الموضوع: للدعاة فقط
عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 09-11-2008, 10:18 PM   #4
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي

تابع

قال ابن تيمية رحمه الله: "هذا مع أني دائماً ومن جالسني يعلم ذلك مني أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية، إلا إذا قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً تارة، وعاصياً أخرى"اهـ. [مجموع الفتاوى 3/229]

ولا أعني بهذا أن يُتسامح بتكفير من سبّ الله ورسوله أو انتقص نبياً أو أنكر رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، أو طعن في القرآن، أو أنكر صفات الله، ولكن هذه دعوة لبيان أنه يجب معرفة كون هذا الأمر كفراً.. ومعرفة أن هذا الكفر مما يكفّر به الشخص المعيّن.

ومن أراد الاستزادة في هذا المبحث المهم الخطير فليراجع كتابَ "موقف أهل السنة من أهل البدع والأهواء" لفضيلة الشيخ إبراهيم بن عامر الرحيلي ـ حفظه الله ـ فقد ذكر له فصلا خاصا وبين شروط التكفير وموانعه، مع الرد على المخالفين في مبحث قلما تجد مثله في الرصانة والرد العلمي.

كما أنني أنبه أن مثل هذه المواضيع الحساسة لا تؤخذ إلا من أهل العلم الموثقين المشهود لهم بالعلم والتبحر والخشية واتباع السنة دون الأهواء المضلة، ولا يُقرأ فيها لكل كاتب ولو كان متخبطا يكتب دون علم ولا برهان أو سداد رأي.

وعموماً فإن كثيراً من دعاة السياسة في عصرنا الحالي يستدل بقول الله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون** وهذه الآية تحتاج إلى وقفات..

أولاً: الذي ندين الله به أن الحكم بغير ما أنزل الله وتعطيل حكم الله هو أساس فساد العالم وانفلات أمورهم وتبدد أحلامهم واختلاط أفكارهم وسبب لانفلات الأمن وإهدار الدماء، ولو حكموا بما أنزل الله لطابت لهم دنياهم وأفلحوا في آخرتهم، كيف لا؟! والله هو الحكم العدل وأعلم بمصالح عباده وما يصلح شؤونهم، فكل حكم بما سوى كتاب الله باطل وجريمة عظمى وفاجعة شنيعة.

ثانياً: هذه الآية عامة، فلماذا بعض دعاة السياسة يجعلها خاصة في الحاكم دون المحكوم، و{مَن** من ألفاظ العموم، ويؤيد العموم أن سبب نزول الآية في أناس من أهل الكتاب لم يكونوا من الحكام.

ثالثاً: دعاة السياسة حصروا: (الحكم بما أنزل الله) في الحدود فقط ولم يطبقوه في باب العقائد، فتجد بعضَ أصحابهم قبورياً أو ينكر صفات الله أو يدعو إلى التقريب بين الأديان، أو يشيّد القبور التي تعبد من دون الله ومع ذلك يسعون إلى تلميعه وأنه يحكم بما أنزل الله، وبعض الدول بسبب بنوك الربا وانتشار المعاصي يقولون بتكفيرها وإخراج أهلها من الإسلام!

فانظر إلى القسمة الجائرة.. أصحابهم مسلمون على الرغم من عدم تحكيمهم لشرع الله في أعظم المطلوبات من العبد وهي (توحيد الله وإفراده بالعبادة)، ويكفرون أصحاب الذنوب والمعاصي لاقترافهم المعاصي.

وهذا الكلام ليس من أجل التهوين من الذنوب والمعاصي والبنوك الربوية بل إن آكل الربا مؤذنا بمحاربة الله ورسوله، ولكن نذكر هذا إشارة إلى القسمة الجائرة عند هؤلاء وتهوينهم لأعظم مسألة والتي من أجلها بعث الرسل وسل السيف وهي مسألة التوحيد..، (فأين الحكم بما أنزل الله)؟!!.

رابعاً: هذه الآية الكريمة التي فسرها حبر الأمة عبد الله بن عباس بقوله: "ليس الكفر الذي تذهبون إليه ولكن كفر دون كفر" ويقصد به رضي الله عنه.. أن الحكم بغير ما أنزل الله من كبائر الذنوب..

مع التنبيه: على أن من فضّل الحكم الوضعي على الحكم الشرعي أو ساواه به أو فضّل حكماً واحداً وضعياً على حكم شرعي أو اعتقد عدم صلاحية الحكم الشرعي لهذه الأزمان فإنه كافر خارج عن ملة الإسلام، (وإن حكم بالحكم الشرعي).

وأما إن اعتقد أن الحكم الشرعي هو الأفضل والأكمل والأحسن ولكنه لم يطبقه على الناس لخوف على كرسي أو مصلحة أو لرشوة فإنه صاحب كبيرة وهو عاص لله وعلى خطر كبير عظيم ولكنه ليس بكافر.

والمعاملة تكون على الظاهر وأما السرائر والبواطن فهي ملك لله وحده، هو المطلع عليها سبحانه.

ولا يفهم من القول أنه ليس بكافر أن هذه تزكيةً له بالعدالة فهو إن لم يكن كافرا فلن يخرج حالُه عن إحدى المنزلتين الأخريين: (الفسق أو الظلم) قال تعالى: {ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون**، وقال تعالى: {ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون**، ولا شك أنه على خطر عظيم، بمجانبته حكمَ الله والركونِ إلى أحكام الطاغوت.

وقد ذكرت هذا لأن بعض الفضلاء يخلطون بين مسألة وجوب طاعة الحاكم الذي لا يحكم بما انزل الله وبين محبته المطلقة، ـ وهذا خطأ ـ فنحن حين نطيعه فإنها طاعة لله لأننا لا نرى كفره، ولكن لا يعني هذا أنني أحب من سماه الله في كتابه فاسقا وظالما حباً مطلقاً، وقد تلبس ببعض الكبائر، وربما كان سيئَّ السيرة في سياسته، مجاهرا بما يغضب الله في سلوكياته، والاعتدال أن أحب ما فيه من الخير وأبغض ما فيه من الشر، حاله كحال عامة الفساق الذين لهم بعض أعمال الخير مع ما تلبسوا به من الذنوب.

خامسا: نبهنا على هذه الآية بالذات لأنه قد عادت كرة الخوارج الذين يكفرون الناس بالذنوب والمعاصي.. فبعضهم يكفر صاحب الربا وأصحاب الملاهي، وبعضهم يكفَّر الفاسق المجاهر بفسقه، وغير ذلك من النوابت السيئة التي ضللت كثيراً من شباب الأمة فتبعوا هذا النعيق فبدأوا يحقدون على عصاة المسلمين، وينظرون إلى المجتمع نظرة قاتمة مظلمة.. فتركوا دعوة الناس وتوجيههم وأخذوا يكيلون لهم بصاع التكفير..

ولا أخفي حقيقة أن قائد هذا الفكر في هذا الزمان، والذي استمد منه كثير من دعاة السياسة هذه النظرة الموحشة هو ذلك الكتاب المسمى : "معالمُ في الطريق" الذي لم يقتصر صاحبه فيه على تكفير المجتمعات فقط، بل ذهب إلى جعل (المؤذنين) أشد الناس كفراً لأنهم بزعمه لا يدعون لله ولكن يدعون للطاغوت.

ووالله لا نقول هذا الكلام عداوة لأحد من أجل الدنيا..

فإنه ليس بيننا وبين صاحب هذا الكتاب عداوةُ دنيا؟ لم يأخذ منا مالاً ولم يقتل لنا قريباً.. ولكننا نقول ما نقول، نصحاً لشباب الأمة حتى لا يضللهم هذا الفكر المتشدد، الذي يبدأ بتكفير الحاكم، ثم تبدأ مسألة التسلسل فكل من يعمل في بلاطه فهو كافر..

إن بعض الشباب بدأوا يهوّنون مسائل العقيدة التي من أجلها بعث الرسل وسل السيف وأريقت الدماء، من أجل توحيد الله وإفراده بالعبادة.

فأخذوا يعذرون بعض الكتاّب السياسيين رغم تخبطهم في مسائل عظيمة تضاد العقيدة لأنهم أخذوا عقولهم وتلاعبوا بها، وفي المقابل نزعوا من قلوبهم الرحمة تجاه دعاة الحق وأنصار السنة والدعوة السلفية الذين يريدون إرجاعهم للأصل الأول.. ونزعوا من قلوبهم الرحمة تجاههم وألبوا عليهم الفساق والدهماء، وتشددوا ضدهم أكثر من تشددهم ضد الطوافين بالقبور ومنكري الصفات ومعلقي التمائم والمستغيثين بغير الله والداعين من دونه شركاء.

لمَ؟ لأنهم يؤيدونهم في مسألة عظيمة وهي (الكرسي والزعامات)..!!!

ليتكم تعقلون.. ولا تستعجلون..

أيها الدعاة.. إن كنتم تريدون وجه الله ودعوة الخلق إلى الحق فأخرجوا الدنيا من قلوبكم.

لماذا بدأ البعض ينافس على الزعامات والرئاسة ولو كان المقابل أن يشتت الأمة ويجعلها (فرقا وأحزابا)؟

لا أدري لماذا تذكرت تلك الطرفة العجيبة والتي تقول: "إن ذبابة وقعت على شجرة فلما أرادت أن تطير قالت: اثبتي" …

ألا ترون.. أن بعض الدعاة بدأ يتصرف وكأنه قائد دولة؟! يأمر وينهى ويخاطب الرؤساء ويراسلهم.

أما نظر إلى حقيقة نفسه قبل أن يقدم على هذا الفعل؟..

نخشى من عاقبة هذا الغرور والتصرفات غير المنضبطة التي ستجلب للدعوة الفشل..

لماذا ننطلق عالياً وما أرسينا قواعدنا؟؟

شبابُنا يعانون من التوهان... تكفير.. ضعف.. انهزامية..، ونريد أن نستكثر بهم..!!

ما أجمل الرجوع إلى الدعوة على منهاج النبوة لاسيما في وقت اتخذ الناس فيه رؤوسا جهّالاً، سئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.

إن تعليم الناس هو الأصل وهو النجاة وهو الرصيد الباقي عند الله تعالى..

فمتى نخلص في دعوتنا بعيدا عن البهرجة والزخرفة الكاذبة؟..

قال بعض السلف: "ما أخلص لله عبدٌ أحب الشهرة"، وقال غيرُه: "ما أحبَّ عبد الرياسة إلا بغى وظلم وأحب ألا يذكر أحدٌ بخير".

واعلموا أن العبد كلما خلصت نيتُه لله تعالى وكان قصده وهمه وعلمه لوجهه سبحانه، كلما كان اللهُ معه؛ فإنه سبحانه {مع الذين اتقوا والذين هم محسنون** ورأسُ التقوى والإحسانُ خلوص النية لله في إقامةِ الحق، والله سبحانه لا غالب له فمن كان معه فمن ذا الذي يغلبه أو ينالُه بسوء، وإن كان الله مع العبد فمن يخاف؟.. وإن لم يكن معه فمن يرجو؟ وبمن يثق؟ ومن ينصره من بعده؟.

فإذا قام العبد بالحق على غيره وعلى نفسه أولاً، وكان قيامُه بالله ولله لم يضره شيء، ولو كادته السماوات والأرضُ والجبال لكفاه الله مؤنتَها وجعل له فرجا ومخرجاً، وإنما يؤتى العبد من تفريطه وتقصيره.

ومن كان قيامه في باطل لم ينصر، وإن نُصر نصراً عارضا فلا عاقبة له، وهو مذموم مخذول.

وإن قام في حق لكن لم يقم فيه لله وإنما قام لطلب المحمدة والجزاء من الخلق، أو التوصل إلى غرض دنيوي جعله هو المقصود الأول لعمله، وإنما جعل القيام في الحق وسيلةً إليه، فهذا لم تُضمن له النصرة فإن الله إنما ضمن النصرة لمن جاهد في سبيله وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا لا لمن كان قيامُه لنفسه ولهواه، فإنه ليس من المتقين ولا من المحسنين، وإن نُصر فبحسب ما معه من الحق فإن الله لا ينصر إلا الحق، قال صلى الله عليه وسلم: "من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله الناس، ومن أسخط الله برضى الناس وكله الله إلى الناس". [إعلام الموقعين 2/122]

أيها الشباب.. إن الداعية الناصح هو الذي يحب الخير للناس جميعاً فيجتهد في إصلاح أحوالهم وتآلفهم، ويعمل كلَّ ما فيه مصلحتُهم في الدين والدنيا..

اجتهدوا في إصلاح أحوال بلادكم بكل تعقل وحكمة وسداد رأي فإن هذا من شكر النعمة..

مالِ بعض الشباب يتصرف وكأنه مل الأمن وسئم الرفاهية، فبدأ يعمل بطيش يريد أن يغير هذا الواقع الجميل إلى واقع بئيس.

فأين يذهب هذا وأمثاله من سطوة الله وأليم عقابه؟..

إن منتهى الخزي أن ترى بلادك يعمل ضدها الكافر والمنافق وداعية الفجور فتقوم معينا لهم ومناصراً دون أن تشعر، بدلا من أن تقف مناصراً لبلدك التي تعبد الله فيها بمنتهى الراحة ودون إرهاب، وتوفر لك سبل المعيشة..

أأجعلها تحت الرحى ثم ابتغي خلاصا لها إني إذن لرقيع

إن بلاداً تحكم بالزندقة والرفض والإلحاد والكفر تجد أبناءها يخافون عليها ويحبونها ويفدونها بالغالي والنفيس، فمالِ بعض شبابنا تخاذلوا عن نصرة بلادهم والمحافظة على أمنها وهي تدين بالإسلام وترفع لواءه، وفيها تقام شعائر الإسلام..

والله إنّا في نعمة.. بل أعظم النعم..

أخشى أن بعض الناس سئم الألفةَ والمودة واحترامَ الدين وعلوَّ مكانتَه في القلوب فاشتاق لبلدٍ يكثُر فيه البطش والإهانة والتعذيب كما يُفعل في بعض الدول الغاشمة الظالمة..

أين هؤلاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه" قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: "يتحمل من البلاء ما لا يطيق"؟.

متى يعرف الشباب في بلاد الخير أن بين صفوفِهم أُناساً يحسدونهم على عقيدتهم الصافية ويريدونها خرافةً وضلالات، ويحسدونهم على أمنهم، ويريدونها أن تكون كغيرها من البلاد يكثر فيها الكفرُ والخوف والرعب وقطع السبيل..

فيا أيها الشباب إن هؤلاء أفسدوا بلادهم ووضعوا الشباب في حلوق الحكام وجاؤوا ليعيدوا الكرة معكم.. فاحذروا..

لماذا كلما جاءكم ناصح أسميتموه منافقا؟!

ألا تستيقظون.. ليتكم تستيقظون؟!

نسأل الله أن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يوفقنا لاتباع سنة سيد المرسلين، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل..

اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمر رشد يُعز فيه أهلُ طاعتك ويذلُ فيه أهل معصيتك يؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر.. اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا وتوفنا وأنت راض عنا.


تمنياتي لكم بوافر الصحة والسلامة والرضا والقبول من الله عز وجل

في أمان الله ورعايته
 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة