عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 30-06-2008, 07:22 PM   #6
معلومات العضو
khaledabofaid

افتراضي

السؤال : الإخوة الأعزاء، تحية طيبة، وبعد وباختصار شديد: المشكلة تتمثل في أن لي أحد الأصدقاء به حالة لبس من الجان.. تأتيه جنّية، وهي تعتبر نفسها زوجة له، وهو يؤكد لي أنه يعاشرها معاشرة الأزواج، إلا أنه يشعر بقلق من هذه العلاقة، وهل تعتبر زنا من الناحية الشرعية أم لا؟.
مع العلم أنه قد ذهب إلى أحد المشايخ لإخراج هذه الجنية منه، وبالفعل عقب قراءة آيات من القرآن الكريم تحوّل صوته إلى صوت أنثى، وكأنه ليس الشخص الذي نعرفه، ولم تخرج منه هذه الجنية؛ حيث أخبرت أنها تحبه، ولا تستطيع أن تتركه.
أرجو الإجابة على هذه المشكلة؛ حيث إن صاحبها يتعذّب، وكلما ذهب لخطبة إحدى الفتيات "انفسخت" هذه الخطبة بسب تلك الجنية، وجزاكم الله خيرا.



الإجابة : نحن نؤمن بعالم الغيب – ولا شك – فهو جزء من عقيدتنا الإسلامية، فنؤمن بالملائكة ونؤمن بالجن الأخيار والجن الأشرار – وهم الشياطين – ونؤمن كذلك أن هناك تفاعلا وتواصلا بين عالم الغيب هذا وعالم الشهادة المرئي المحسوس، ومن أمثلة هذا التواصل أن الملائكة يرسلها الله لتثبيت المؤمنين في القتال، كما أنها – الملائكة – تستغفر للمؤمنين وتحيط بهم وتؤازرهم. أما الشياطين فهي توسوس للإنسان وتُزيِّن له الخطايا وتُعجِّل بدفعه نحوها.
ومما يؤكد التواصل بين هذين العالمين أمثلة أخرى كثيرة، مثل الرؤى والأحلام التي ربما تلتقي فيها أرواحنا بأرواح الموتى، أو ربما نرى أشياء ستحدث في المستقبل.
في ضوء هذا التصور البسيط للعلاقة بين عالم الغيب والشهادة يجب أن تكون نظرتنا الهادئة لموضوع الجن والشياطين.
مفتاح القضية كلها هو أن نميز بين مفهومين قد اختلطا للأسف في عقول الكثيرين:

1- المفهوم الأول: هو أن هناك وسوسة من الشيطان أو مسا أو محاولة للإيذاء، وهذا صحيح، ونؤمن به، وهو يصيب الصالح والطالح، وها هو أيوب (عليه السلام) يقول: "أني مسني الشيطان" وها هو الرسول (صلى الله عليه وسلم) يشكو مرة من أنه سُحر.

2- المفهوم الثاني: هو أن هذه الوسوسة أو هذا المس يسلب الإنسان إرادته، فيقع تحت تأثيره ويصبح لا حول له ولا قوة، "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان"، ثم يأتي الاستثناء "إلا من تبعك من الغاوين"، أي أن الشيطان استطاع أن يستدرج هذا الشخص خطوة خطوة ويوهمه بإحكام سيطرته عليه، وبأنه لا سبيل لمقاومته أو الفكاك منه حتى سُلبت إرادة المسكين تمامًا، وفقد مقاومته ويئس من الانتصار على هذا الشيطان اللئيم.
ولذلك، فإننا سواء كنا مع فريق العلماء الذي أنكر المس أو اعتبره صورة من صور الوسوسة، أو سواء كنا مع العلماء الذين اعترفوا به، فإننا نؤمن أنه في الحالتين لا سلطان للجن على البشر. وهذا هو الذي دفع الشيخ محمد الغزالي رحمه الله عندما جاءه رجل يشكو له من أن به مسًا من الجن إلى أن يقول له: ألا تستحي من أن تكون هكذا طويلا وعريضا وتقول الجن يسيطر علي؟!.
على أي حال، هناك جانب آخر من الموضوع لا يمكن أن نغفله، وهو المرض النفسي؛ فهناك أمراض نفسية تكون مصحوبة بالهلوسة والخيالات من مثل هذا النوع، وغالبًا يكون تفسير الناس لها أنها مس من الجن؛ لأن هذا التفسير أكثر "شياكة" من المرض النفسي؛ حيث ما زلنا ننظر للمريض النفسي على أنه مجنون!!.

القول الفصل في الموضوع هو -سواء كان السبب مسا أو مرضا نفسيا- أن فارس الميدان الأول والأخير في العلاج هو الطبيب النفسي المسلم الواعي، وهو الذي يحدد هل هو مرض أو وسوسة؟ وما هو برنامج العلاج للتغلب على كليهما؟ وهكذا يكون العلاج بالقرآن عملا وليس تلاوة، فشفاء القرآن في تعاليمه وليس البركة به.

لقد رأيت بنفسي عشرات التجارب التي دخلت متاهة الشيوخ والتعاويذ والوصفات، وكم بُحّ صوتي معهم، قلت لهم: إننا لم نسمع في حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) قصة واحدة فيها هذه المراسم والطقوس، اللهم إلا المعوذتين وبعض الأدعية المأثورة.. ثم تمر الأيام وإما أن ينتهي بهم المطاف إلى الطبيب النفسي، وإما أن تشغلهم مشاكلهم وحياتهم ليسألوا أنفسهم بعد فترة: أين ذهبت العفاريت؟!

كلمتي الأخيرة – بعد أن فتحت شهيتي للحديث عن الجن – أقول لك بأنهم يتميزون بثلاث صفات:
الأولى: هي الكذب؛ فالشيطان دائمًا يوحي لك أنه يسيطر عليك ويملك مفاتيحك. والثانية: هي الضعف؛ فالشيطان بمجرد أن تطرده يخنس. والثالثة: هي الدأب؛ فهو سرعان ما يعود ويعاود الكرة.
آن الأوان لننشغل بمشكلاتنا الحقيقية، وآن الأوان لمثل هذه القضايا أن تختفي معها كتبها التي تملأ الأرصفة، ويختفي معها الجهل والفراغ والتخبط، وتذهب جميعًا للجحيم مع الجن الطالحين والشياطين المارقين.

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة