عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 16-09-2021, 05:20 PM   #1
معلومات العضو
أحمد بن علي صالح

افتراضي لا يحل قتل مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال..

حالات إباحة قتل المسلم:
1113 - وعن عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل قتل مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال: زانٍ محصن فيرجم، ورجل يقتل مسلمًا متعمِّدًا فيقتل، ورجلٌ يخرج من الإسلام فيحارب الله ورسوله، فيقتل، أو يصلب، أو ينفى من الأرض". رواه أبو داود، والنسائيُّ وصحَّحه الحاكم.
قوله: "زان محصن فيرجم" هذا كقوله: "الثيب الزاني" وقوله: "ورجل يقتل مسلمًا متعمدًا فيقتل" وهذا معنى قوله: "النفس بالنفس"، وهنا اشترط متعمدًا لأنه لا يمكن ثبوت القصاص إلا إذا كان القتل عمدًا وتعريف العمد هو أن يقتل من يعلمه آدميًا معصومًا فيقتله بما يغلب على الظن ما يقتله به ولابد من شروط زائدة على العمد، وهي تكليف القاتل بأنه بالغًا عاقلًا فلو تعمد الصبي قتل إنسان فإنه لا يقتل ولو تعمد المجنون قتل إنسان فإنه لا يقتل لأنه مرفوع عنهما القلم فعمدهما خطأ يثبت فيه ما يثبت بقتل العاقل البالغ خطأ وهو الدية على العاقلة وأما الكفارة فلا تجب عليهما أيضًا، لأن الصغير ليس من أهل التكليف والمجنون كذلك فلا كفارة على من لم يبلغ إذا قتل خطأ وإذا قتل عمدًا فكذلك لأن عمد الصغير والمجنون خطأ يشترط أيضًا في القتل عصمة المقتول فإن لم يكن معصوم الدم فلا قصاص، فالحربي إذا قتله الإنسان فلا قصاص، والزاني المحصن إذا قتله الإنسان فلا قصاص لكن بشرط أن يحكم برجمه أما قبل ثبوته عند الحاكم فهو باقٍ على عصمته والشرط الثالث ألا يفضل القاتل المقتول في الدين والحرية والملك فلا يقتل المسلم بالكافر ولو تعمد ولو كان الكافر معصومًا كالذمي لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتل مسلم بكافر الحرية أيضًا سبق الكلام فيها لا يقتل حر بعبد وسبق الكلام فيها والملك أيضًا بأن لا يكون القاتل مالكًا لمقتول فإن كان مالكًا للمقتول فإنه لا يقتل به ولو كان المالك عبدًا إذا كان مكاتبًا وهو الذي اشترى نفسه من سيده وهو جائز التصرف - يبيع ويشتري ويملك - لكنه ليس جائز التبرع، فإذا اشترك المكاتب عبدًا ليتَّجر به حتى يوفي الدّين الذي في كتابته ثم إن هذا المكاتب قتله فكلاهما عبد، لكن هذا المكاتب يفضله بأنه سيده مالكه فلا يقتل به وعلى القول الراجح الذي رجحنا أنه يقتل الحر بالعبد يقتل به من باب أولى، الشرط الرابع: انتفاء الولادة فلا يقتل الأصل بالفرع، يعني: لا يقتل الأب بابنه ولا الأم بابنها أو بنتها وسبق لنا ذكر الخلاف فيه أنه يقتل به.
إذن نضيف إلى قوله صلى الله عليه وسلم يقتل مسلمًا متعمدًا نضيف بقية الشروط حتى يتمكن الإنسان من تطبيق كل مسألة جزئية على هذه الشروط فإن تمت الشروط ثبت القصاص، وإن لم تتم لم يثبت القصاص، قال ورجل يخرج من الإسلام فيحارب الله ورسوله ... إلخ.
هنا يقول رجل يخرج من الإسلام هل المراد يكفر فيحارب بين الكفر والحرابة أو المعنى أنه بخروجه من الإسلام حارب الله ورسوله؟ يحتمل الحديث المعنيين، لكن المعروف أن من كفر بدون حرابة فإنه لا يثبت في حقه الصًّلب أو النفي من الأرض ويكون المعنى يخرج من الإسلام بالكفر فيقتل أو يحار بالله ورسوله ولو كان باقيًا على الإسلام فيستعمل في حقه ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض، وهذا مأخوذ من الآية وهي قوله تعالى: ** إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفقوا من الأرض **[المائدة: 33]. هؤلاء هم المحاربون لله ورسوله، وآكل الربا له قسط منهم لقول الله تعالى: ** فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله **[البقرة: 279]. فالمراد بالمحاربة هنا: قال العلماء المراد قطع الطريق بأن يتصدى قوم أو واحد من الناس للناس في طريقهم فيسلبهم المال أو يقتل أنفسهم بالسلاح فهذا قاطع طريق ويجب أن يقتل أو يصلب أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض وهل "أو" للتنويع أو للتخيير؟ اختلف في ذلك المفسرون والفقهاء، فقيل: للتنويع، وقيل: للتخيير، والفرق بين القولين: أنه إذا قيل: إنها للتخيير صار الإمام مخيرًا بين هذه الأربعة وهي القتل والصلب وتقطيع الأيدي والأرجل من خلال والنفي من الأرض، وإذا قيل: إنها للتنويع صارت هذه العقوبات منزلة على قدر الجريمة، فتختص كل عقوبة بجريمتها ولا يخير الإمام، فيقال: من فعل كذا فعل به كذا، فعلى هذا القول يقولون إن قطاع الطريق إذا قتلوا فقط، وإن قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإن أخذوا المال بدون قتل قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإن أخافوا الطريق دون أن يعتدوا على أحد في مال أو دم فإنهم ينفون من الأرض فتكون هذه العقوبات مرتبة على قدر الجريمة فيكون الفرق بين القولين أن هذا القول مقيد للإمام بعقوبة معينة، وأما القول الأول فيخير الإمام ولكن هل معنى التخيير أنه تخير تشهِ بفعل ما يشاء أو هو تخيير مصلحة؟ الثاني، وهذه قاعدة: كل من تصرف لغيره وخيِّر فهو تخيير مصلحة، الوكيل والولي وناظر الوقف والوصي وولى الأمر من أمير أو قاضٍ أو غيره إذا خيِّر بين شيئين فتخييره تخيير مصلحة أما من خير بين شيئين في أمر يتعلق به بنفسه ويقصد به التسهيل عليه فتخييره هنا تخيير تشهِ ومتى يصلب وكيف يصلب؟ إذا رأى الإمام أن يقتل ويصلب أو كانت الجريمة على القول الثاني تقتضي القتل أو الصلب فمتى؟ قيل: إنه يصلب وهو حي وقيل: يقتل ثم يصلب وأيهما أنكى؟ الأول لاشك فإذا رأى ولي الأمر أن الأنكى أن يصلب قبل أن يقتل فليفعل لأنه إذا صلب بعد القتل فإنه هو بنفسه لا يتعب وما يضر الشاة سلخها بعد موتها وكيف يصلب؟ يصلب بأن يربط على خشبة لها يدان فتمد يداه على يدي الخشبة ويبقى قائماً إلى أن يشتهر فإذا اشتهر نزِّل وقتل إن قلنا بصلبه قبل القتل أو نزل وغسل وكفن وصلى عليه ودفن مع الناس، وأما التقطيع فلم يذكر في الحديث لكن في الآية تقطع اليد اليمنى والرِّجل اليسرى تقطع اليد اليمنى من مفصل الكف وتقطع الرجل اليسرى من مفصل العقب ولا يقطع العقب يبقى لأجل أن يمشي عليه لأنه لو قطع لاختلت الرِّجل ولا استطاع أن يمشي، وقوله: أو ينفى من الأرض إلى أي أرض؟ قال بعض العلماء يطرد إلى أرض غير أرضه، ولكن هذا القول اعترض بأنه ربما يفسد في الأرض الثانية فإذا خفنا من ذلك فإن النفي من الأرض يكون بالحبس حتى تظهر عليه علامة التوبة النصوح فإذا ظهرت أطلق.
إذن هذا الحديث يختلف عن الأول في كيفية العقوبة فيمن خرج عن الإسلام، وقد قلنا: إنه إذا خرج عن الإسلام فجمع بين الكفر والحرابة فهذا جزاؤه وإن لم يحارب فإنه يقتل بالسيف. يؤخذ من هذا الحديث فوائد: أولًا: احترام الدين الإسلامي لقتل النفس المعصومة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل قتل".
ومن الفوائد: أن نفي الحلِّ، يعني: التحريم لأن نفي الشيء إثبات لضده وعليه فكلمة "ولا يحل" توازي كلمة: يحرم، وهذا في كلام الله ورسوله واضح، فقوله تعالى: {ولا يحلُّ لكم أن تأخذوا ممَّا ءاتيتموهنَّ شيئًا** [البقرة: 229]. {يأيُّها الذين ءامنوا لا يحلُّ لكم أن ترثوا النساء كرهًا** [المائدة: 19]. فهذا معناه يحرم لكن في كلام الفقهاء إذا قالوا لا يجوز فقد لا يريدون به التحريم قد يريدون به ما دون التحريم وهو الكراهة لكن في كتاب الله وسنة رسوله ففي الحلِّ إثبات للتحريم.
ومن فوائد الحديث: أن من أسباب إباحة القتل هذه الثلاث خصال.
ومن فوائد الحديث: جواز رجم الزاني المحصن، ولكن قال بعض العلماء: إن هذا يدل على الوجوب أي: وجوب الرجم- لأن المستثنى من الحرام واجب إذ لا ينتهك الحرام إلا بواجب لكن هذا فيه نظر لأن نفي الجواز إذا استثنى ما لا يدل على الوجوب {ولا يحلُّ لكم أن تأخذوا ممَّا ءاتيتموهنَّ شيئًا إلَّا أن يخافا ألَّا يقيما حدود الله فإن خفتم ألَّا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما**، ونفي الجناح لا يدل على الوجوب، وهذه القاعدة أن المستثنى من المحرم واجب بنى عليها بعض العلماء وجوب الختان قال: لأن الأصل تحريم قطع العضو من الإنسان فإذا أبيح في الختان دلَّ ذلك على وجوبه لأن الحرام لا ينتهك إلا بواجب، على كل حال: الحكم من حيث هو الحكم لا شك أن رجم الزاني واجب وأنه فريضة من فرائض الله كما أعلن ذلك أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.
ومن فوائد الحديث: أن الزاني المحصن لابد أن يرجم رجمًا وذلك بالحجارة التي ليست بكبيرة ولا صغيرة مع اتقاء المقاتل، يعني: لا يقصد مقتله فيموت بسرعة.
فإن قال قائل: ما الجمع بين هذا وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم "وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة"؟ الجمع بأحد وجهين إما أن نقول: إن هذا مستثنى أو نقول إن معنى إحسان القتلة أن يقتل على حسب ما تقتضيه الشريعة.
ومن فوائد الحديث: أنه يشترط للقصاص أن يكون القتل عمدًا لقوله: "متعمدًا"، هل يؤخذ من هذا الحديث اشتراط أن يكون القاتل بالغًا عاقلًا؟ نقول أما من جهة اشتراط أن يكون عاقلًا فلاشك أنه يؤخذ من هذا الحديث لأن المجنون ليس له قصد، وأما غير البالغ فلا يؤخذ لأن له قصدًا لكن يقال إن قصد غير البالغ لا حكم له لرفع القلم عنه أو يؤخذ من قوله: "رجل" لأنه لا يوجب القصاص على غير البالغ لأنه لا يسمى رجلًا.ومن فوائد الحديث: أن من خرج عن الإسلام فإن قتله مباح مهدر الدم لقوله ورجل يخرج من الإسلام.
ومن فوائد الحديث: أن المحارب لله ورسوله ينكل بهذا النكال القتل والصَّلب والنفي من الأرض وبقي عقوبة رابعة لم تذكر في الحديث ولكنها ذكرت في الآية {أو تقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ**.


الكتاب: فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام
الشيخ : محمد بن صالح العثيمين

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة