عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 06-07-2021, 11:26 PM   #2
معلومات العضو
عبد الغني رضا

إحصائية العضو






عبد الغني رضا غير متواجد حالياً

الجنس: male

اسم الدولة algeria

 

 
آخـر مواضيعي

 

I15 التفكر في عظمة الخالق

التفكر في النطفة
قال ابن القيم رحمه الله: "فانظر الآن إلى النطفة بعين البصيرة؛ وهي قطرةٌ من ماءٍ مهينٍ ضعيفٍ مُسْتَقْذر، لو مرَّت بها ساعةٌ من الزمان فسَدت وأنتنَت، كيف استخرجها ربُّ الأرباب العليمُ القديرُ من بين الصُّلب والتَّرائب، منقادةً لقدرته، مطيعةً لمشيئته، مذلَّلةَ القِياد على ضيق طُرقِها واختلاف مجاريها، إلى أن ساقها إلى مستقرِّها ومَجْمَعِها.
وكيف جمع سبحانه بين الذَّكر والأنثى، وألقى المحبَّة بينهما، وكيف قادهما بسلسلة الشَّهوة والمحبَّة إلى الاجتماع الذي هو سببُ تخليق الولد وتكوينه.
وكيف قدَّر اجتماع ذَينِك الماءين مع بُعْدِ كلٍّ منهما عن صاحبه، وساقهما من أعماق العروق والأعضاء، وجمعهما في موضعٍ واحدٍ جُعِلَ لهما قرارًا مكينًا، لا ينالُه هواءٌ يفسدُه، ولا بردٌ يجمِّدُه، ولا عارضٌ يصلُ إليه، ولا آفةٌ تتسلَّطُ عليه ثمَّ قَلَبَ تلك النطفةَ البيضاء المشرقة علقةً حمراءَ تَضرِبُ إلى سوادٍ، ثمَّ جعلها مضغةَ لحمٍ مخالِفةً للعلقة في لونها وحقيقتها وشكلها، ثمَّ جعلها عظامًا مجرَّدةً لا كسوةَ عليها، مباينةً للمضغة في شكلها وهيئتها وقَدْرِها وملمسها ولونها.
وانظر كيف قسَّم تلك الأجزاء المتساوية المتشابهة إلى الأعصاب والعظام والعُروق والأوتار واليابس والليِّن، وبَيْن ذلك، ثمَّ كيف رَبَط بعضها ببعضٍ أقوى رباطٍ وأشدَّه وأبعدَه من الانحلال.
وكيف كساها لحمًا ركَّبه عليها، وجعله وعاءً لها وغشاءً وحافظًا، وجعلها حاملةً له مقيمةً له؛ فاللحمُ قائمٌ بها وهي محفوظةٌ به.
وكيف صوَّرها فأحسنَ صُوَرها، وشقَّ لها السَّمعَ والبصرَ والفمَ والأنفَ وسائر المنافذ، ومَدَّ اليدين والرِّجلين وبسطهما، وقسَّم رؤوسَهما بالأصابع، ثمَّ قسَّم الأصابعَ بالأنامل، وركَّب الأعضاءَ الباطنة من القلب والمعدة والكبد والطِّحال والرِّئة والرَّحِم والمَثانة والأمعاء، كلُّ واحدٍ منها له قَدْرٌ يخصُّه ومنفعةٌ تخصُّه."
مفتاح دار السعادة (541/2).

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة