عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 19-07-2005, 02:54 PM   #4
معلومات العضو
( الباحث )
(مراقب عام أقسام الرقية الشرعية)
 
الصورة الرمزية ( الباحث )
 

 

افتراضي

وقد بوب الإمام ابن عبد البر(463) في كتابه العظيم (جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله) باباً بعنوان : ((باب إتيان المناظرة والمجادلة وإقامة الحجة)) استهله بآيات منها : ** وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ** ، وقال : ** لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ** والبينة ما بان من الحق. وقال ** إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا ** ... ثم أورد عدة آيات من مخاصمة ومجادلة ومناظرة الأنبياء لأقوامهم: إبراهيم، ونوح، وموسى ثم قال: ((فهذا كله تعليم من الله عز وجل للسؤال والجواب والمجادلة. وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب، وباهلهم بعد الحجة – ثم ساق آيتين في ذلك - . وجادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه اليهود في جبريل وميكائيل عليهما السلام ... وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن آدم احتج مع موسى عليهما السلام فحج آدم موسى .
وقال عز وجل : ** هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ** فأثنى على المؤمنين أهل الحق وذم أهل الكفر والباطل ...
وتجادل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السقيفة وتدافعوا وتقرروا وتناظروا حتى صار الحق في أهله، وتناظروا بعد مبايعة أبي بكر : في أهل الردة، وفي فصول يطول ذكرها...
وناظر علي رضي الله عنه الخوارج حتى انصرفوا. وناظرهم ابن عباس رضي الله عنه أيضاً بما لا مدفع فيه من الحجة من نحو كلام علي، ولولا شهرة ذلك وطول الكتاب لاجتلبت ذلك على وجهه ... - ثم خرج بأسانيده أخبار مناظرة كل من علي وابن عباس رضي الله عنهم وعمر بن عبد العزيز رحمه الله للخوارج - ثم قال:
قال أبو عمر: هذا عمر بن العزيز – رحمه الله – وهو ممن جاء عنه التغليظ في النهي عن الجدال في الدين وهو القائل : (( من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل)) فلما اضطر، وعرف الفَلَج في قوله، ورجا أن يهدي الله به لزمه البيان فبيَّن وجادل، وكان أحد الراسخين في العلم رحمه الله)) .ا هـ
وخبر ابن عباس مع الخوارج حاصله أن الحرورية لما اجتمت للخروج على عليّ رضي الله عنه قال له ابن عباس ذات يوم: يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة فلا تفُتْني حتى آتي القوم. قال: فدخلتُ عليهم وهم قائلون؛ فإذا هم مُسْهِمةٌ وجوهُهم من السهر، قد أثّر السجودُ في جباههم، كأن أيديهم ثفِن الإبل ، عليهم قُمُصٌ مُرحضة فقالوا: ما جاء بك يا ابن عباس؟ ... قلت : جئتكم من عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس فيكم منهم أحد و من عند ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم – وعليهم نزل القرآن، وهم أعلم بتأويله. جئتُ لأبلغَكم عنهم، وأبلغَهم عنكم ... الخ .
وفيه أن ابن عباس حضر مجتمعهم، وناظرهم وأجاب عن شبهاتهم . فرجع منهم ألفان، وبقي بقيتهم فخرجوا فقُتلوا .
فهذا ابن عباس رضي الله عنه لما كان في مناظرته للخوارج خيراً كثيراً ذهب بنفسه إليهم حتى رجع منهم معه الجمُّ الغفير.
وناظر عمر بن عبد العزيز يرحمه الله غيلان الدمشقي .
وناظر الأوزاعي أحد القدرية .
وناظر الشافعي حفص الفرد ، وناظر بشرَ المريسي بناءً على طلب أم بشر منه ذلك وقال –رحمه الله-: ((ناظروا القدرية بالعلم، فإن أقروا خُصِموا، وإن أنكروا كفروا )) .
ومن مناظرات السلف كذلك المناظرة المطبوعة باسم (المناظرة) والتي جرت بين جعفر بن محمد الصادق مع الرافضي إذ ألزمه فيها الحجة ، وبيّن فيها فضل الشيخين رضي الله عنهما .
ومن مناظراتهم مناظرة عبد العزيز الكناني –رحمه الله- لبشر المريسي العنيد في مسألة خلق القرآن والتي وُثِّقت في (كتاب الحيدة) .
وهكذا مناظرة الإمام أحمد بن حنبل لابن أبي دؤاد والمعتزلة في المسألة نفسها، وغيرها من مناظراته –رحمه الله- .
وقد نفع الله به بعض من كان فيه بدعة فعاد للحق والسنة . قال ابن حبان في كتاب الثقات- في ترجمة موسى بن حزام الترمذي- : كان في أول أمره ينتحل الإرجاء، ثم أغاثه الله بأحمد بن حنبل فانتحل السنة وذب عنها وقمع من خالفها مع لزوم الدين إلى أن مات .
ولما حضر السلطان ألب أرسلان إلى هراة اجتمع عليه أئمة الشافعية والحنفية للشكاية على الشيخ أبي إسماعيل الأنصاري الهروي (481) ومطالبته بالمناظرة وخلافهم معه كان خلافا في العقيدة كما هو معلوم . فاستدعاه الوزير نِظَام الملك أبو علي الحسن بن علي-رحمه الله- وقال: إن هؤلاء القوم اجتمعوا لمناظرتك فإن يكن الحق معك رجعوا إلى مذهبك، وإن يكن الحق معهم إما أن ترجع وإما أن تسكت عنهم. فقام وقال: أنا أناظر على ما في كمي. فقال: وما في كُمَّك فقال: كتاب الله عز وجل – وأشار إلى كمه اليمنى – وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم – وأشار إلى كمه اليسرى – وكان فيه الصحيحان . فنظر إلى القوم كالمستفهم لهم، فلم يكن فيهم من يمكنه أن يناظره من هذا الطريق .
وناظر ابن تيمية(728) خصومه في الخلوة والجلوة مثلما كان يردّ عليهم في كتبه، ومناظراته رحمه الله كثيرة لا تكاد تنقضي . فقد ناظر الرفاعية، وناظر القاضيَ ابنَ مخلوف المالكي، ومناظرته في الواسطية معروفة مشهورة وغير ذلك كثير.
وكان ابن القيم (751)(( يفتي ويناظر ويجادل بالحق ليدحض الباطل مع أنواع من أمم الأرض على اختلاف آرائهم وتنوع مذاهبهم)) .
وفي شفاء العليل لابن القيم: ((الباب التاسع عشر: ذكر مناظرة جرت بين جبري وسني جمعهما مجلس واحد)). وفيه: ((الباب العشرون : في ذكر مناظرة بين قدري وسني)) .
وفي العصور المتأخرة ناظر العلامة عبد الله بن الحسين السويدي (1174) علماء الرافضة في النجف نفسها بطلب من الوزير أحمد باشا (1773م) فاجتمع له سبعون مفتياً من علمائهم، وحكَّمه فيهم الشاه نادر (1147) ثم جرت المباحثة بين السويدي مع الملا باشا علي أكبر وهو من علماء الشيعة في مسألة أحقية علي رضي الله عنه بالخلافة فناظره السويدي في ذلك بوجوه من الردود بليغة ومفحمة حتى قطعه. وحتى قال بعض الحاضرين من الشيعة مخاطباً الملا باشا: اترك المباحثة مع هذا، فإنه شيطان مجسم، وكلما زدتَ في الدلائل وأجابك عنها انحطت منزلتُك.
ثم تكلم معه في عدة موضوعات أخرى حتى انقطع الشيعي والحمد لله. وأُخبر الشاه بهذه المباحثة طبق ما وقع، فأمر أن يجتمع علماء إيران وعلماء الأفغان وعلماء ما وراء النهر، ويرفعوا المكفِّرات، ويكون السويديُّ ناظراً عليهم، ووكيلاً عن الشاه، وشاهداً على الفرق الثلاث بما يتفقون عليه.
قال السويدي : فخرجنا نشق الخيام والأفغانُ والأوزبك والعجم يشيرون إليَّ بالأصابع وكان يوماً مشهوداً .
وقد ناظر الشيخ ابن سعدي بعض المتكلمين بنفسه . وحكى عدة مناظرات بين مسلم وملحد .
ودعا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله – علماء إيران للمناظرة وذلك (( حينما قدِم مندوب إيران – في رابطة العالم الإسلامي – وقدَّم طلباً باعتراف الرابطة بالمذهب الجعفري، ومعه وثيقة من بعض الجهات العلمية الإسلامية ذات الوزن الكبير تؤيده على دعواه، وتجيبه إلى طلبه. فإن قبلوا طلبه دخلوا مأزقاً، وإن رفضوه واجهوا حرجاً. فاقترحوا أن يتولى الأمر فضيلته رحمه الله في جلسة خاصة. فأجاب في المجلس قائلاً: لقد اجتمعنا للعمل على جمع شمل المسلمين والتأليف بينهم وترابطهم أمام خطر عدوهم، ونحن الآن مجتمعون مع الشيعة في أصول هي : الإسلام دين الجميع، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم رسول الجميع، والقرآن كتاب الله، والكعبة قبلة الجميع، والصلوات الخمس، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام. ومجتمعون على تحريم المحرمات من قتل وشرب وزنى وسرقة ونحو ذلك. وهذا القدر كافٍ للاجتماع والترابط. وهناك أمور نعلم جميعاً أننا نختلف فيها وليس هذا مثار بحثها، فإن رغب العضو الإيراني بحثها واتباع الحق فيها فليختر من علمائهم جماعة، ونختار لهم جماعة ويبحثون ما اختلفنا فيه ويُعلن الحق ويلتزم به. أو يسحب طلبه الآن. فأقر الجميع قوله، وسحب العضو طلبه)) .
وغير هذا كثير في مواقف أهل السنة في نصرة مذهبهم الحق على ما ناوأ سنة النبي صلى الله عيه وسلم، وتنكب سبيل المؤمنين .
وبعد الإطلاع على هذا كله يجزم المؤمن الموفق، وطالب العلم على بصيرة أن هذه الثلة المباركة من علماء المسلمين، من مميَّزيهم ومحقِّقِيهم، ومن أكثرهم علماً بمنهج السلف واتباعاً له لم يكونوا ليتفقوا على مخالفة صريحة لمنهج السلف في التعامل مع مثل هذه المسألة، وإنما هو الفهم الدقيق، وإنزال النصوص منازلها. رحمة الله على الجميع.
وعليه فبعد هذا الاستعراض السريع لمواقف علماء المسلمين حيال هذه القضية أعود لذكر البواعث الخمسة المذكورة سلفاً، مع مناقشة مدى تحققها في واقعنا المعاصر وهو ما يسميه علماء الأصول بتحقيق المناط:

الباعث الأول : هو حرص الإنسان على سلامة دينه له . وأول ما يلاحظ في هذا الباعث هو عدم اعتبار الجم الغفير من العلماء له عند تعيّن الأمر عليهم لتحقيق مصلحة شرعية، بل كان الإقدام منهم واضحاً بلا تلجلج ولا تردد وإنما إقدام مع ثبات حجة، ورسوخ في اليقين، وثقة بنصر الله. والذي يجب أن يخاف حال مناظرته لأهل البدع هو الذي يناظرهم عبثاً، وتزجية للوقت، وإظهاراً للقدرة على قوة الحجة والتفوق في العلوم كما كان يحصل كثيراً في مجالس الخلفاء . أو إذا كانت المناظرة هدفاً لذاتها بحيث يظن أنها سبيل صحيح لتحصيل العلم، ويحصل بسبب ذلك التوسع والمسامحة في مخالطة المبتدعة فهذا مذموم أيضا.وهذا كما ورد في ترجمة الإمام العلامة المتفنن أبو الوفاء ابن عقيل(513) أنه قال عن نفسه: ((وكان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء، وكان ذلك يحرمني علماً نافعاً)). قال الذهبي معلقا: (( قلتُ : كانوا ينهونه عن مجالسة المبتدعة، ويأبى حتى وقع في حبائلهم وتجسَّر على تأويل النصوص نسأل الله السلامة )) . وقال ابن العماد الحنبلي : ((إن أصحابنا كانوا ينقمون على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد وابن التبان شيخي المعتزلة وكان يقرأ عليهما علم الكلام، ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحرافٍ عن السنة وتأول لبعض الصفات)) .. ولكن يبدو أنه في آخر عمره راجع السنة وتاب من تلك المجالسات. قال ابن حجر: ((وهذا الرجل من كبار الأئمة، نعم كان معتزلياً، ثم أشهد على نفسه أنه تاب عن ذلك وصحت توبته ثم صنف في الرد عليهم)) .

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة