الموضوع: للدعاة فقط
عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 09-11-2008, 10:14 PM   #2
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي

تابع



من يدفع الفتنة..؟

لا بد أن نعرف أن الفتنة طالما نفخ فيها السفيه اتّقدت نارها وعظم شررها، وإذا وقعت الفتنة وابتلى بها الناس، تاهت العقول واضطربت، قال ابن تيمية رحمه الله: "والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء، وهذا شأن الفتن، كما قال تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة** وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوّث بها إلا من عصمه الله" اهـ. [منهاج السنة 4/343]

ولو تأمّلت حالنا (بإنصاف) دون الخضوع للأهواء والنظريات السياسية وجدت أنه ما من فتنة في الدين إلا ووراءها جنس من البشرية قليلو العلم كثيرو الخوض في السياسة، دون عقل أو كياسة، حكموا العقول في دعوتهم وجعلوها أساس انطلاقتهم إلى الناس، وابحث جيداً في مجتمعاتنا المبتلاة بمثل هذه الأجناس وتأمل: هل تجد عالماً بالشرع ممن تجردوا للعلم الشرعي قاد زمام الفتنة وعرّض المسلمين للقتل والنهب والتشريد من أجل تحقيق مآربه السياسية، أم ستجد أن من يقوم بهذه الأمور (في الأعم الأغلب) من مدّعي العلم بالسياسة الذين فشلوا علمياً وسياسياً.

وهنا يجب أن نعترف أن بعض الناس ممن اشتغل بالسياسة يعاني من الانهزامية وتحركه ضغوط الناس في الشوارع حتى دهمائهم وجهالهم، وها هو أحدهم يعترف بذلك قائلاً: "إن ضغوط الناس لا يمكن إهمالها بحال من الأحوال الآن، ونحن في عصر صار للجماهير تأثير كبير، فأسقطوا زعماء كباراً، وهزوا عروشاً، وحطموا أسواراً وحواجز، وما زالت صور العزَّل الذين يواجهون الدبابات بصدورهم في الاتحاد السوفيتي.."، فهذا الكلام حول التأثير الجماهيري لو كان من رجل ديمقراطي لقُبِل منه (لا أقصد الكلام ولكن الموقف) ولكن حينما يصدر ممن يعمل في حقل الدعوة فإنه موقف مرير، فمتى تقاس الدعوة ونجاحها بالأعداد المتكاثرة؟....وأين هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ويأتي النبي وليس معه أحد"، أي يوم القيامة.

فإلى متى يستمر أسلوب التهييج في الشباب حتى يخترقوا أبواب الفتنة..؟

لماذا نجد بعض الدعاة يسعى للتكثير، دون أن يمحص عقائد من ساروا معه، حتى يأخذه الاغترار ويحاصره الغرور حينما يتكاثر حوله الشباب، ويا ليته يحافظ عليهم بعد أن وثقوا به فلا يلج بهم أبواب الفتنة في الدين والدنيا..، قال الماوردي رحمه الله في "درر السلوك في سياسة الملوك" (ص 122): "مع أن لكل جديد لذة، ولكل مستحدث صبوة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أخوف ما أخاف على أمتي منافقٌ عليم اللسان"، فتصير البدع فاشية، ومذاهب الحق واهية، ثم يفضي الأمر إلى التحزب والعصبية، فإذا رأوا كثرة جمعهم وقوة شوكتهم داخَلَهم عزُّ القوة، ونخوة الكثرة، فتضافر جهّال نسّاكهم، وفسقة علمائهم بالميل إلى مخالفيهم، فإذا استتب لهم ذلك زاحموا السلطان في رئاسته، وقبحوا عند العامة جميل سيرته، فربما انفتق ما لا يرتق، فإن كبار الأمور تبدو صغارا".

وما ذكره المارودي رحمه الله هنا ينطبق على أحوالنا أشد انطباق وأعظمه.

فتأمله بتجرد.



تغيير الواقع



لا شك أن كثيراً من الدعاة (أو ممن يعمل بحقل الدعوة) يسعى للتغيير، وأنا لا أدّعي الكمال في مجتمعاتنا الإسلامية، بل إن روح الإسلام قد تكاد تختفي في بعض الدول الإسلامية ومع الأسف الشديد. لكن السؤال كيف تكون معالجة هذا الواقع دون مفاسد؟..

أولاً: لا بد أن يعرف الدعاة أنه يجب علينا جميعاً أن نخضع لنصوص الكتاب والسنة ولا نتقدم عليهما برأي أو نظر، ولو فعلنا ذلك لاستقام لنا الأمر.

ثانياً: لا بد من معرفة أن الناس في هذه المجتمعات على صنفين: صنف يعيش في دار يكثر فيها البلاء على المسلمين، ويكون فيها المسلمون مستضعفين، وهؤلاء قال شيخ الإسلام ابن تيمية فيهم: "فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف، أو في وقت هو فيه مستضعف، فليعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين". [الصارم المسلول ص221]

فالواجب إذن ألا يعرض نفسه للبلاء والفتنة، وليعلم المسلم أنه كلما زاد تمسكه بالسنة والعقيدة الصحيحة واتباع النبي صلى الله عليه وسلم كلما عصمه الله من كثير من الفتن وعواقب الأمور المردية.

قال ابن القيم عن قول الله تعالى ـ في المشركين ـ مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: "وتأمل قوله تعالى لنبيه: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم** كيف يفهم منه أنه إذا كان وجود بدنه وذاته فيهم دفع عنهم البلاء وهم أعداؤه، فكيف وجود سرِّه والإيمان به ومحبته، ووجود ما جاء به إذا كان في قوم أو كان في شخص، أفليس دفعه عنهم بطريق الأولى والأحرى؟". [إعلام الموقعين 1/173]

وأما الصنف الآخر: فأولئك الذين يعيشون في بلاد يتمتعون فيها بالحرية في ممارسة دينهم وعبادتهم، فهم يعبدون ربهم دون خوف ويمارسون دعوتهم بكل أمان دون ضغوط، ولكن سرعان ما تغشاهم الأفكار الدخيلة التي تدفعهم لتغيير هذا الواقع الطيب، وكأنهم يريدون إما أن تكون الدنيا خلافة على منهاج النبوة وإلا لا...

وهنا لابد لنا من وقفة... فكم من دولة كانت تتمتع بالدعوة على منهاج النبوة مع إقبال أهلها على الدين والاستقامة على السنة، فلم يهدأ أصحاب الدعوات السياسية والثورات حتى قاموا ببعض الأعمال المناوئة للحكومة، فضيقت عليهم ومحت رسوم الدعوة، بل إنك لم تعد تجد من يتزيَّ بزي الإسلام؛ بسبب الحماس غير المنضبط وعدم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته.
يتبع

 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة