عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 15-01-2011, 05:26 AM   #1
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

Icon41 شرح دعاء : « اللهمَّ أصلح لي ديني . . . »

شرح دعاء : « اللهمَّ أصلح لي ديني . . . »





بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


إنَّ الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أنْ لا إلـٰه إلاَّ الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ مُحمَّدًا عبده ورسوله ، صَلَّىٰ اللهُ وسَلَّم وباركَ عليه ، علىٰ آلهِ وأصْحابهِ أجْمعين .



أَمَّا بَعْدُ :



أيُّها الإخوة ؛ نحن اليوم مع حديثٍ فيه دعاءٌ جامعٌ أيضا ، كما تقدَّم في الحديث الَّذي قبله ،

« اللهمَّ ! إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدىٰ ، وَالتُّقىٰ ، وَالْعَفَافَ ، وَالْغِنَىٰ » (1) ،

فمن حصل علىٰ ذٰلك فإنَّه قد حصَّل علىٰ كل شيءٍ ممَّا يتعلَّق بأسباب السَّعادة ،

الَّتي يسعدُ بها المرء في دنياهُ ، وفي آخرته ، وهٰذا اليوم نحن مع حديث :

« اللّٰهُمَّ ! أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي ، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي ،

وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ ،

وَالْمَوْتُ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ » (2) .



هٰذا الدُّعاء المبارك الثَّابت عن النَّبِيِّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،

أيضاً فيه من جوامع كَلِمِهِ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسة أمور :



الأمرُ الأوَّل : الدُّعاء بِصَلاح الدِّين .



والأمرُ الثَّاني : الدُّعاء بِصَلاح الآخرة .



والأمرُ الثَّالث : الدُّعاء بِصَلاح الدُّنيا ، الَّذي يترتَّبُ عليه صلاح الآخرة .



والأمرُ الرَّابع : الدُّعاء بأنْ تكون الحياة والعمر مزيدًا من الخير والتُّقىٰ ، وزيادةً في العمل الصَّالح .



والأمرُ الْخامسُ : الدُّعاء بأن يكون الموتُ راحةً من الفتن والشُّرور الَّتي قدْ تُصِيبُ الأحياء .



ولنبدأ بالجملة الأولىٰ في هٰذا اليوم .



« اللّٰهمَّ ! أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي » .



صَلاح الدِّين ، والنَّفس ، والْمَال ، والْعِرض ، والْعقل ،

هٰذه الأُمُور الْخمسة إذا حفظ الله المرء فيها نالَ سعادة الدُّنيا والآخرة ،

بلْ تلك هي السَّعادة الْكُبرىٰ الَّتي لا تعدلها سعادة .



وأساس ذٰلك كلِّه صلاح الدِّين .



والدِّينُ : ما يدينُ به الْعبد ويعتقده ، ويعمل به ، ويكافح مِنْ أجله ، ويعتنقه ،

ويلتزم أوامره ، ويجتنب نواهيه ، وهو دين الإسلام .



الدِّين الَّذي لا يقبل الله دينًا سِواه ؛ ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ( آل عمران : 19 ) .



وقال تعالىٰ : ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ


( آل عمران : 85 ) .



فإذا صَلُحَ دينك ، صَلُحَتْ أُمُورُ دُنياك ، ولذٰلك بَدَأَ به فِي الدُّعاء عليه الصَّلاة والسَّلام فقالَ :

« اللّٰهمَّ ! أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي » .



« عِصْمَةُ أَمْرِك » : حَزْمُه ، سَلامته ، قَوَامُه ، أسَاسُه ، رُكْنُهُ الرَّكين ، وحِصْنُهُ المتين .



فصلاح الدِّين وحفظه ، يا عبد الله !



هو الأساسُ لصلاح الدُّنيا والآخرة ، وهو الأساسُ لسعادة العبد ،

وتحقيقه للأمر الَّذي أوجده الله له ، وخلقه مِن أجله .



* فإنَّنا قد خلقنا الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ :



˘ مِنْ أجل هٰذا الدِّين .



˘ مِنْ أجل أنْ نُقيم شرع الله .



˘ مِنْ أجل أنْ نُحقِّق عبادة الله .



˘ مِنْ أجل أنْ نُحقِّق توحيد الله تبارك وتعالىٰ .



˘ مِنْ أجل أنْ نَعْبُدَهُ وحدَهُ لا شريك له ، ونَنْبُذَ عبادة مَنْ سِواه .



﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ( البينة : 5 ) .



لذٰلك هو الدِّين الْمُسْتقيم ، ﴿ دِينًا قِيَمًا ( الأنعام : 161 ) ،

مُسْتقيما .



فما يدين به العبد ربَّهُ مِنْ تحقيق العبوديَّة له سُبْحانه ، وامْتثال سائر أوامرهِ واجْتناب جميع نواهيه ،

هٰذه هي الغاية والمقصود مِنْ خلق الإنسان .



كما قال الله تبارك وتعالىٰ : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ *

إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ( الذاريات : 56 ، 58 ) .



إذا عَرَفَ الإنسان هٰذا الغرض الَّذي خُلِقَ له ، وَوُجِدَ مِنْ أجْله اِسْتقام علىٰ دين الله عَزَّ وَجَلَّ ،

وشَرْعه ، وطَبَّقَ أوامرهُ ، واجْتَنَبَ نواهيه .



ومِنْ ثَمَّ تَرَتَّبَ علىٰ ذٰلك صلاحُ جميع الأُمُور الأُخْرىٰ .



لأنَّهُ إذا حقَّقَ الْعَبْدُ الْغَرضُ الَّذي خلقه الله له ، وطَبَّقَهُ تمامًا ، وتَفَانىٰ مِنْ أجله ،

واجْتَهَدَ فِي طاعة ربِّه ، وطاعة رسوله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،

فإنَّ تلك سعادةٌ لا تعدلها سعادة .



ولو يعلم الشَّقِيُّ ، ولو كان أغْنَىٰ النَّاس بما يشْعرُ به ، مَنْ التزم بدينه مِنْ سعادةٍ تَغْمُرُ قلبه بالخير ،

والتُّقىٰ ، ومُحبَّة الخير ، والاجتهاد في طاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ ،

لو يعلم ما في ذٰلك مِنَ الخير ، لجالد عليه بالسَّيْف .



كما جاء ما يدلُّ علىٰ هٰذا المعنىٰ فِي كلام كثيرٍ مِنَ السَّلف .



ولذٰلك فإنَّ الدِّين هو حصن الحصين ، والرُّكن الرَّكين الَّذي يحفظ الله به المرء ،

ويَعْصِمه به مِنْ آفات الدُّنيا والآخرة .



فإذا عرفنا إنَّ الدِّين المقصود هنا هو الإسلام ، وهو ما يدين العبد ربَّه به ،

مِنَ الاسْتقامة علىٰ طاعته ، وعمل بما يُرضيه ، والْبُعد عن مساخطه ، وامْتثال أمره ،

واجْتناب نهيه ، فإنَّ هٰذا هو سبب العِصْمة ، والسَّلامة ، والْخير ، فِي الدُّنيا وفِي الآخرة .



وقوله : « الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي » ، يدلُّ علىٰ معانٍ عديدة :



فيه العِصْمَةُ مِنَ الزَّلل ، والذُّنوب ، والآثام ، والبِدع ، والخُرافات .



فيه عِصْمَةُ النَّفسِ ، والْمَالِ ، والْعِرضِ ، والْعقل .



فيه عِصْمَةُ الْبَدن وسَلامته ، مِنَ الآفاتِ والشُّرور .



فيه السَّعادةُ ، كُلُّ السَّعادة ، فِي الدُّنيا ، وفِي الآخرة .



وكيف يكون عِصْمَةً لهُ ؟



يكون عِصْمَةً لهُ فِي أمر دُنْياهُ وآخِرته ، إنْ هُو طَبَّقَهُ واسْتَقامَ عَلَيْه ، بأن يحفظه الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ ،

ويَكْلَأَ ، ويرعاه ، ويوفّقه لعمل الخير ، ويبعدهُ عن كلِّ ما يُخالف ذٰلك .



* العِصْمَةُ أيضاً من معانيها : السَّلامة ، والْكَلَاءَتُه ، والرِّعاية .



« الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي » ، يَعْصِم الله به أمْرَنَا بأنْ يَحفظنا به إلىٰ أنْ نلقاهُ سُبْحانَهُ وَتَعَالَىٰ ،

ونحن علىٰ ذٰلك ، نسأل الله أنْ يُحقِّقَ لنا ذٰلك .



يقول رسُول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّىٰ يَشْهَدُوا : أَنْ لَا إِلـٰهَ إِلَّا الله ،

وأَنِّي رَسُولُ الله ، فإِذَا فَعَلُوا ذٰلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ ، وَأَمْوَالَهُمْ ، وَحَسَابَهُمْ عَلَىٰ اللهِ جَلَّ وَعَلَا » (3) .



فانْظر يا عبد الله !



إلىٰ الدِّين ، والْمُسْتَقِيمينَ عليه ، ومُطَبِّقين لأوامر اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ ، والممتثلين لنواهيه ،

كم يحفظهم الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ مِنْ أُمُورٍ عظيمة ؟.



قالَ النَّبِيِّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَبْر الأُمَّة وتُرجمان القُرآن عَبْدِ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا :

« يَا غُلَامْ ! إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : اِحْفَظِ اللهَ ؛ يَحفَظُكَ ، اِحْفَظِ اللهَ ؛ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ،

تَعَرَّفْ إِلَىٰ اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفُكَ فِي الشِّدَّةِ ، إِذَا سَأَلْتَ ؛ فَاسْأَلِ اللهَ ، وَإِذَا اِسْتَعَنْتَ ؛

فَاسْتَعِنْ بِاللهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اِجْتَمَعُوا عَلَىٰ أَنْ يَنْفَعُوكَ لَنْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بأَمْرٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ ،

وَلَوِ اِجْتَمَعُوا عَلَىٰ أَنْ يَضُرُّوكَ لَنْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بأَمْرٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ ، جَفَّتِ الأَقْلَامُ وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ » (4)



فِي الدِّين عِصْمَةٌ لك مِنَ الشِّرك ؛ والوقوع فيه ، لأنَّ المسلم إذا عرف التَّوحيد وحقَّقه ،

سَلِمَ ممَّا يُضادُّهُ ، وهو الإشراك بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ .



* فِي الاِسْتقامة علىٰ الدِّين وتحقيق التَّوحيد الأمنُ فِي الدُّنيا والآخرة .



قالَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ : ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ

لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ( الأنعام : 82 ) .



فَالظُّلم هنا : الشِّرك ؛ لأنَّ مَنْ عرف الدِّين وطبَّقه سَلِمَ مِنَ الشِّرك .



الظُّلم الأكبر هو : الشِّرك .



كما قالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ : ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ( لقمان : 13 ) .



ولذٰلك لَمَّا قالَ أبو بكر ، ومَنْ معه مِنَ الصَّحابة عندما نزلت هٰذه الآية ، قالوا :

وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمَ نَفْسَهُ يَا رَسُولُ الله ! فقالَ النَّبِيُّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

« لَيْسَ هُوَ ذَاكَ - لَيْسَ هُوَ الظُّلْمَ الَّذِي تَعْنُونَ - الظُّلم المقصود به هُنَا هُوَ : الشِّرْك » .



ألا ترىٰ إلىٰ قول العبد الصَّالح : ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ( لقمان : 13 ) (5) .



وقد فسَّر النَّبِيُّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذٰلكَ بِبيان أنواع الظُّلم الثَّلاثة ، فأخبر أنَّ الدَّواوينُ الثَّلاثة (6) .
 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة