موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

تم غلق التسجيل والمشاركة في منتدى الرقية الشرعية وذلك لاعمال الصيانة والمنتدى حاليا للتصفح فقط

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام المنابر الإسلامية > منبر علوم القرآن و الحديث

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 08-09-2007, 01:26 PM   #1
معلومات العضو
ابو الفضل

افتراضي ((**هل هناك حديث(سبعون الفا من امتي يدخلون الجنه بدون حساب)**))


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لي سؤال اخواني الاعزاء
هل هناك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بهذا المعنى
سبعون الفا من امتي يدخلون الجنه بدون حساب
الذين لا يرقون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 08-09-2007, 02:14 PM   #2
معلومات العضو
علينا باليقين
راقية شرعية ومشرفة عامة على ساحات الرقية

افتراضي


عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " عُرضت عليّ الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه احد ورأيت سوادا كثيرا يسد الافق فرجوت ان تكون امتي فقيل هذا موسى وقومه ثم قيل لي : انظر فرأي سوادا كثيرا يسد الافق فقيل لي انظر هكذا وهكذا فرأيت سوادا كثيرا يسد الافق فقيل : هؤلاء امتك ومع هؤلاء سبعون الفا يدخلون الجنة بغير حساب . فتفرق الناس ولم يُبيّن لهم فتذاكر اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : اما نحن فولدنا في الشرك ولكن ءامنا بالله ورسوله ولكن هؤلاء هم ابناؤنا . فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " هم الذين لا يتطيرّون ولا يسترقون ولا يكتَوون وعلى ربهم يتوكلون " فقام عكاشة بن محصن فقال : أمنهم أنا يا رسول الله ؟ فقال : " نعم " فقام ءاخر فقال : أمنهم أنا ؟ فقال " سبقك بها عكاشة " .
فهذا من فضل الله تعالى ، نسأل الله أن يدخلنا جنته بلا حساب ولا عذاب إنه سميع قريب مجيب الدعوات .



اخي في الله انقل لكم إجابة شيخنا الفاضل : أبو البراء كاملة ؛ إجابة شافية وافية بحول الله ...


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،

يتساءل البعض السؤال التالي : هل الاسترقاء يقدح في تمام التوكل على الله سبحانه وتعالى أم لا ؟
فيجيب البعض بالإيجاب ، ويجيب البعض الآخر بأن الاسترقاء يقدح في تمام التوكل على الله ، ولتأصيل المسألة تأصيلاً شرعياً أقدم هذا العرض المفصل سائلاً المولى عز وجل القبول والسداد :

إن التوكل أصل لجميع مقامات الإيمان والإحسان ، ولجميع أعمال الإسلام ، ومنزلته كمنزلة الرأس من الجسد 0

قال ابن القيم – رحمه الله - : ( وحقيقة التوكل حال مركبة من مجموع أمور 0 لا تتم حقيقة التوكل إلا بها 0 وكل أشار الى واحد من هذه الأمور ، أو اثنين أو أكثر 0
فأول ذلك : معرفة بالرب وصفاته : من قدرته ، وكفايته ، وقيومته ، وانتهاء الأمور إلى علمه ، وصدودها عن مشيئته وقدرته 0 وهذه المعرفة أول درجة يضع بها العبد قدمه في مقام التوكل 0
الدرجة الثانية : إثبات في الأسباب والمسببات 0
فإن من نفاها فتوكله مدخول 0 وهذا عكس ما يظهر في بدوات الرأي : أن إثبات الأسباب يقدح في التوكل ، وأن نفيها تمام التوكل 0
فاعلم أن نفاة الأسباب لا يستقيم لهم توكل البتة 0 لأن التوكل من أقوى الأسباب في حصول المتوكل فيه 0 فهو كالدعاء الذي جعله الله سببا في حصول المدعو به 0 فإذا اعتقد العبد أن توكله لم ينصبه الله سببا 0 ولا جعل دعاءه سببا لنيل شيء 0 فإن المتوكل فيه المدعو بحصوله : إن كان قد قدر حصل توكل أو لم يتوكل ، دعا أو يدع 0 وإن لم يقدر لم يحصل 0 توكل ايضا أو ترك التوكل 0
الدرجة الثالثة : رسوخ القلب في مقام توحيد التوكل 0
فإنه لا يستقيم توكل العبد حتى يصح له توحيده 0 بل حقيقة التوكل : توحيد القلب 0 فما دامت فيه علائق الشرك ، فتوكله معلول مدخول 0 وعلى قدر تجريد التوحيد : تكون صحة التوكل ، فإن العبد متى التفت إلى غير الله أخذ ذلك الالتفات شعبة من شعب قلبه 0 فنقص من توكله على الله بقدر ذهاب تلك الشعبة ومن ههنا ظن من ظن أن التوكل لا يصح
إلا برفض الأسباب 0
الدرجة الرابعة : اعتماد القلب على الله ، واستناده إليه ، وسكونه إليه 0
بحيث لا يبقى فيه اضطراب من تشويش الأسباب ، ولا سكون إليها 0 بل يخلع السكون إليها من قلبه 0 ويلبسه السكون إلى مسببها 0
وعلامة هذا : أنه لا يبالي بإقبالها وإدبارها 0 ولا يضطرب قلبه ، ويخفق عند إدبار ما يحب منها ، وإقبال ما يكره 0 لأن اعتماده على الله ، وسكونه إليه ، واستناده إليه ، قد حصنه من خوفها ورجائها 0 فحاله حال من خرج عليه عدو عظيم لا طاقة له به 0 فرأى حصنا مفتوحا ، فأدخله ربه إليه 0 وأغلق عليه باب الحصن 0 فهو يشاهد عدوه خارج الحصن 0 فاضطراب قلبه وخوفه من عدوه في هذه الحال لا معنى له 0
الدرجة الخامسة : حسن الظن بالله عز وجل 0
فعلى قدر حسن ظنك بربك ورجائك له 0 يكون توكلك عليه 0 ولذلك فسر بعضهم التوكل بحسن الظن بالله 0
والتحقيق : أن حسن الظن به يدعوه إلى التوكل عليه 0 إذ لا يتصور التوكل على من ساء ظنك به ، ولا التوكل على من لا ترجوه 0 والله أعلم 0
الدرجة السادسة : استسلام القلب له ، وانجذاب دواعيه كلها إليه ، وقطع منازعاته 0
وهذا معنى قول بعضهم : التوكل إسقاط التدبير يعني الاستسلام لتدبير الرب لك 0 وهذا في غير باب الأمر والنهي 0 بل فيما يفعله بك 0 لا فيما أمرك بفعله 0
الدرجة السابعة : التفويض ، وهو روح التوكل ولبه وحقيقته 0 وهو إلقاء أموره كلها إلى الله ، وإنزالها به طلبا واختيارا ، لا كرها واضطرارا 0 بل كتفويض الابن العاجز الضعيف المغلوب على أمره : كل أموره إلى أبيه ، العالم بشفقته عليه ورحمته ، وتمام كفايته ، وحسن ولايته له ، وتدبيره له 0 فهو يرى أن تدبير أبيه له خير من تدبيره لنفسه 0 وقيامه بمصالحه وتوليه لها خير من قيامه هو بمصالح نفسه وتوليه لها 0 فلا يجد له أصلح ولا أرفق من تفويضه أموره كلها إلى أبيه ، وراحته من حمل كلفها وثقل حملها ، مع عجزه عنها ، وجهله بوجوه المصالح فيها ، وعلمه بكمال علم من فوض إليه ، وقدرته وشفقته ) ( مدارج السالكين – باختصار - 123 ، 127 ) 0

والتوكل هو : ( اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة والايقان بأن قضاءه نافذ واتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في السعي فيما لا بد منه من المطعم والمشرب والتحرز من العدو مع عدم الاعتماد على الأسباب والركون إليها ) ( انظر إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض – مخطوطة رقم ( 2714 ) لوحة ( 62 ) وجامع العلوم والحكم لابن رجب – ص ( 409 ) – نقلا عن أحكام الرقى والتمائم - ص 42 ) 0

والتوكل مرتبة سامية من الصعب أن ينالها العبد المسلم ويصل إليها دون الإيمان واليقين ، ودون استشعار قوة الله وقدرته سبحانه ، فمن علم أن الله مالك الملك المتصرف الخالق الرازق المحيي المميت ، لا بد أن يجعل حاجته له وحده دون سائر الخلق 0
قال الله تعالى في محكم كتابه : ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْرًا ) ( سورة الطلاق – الآية 3 ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا وتعود بطانا ) ( صحيح الجامع – 5254 ) 0

قال المناوي : ( " لو أنكم توكلون على الله حق توكله " بأن تعلموا يقينا أن لا فاعل إلا الله وأن كل موجود من خلق ورزق وعطاء ومنع من الله تعالى ، ثم تسعون في الطلب على الوجه الجميل 0 والتوكل إظهار العجز والاعتماد على المتوكل عليه " لرزقكم كما ترزق الطير تغدو خماصا " أي ضامرة البطون من الجوع جمع خميص أي جائع " وتروح " أي ترجع آخر النهار " بطانا " أي ممتلئة البطون جمع بطين أي شبعان أي تغدو بكرة وهي جياع وتروح عشاء وهي ممتلئة الأجواف ، أرشد بها إلى ترك الأسباب الدنيوية والاشتغال بالأعمال الأخروية ثقة بالله وبكفايته ) ( فيض القدير – 5 / 311 ) 0

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وهذا يوضح أن كل خير ونعمة تنال العبد فإنما هي من الله ، وكل شر ومصيبة تندفع عنه أو تكشف عنه فإنما يمنعها الله ، وإنما يكشفه الله ، وإذا جرى ما جرى من أسبابها على يد خلقه ، فالله – سبحانه – هو خالق الأسباب كلها سواء كانت الأسباب حركة حي باختياره وقصده ، كما يحدثه – تعالى – بحركة الملائكة والجن والإنس والبهائم ، أو حركة جماد بما جعل الله فيه من الطبع ، أو بقاسر يقسره كحركة الرياح والمياه ونحو ذلك ، فالله خالق ذلك كله ، فإنه لا حول ولا قوة إلا به ، وما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن فالرجاء يجب أن يكون كله للرب ، والتوكل عليه والدعاء له فإنه إن شاء ذلك ويسره كان وتيسر ولو لم يشأ الناس ، وإن لم يشأه ولم ييسره لم يكن وإن شاءه الناس 0
وهذا واجب لو كان شيء من الأسباب مستقلا بالمطلوب ، فإنه لو قدر مستقلا بالمطلوب وإنما بمشيئة الله وتيسيره - لكان الواجب أن لا يرجى إلا الله ولا يتوكل إلا عليه ، ولا يسأل إلا هو ، ولا يستعان إلا به ، ولا يستغاث إلا هو ، فله الحمد وإليه المشتكى ، وهو المستعان ، وهو المستغاث ، ولا حول ولا قوة إلا به ، فكيف وليس شيء من الأسباب مستقلا بمطلوب ، بل لا بد من انضمام أسباب أخر إليه ، ولا بد أيضا من صرف الموانع والمعارضات عنه ، حتى يحصل المقصود 0
فكل سبب له شريك وله ضد ، فإن لم يعاونه شريكه ولم يصرف عنه ضده لم يحصل سببه ، فالمطر وحده لا ينبت النبات إلا بما ينضم إليه من الهواء والتراب وغير ذلك ، ثم الزرع لا يتم حتى تصرف عنه الآفات المفسدة له ) ( التوكل على الله والأخذ بالأسباب – ابن تيمية – ص 116 ) 0

قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره للآية الكريمة : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) ( سورة الطلاق – جزء من الآية 2 ) :

( أي ومن يتق الله فيما أمره به وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، أي من جهة لا تخطر بباله قال الإمام أحمد – بسند – " عن أبي ذر قال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو هذه الآية :" ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب " حتى فرغ من الآية ثم قال " يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم " " ضعيف ابن ماجة – 926 " ) ( تفسير القرآن العظيم – 4 / 80 ) 0

وحقيقة التوكل على الله : هو صدق اعتماد القلب على الله - عز وجل - في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيـا والآخرة كلها ، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ، ولا يضر ولا ينفع سواه ، قال الحسن البصري إن توكل العبد على ربه أن يعلم أن الله هو ثقته )0
ولا بد للمسلم أن يعلم أن اتخاذ الأسباب المباحة لا يقدح في التوكل ، بل هو الفعل الذي بينه وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت من حديث أنس - رضي الله عنه - في ذلك الأعرابي الذي أهمل عقال ناقته - توكلا كما زعم - حتى ضاعت ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اعقلها وتوكل ) ( صحيح الجامع – 1068 ) 0

قال المناوي : ( " اعقلها " أي شد ركبة ناقتك مع ذراعها بحبل " وتوكل " أي اعتمد على الله ، قاله لمن قال يا رسول الله اعقل ناقتي وأتوكل أم أطلقها وأتوكل ؟ وذلك لأن عقلها لا ينافي التوكل الذي هو الاعتماد على الله وقطع النظر عن الأسباب مع تهيئتها ، وفيه بيان فضل الاحتياط والأخذ بالحزم ) ( فيض القدير – 2 / 8 ) 0

ولا بد تحت هذا العنوان من إيضاح العلاقة بين الرقية الشرعية والتوكل على الله سبحانه ، فبعض أهل العلم قال بأن الرقية تقدح في تمام التوكل ومنهم من قال غير ذلك ، وأستعرض تحت هذا العنوان الأمور الهامة التالية :

* اختلاف العلماء في أن الرقية تقدح في تمام التوكل أم لا :

اختلف العلماء في هذه المسألة إلى قولين :

القول الأول : ذهب الإمام أحمد والخطابي والقاضي عياض والنووي وابن تيمية وغيرهم من العلماء إلى أن الاسترقاء يقدح في تمام التوكل ( انظر : جامع العلوم والحكم لابن رجب ( 411 ) ، وأعلام السنن للخطابي – مخطوطة رقم ( 2894 ) لوحـة ( 396 ) ميكروفيلم ، وإكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض – مخطوطة ( 2714 ) لوحة ( 62 ) ، وشرح النووي لصحيح مسلم ( 3 / 91 ) ومجموع الفتاوى لابن تيمية ( 1 / 182 – 328 ) – نقلا عن أحكام الرقى والتمائم – ص 42 ) 0

القول الثاني : ذهب الطبري والمازري وابن القيم وابن قتيبة وابن عبدالبر والداوودي والقرطبي إلى أن الاسترقاء لا يقدح في تمام التوكل ( انظر : المعلم بفوائد مسلم للمازري – مخطوطة ( 3141 ) – لوحة ( 15 ) والطب النبوي لابن القيم – ص ( 15 ) وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ( 335 ) والتمهيد لابن عبدالبر – 5 / 278 ، وشرح البخاري لابن بطال – مخطوط رقم ( 1110 ) لوحة ( 181 ) والمفهم للقرطبي – مخطوطة – لوحة ( 177 ) وفتح الباري لابن حجر – 10 / 211 – نقلا عن أحكام الرقى والتمائم – ص 43 ) 0

أدلة الفريقين :

استدل الفريق الأول – وهم القائلون بأن الاسترقاء يقدح في تمام التوكل – بما يلي :

1)- عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عرضت علي الأمم ، فرأيت النبي ومعه الرهط ، والنبي ومعه الرجل والرجلان ، والنبي وليس معه أحد ، إذ رفع لي سواد عظيم ، فظننت أنهم أمتي ، فقيل لي : هذا موسى وقومه ، ولكن أنظر إلى الأفق ، فإذا سواد عظيم ، فقيل لي : أنظر إلى الأفق الآخر ، فإذا سواد عظيم ، فقيل لي : هذه أمتك ، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ، هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ، ولا يتطيرون ، ولا يكتوون ، وعلى ربهم يتوكلون ) ( متفق عليه ) 0

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ : ( قال شيخ الإسلام ابن تيمية " ولا يرقون " هذه الزيادة وهم من الراوي ، لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : " ولا يرقون " وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن الرقى : " من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه " " صحيح الجامع - 6019 " ) ( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد - ص 94 ) 0

2)- عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سبعون ألفا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب : هم الذين لا يكتوون 000 ولا يسترقون ، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ) ( صحيح الجامع - 3604 ) 0

قال المناوي : ( " سبعون ألفا من أمتي " يعني سبعون ألف زمرة بقرينة تعقبه في خبر مسلم بقوله زمرة واحدة منهم على صورة القمر " يدخلون الجنة بغير حساب " ولا عذاب بدليل رواية ولا حساب عليهم ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفا " هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون " ليس في البخاري " ولا يسترقون " قال ابن تيمية وهو الصواب وإنما هي لفظة وقعت مقحمة في هذا الحديث وهي غلط من بعض الرواة فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الوصف الذي استحق به هؤلاء دخولها بغير حساب تحقيق التوحيد وتجريده فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم " ولا يتطيرون " لأن الطيرة نوع من الشرك " ) ( فيض القدير - 4 / 92 ) 0

3)- عن ابن عباس ، وعمران بن حصين ، وأبي هريرة - رضي الله عنهم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب ، هم الذين لا يسترقون ، ولا يتطيرون ، ولا يكتوون ، وعلى ربهم يتوكلون ) ( متفق عليه ) 0

قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين : ( أورد بعض العلماء إشكالا على هذا الحديث وقال : إذا اضطر الإنسان إلى القراءة أي أن يطلب من أحد أن يقرأ عليه مثل أن يصاب بعين أو بسحر أو أصيب بجن 000 هل إذا ذهب يطلب من يقرأ عليه يخرج من استحقاق دخول الجنة بغير حساب ولا عذاب ؟
فقال بعض العلماء : نعم هذا ظاهر الحديث وليعتمد على الله وليتبصر ويسأل الله العافية 0
وقال بعض العلماء : بل أن هذا فيمن استرقى قبل أن يصاب أي بأن قال اقرأ علي أن لا تصيبني العين أو أن لا يصيبني السحر أو الجن أو الحمى فيكون هذا من باب طلب الرقية لأمر متوقع لا واقع وكذلك الكي ) ( شرح رياض الصالحين - 2 / 512 ) 0

4)- عن المغيرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله  : ( من اكتوى أو استرقى ، فقد برئ من التوكل ) ( صحيح الجامع - 6081 ) 0

قال المناوي : ( لفعله ما يسن التنزه عنه من الاكتواء لخطره ، والاسترقاء بما لا يعرف من كتاب الله لاحتمال كونه شركا ، أو هذا فيمن فعل معتمدا عليها لا على الله ، فصار بذلك بريئا من التوكل ، فإن فقد ذلك لم يكن بريئا منه ) ( فيض القدير - 6 / 82 ) 0

* أقوال أهل العلم في أن الاسترقاء يقدح في تمام التوكل :

* قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في تعقيبه على حديث ( سبعون ألفا000) : ( فهؤلاء من أمته ، وقد مدحهم بأنهم لا يسترقون ، والاسترقاء أن يطلب من غيره أن يرقيه ، والرقية من نوع الدعاء ، وكان هو صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه وغيره ، ولا يطلب من أحد أن يرقيه ، ورواية من روى في هذا : لا يرقون ضعيفة ، فهذا مما يبين حقيقة أمره لأمته بالدعاء ، أنه ليس من باب سؤال المخلوق الذي غيره أفضل منه 0 فإن من لا يسأل الناس بل لا يسأل إلا الله أفضل ممن يسأل الناس - ومحمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد- آدم ) ( مجموع الفتاوى – 1 / 328 ) 0

* قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( في هذه القصة – يعني قصة سحر الرسول صلى الله عليه وسلم - مسلكي التفويض وتعاطي الأسباب ، ففي أول الأمر فوض وسل لأمر ربه فاحتسب الأجر في صبره على بلائه ، ثم لما تمادى ذلك وخشي من تماديه أن يضعفه عن فنون عبادته جنح إلى التداوي ثم الى الدعاء ، وكل من المقامين غاية في الكمال ) ( فتح الباري – 10 / 228 ) 0

* قال الخطابي : ( المراد من ذلك ( يعني حديث سبعون ألفا 00 ) ترك الاسترقاء على جهة التوكل على الله والرضا بقضائه وبلائه وهذه أرفع درجات المحققين للإيمان ) ( أعلام السنن للخطابي – مخطوطة – لوحة ( 396 ) – نقلا عن أحكام الرقى والتمائم – ص 44 ) 0

* قال القاضي عياض : ( وهذا هو ظاهر الحديث ألا ترى قوله : " وعلى ربهم يتوكلون " ) ( إكمال المعلم – مخطوطة – لوحة ( 62 ) – نقلا عن أحكام الرقى والتمائم – ص 44 ) 0

أدلة الفريق الثاني :

استدل أصحاب هذا القول على أن الاسترقاء لا يقدح في التوكل بما يلي :

1)- لدغت رجلا منا عقرب ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل : يا رسول الله ! أرقى ؟ قال : ( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه ) ( صحيح الجامع - 6019 ) 0

قال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - : ( وفي الحديث استحباب رقية المسلم لأخيه المسلم بما لا بأس به من الرقى ، وذلك ما كان معناه مفهوما مشروعا ، وأما الرقى بما لا يعقل معناه من الألفاظ ، فغير جائز 0 قال المناوي : وقد تمسك ناس بهذا العموم ، فأجازوا كل رقية جربت منفعتها ، وإن لم يعقل معناها ، لكن دل حديث عوف الماضي أن ما يؤدي إلى شرك يمنع ، وما لا يعرف معناه لا يؤمن أن يؤدي إليه ، فيمنع احتياطا 0
قلت : - والكلام للشيخ الألباني – رحمه الله - ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمح لآل عمرو بن حزم بأن يرقى إلا بعد أن اطلع على صفة الرقية ، ورآها مما لا بأس به ، بل أن الحديث بروايته الثانية من طريق أبي سفيان نص في المنع مما لا يعرف من الرقى ، لأنه صلى الله عليه وسلم نهى نهيا عاما أول الأمر ، ثم رخص فيما تبين أنه لا بأس به من الرقى ، وما لا يعقل معناه منها لا سبيل إلى الحكم عليها بأنه لا بأس بها ، فتبقى في عموم المنع فتأمل !
وأما الاسترقاء - وهو طلب الرقية من الغير ، فهو وإن كان جائزا ، فهو مكروه ، كما يدل عليه حديث ( هم الذين لا يسترقون 000 ولا يكتوون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون ) ، متفق عليه ) ( سلسلة الأحاديث الصحيحة - 1 / 2 / 844 ) 0

2)- عن عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال : ( كنا نرقي في الجاهلية ، فقلنا : يا رسول الله كيف ترى في ذلك ؟ فقال : اعرضوا علي رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ) ( صحيح الجامع - 1048 ) 0

قال المناوي : ( " اعرضوا علي رقاكم " جمع رقية بالضم وهي العوذة ، والمراد ما كان يرقى به في الجاهلية ، استأذنوه في فعله فقال " اعرضوها علي " أي لأني العالم الأكبر المتلقي عن معلم العلماء ومفهم الحكماء فلما عرضوا عليه قال " لا بأس بالرقى " أي هي جائزة " ما لم يكن فيه " أي فيما رقي به " شرك " أي شيء يوجب اعتقاد الكفر أو شيء من كلام أهل الشرك الذي لا يوافق الأصول الإسلامية فإن ذلك محرم ومن ثم منعوا الرقى بالعبراني والسرياني ونحو ذلك مما يجهل معناه خوف الوقوع في ذلك ) ( فيض القدير – 1 / 558 ) 0

3)- عن عائشة - رضي الله عنها- قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما لصبيكم هذا يبكي ؟ هلا استرقيت له من العين ) ( صحيح الجامع – 5662 ) 0

4)- عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : ( كان يأمر أن نسترقي من العين ) ( متفق عليه ) 0

قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( أي يطلب الرقية ممن يعرف الرقى بسبب العين ، وفي الحديث مشروعية الرقية لمن أصابه العين ) ( فتح الباري – باختصار – 10 / 201 ) 0

5)- عن أم سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة ، فقال : ( استرقوا لها ، فإن بها النظرة ) ( متفق عليه ) 0

قال البغوي : ( قال إبراهيم الحربي : " سفعة " هو سواد في الوجه ، ومنه سفعة الفرس سواد ناصيته ، وعن الأصمعي : حمرة يعلوها سواد ، وقال ابن قتيبة : لون يخالف لون الوجه ، وقوله : " يعني من الجن " ، وقيل : من الإنس ، وبه جزم أبو عبيد الهروي ، قال الحافظ : والأولى أنه أعم من ذلك ، وأنها أصيبت بالعين ، فلذلك أذن صلى الله عليه وسلم في الاسترقاء
لها ) ( شرح السنة - 12 / 163 ) 0

قال النووي : ( قوله : رأى بوجهها سفعة فقال : " بها نظرة فاسترقوا لها " يعني بوجهها صفرة 0 أما السفعة فبسين مهملة مفتوحـة ثم فاء ساكنة ، وقد فسرها في الحديث بالصفرة ، وقيل سواد ، وقيل : أخذة من الشيطان ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – باختصار – 13 ، 14 ، 15 – 354 ) 0

6)- عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا رقية إلا من عين أو حمة ، أو دم ) ( متفق عليه ) 0

قال البغوي : ( والمراد من " الحمه " سم ذوات السموم ) ( شرح السنة – 12 / 163 ) 0

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ : ( قال الخطابي : ومعنى الحديث 0 لا رقية أشفى وأولى من رقية العين والحمه 0 وقد رقي النبي صلى الله عليه وسلم ورقى ) ( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – ص 91 ) 0

قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( بخصوص حديث عمران بن حصين : وأجيب بأن معنى الحصر فيه أنهما أصل كل ما يحتاج إلى الرقية ، فيلتحق بالعين جواز رقية من به خبل أو مس ونحو ذلك ، لاشتراكهما في كونها تنشأ عن أحوال شيطانية من إنسي أو جني ، ويلتحق بالسم كل ما عرض البدن من قرح ونحوه من المواد السمية ، وقيل المراد بالحصر معنى الأفضل ، أي لا رقية أنفع كما قيل : لا سيف إلا ذو الفقار ) ( فتح الباري – باختصار - 10 / 196 ) 0

قال المناوي : ( " لا رقية إلا من عين أو حمة " أي لا رقية أولى وأنفع من رقية العيون أي المصاب بالعين ومن لا رقية من لدغة ذي حمة والحمه سم العقرب وشبهها وقيل فوعة السم وقيل حدته وحرارته وزاد في رواية أو دم أي رعاف يعني لا رقية أولى وأنفع من الرقية المعيون أو ملسوع أو راعف لزيادة ضررها فالحصر بمعنى الأفضل فهو من قبيل لا فتى إلا علي فلا تعارض بينه وبين الأخبار الآمرة بالرقية بكلمات الله التامات وآياته المنزلات لأمراض كثيرة وعوارض غزيرة وقال بعضهم معنى الحصر هنا أنهما أصل كل ما يحتاج إلى الرقية فيلحق بالعين نحو خبل ومس لاشتراكهما في كونهما تنشأن عن أحوال شيطانية من إنسي أو جني وبالسم كل عارض للبدن من المواد السمية ) ( فيض القدير - 6 / 426 ) 0

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ : ( قال المصنف : عن حصين بن عبد الرحمن ، قال : " كنت عند سعيد بن جبير ، فقال : أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة ؟ فقلت أنا ، ثم قلت : أما أني لم أكن في صلاة ، ولكني لدغت 0 قال : فما صنعت ؟ قلت : ارتقيت 0 قال : فما حملك على ذلك ؟ قلت: حديث حدثناه الشعبي ، قال : وما حدثكم ؟ قلت : حدثنا عن بريده بن الحصيب أنه قال : " لا رقية إلا من عين أو حمة " قال : قد أحسن من انتهى إلى ما سمع 0
قوله : " قد أحسن من انتهى إلى ما سمع " أي من أخذ بما بلغه من العلم وعمل به فقد أحسن ، بخلاف من يعمل بجهل ، أو لا يعمل بما يعلم ، فإنه مسيء آثم 0 وفيه فضيلة علم السلف وحسن أدبهم ) ( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – باختصار – ص 86 ، 91 ) 0

* أقوال أهل العلم في أن الاسترقاء لا يقدح في تمام التوكل :

* قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( وأما الرقية فتمسك بهذا الحديث من كره الرقى والكي من بين سائر الأدوية وزعم أنهما قادحان في التوكل دون غيرهما ، وأجاب العلماء عن ذلك بأجوبة :
1)- أحدها قاله الطبري والمازري وطائفة : أنه محمول على من جانب اعتقاد الطبائعيين في أن الأدوية تنفع بطبعها كما كان أهل الجاهلية يعتقدون ، وقال غيره : الرقى التي يحمد تركها ما كان من كلام الجاهلية ، ومن الذي لا يعقل معناه لاحتمال أن يكون كفرا ، بخلاف الرقى بالذكر ونحوه 0 وتعقبه عياض وغيره بأن الحديث يدل على أن للسبعين ألفا مزية على غيرهم وفضيلة انفردوا بها عمن شاركهم في أصل الفضل والديانة ، ومن كان يعتقد أن الأدوية تؤثر بطبعها أو يستعمل رقى الجاهلية ونحوها فليس مسلما فلم يسلم هذا الجواب 0
2)- ثانيها قال الداوودي وطائفة : أن المراد بالحديث الذين يجتنبون فعل ذلك في الصحة خشية وقوع الداء ، وأما من يستعمل الدواء بعد وقوع الداء به فلا 0 وهذا اختيار عبد البر ، غير أنه معترض بما قدمته من ثبوت الاستعاذة قبل وقوع الداء 0
3)- ثالثها قال الحليمي : يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المذكورين في الحديث من غفل عن أحوال الدنيا وما فيها من الأسباب المعدة لدفع العوارض ، فهم لا يعرفون الاكتواء ولا الاسترقاء ، وليس لهم ملجأ فيما يعتريهم إلا الدعاء والاعتصام بالله ، والرضا بقضائه ، فهم غافلون عن طب الأطباء ورقى الرقاة ولا يحسنون من ذلك شيئا 00 والله أعلم 0
4)- رابعها أن المراد بترك الرقى والكي الاعتماد على الله في دفع الداء والرضا بقدره ، لا القدح في جواز ذلك لثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة وعن السلف الصالح لكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الأسباب وإلى هذا نحا الخطابي ومن تبعه ) ( فتح الباري – باختصار – 10 / 211 ، 212 ) 0

* وقال الحافظ ايضا : ( والحق أن من وثق بالله ، وأيقن أن قضاءه عليه ماض ، لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب اتباعا لسنته وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم 0 فقد ظاهر – صلى الله عليه وسلم في الحرب بين درعين ، ولبس على رأسه المغفر – أي القلنسوة - وأقصد الرماة على فم الشعب ، وخندق حول المدينة ، وأذن في الهجرة إلى الحبشة والمدينة ، وهاجر هو ، وتعاطى أسباب الأكل والشرب ، وادخر لأهله قوتهم ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء ، وهو كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك ، وقال للذي سأله ، أعقل ناقتي ، أو أدعها ، قال :" اعقلها وتوكل " " صحيح الجامع – 1-68 " ) ( فتح الباري - 10 / 212 ) 0

قال ابن القيم - رحمه الله - : ( وفي الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي ، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع داء الجوع ، والعطش ، والحر ، والبرد بأضدادها ، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا ، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل ، كما يقدح في الأمر والحكمة ، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل ، فإن تركها عجزا ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه ، ودفع ما يضره في دينه ودنياه ، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب ، وإلا كان معطلا للحكمة والشرع ، فلا يجعل العبد عجزه توكلا ، ولا توكله عجزا ) ( الطب النبوي – ص 15 ) 0

وقال – رحمه الله - في موضع آخر : ( فإن قيل : فما تقولون في الحديث الذي رواه أبو داوود :" لا رقية إلا من عين ، أو حمة " والحمه : ذوات السموم كلها 0
فالجواب أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد به نفي جواز الرقية في غيرها ، بل المراد به : لا رقية أولى وأنفع منها في العين والحمه ، ويدل عليه سياق الحديث ) ( الطب النبوي - 175 ) 0

وقال أيضا : ( لا يتجه هذا الاعتراض لما سبق من الجمع بين الحديثين ، وذلك لأنه أي الاعتراض بني على أن نفي الاعتقاد بنفع الرقية وضرها ، على ما كان في الجاهلية من صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب وحدهم ، وليس هذا المنهي مرادا فيما تقدم من الجمع ، أي أن هذا ليس صفة الذين يدخلون الجنة بغير حساب خاصة ، وإنما المقصود أنهم يتجنبون الرقية بصورتها الشركية ، أعني التي تقوم على الاعتقاد بأنها تنفع وتضر من دون الله ، أو كانت من صيغ الجاهلية ، شأن غيرهم من المسلمين في هذا الأصل ، وما يشعر به الحديث من مزيتهم وفضلهم على غيرهم ، يمكن أن يرجع إلى رقي درجتهم في التوكل على الله 0 وهي الدرجة التي لا يلتفت فيها العبد بقلبه إلى الأسباب كلية ، وإن باشرها بجوارحه ) ( مدارج السالكين - 2 / 115 ) 0

* قال النووي : ( وأما قولهم في الرواية الأخرى : " يا رسول الله ، إنك نهيت عن الرقى " فأجاب العلماء عنه بأجوبة :
أحدها : كان نهياً أولاً ثم نسخ ذلك وأذن فيها وفعلها ، واستقر الشرع على الإذن 0
والثاني : أن النهي عن الرقى المجهولة كما سبق 0
الثالث : أن النهي لقوم كانوا يعتقدون منفعتها وتأثيرها بطبعها ، كما كانت الجاهلية تزعمه في أشياء كثيرة 0
وأما قوله في الحديث الآخر : " لا رقية إلا من عين أو حمة " 0 فقال العلماء : ثم يرو به حصر الرقية الجائزة فيها ومعها فيما عداهما ، وإنما المراد لا رقية أحق وأولى من رقية العين والحمة لشدة العذر فيها ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 ، 14 ، 15 / 341 ) 0

* قال ابن الأثير : ( هذا الحديث – رواية البخاري – عن عمران بن الحصين تخص رقية العين ، والحمة لا يمنع جواز الرقية من غيرها من الأمراض لأنه ثبت أن رقى بعض أصحابه من غيرهما ، وإنما معناه : لا رقية أولى وأنفع من رقية العين والسم ) ( جامع الأصول – 7 / 556 ) 0

* وذهب ابن قتيبة وابن عبد البر وغيرهم : ( إلى أن الرقى التي يحمد تركها هو ما كان من كلام الجاهلية أو من الذي لا يعقل معناه لاحتمال أن يكون فيه كفر ) ( تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة – ص 335 ، والتمهيد لابن عبدالبر – 5 / 278 ) 0

* قال القرطبي : ( أن المراد هو اجتناب رقى خارجة عن الرقى الجائزة والممنوعة ، فالرقى الجائزة كالرقى بأسماء الله ، والرقى الممنوعة كالرقى بما فيه شرك ) ( المفهم للقرطبي – مخطوطة – لوحة 177 – نقلا عن أحكام الرقى والتمائم – ص 46 ) 0

* قال المناوي : ( والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب ، وكذا تجنب المهلكات والدعاء بطلب العافية ودفع المضار وغير ذلك ) ( فيض القدير - 2 / 228 ) 0

* قال الشوكاني : ( يمكن أن يجمع بحمل الأحاديث الدالة على ترك الرقية على قوم كانوا يعتقدون نفعها وتأثيرها بطبعها كما كانت الجاهلية يزعمون في أشياء كثيرة ) ( نيل الأوطار - 3 / 292 ) 0

* قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ : ( وأعلم أن الحديث لا يدل على أنهم لا يباشرون الأسباب أصلا ، فإن مباشرة الأسباب في الجملة أمر فطري ضروري ، لا انفكاك لأحد عنه ، بل نفس التوكل : مباشرة لأعظم الأسباب كما قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) ( سورة الطلاق – الآية 3 ) أي كافيه 0 وإنما المراد أنهم يتركون الأمور المكروهة مع حاجاتهم إليها ، توكلا على الله تعالى ، كالاكتواء والاسترقاء ، فتركهم له لكونه سببا مكروها ، لا سيما والمريض يتشبث - فيما يظنه سببا لشفائه - بخيط العنكبوت 0
وأما مباشرة الأسباب والتداوي على وجه لا كراهة فيه ، فغير قادح في التوكل 0 فلا يكون تركه مشروعا ، لما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا " ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء ، علمه من علمه ، وجهله من جهله " " متفق عليه " ) ( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – ص 96 ، 97 ) 0

* سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - حفظه الله – السؤال التالي : ( هل الرقية تنافي التوكل ؟ )

فأجاب : التوكل هو صدق الاعتماد على الله عز وجل في جلب المنافع ودفع المضار ، مع فعل الأسباب التي أمر الله بها ، وليس التوكل أن تعتمد على الله بدون فعل الأسباب ، فإن الاعتماد على الله بدون فعل الأسباب طعن في الله عز وجل وفي حكمته تبارك وتعالى ، لأن الله تعالى ربط المسببات بأسبابها 0 وهنا سؤال من أعظم الناس توكلا على الله ؟
الجواب هو الرسول – عليه الصلاة والسلام – وهل كان يعمل الأسباب التي يتقي بها الضرر ؟ الجواب نعم ، كان إذا خرج إلى الحرب يلبس الدروع ليتوقى السهام ، وفي غزوة أحد ظاهر بين درعين أي لبس درعين كل ذلك استعدادا لما قد يحدث ، ففعل الأسباب لا ينافي التوكل إذا اعتقد الإنسان أن هذه الأسباب مجرد أسباب فقط لا تأثير لها إلا بإذن الله تعالى ، وعلى هذا فالقراءة قراءة الإنسان على نفسه 0 وقراءته على اخوانه المرضى لا تنافي التوكل وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرقي نفسه بالمعوذات ، وثبت أنه كان يقرأ على أصحابه إذا مرضوا 0 والله أعلم ) ( فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين - 1 / 141 ، 142 ) 0

* قال فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – حفظه الله - : ( والرقية لا تنافي القدر ولا تدفعه ، بل هي من قدر الله تعالى ، فإن الله عز وجل كما قدر المسببات قدر الأسباب ، وكما قدر النتائج قدر المقدمات ، فهو يقدر أن هذا المريض يشفى بتناوله للدواء الملائم ، وهذا يشفى برقية رجل صالح ، وذلك بأسباب يتخذها ، فهذا كله من قدر الله تعالى 0
والمؤمن الفقيه في دينه هو الذي يدفع الأقدار بعضها ببعض ، كما أمر الله تعالى وشرع ، فهو يدفع قدر الجوع بتناول الغذاء ، وقدر العطش بشرب الماء ، وقدر الداء بتعاطي الدواء ) ( موقف الإسلام من الإلهام والكشف والرؤى ومن التمائم والكهانة والرقى – ص 155 ) 0

* قال الدكتور علي بن نفيع العلياني : ( فالحاصل أن التداوي بالرقى من كتاب الله ، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتنافى مع التوكل ، لأن الله - عز وجل - جعل الرقى سببا في دفع مكروهات كثيرة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وقد تواتر فعل الرسول صلى الله عليه وسلم للرقية وإقراره لغيره من صحابته - رضوان الله عليهم - وتعاطي الأسباب التي جعلها الله أسبابا بنصوص الوحي لا يقدح في التوكل إذا كان الاعتماد على الله لا على السبب ) ( الرقى على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة – ص 33 ، 34 ) 0

* قال الدكتور عمر يوسف حمزة : ( اختلف العلماء في حكم التداوي على عدة أقوال ، لا أريد أن أذكرها لأن المقام لا يسمح بذلك ، ولكن أذكر أرجحها 0
القول الأول : أن التداوي مستحب وأن فعله أفضل من تركه ، وبه قال الشافعية وجمهور السلف وعامة الخلق ، وقطع به ابن الجوزي وابن هبيرة وهو قول الحنفية والمالكية 0 واحتج هؤلاء لرأيهم بما وقع في أحاديث كثيرة من ذكره لمنافع الأدوية والأطعمة كالحبة السوداء والقسط والصبر وغير ذلك ، واستدلوا بحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لم ينزل داءً إلا أنزل له شفاءً " ( متفق عليه ) 0
والقول الثاني : يقول بوجوب التداوي ، والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى خلق الداء والدواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام" ( صحيح الجامع - 1762 ) 0
وخلاصة القول : فإن التداوي واجب وذلك للأدلة الكثيرة الواردة في القرآن والسنة، والتي يفيد ظاهرها الأمر وأقل مراتب الأمر الاستحباب ) ( التداوي بالقرآن والسنة والحبة السوداء - ص 13 ) 0

* خلاصة بحث هذه المسألة :

والذي أراه راجحا في هذه المسألة هو القول الثاني الذي يوضح أن الرقية لا تقدح في تمام التوكل على الله سبحانه وتعالى ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم رقى نفسه وغيره وأقر الصحابة على فعلهم لهذا الأمر 0

وقد رأيت البعض ممن يعرض عن طلب الرقية الشرعية لنيل الدرجة الرفيعة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ( سبعون ألفا 000 ) وللإجابة عن ذلك أقول وبالله التوفيق :

إن المتتبع للنصوص الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال أهل العلم في هذه المسألة من حيث الكيفية في التوفيق بين أحاديث الرقية وجوازها أو قدحها للتوكل واضحة بينة ، وقد أشرت آنفا بأن الراجح من أقوال أهل العلم هو طلب الرقية وأنها لا تقدح في تمام التوكل على الله سبحانه وتعالى ، وأما طلب الرقية من عدمه فهذا يعتمد على حال الشخص وارتباطه بخالقه سبحانه وتعالى ، ومن هنا كان لا بد من إلقاء نظرة عامة لمفهوم الإيمان وأركانه لعلاقته بهذا الموضوع ، فأركان الإيمان معلومة ، حددها الشرع وبين معالمها ، وقد أوضح سلف الأمة المفهوم العام الشامل لذلك ، وفسروا الإيمان على أنه قول ، وعمل ، يزيد ، وينقص ، فهو : قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح ، فقول القلب : اعتقاده وتصديقه ، وقول اللسان : إقراره ، وعمل القلب : تسليمه وإخلاصه ، وإذعانه ، وحبه وإرادته للأعمال الصالحة ، وعمل الجوارح : فعل المأمورات ، وترك المنهيات ، وبناء عليه يتضح أن للإيمان مراتب مختلفة ، تعتمد بمجملها على واقع الشخص الإيماني ومدى ارتباطه وتعلقه بخالقه سبحانه 0
وهذا المفهوم يعطي المسلم فرصة الارتقاء بنفسه لمرتبة سامية رفيعة من مراتب الإيمان ، بأخلاقياته وسلوكه ، ويترتب على ذلك توكل واعتماد ويقين بالخالق سبحانه ، فالواقع الذي يعيشه المسلم هو الذي يحدد ذلك ويؤصله 0

ولا بد من النظر في نفس المسلم وما يحمله في ثنايا قلبه ولسانه وجوارحه من مظاهر وأخلاقيات ويزن ذلك بميزان الشريعة ، ويجب أن لا تقتصر هذه النظرة إلى نواح إيمانية معينة ، دون القياس الشامل لكافة النواحي ، وأن يكون واقعيا في ذلك القياس 0

وترى اليوم الواقع الإيماني الذي يعيشه البعض يرثى له ، فهو غارق في المعاصي ، بعيد عن الطاعات ، قد ابتلي بمرض من الأمراض التي تصيب النفس البشرية من حسد أو عين أو سحر أو مس ، ومع ذلك يمتنع عن الرقية ، وبسؤاله عن سبب ذلك ، يجيب قائلا : أريد أن أكون من السبعين ألفا ، وقول ذلك يعتبر فهما خاطئا لشرح هذا الحديث ، لأن الواقع الذي يعيشه هؤلاء السبعون ألفا واقع إيماني عظيم جعل لهم هذا الشرف العظيم وهذه المنزلة الرفيعة 0

قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – حفظه الله - أي لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم لما يلي :-
1- لقوة اعتمادهم على الله 0
2- لعزة نفوسهم عن التذلل لغير الله 0
3- ولما في ذلك من التعلق بغير الله ) ( القول المفيد على كتاب التوحيد - 1 / 97 ) 0

إن الواقع الذي نعيشه اليوم قد ابتعد كثيرا عن منهج الكتاب والسنة ، فظهر الزيغ والبدع والضلال ، وقد ثبت من حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه – أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يكون بعدهم قوم يخونون ولا يؤتمنون ، ويشهدون ولا يستشهدون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السمن ) ( متفق عليه ) وهذا الكلام لا يعني مطلقا عدم ارتقاء البعض إلى هذه المرتبة العظيمة من مراتب الإيمان ، ولكنهم قلة اختصهم الله بذلك لطهارة قلوبهم ونقاء سريرتهم 0
فالواجب يحتم على المسلم إن رأى الحاجة للرقية أن يبدأ أولا برقية نفسه بالرقية الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة ، وأن يلجأ لذوي المعتقد والمنهج الصحيح ممن يتوسم فيهم الخير والصلاح ، وأن يعلم أن ذلك من الأسباب المباحة المشروعة التي لا تقدح في التوكل والاعتماد على الله سبحانه وتعالى ، كما هو الراجح من أقوال أهل العلم 0

ومما لا شك فيه أن حرص المسلم على أن يكون من زمرة السبعين ألفا المشار إليها آنفا ، وعدم مراجعة الطبيب المعالج ، أو اللجوء للرقية الشرعية ، ومن ثم التضجر والتسخط نتيجة للمعاناة والألم والنصب والتعب ، يورث إثما عظيما ، ويوجب مساءلة أمام الله عز وجل - مع إمكانية اللجوء لتلك الأسباب الحسية المباحة ، وكذلك الأسباب الشرعية وبذلك ينال الأجر بإذن الله تعالى ، لسلوكه المسلك الشرعي ، واتخاذ كافة الأسباب الداعية للعلاج والشفاء بإذن الله تعالى ، مع الاعتقاد أن الشفاء من الله سبحانه وتعالى وحده ، والله تعالى أعلم 0

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0

أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني

التعديل الأخير تم بواسطة علينا باليقين ; 08-09-2007 الساعة 02:25 PM.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 08-09-2007, 02:25 PM   #3
معلومات العضو
@ كريمة @
إشراقة إدارة متجددة

افتراضي

بارك الله فيك اخي و نسال الله ان ينفعنا و اياك بالعلم الثابث كما يمكنكم الاستفادة من هذا الرابط لتصحيح الاحاديث و بارك الله في مشرفتنا القديرة علينا باليقين على هذا النقل القيم

http://arabic.islamicweb.com/Books/albani.asp


http://www.dorar.net/mhadith.asp
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 08-09-2007, 02:42 PM   #4
معلومات العضو
علينا باليقين
راقية شرعية ومشرفة عامة على ساحات الرقية

افتراضي

السؤال :
ما شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون"؟

المفتي: محمد الحسن ولد الددوالإجابة:
إن: "لا يرقون" هذه الجملة من هذا الحديث شاذة فهي غير صحيحة، وعلى ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عُرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرهيط، والنبي وليس معه أحد، حتى رأيت سواداً عظيماً، فقلت: هؤلاء أمتي، فقيل: لا هذا موسى وأمته، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم قد سدَّ الأفق، فقيل: هؤلاء أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة من غير حساب ولا عذاب"، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بيته، فاختلف أصحابه في هؤلاء، فقالت طائفة منهم هم الذين ولدوا في الإيمان ولم تسبق عليهم سابقة الشرك، وقال آخرون: هم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاهدوا معه، فدخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم عن حوارهم فذكروا هذا، فقال: "هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون"، وهذا الحديث فيه بيان لمنزلة من منازل أهل الإيمان هي حق التوكل على الله سبحانه وتعالى.
والتوكل لا ينافي الأسباب، ولذلك فالقاعدة الشرعية في الأسباب أن التوكل عليها شرك وأن تركها معصية، فالتوكل على الأسباب شرك بالله: **وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ**، وترك الأسباب تعطيل للشرع فهو حرام، فيجب على الإنسان أن يتسبب: فإذا رأى جداراً سيسقط عليه يجب عليه الهرب، وإذا رأى سيارة تتجه إليه فيجب عليه الهرب، ومع ذلك يؤمن بأنه قد رفعت الأقلام وجفت الصحف عما هو كائن، وأن الهرب لا ينجي: **أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ**، لا بد أن يوقن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه.
ومن هنا فالناس في التوكل على درجات:
منهم من يقتنع به في عقله، ولكنه لا يطبقه في أمره، فهو يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كُتب له لكن لا يتذكر ذلك إلا بعد الإصابة.
ومنهم من يتذكر ذلك قبل الإصابة فيجده واقعاً لديه، ولكنه لا يحبه لا يربطه بالله تعالى، فهو يرى أنه إجبار وإكراه، وهؤلاء معترضون على الديان سبحانه وتعالى في حكمه.
ومنهم من يعلم أن الله قدر الأمور كلها وكتب مقاديرها، وأنها تجري على وفق ما أراد الله لها بمراتب القدر الأربع، التي يجب الإيمان بها، وهي علم الله السابق بجميع الأشياء إجمالاً وتفصيلاً وكتابته لكل ذلك في الصحف التي عنده فوق عرشه، وتوزيعه لذلك على الزمن، وتنفيذه لذلك على وفق ما أراد فهذه أربع مراتب، هي مراتب القدر: اثنتان منها قديمتان وهما العلم السابق والكتابة السابقة، وهما المذكورتان في قول الله تعالى: **وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ**، والمرحلتان اللاحقتان محدثتان: وهما تزمينه أو توزيعه على الزمن، كالفرق في ليلة القدر، وقد قال الله تعالى: **فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا**، وكما يكتب مع كل جنين في بطن أمه يكتب معه رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فكل ذلك محدث لأنه مرتبط بالمخلوق، وكل ما ارتبط بالمخلوق فهو مخلوق مثله محدث، والمرتبة الرابعة محدثة كذلك وهي تنفيذ ذلك على وفق الزمن، فجلستنا هذه علمها الله قبل خلق الكون بكل ما فيها من التفاصيل، ثم كتبها قبل أن يخلق الكون في الصحف التي عنده فوق عرشه، ثم كتبها في اللوح المحفوظ في هذا العام أنها ستقع في ليلة القدر من هذا العام، ثم نفذها الآن على وفق ما علم لا يختلف فيها شيء عما أراده الله، ولذلك فإن التوكل على الله سبحانه وتعالى يقتضي الاتصال به ومحبته والأنس به، وأن يعلم الإنسان أن تصرفه في الكون هو الحكمة، فالله عز وجل هو ذو الحكمة البالغة: **لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ**، فكل تصرف في هذا الكون فهو الحكمة وهو المصلحة.
ومن اعترض عليه فلا يضر إلا نفسه ولا يمكن أن يؤثر في قدر الله النافذ الماضي، بل إنما يتأذى هو ويتأثر ولا يرد شيئاً من قدر الله عز وجل، كذلك فإن التوكل على الله سبحانه وتعالى بعد حصول أصله يتفاوت الناس فيه، فمنهم من يكون توكله مرتبطاً بالأخذ بالأسباب كلها، فهو متوكل في باطن أمره، ولكنه يباشر الأعمال كلها، فلا يترك علاجاً لمرض إذا أصيب به، بل يأتي على كل أنواع العلاجات حتى لو كانت غير محبوبة شرعاً أو طبعاً، وهذا لا ينافي التوكل ولكنه مستوى ناقص فيه، والمستوى الأعلى من هذا أن يأخذ الإنسان بالمجزئ المسقط للتكليف في الأسباب ويترك بقيتها فلا يمكن أن يتتبع الأسباب كلها، إذا طلب الرزق يجمل في الطلب ولا يطلبه بخسائس الأمور وما كان دنيا منها، وإذا طلب العلاج من مرض طلبه كذلك بالأسباب إما الشرعية وإما الكونية.
والأسباب تنقسم إلى قسمين إلى أسباب شرعية كالصدقة وصلة الرحم والدعاء فهذه أسباب شرعية لا يمكن أن تخضع للتجربة، وإنما جاء الوحي بها فعرفنا أنها كذلك، كما أخبر الله بها ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأسباب كونية وهي ما يخضع للتجربة كالعلاج بأنواع العقاقير والحبوب ونحوها فهذه أسباب كونية يجربها الناس فما أصابوا في تجربتهم ووافق القدر نفع، وما أخطأوا في تجربته لم ينفع، وما أصابوا في تجربته لكنه لم يوافق القدر لم ينفع أيضاً، فلذلك الذين يصلون إلى المستوى العالي من التوكل يباشرون الأسباب ولكن لا يتعمقون فيها، فإذا أرادوا الاكتساب وجمع المال لم يكتسبوا بالتعب الشديد ولا بإضاعة الوقت كله في ذلك، وأجملوا في الطلب، ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب"، والإجمال في الطلب يقتضي أن لا يتعب الإنسان نفسه بأن تكون الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه مشغولاً فيها بالليل والنهار، لا بد أن يأخذ لنفسه راحة وأن يجعل من وقته وقتاً للاكتساب نعم لكن لديه وقت آخر للعبادة، ووقت آخر للتعلم ووقت آخر لراحة بدنه وحقوق نفسه، هذه الأمور لا بد منها.
ولذلك فإن هؤلاء القوم فُضِّلوا: ومع ذلك ذكر تركهم لبعض الأسباب لأنها ليست من الإجمال في الطلب، وهذه الأسباب منها أنهم "لا يسترقون"، أي لا يسألون غيرهم أن يرقيهم، ومنها أنهم "لا يكتوون"، فالكي بالنار من الأشفية، هو دواء فعلاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أشفية أمتي في ثلاث، في شربة عسل أو شرطة محجم أو لذعة من نار وما أحب أن أكتوي"، وصح عنه صلى الله عليه وسلم كذلك أنه ذكر أن شفاء الرأس في الحجامة، وأن شفاء البطن في العسل، وأن شفاء الرجلين في الخضاب، والخضاب الحناء، فهذه أشفية ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم وهي صحيحة، وإذا قدر الله سبحانه وتعالى اجتماعها بالمرض الذي هي شفاء له فإن الله يشفي ذلك المرض بها، ولكن مع ذلك بعضها ليس من الإجمال في الطلب ومنه الكي، بخلاف الحجامة فهي من الإجمال في الطلب، فقد احتجم النبي صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة فأعطاه صاعاً من تمر، ومع ذلك فالاكتساب بالحجامة ليس من الإجمال في الطلب، أن يكون الإنسان حجاماً يأخذ على ذلك أجراً ليس هذا من الإجمال في الطلب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كسب الحجام خبيث"، كسبه أي ما يأخذه من الناس في مقابل حجامته خبيث، لأن هذا من العمل السهل ولا ينبغي للإنسان أن يأخذ عليه أجراً، فالأعمال السهلة الميسورة ينبغي للإنسان أن يتصدق بها من بدنه فهي من زكاة البدن، ومثلها الرقى ونحوها الرقى الشرعية ونحوها فينبغي للإنسان أن يجعلها صدقة من بدنه وأن لا يأخذ عليها أجراً إلا في حق من كان من البخلاء الذين لا ينفقون أبداً فيمكن أن يأخذ منهم وإذا أخذ لم يختص هو بذلك بل جعله ملكاً عاماً للمسلمين، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنهم خرجوا في غزاة فنزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فلم يضيفوهم من البخل، قال: فهش سيدهم أي نهش لسعته حية، فقالوا: إن سيدنا قد نهش فهل معكم شيء مما جاء به هذا الرجل؟ -يقصدون القرآن- هل معكم شيء من القرآن؟ قال: فقام إليهم شاب منا والله ما كنا نأبنه بذلك -أي ما كنا نظنه بالرقية- فقال: قد تضيفناكم فلم تضيفونا فلا نرقيكم إلا بأجرة، فجعلوا له قطيعاً من الغنم، فقام إليه فجعل يقرأ بسورة الحمد ويجمع بصاقه أو بزاقه ثم ينفثه عليه فقام كأنما نشط من عقال، فأعطوه الغنم، فاستاقها، فقال: على رسلكم حتى نقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اقسموها واجعلوا لي سهما"، وقال: "وما يدريك أنها رقية"، وهنا أمرهم أن يقسموها وأن يجعلوا له سهماً، فدل هذا على أنها أصبحت ملكاً عاماً لهم، لأن الغزاة المجاهدين في سبيل الله عملهم عمل مشترك.
فما كان منه فيه مخاطرة يجب تخميسه: خمسه لله، وأربعة أخماس للغزاة المجاهدين، وما كان من غير مخاطرة أو مغامرة فهو للمجاهدين أنفسهم يقسمونه بينهم، فلذلك عملهم مشترك، وهذا النوع هو أصل في التشريع لنوع من أنواع الشركة، وهو شركة العمل، إذا كان العمل من جنس واحد أو كان متلازماً فما كان من الجنس الواحد كالكتبة الذين يكتبون أو نحوهم، وما كان من جنس متلازم كالحافر الذي يحفر في قعر البئر، والرافع الذي يرفع عنه التراب، أو كالذي يذيب الذهب والذي يصوغه فعملهما متلازم فيجوز لهما الاشتراك في العمل، ويكون الكسب بينهما على قدر ما اتفقا عليه في شركتهما، والنبي صلى الله عليه وسلم بهذا لم ينه عن الكي ولا نهى عن الرقية، بل قد جاء إثبات ذلك في أحاديث أخرى، ولكن اقترن ذلك هنا في هذا الحديث بالتطير والتطير حرام، فقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى كقوله صلى الله عليه وسلم: "الطيرة من عمل الجاهلية"، وكذلك في قوله: "أمران من أمر الجاهلية في أمتي وهما بهم كفر: الطيرة والطعن في الأنساب"، فجعل الطيرة إذن من الشرك وهي من الشرك لكنها تختلف باختلاف مراتب صاحبها، فقد تكون من الشرك الأكبر كمن ظن أنها مؤثرة، إذا خرج الإنسان فلقي أعور أو مشلولاً أو رأى ما يكره فقطع عمله من أجل ذلك وهو يظن أنه مؤثر فيه، أو قال: ما أصبت بكذا إلا من أجل فلان، فهذا النوع هو من الطيرة التي هي شرك أكبر، لأن صاحبها يعتقد التأثير للمخلوق وأنه ينفع ويضر من غير إذن الخالق، وأما النوع الثاني وهو إذا كان المتطير يكره ذلك في نفسه ولكنه لا ينسب له التأثير فهذا من الشرك الأصغر ليس كفراً ولا مخرجاً من الملة ولكنه حرام، والشرك الأصغر محرم ولكنه لا يخرج من الملة، ومن هنا يعلم أن قوله: "لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون" الدلالة بينها دلالة اقتران فلا تدل على تحريم هذه الأمور، وإنما عرف تحريم الطيرة من الأحاديث الأخرى، فتبقى هذه الأمور مباحة ولكن المباح بعضه مرغوب عنه، كثير من المباحات مرغوب عنها شرعاً، ومن هنا فهؤلاء القوم لهم فضل لا محالة لأنهم يدخلون الجنة من غير حساب ولا عذاب، ولكن مع ذلك ليسوا أفضل هذه الأمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قطعاً ليس منهم، لأنه رآهم، قيل له: هؤلاء أمتك، ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس منهم قطعاً فدل هذا على أنهم ليسوا أفضل هذه الأمة، وقد رغب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أن يكون منهم، فقال عكاشة بن محصن: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: "أنت منهم"، فقام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: "سبقك بها عكاشة"، وذلك ليقطع على الناس مثل هذا التطلع، لأنه لو تتبع ذلك لقام آخر ورابع وخامس وهكذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 31-12-2010, 08:04 PM   #6
معلومات العضو
أبوسند
التصفية و التربية
 
الصورة الرمزية أبوسند
 

 

افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


جزاكم الله خير وبارك الله فيكم
وفي جهدكم وعلمكم وعملكم
والله يكتب لكم الخير حيث كان
والله يجعلنا وإياكم من أهل الفردوس
الأعلى

 

 

 

 


 

توقيع  أبوسند
 

يقول العلاّمة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله

طالب الحق يكفيه دليل ...
... وصاحب الهوى لايكفيه ألف دليل

الجاهل يُعلّم
وصاحب الهوى ليس لنا عليه سبيل

--------------------------
حسابي في تويتر

@ABO_SANAD666



    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 03-01-2011, 05:01 AM   #7
معلومات العضو
ام شوآخي

إحصائية العضو






ام شوآخي غير متواجد حالياً

الجنس: female

اسم الدولة united_arab_emirates

 

 
آخـر مواضيعي
 

 

افتراضي

بارك الله فيك وجزاااك الله كل الخير على الافاده ...

الله يجمعنا في الفردوس الاعلى إن شاااء الله .

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 01:56 PM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com