عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 28-12-2012, 10:56 PM   #1
معلومات العضو
سيدة الرافدين
إشراقة إدارة متجددة

I11 احفظ الله يحفظك

احفظ الله يحفظك


الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الامين وعلى اله وصحبه أجمعين .
عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنه ) قال: كنت خلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) يوما فقال ((يا غلام إني اعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك اذا سألت فأسال الله اذا استعنت فاستعن بالله واعلم ان الامة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على ان يضروك بشيء لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الاقلام وجفت الصحف)"رواه الامام الترمذي

وصححه الشيخ الالباني في صحيح الجامع "


اعلم اخي المسلم ان هذا الحديث قد تضمن وصايا عظيمة وقواعد كلية من اهم امور الدين حتى قال بعض السلف (تدبرت هذا الحديث فأدهشني وكدت اطيش) وقال بعضهم اذا اردت ان توصي صاحبك او اخاك او ابنك فقل له احفظ الله يحفظك. وقال نبي الله تعالى سليمان عليه السلام (تعلمنا مما تعلم الناس ومما لم يتعلم الناس فما وجدنا كحفظ الله في السر والعلن فواسنا من الجهل بهذا الحديث وقلة التفهم لمعناه .

1) فقوله عليه الصلاة والسلام(احفظ الله يحفظك) اي احفظ حدوده وحقوقه واوامره ونواهيه وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال وعند نواهيه بالاجتناب وعند حدوده فلا يتجاوز ما امر به واذن فيه الى ما نهى عنه وحذر منه فمن فعل ذلك فهومن الحافظين لحدود الله الذين مدحهم الله في كتابه ( هذا ما توعدون لكل أوابٍ حفيظ * من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلبٍ منيب)ق اية 32،33" وفسر الحفيظ في الآية لأوامر الله وبالحافظ لذنوبه ليتوب منها . ومن اعظم ما يجب حفظه من أوامر الله تعالى هو الصلاة ،فقد امر الله تعالى بالمحافظة عليها فقال (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى)"البقرة اية 238" ،ومدح المحافظين عليها بقوله (والذين هم على صلواتهم يحافظون ) "المؤمنون اية9" ، وقال عليه الصلاة والسلام (من حافظ عليها كان له عند الله عهدا ان يدخله الجنة) وكذلك الطهارة فإنها مفتاح الصلاة ،قال عليه الصلاة والسلام )ولا يحافظ على الوضوء الاّ مؤمن )"صححه الالباني في صحيح الجامع ومما يؤمر بحفظه الأيمان قال تعالى (واحفظوا ايمانكم )"المائدة اية 89 " والايمان هوما سبق اللسان من غير قصد الانسان كقولهم لا والله وغيره فان الإيمان يقع الناس فيها كثيرا منهم ما يجب حفظه فلا يحفظه ولا يلتزمه . ومن الاشياء المأمورين بحفظها الرأس والبطن كما في حديث ابن مسعود(رضي الله عنه) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) (استحيوا من الله تعالى حق الحياء ومن استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى وليحفظ البطن وما حوى وليذكر الموت والبلاء .ومن اراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء )"رواه احمد والترمذي وحسنه الالباني في السلسلة الصحيحة" وحفظ الراس وما وعى يدخل فيه حفظ السمع والبصر واللسان من المحرمات قال تعالى (إن السَّمعَ والبَصَرَ واَلفُؤَادَ كُلُ أولئِكَ كَانَ عَنهُ مسؤولا)"الاسراء،36". وحفظ البطن وما حوى يتضمن حفظ القلب عن الاصرار على ما حرم الله ويتضمن حفظ البطن من أدخال الحرام اليها من المأكل والمشرب ،ومن أعظم ما يجب حفظه هو اللسان والفرج فعن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها ) انه (صلى الله عليه وسلم) قال (من حفظ ما بين لحييه (اللسان ) ورجليه (الفرج) دخل الجنة ) "رواه احمد وغيره وصححه الالباني في صحيح الجامع "

2) وقوله (صلى الله عليه وسلم )(( يحفظك ))اي من حفظ حدوده ورعى حقوقه حفظه الله تعالى فان الجزاء من جنس العمل ، وحفظ الله لعبده يدخل فيه نوعان احدهما حفظه له في مصالحه دنياه كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله ،قال تعالى ( له مُعَقَّبَاتٍ مِّن بَيَّنَ يَديَه وَمِن خَلفِهِ يَحفَظُونَهُ مِن أمر الله )("الرعد ،11".).. قــال الامـام علـي ابن ابي طالب (رضي الله عنه ) (ان مــع رجــل ملكين يحفظانه مما لم يقدَّر فإذا جاء القدر خليّا بينه وبينه وإن الأجل جنة حصينة) (اخرجه ابن جرير بسند رجاله ثقات). وقــال الامـــام عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى (ما من مؤمن يموت الاّ حفظه الله في عقبه وعقب عقبه ) ومتى كان العبد منشغلاً بطاعة الله تعالى فإن الله يحفظه في تلك الحال . والنوع الثاني من الحفظ وهو اشرف النوعين وهو حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة ومن الشهوات المحرمة ويحفظه عند موته فيتوفاه على الإيمان ، قال بعض السلف الصالح : (إذا حضر الرجل الموت يقال للملك :شم رأسه قال: أجد في رأسه القرآن ،قال شم قلبه ، قال اجد في قلبه الصيام ،قال شمه قدميه ،قال: أجد في قدميه القيام يقال حفظ نفسه فحفظه الله تعالى (جامع العلوم والحكم ، لابن رجب الحنبلي ) . والخلاصة ان الله تعالى يحفظ دين المؤمن الحافظ لحدوده ويحول بينه وبين ما يفسد عليه دينه بأنواع الحفظ وقد لا يشعر العبد ببعضها كما قال في حق يوسف عليـه الســــلام (كَذَلِك َلِنَصرِفَ عنهُ السّـُوءَ وَالفَحشَاء إنَّهُ مِن عِبَـادِنَا المُخُـلصيِنَ) **"يوسف\24"**. قـال ابـن عبـاس رضـي الله عنـه {انَّ الله يَحـُول ُبَينَ المَـرءِ وَقلبهِ ** (الانفال \24)، قال يحول بين المؤمن وبين المعصية التي تجره الى النار .
3) قوله عليه الصلاة والسلام : (احفظ الله تجده تجاهك) معناه ان من حفظ حدود الله وراعى حقوقه وجد الله معه في كل احـواله حــيث يتوجه يحوطه وينصره ويوفقه ويسدده {إن الله مع الَّذيِنَ اتَّقوا وَّالَّذيِنَ هم مُّحسِنُونَ** (النحل\128)،قال قتادة (من يتقي الله يكن معه، ومن يكن معه الله فمعه الفئة التي لا تغلب والحارس الذي لا ينام والهادي الذي لا يضل ) كتب بعض السلف الى اخ له فقال: (اما بعد فان كان الله معك فمن تخاف وان كان عليك فمن ترجو).
4) قوله عليه الصلاة والسلام : {إذا سألت فأسال الله واذا استعنت فاستعن بالله ** هذا مقتبــس مـن قـوله {إيَّـكَ نَعبُدُ وإيَّاكَ نَستَعِينُ** "الفاتحة\ه". فان السؤال هو دعاؤه والرغبة اليه والدعاء هو العبادة كما في الحديث الصحيح الذي رواه اصـحاب السنـن وصـحـحه الالباني في صحيح الجامع . وقـوله تعالـى : {وَقالَ رَبُّكُمُ ادعُونِي أستَجِب لكُم ** (غافر\60). فتضمن هذا الكلام ان يسأل الله عز وجل وحده ولا يسأل غيره وان يستعان بالله دون غيره وان خلاف ذلك هو الشرك بالله تعالى والعياذ بالله . وقال عليه الصلاة والسلام : (من لم يسأل الله يغضب عليه ){اخرجه الترمذي وغيره وصححه الالباني في صحيح الجامع **.قال تعالى {وَاسألُوا الله مِن فضلِهِ** "النساء \32". وفي النهي عن مسالة المخلوقين احاديث كثيرة صحيحة وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من اصحابه على ان لا يسألوا الناس شيئا ومنهم ابو بكر الصديق وابو ذر وثوبان رضي الله عنهم حتى كان احدهم يسقط السوط منه وهو على ناقته فلا يسأل احداً ان يناوله اياه .وقد ثبت في الصحيحين انه عليه الصلاة والسلام قال: (فاذا مضى ثلث الليل او نصف الليل نزل عز وجل الى السماء الدنيا فقال هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فاغفر له هل من تائب فأتوب عليه هل من داع فأجيبه ) وفي حديث ابي هريرة رضي الله عنه (من ذا الذي دعاني فلم أجيبه ؟ وسألني فلم اعطه؟ وستغفرني فلم اغفر له وانا أرحم الراحمين ). واعلم ان سؤال الله عز وجل دون خلقه هو المطلوب وهو من تمام التوحيد لان السؤال فيه اظهار الذل في السائل والمسكنة والحاجة والافتقار وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على رفع هذا الضر ونيل المطلوب وجلب المنافع ودرء المفاسد ولا يصلح الذل والافتقار الاّ لله وحده لأنه حقيقة العبادة وكان الامام احمد بن حنبل رضي الله عنه يدعو ويقول (اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصنه عن المسألة لغيرك ولا يقدر على كشف الضر وجلب النفع سواك ).واعلم اخي المسلم ان الله سبحانه يحب ان يسأل والمخلوق يكره ان يسال وقال طاووس لعطاء : اياك ان تطلب حوائجك الى من اغلق دونك بابه ويجعل دونها حجابه ، وعليك بمن بابه مفتوح الى يوم القيامة امرك ان تسأله ووعدك ان يجيبك . واما الاستعانة بالله عز وجل دون غيره من الخلق فهو التوحيد الخالص لان العبد عاجز عن جلب مصالحه ودفع مضاره ولا معين على مصالح دينه ودنياه الا الله عز وجل وهذا تحقيق معنى قول لا حول ولا قوة الا بالله قال بعض السلف يا رب عجبت لمن يعرفك كيف يرجو غيرك وعجبت لمن يعرفك كيف يستعين بغيرك ).
5) قوله عليه الصلاة والسلام : (واعلم ان الامة لو اجتمعت على ان ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك وان اجتمعوا على ان يضروك بشيء لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك ).فالمراد انما يصيب العبد في دنياه مما يضره او ينفعه فكله مقدر عليه ولا يصيب العبد الا ما كتب له من مقادير ذلك في الكتاب السابق ولو اجتهد على ذلك الخلق كلهم جميعا ،قال تعالى{قل لَّن يُصِيبَنَا إلاّ مَا كَتَبَ الله لَنَا ** "التوبة \51".وقال : {مَا أصَابَ مِن مُّصيِبَةٍ فِي الأرض وَلا فِي أنفُسِكُم إلاَّفِي كِتَابٍ مَّن قبل أن نَّبرَأهَا** (الحديد\22). وقوله: {قُل لَّو كُنتُم فِي بُيُوتِكُم لَبَرَزَ الَّذيِنَ كُتِبَ عَليهِمُ القتلُ إلى مضاجعهم**(آل عمران\154).
6) قوله عليه الصلاة والسلام : (رفعت الاقلام وجفت الصحف ) هو كناية عن تقدم كتابه المقادير كلها والفراغ منها من بعيد فقد روى الامام مسلم انه عليه الصلاة والسلام قالان الله كتب مقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات والارض بخمسين الف سنة ) وخرج ا لإمام احمد ومعجم الالباني قوله عليه الصلاة والسلام : (ان اول ما خلق القلم ثم قال اكتب "فكتب "فجرى في تلك الساعة بما هو كائن الى يوم القيامة ). والخلاصة ان مدار جميع هذه الوصية على هذا الاصل وما ذكر قبله وبعده فهو متفرع عليه وراجع إليه فان العبد اذا علم انه لن يصيبه الا ما كتب الله له من خير وشر ونفع وضر وان اجتهاد الخلق كلهم على خلاف المقدور غير مفيد ابدا علم حينئذ ان الله وحده هو الضار النافع المعطي المانع فأوجب ذلك للعبد توحيد ربه عز وجل وافراده بالطاعة وحفظ حدوده فان المعبود انما يقصد بعبادته جلب المنافع ودفع المضار ولهذا ذم الله من يعبد من لا ينفع ولا يضر ولا يغني عن عابده شيئا فمن يعلم انه لا ينفع ولا يضر ولا يعطي ولا يمنع غير الله تعالى اوجب له ذلك افراده بالخوف والرجاء والمحبة والسؤال والدعاء وتقديم طاعته على طاعة الخلق جميعا وان يتقي سخطه ولو كان فيه سخط الخلق جميعا .وان يفرده وحده بالاستعانة به واخلاص الدعاء له في حال الشدة والرخاء ويكون لسان حاله في كل وقت وحين قائلا اللهم اني أبرا من الثقة الا بك وأبرأ من الامل الا فيك وأبرأ من التسليم الا لك وابرأ التفويض الا اليك وأبرأ من التوكل الا عليك وأبرأ من الصبر الا على بابك وأبرأ من الذل الا في طاعتك وأبرأ من الرهبة الا لجلالك العظيم .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله واصحابه ومن والاه



التعديل الأخير تم بواسطة رجائي في ربي ; 30-05-2014 الساعة 10:00 AM.
    مشاركة محذوفة