م / وهي من عقود التبرعات .
  ---------------------
  ذكر المصنف – رحمه الله – أن الهبة والعطية والوصية من عقود التبرعات .
  لأن العقود تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
  عقود تبرعات : كالقرض ، والهبة ، والوصيـة .
  عقود معاوضات ( كالبيع ، والإجـارة ) .
  عقود توثيقات ( كالرهن ، والضمان ) .
  
  م / فالهبة : التبرع بالمال في حال الحياة والصحة .
  ---------------------
  ذكر المصنف – رحمه الله – تعريف الهبة فقال : التبرع بالمال في حال الحياة والصحة ، ويضاف للتعريف : بلا عوض . ( تمليك في الحياة بلا عوض ) .
  قوله ( التبرع بالمال في حال الحياة ) فيه بيان وقت الهبة ، وهذا يخرج الوصية ، لأن الوصية بعد الموت .
  قوله ( بلا عوض ) أي بلا مقابل ، وهذا يخرج البيع ، لأنه تمليك بعوض معلوم .
  م / والعطية : التبرع به في مرض موته المخوف .
  ---------------------
  ذكر المصنف – رحمه الله – تعريف العطية والوصية وسيأتي بعد قليل إن شاء الله .
  م / فالجميع داخل في الإحسان والبر .
  ---------------------
  أي : كل من الهبة والعطية والوصية داخل في الإحسان المـأمور به .
  قال تعالى ( وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) .
  ·الهبة :حكمها بالنسبة للواهب مستحبة .
  لقوله تعالى ( إن الله يحب المحسنين ) .
  وقال r ( تهادوا تحابوا ) رواه البخاري في الأدب المفرد .
  وقال  r ( لو أهدي إليّ ذراع أو كراع لقبلت ) متفق عليه .
  وأما بالنسبة للموهوب : فالسنة أن يقبل الهدية ولا يردها ، لأن هذا هديه e .
  عن عائشة . قالت ( كان النبي r يقبل الهدية ويثيب عليها ) رواه البخار ي .
  ·تنعقد الهبة بالإيجاب [وهو اللفظ الصادر من الواهب] والقبول [وهو اللفظ الصادر من الموهوب له] .
  ·كل ما جاز بيعه جازت هبته ، وما لا يجوز بيعه لا تجوز هبته .
  ·يشترط لقبول الهدية شروطاً :
  أولاً : ألا يكون  أهدى له حياء وخجلاً .
  فإذا علم أنه وهب له حياء وخجلاً فلا يجوز له أن يقبلها .
  ثانياً : ألا يتضمن محذوراً شرعياً .
  كما لو وقعت موقع الرشوة ، أو السكوت عن حق أو الدفاع عن باطل .
  ثالثاً : ألا تكون محرمه .
  ( لعينها )  مثل : الخنزير ، والميتة ، والدم .
  ( أو لحق الغير ) مثل : المغصوب ، والمسروق ، والمختلس .
  ·أما المحرم لكسبه فإنه يجوز قبولها ، لأن النبي r قبل هدية اليهودية، مع أن اليهود كانوا يتعاملون بالربا.
  م / وبعد تقبيض الهدية وقبولها لا يحل الرجوع فيها لحديث (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) وفي الحديث الآخر ( لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها ، إلا الوالد فيما يعطي ولده ) رواه أهل السنن .
  ---------------------
  أي : وبعد قبض الهبة ، لا يجوز للواهب أن يرجع في هبته .
  لحديث ابن عباس قال : قال رسول الله r  ( العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه ) رواه البخاري ومسلم 
  فإذا عاد الواهب في هبته بعد قبضها  كان بمنزلة الكلب الذي يعود في قيئه .
  [ العائد في هبته ] الراجع في هبته التي أعطاها وأقبضها للموهوب له . ( وهذا هو المشبه ) [ كالكلب يقيء ] هذا هو المشبه به ، والقيء : إخراج ما بداخله .[ ثم يعود في قيئه ] أي ثم يعود فيما تقيأه فيأكله .الغرض من هذا التشبيه : هو تقبيح حال المشبّه والتنفير منه ، هنا وقع التقبيح من وجهين :
  أولاً : التشبيه بالكلب .
  ثانياً : التشبيه بالكلب الذي يقي ثم يعود في قيئه.
  ·الحديث دليل على تحريم العوْدة في الهبة والرجوع فيها ، لأن هذا الرجوع يدل على الدناءة وعلى لؤم الطبع ، لأن الرجوع يدل على أن الواهب تعلقت نفسه بهذه الهبة ، وأنها لم تطب نفسه بها .
  وجه الدلالة من الحديث : أنه عُرف من الشرع أنه لا يستعمل هذا الأسلوب إلا في مقام الزجر الشديد والتنفير من الفعل .
  ·اختلف العلماء في حكم الرجوع في الهبة على قولين :
  القول الأول : تحريم الرجوع في الهبة .
  وهذا مذهب جمهور العلماء للحديث السابق ، واستثنوا الوالد كما سيأتي .
  القول الثاني : جواز الرجوع في الهبة .
  وهذا مذهب أبي حنيفة ، وهو قول ضعيف .
  ·تحريم الرجوع في الهبة محمول على الهبة التي تم قبضها من المتهب ، قالوا : لأن القيء في الحديث بمنزلة إقباض الهبة .
  أما إذا لم تقبض فإنها تكون غير لازمة ، لكن الحنابلة يرون كراهة الرجوع ولو كانت لم تقبض ، وشيخ الإسلام ابن تيمية يرى تحريم الرجوع في الهبة ولو لم تقبض ، لان هذا من إخلاف الوعد ، والنبي e يقول ( آية المنافق ثلاث : وإذا وعد أخلف .. ) فدل هذا على إن إخلاف الوعد حرام .
  ·يستثنى من ذلك الوالد ، فإنه يجوز له أن يرجع في الهبة .
  وهذا مذهب جمهور العلماء .
  عن ابن عباس – الذي ذكره المصنف - قال : قال رسول الله r ( لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولـده ) رواه أبو داود .
  ·جواز رجوع الوالد في هبته لولده ، لكن بشرط ألا يؤدي الرجوع إلى التفضيل .
  مثال : أعطى أولاده كل واحد ألف ريال ، ثم رجع إلى واحد منهم وأخذ الألف ، فهذا رجوع في الهبة ، لكن يترتب عليه التفضيل ، فهذا الرجوع حرام لأنه يؤدي إلى محذور .
  ·يشترط لرجوع الوالد في هبته شروطاً :
  الشرط الأول : أن لا يسقط حقه : كما لو قال : وهبتك هذه السيارة ولن أرجع فيها .
  الشرط الثاني : أن تكون الهبة باقية في ملك الابن : فلو أن الأب وهب ابنه سيارة ثم الابن وهبها أو باعها ، فالأب في هذه الحالة لا يملك الرجوع ، لأنه يلزم من رجوعه إبطال حق الغير .
  الشرط الثالث : ألا يكون ما وهبه له نفقة : فلو أعطاه ** 100 ** ليشتري ثوباً ، فهنا ليس للأب أن يرجع في هبته .
  ·المشهور من المذهب أن الرجوع في الهبة جائز للأب خاصة دون الأم ، لأن الأب هو الذي يتملك من مال ولده دون الأم .
  وذهب بعض العلماء إلى العموم ، وقالوا : لا فرق بين الأب والأم ، لأن في الحديث ( إلا الوالد ... ) والأم لا شك أنها والدة .