى : ما سميت فرسك ؟ . فقام ففقأ إحدى عينيه وقال : سميته الأعور !! .
**
تعرض رجل أحمق لأحد العقلاء الحكماء ، وأسمعه كلاماً غليظاً ، وأفحش في القول ، فتحلّم عنه وتركه يُنوِّع سبه ولم يجبه بشيء ، فقيل له : لماذا لم تُجبه ؟ . فقال : أرأيت لو عضّك حمار أو رَمَحَك ، أكنت تعضّه أو ترمحه ؟ . قال : لا . فقال الحليم : أرأيت لو نبح عليك كلب أو عضّك ، أكنت تعضّه أو تنبح عليه ؟ . فقال الرجل : لا . فقال الحليم : فإن السفيه إما يكون كالكلب أو كالحمار ، لأنه ما يخْلُ من جهل وأذى وشر ، وكثيراً ما يجتمعان فيه ، فالإبعاد عنه غنيمة لتحصل على السلامة من شره وأذاه .
**
قال الشاعر :
لا تَغْبِطَنَّ أخا الدنيا لِزُخرُفِها . . . ولا لِلذةِ وقتٍ عَجَّلت فَرَحا
فالدهرُ أسرعُ شيءٍ في تَقَلُّبهِ . . . وفِعلهُ بَيِّنٌ للخلقِ قد وضحا
كم شاربٍ عسلاً فيهِ مَنِيَّتُهُ . . . وكمْ تَقَلَّدَ سيفاً مَنْ بهِ ذُبِحا