عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 13-07-2007, 01:09 PM   #1
معلومات العضو
عدنان المغربي
إشراقة إشراف متجددة

افتراضي انكسار القلوب بين يدي قابل التوب






بعد ليلة طويلة ، قضيتها مع أصحاب السوء ، مع المثقلين بالسيئات ، المبعدين عن الطاعات
قضيتها معهم باللهو ، والسهر والغناء ، وديدن رتيب ممل مضحك مبكي ، يشعر العاقل في خضمه أنه لا قيمة له ،
ولا حاجة اليه ، كل ليلة على هذا المنوال ، فلما تدحرجت عقارب الساعة ، واستقرت على ضفاف الهزيع الاخير من الليل ،
ركبت سيارتي وعدت الى المنزل ، فكانت الساعة وقتئذ تشير الى الثالثة بعد منتصف الليل ، فتحت باب المنزل ودخلت ، فاذا بجد تي يرحمها الله ،



قد إفترشت سجادتها ، في ناحية من البيت ، ومضت في صلوات كثيرة وطويلة ،


لم أحص لها عدا ، إلا أنني أذكر أنها كانت تصلي وهي جالسة ،


فقد تعبت من الوقوف ، فآثرت الوقوف بين يدي الرؤوف عن الوقوف ،


فأستمرت في صلاتها قاعدة ، فاستوقفتني لحظات الرحمة والتوفيق ،


من الغفور الرحيم لأقف أنظر إليها وهي تصلي ، غير عابئة بالنائمين ،


ولا مكترثة بالداخلين والخارجين ، فأحسست من تلك اللحظة ، بشيء غريب ينتابني ،


وكأن شيئا ما سيحدث في حياتي ، ثم دخلت غرفتي ، حاولت النوم ، فلم يكن لي منه نصيب ،


فأصبحت صورة هذه العجوز في مخيلتي ، وأمام عيني ، ومن حولي ، وفي كل مكان من غرفتي ،


يا الله ، ما ذا أصابني ، ثم عدت أرسل الفكر والتأمل في نفسي وحياتي ،


وشبابي وصلابة عودي ، وقوتي وفتوتي ، كيف أبدد هذه النعمة في معصيةِ أهبها ،


وهذه العجوز ، التي جلست على حافة القبر ، تتهجد وهي جالسة ، تعبت من الوقوف ،


لا شك بأنها تحب أن تصلي وهي واقفة ، فما الذي منعها ، إنه الكبر والهرم ،


إذا لا شك إنها تتمنى أنها في شبابي ، وأنا أضيع هذا الشباب


ثم من يضمن لي أن أعيش حتى ابلغ ما بلغت من العمر ،


فسرحت في تأملات ، خالطها صوت المؤذن وهو ينادي لصلاة الفجر ( الصلاة خير من النوم ) قلت أين النوم ،


الأمر أعظم من النوم ، القضية مفترق طريق ، ولا بد أن أتخذ قرارا سريعا ، فسألت الله عز وجل أن يعينني ،


فإذا بي أشم رائحة التوبة ، وأذوق طعمها ،


وإذابقلبي يخضع لوابل الرحمة فتتفجر منه أنهار الأيمان ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ) ،


فشعرت كأنني أولد من جديد ، فخرجت إلى المسجد ،


وكنت أول الداخلين من المصلين بعد المؤذن ، فصليت سنة الفجر ،


وتناولت المصحف ، وشرعت أتلوا آياته ، وأتأملها ، فإذا بها تخاطبني ، وتواسيني ،


وتزيل عني هموم الذنوب والخطايا ، بسعة رحمة رب البرايا ،


فما زلت كذلك ، فإذا بيد تمتد نحوي لتصافحني ، فمددت يدي ،


ونظرت إلى صاحبها ، فإذا به والدي رحمه الله رحمةً واسعة ، وكان كل شيء يتوقعه مني ،


إلا أن يجد ني في المسجد ، فنظر إلى نظر لا تغيب عني أبدا ، نظرة لا أستطيع وصفها ،


بها كل الأحاسيس والمشاعر مختلطة ، احتضنتها عبرة جاشت في فؤاده رحمه الله ، فارتمت على آثارها المدامع فوق خديه ، وكأن لسان حاله يقول :





سبحان من فتق القلـوب أنارهـا بمحاسن التقوى جلى أبصارهـا

ما كنت أحسب أن مثلك يهتـــــدي أم أن يميـز ليلهـا ونهـارهـا

فلطا لما قد جئت نحوك ناصــحـا أن تعرف الأصحاب كي تختارها

أن تتركـن الملهيـات جمـيعهـا أعوادهـا أقواسهـــا أوتــارهــا

فنظرت نحوى عاتبـا مستكثـرا أني أريـك طريقهـــا ومـــسارهـا

فلكم رأيتـك بالعـون مخاطبـا إياي أن دعني تـــرى أســرارهـا

أسرار هذا الفـن يـا أبتــاه لـن يدركه إلا مــن يــغـــوص بــحارهـا

فذا هي مخاطبـة المشاعــــر بيننـا إنـــي لأعلـم سرهـا وجهارهـا

سبحان من غسل الفؤاد من الهوى..وأزال عن أم الذنـوب غبارهـا



    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة