عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 03-09-2004, 08:37 AM   #2
معلومات العضو
أبو البراء

لموقع ومنتدى الرقية الشرعية - مؤلف ( الموسوعة الشرعية في علم الرقى )
 
الصورة الرمزية أبو البراء
 

 

افتراضي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،

لقد قرأت بتمعن كل ما ذكره أخي الكريم ( عمر السلفيون ) – حفظه الله ورعاه – حول الرد على بعض التعقيبات التي ذكرها ، ووجدت أننا نلتقي في كثير من المسائل التي طرحت إلا أنه استوقفني بعض النقاط ورأيت لزاماً عليَّ أن أعقب عليها بعلمي المتواضع ، وهي على النحو التالي :

المسألة الأولى : أما قوله – وفقه الله للخير فيما ذهب إليه - : ( ومن أغرب ما قرأت وسمعت حول حديث الجن الطيار والذي يقول فيه إن الجن الطيار يهرب حين الرقية ويعود بعد ذلك لأن خاصية الطيران عنده تذهب به بعيداً عن جسد المريض 0
ثم يقول : ( سبحان الله كيف ننزل أحاديث لا تمت بصلة لمسألة اللبس أو المس إنما الحديث يدل على إخبار يفيد وجود أصناف من الجن بتلك الصفات فينزل الحديث على أنه يهرب حين الرقية ويعود بعدها وكأن الأذكار والتحصينات التي علمنا إياها رسولنا الكريم مجرد لغو لسان وليست على الحقيقة 0000 ) 0

أقول وبالله التوفيق :

1)- إن المسألة اجتهاد بناء على التجارب الكثيرة والمتنوعة مع الجن والشياطين ، وكون أن تذكر أنواع الجن وأصنافها ، فهذا لا يمنع أن يعتبر الاقتران الشيطاني أحد هذه الأنواع ، بدليل أن بعض العقارب والحيات المتواجدة في البيوت كانت من قبيل الأصناف المذكورة ، وقد حصل من قِبلِها إيذاء لأهل البيت ، وكذلك العمار في البيوت ، وأذكر في سياق الحديث ما ذكرته في كتابي ( منهج الشرع في بيان المس والصرع ) حول موضوع العمار من باب الاستئناس على النحو التالي :

ذكر البلوي قصة عن سعيد بن المسيب التابعي الجليل هذا نصها :
( كان سعيد بن المسيب يلزم الصلاة في المسجد النبوي في المدينة ، فنظر ذات يوم في المسجد فلم ير فيه أحدا ممن يعرفه فنادى بأعلى صوته :
ألا ذهب الحماة وأسلموني00000000000000فوا أسفي على فقد الحمــاة
هم كانوا الثقات لكل أمر00000000000000وهم زين المحافل في الحيــاة
تولوا للقبـور وخلفوني00000000000000فوا أسفي على موت الثقـاة
فأجابه هاتف من ناحية المسجد يسمع صوته ولا يرى شخصه :
فدع عنك الثقات وقد تولوا00000000000000ونفسك فابكها حتى الممات
وكل جماعة لا بد يومــا00000000000000يفرق جمعهم وقع الشتـات
فقال له " سعيد بن المسيب " من أنت يرحمك الله ؟ فقال : أنا رجل من الجن كنا في هذا المسجد تسعين رجلا فأتى الموت على جماعتنا كما أتى على جماعتكم ولم يبق منا أحد غيري كما لم يبق منكم أحد غيرك ، ونحن يا أبا محمد لاحقون بهم عن قريب 0
قال ابن المسيب : وقد لقيته بعد ذلك بمكة وظهر لي وسلم علي ثم لم أره بعد ذلك ) ( عالم الجن والشياطين من القرآن الكريم وسنة خاتم المرسلين - ص 36 - نقلا عن كتاب ألف باء للبلوي ) 0

ذكر الشبلي - رحمه الله - في كتابه المنظوم " أحكام الجان " : ( قال أحمد بن سليمان النجاد في أماليه : حدثنا علي بن الحسن بن سليمان أبي الشعثاء الحضرمي أحد شيوخ مسلم ، حدثنا معاوية ، سمعت الأعمش يقول : تزوج إلينا جني فقلت له : ما أحب الطعام إليكم ؟ فقال : الأرز 0 قال : فأتيناه به فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى أحدا فقلت : فيكم من هذه الأهواء التي فينا ؟ قال : نعم 0 قلت : فما الرافضة فيكم ؟ قال : شرنا 0 قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي تغمده الله برحمته : هذا إسناد صحيح إلى الأعمش ) ( أحكام الجان – ص 95 ) 0

وقال : ( قال ابن أبي الدنيا : عن يزيد الرقاشي : أن صفوان بن محرز المازني كان إذا قام إلى تهجده من الليل قام معه سكان داره من الجن فصلوا بصلاته واستمعوا لقراءته 0
قال السري : فقلت ليزيد : كان إذا قام سمع لهم ضجة فاستوحش لذلك ، فنودي لا تفزع يا عبدالله فإنا نحن إخوانك نقوم بقيامك للتهجد فنصلي بصلاتك 0 قال : فكأنه أنس بعد ذلك إلى حركتهم ) ( أحكام الجان - صفحة 76 ) 0

وقال أيضا : ( قال ابن أبي الدنيا : عن سوادة بن الأسود قال : سمعت أبا خليفة العبدي قال : مات ابن لي صغير فوجدت عليه وجدا شديدا وارتفع عني النوم فوالله إني ذات ليلة لفي بيتي على سريري وليس في البيت أحد وإني لمفكر في ابني إذ ناداني مناد من ناحية البيت : السلام عليكم ورحمة الله يا خليفة 0 قلت : وعليكم السلام ورحمة الله 0 قال : فرعبت رعبا شديدا ثم قرأ آيات من آخر سورة آل عمران حتى انتهى إلى قوله تعالى : ( وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ ) ( سورة آل عمران – الآية 198 ) 0 ثم قال : يا خليفة0 قلت : لبيك 0 قال : ماذا تريد أن تخص بالحياة في ولدك دون الناس ، أفأنت أكرم على الله أم محمد صلى الله عليه وسلم قد مات ابنه إبراهيم فقال : ( تدمع العين ويحزن القلب ) ، ولا نقول ما يسخط الرب ، أم تريد أن تدفع الموت عن ولدك وقد كتب على جميع الخلق ، أم تريد أن تسخط على الله وترد في تدبيره خلقه والله لولا الموت ما وسعتهم الأرض ، ولولا الأسى ما انتفع المخلوق بعيش 0 ثم قال : ألك حاجة ؟ قلت : من أنت يرحمك الله ؟ قال : امرؤ من جيرانك الجن والله أعلم ) ( أحكام الجان – ص 111 ، 112 ) 0

قال الأصفهاني : ( قال محمد بن عبدالعزيز بن سلمان : كان أبي إذا قام من الليل ليتهجد سمعت في الدار جلبة شديدة ، واستقاء للماء الكثير ، قال : فنرى أن الجن كانوا يستيقظون للتهجد فيصلون معه ) ( حلية الأولياء – 6 / 245 ) 0

فهذا أخي الكريم لا يمنع كما أشرت لك آنفاً أن يعتبر هذا النوع ممن يقترن بالإنسان فيلابسه ، وهذا الكلام لا يعتبر جزماً في المسألة ، وقد بينت أنه اجتهاد بناء على كثير من التجارب والممارسات في هذا العلم ، وليس الحديث أو إبداء الرأي فيه يعتبر اقحاماً في المسائل الرئيسة في العقيدة والدين ، واعتقادي الجازم من خلال ممارساتي وخبراتي وتجاربي خلال السنوات الطويلة بوجود مثل هذا النوع ، والله تعالى أعلم 0

2)- أما بخصوص مسألة الوقاية والحصانة بالذكر والدعاء ، فأحيلك أخي الكريم إلى الرابط التالي الذي يبين عقيدة ومنهج أهل السنة والجماعة في هذه المسألة المهمة :

http://www.gesah.net/vb/vb/showthread.php?threadid=7207

3)- أما قولك – وفقك الله لكل خير - : ( وعلى هذا المبدأ أقول وأصرح بكل ثقة وصدق بأن أطول مدة مكث معي المريض أسبوعاً واحداً !!!!!!!!!!!!!!!!!!!! ) 0

هذا الكلام من وجهة نظري فيه نظر ، بسبب الاعتبارات التالية :

أ- إن كان لديك اليقين التام بالله سبحانه وتعالى ، وبالرقية الشرعية وهذا مما لا نشك فيه – ولا أزكي أحداً على الله سبحانه وتعالى ، فكيف بمن تقرأ عليه أخي الحبيب ، وأنت أعلم مني بأن كثير ممن طرق باب الرقية الشرعية ، قد لا يكون في الأصل ملتزماً لا بكتاب ولا بسنة ، وإنما دفعته الظروف لطلب الرقية ، وهم كثر ، ولا أبالغ أن قلت بأن النسبة تتعدى 90 % ، فهل يعقل أن أمثال هؤلاء سوف تستمر معاناتهم مدة أسبوع فقط ، وبخاصة تعرض الكثير لحالات السحر الشديدة في العصر الذي نعيش فيه وقد عاينت هذا من خلال تجربتي في الرقية الشرعية ودروبها ومسالكها ، فالشفاء من الله سبحانه وتعالى وحده ، والمسألة بشكل عام تعتمد على عدة عوامل منها : إرادة الله سبحانه وتعالى ، وعقيدة ومنهج المعالِج والمعالَج ، والتوجه والتوكل على الله سبحانه وتعالى ، والمحافظة على الذكر والدعاء وهيَّ من أقوى الوسائل في الوقاية والتحصين والإقبال على الطاعات والبعد عن المعاصي ، وأسباب كثيرة أخرى لا داعي لذكرها الآن 0

ب- ابتلاء الله سبحانه وتعالى للعبد لا يعتبر نقمة ، بل على العكس من ذلك تماماً ، وكافة الأدلة النقلية الصريحة تؤكد على هذا المفهوم ، وبالتالي فقد يتأخر الشفاء لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى ، ولا أخفيك أخي الحبيب ، فمن واقع تجربتي الشخصية في مجال الرقية ، فبعض الحالات شفيت بإذن الله عز وجل من قراءة واحدة ، والبعض الآخر كتب الله له الشفاء من عدة قراءات ، وبعض الحالات لم يُكتب لها الشفاء لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى 0

4)- أما قولك – وفقك الله لكل خير - : ( وإن حضر الجني فلا أعتقد أني ملزماً شرعاً بدعوته بدعوته إلى الله وهو بالأصل معتدي ويكفينا قوله صلى الله عليه وسلم أخرج عدو الله ، ونحن لم نقم بالدعوة لبني جلدتنا أو مقصرين بذلك بل أكتفي غالباً بنهره وتهديده ) 0

وتحت هذا العنوان أقدم بعض المرئيات والوقفات :

أ- إن كنت أنت لست ملزماً شرعاً بدعوته وهذه وجهة نظرك ، فقد يرى كثير من المعالجين بضرورة دعوة الجن والشياطين إلى الله سبحانه وتعالى ، ومعلوم أن مسألة الحوار مع الجن والشياطين فيها خلاف بين أهل العلم ، وقد بحثت هذا الأمر بحثاً مفصلاً في كتابي ( منهج الشرع في علاج المس والصرع ) ولأهميته فإني أقدمه للإخوة القراء تحت عنوان ( الحوار مع الجن والشياطين ، على النحو التالي :

لا بد أولا وقبل أن أتكلم عن هذا الموضوع من طرح آراء العلماء والباحثين ومعرفة موقف الشريعة المتزن من هذا الأمر ، وأذكر في ذلك ما يلي :

آراء أهل العلم والمتخصصين في ( الحوار مع الجن والشياطين ) :

إن مسألة التحدث مع الجن والشياطين ليس لها دليل شرعي ، بمعنى أنه لم يردنا دليل واحد من الكتاب أو السنة على ذلك ، ولكن الأمر واقع وقد ورد لنا بالتواتر سواء من المتقدمين أو المتأخرين ، وعليه أنقل كلام أهل العلم في ذلك :

* قال شيخ الإسلام بن تيمية : ( فيخاطب الجن بذلك ويعرفون أن هذا فاحشة محرمة ، أو فاحشة وعدوان لتقوم الحجة عليهم بذلك ، ويعلموا أنه يحكم فيهم بحكم الله ورسوله الذي أرسله إلى الثقلين الجن والإنس ) ( مجموع الفتاوى - 19 / 40 - وأنظر إيضاح الدلالة في عموم الرسالة - ص 27 ) 0

وقال – رحمه الله - : ( ومن الناس من كلمهم وكلّموه ، ومن الناس من يأمرهم وينهاهم ويتصرف فيهم ، وهذا يكون للصالحين وغير الصالحين ، ولو ذكرت ما جرى لي ولأصحابي معهم ؛ لطال الخطاب ، وكذلك ما جرى لغيرنا ، لكن الاعتماد على الأجوبة العلمية يكون على ما يشترك الناس في علمه لا يكون بما يختص بعلمه المجيب ، إلا أن يكون الجواب لمن يصدقه فيما يخبر به ) ( مجموع الفتاوى - 4 / 232 ) 0

وقال أيضاً : ( فإن الجني إذا دخل في الإنسي وصرعه وتكلم على لسانه ؛ فإن الإنسي يتغير حتى يبقى الصوت والكلام الذي يسمع منه ، ليس هو صوته وكلامه المعروف ، وإذا ضرب بدن الإنسي ؛ فإن الجني يتألم بالضرب ويصيح ويصرخ ويخرج منه ألم الضرب ، كما قد جرب الناس من ذلك ما لا يحصى ، ونحن قد فعلنا من ذلك ما يطول وصفه ) ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح – 4 / 363 ، مجموع الفتاوى – 10 / 349 ) 0

وقال – رحمه الله - : ( كما يختلف الإنسان وحاله عند الكلام إذا حلَّ فيه الجني ، وإذا فارقه الجني ؛ فإن الجني إذا تكلم على لسان المصروع ظهر الفرق بين ذلك المصروع وبين غيره من الناس ، بل اختلف حال المصروع وحال كلامه وسمع منه من الكلام ما يعلم يقيناً أنه لا يعرفه ، وغاب عقله بحيث يظهر ذلك للحاضرين ، واختلف صوته ونغمته ) ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح – 2 / 46 ، 47 ) 0

وقال : ( فإنه يصرع الرجل ؛ فيتكلم بلسان لا يعرف معناه ، ويضرب على بدنه ضرباً عظيماً لو ضرب به جمل لأثَّر به أثراً عظيماً ، والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ، ولا بالكلام الذي يقوله ، وقد يجر المصروع وغير المصروع ، ويجر البساط الذي يجلس عليه ويحول آلات ، وينقل من مكان إلى مكان ، ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها ، أفادته علماً ضرورياً بأن الناطق على لسان الإنسي ، والمحرك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان ) ( مجموع الفتاوى - 24 / 277 ) 0

وقال : ( فإذا حضروا سماع المكاء والتصدية أخذهم الحال ، فيزبدون ويروغون ؛ كما يفعله المصروع ، ويتكلمون بكلام لا يفهمونه هم ولا الحاضرون ، وهو شياطينهم تتكلم على ألسنتهم عند غيبة عقولهم ، كما يتكلم الجني على لسان المصروع ) ( الفتاوى العراقية – ص 82 ) 0

وقال : ( فإنه يتغير الكلام ويعرف الحاضرون أنه ليس هو كلام الإنسي ، مع أنه يتكلم بلسان الإنسي وحركة أعضائه ، فيعلم أن الصوت حصل بحركة بدن الإنسي ، مع العلم بأنه قد تغير تغيراً خالف به المعهود من كلام الإنسي ؛ فالكلام في الصورة للمصروع ، وفي الباطن للجني ، والإنسان الذي حل فيه الجني يغيب عنه عقله ولا يشعر بما تكلم الجني على لسانه ) ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح - 4 / 12 ) 0

ومما قاله أيضاً بخصوص كلام الجني الصارع فقد يكون : ( من جنس كلام الأعاجم الذين لا يفقه كلامهم ؛ كلسان الترك أو الفرس أو غيرهم ، ويكون الإنسان الذي لبسه الشيطان عربياً لا يحسن أن يتكلم بذلك ، بل يكون الكلام من جنس كلام من تكون تلك الشياطين من إخوانهم ، وإما بكلام لا يعقل ولا يفهم له معنى ، وهذا يعرفه أهل المكاشفة ؛ شهوداً وعياناً ) ( مجموع الفتاوى – 11/574 – 575 ، الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح – 2/241 ) 0

* وقد أنكر ابن حزم مسألة كلام الجني على لسان المصروع حيث يقول : ( وأما كلام الشيطان على لسان المصروع فهذا من مخاريق العزَّامين ، ولا يجوز إلا في عقول ضعفاء العجائز ، ونحن نسمع المصروع يحرك لسانه بالكلام ، فكيف صار لسانه لسان الشيطان ؟ إن هذا لتخليط ما شئت ، وإنما يلقي الشيطان في النفس يوسوس فيها ، كما قال الله تعالى : ( الَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) ( سورة الناس – الآية 5 ) ، فهذا هو فعل الشيطان فقط 0 وأما أن يتكلم على لسان أحد فحمق عتيق وجنون ظاهر ، فنعوذ بالله من الخذلان والتصديق بالخرافات ) ( رسائل ابن حزم الظاهري - 3 / 228 ) 0

* قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : ( وقسم آخر - يعني الصرع - بسبب الشياطين والجن يتسلط الجني على الإنسي ؛ فيصرعه ويدخل فيه ويضرب به على الأرض ويغمى عليه من شدة الصرع ولا يحس ، ويتلبس الشيطان أو الجني بنفس الإنسان ويبدأ يتكلم على لسانه ، الذي يسمع الكلام يقول أن الذي يتكلم الإنسي ولكنه الجني ، ولهذا تجد في بعض كلامه الاختلاف لا يكون ككلامه وهو مستيقظ لأنه يتغير بسبب نطق الجني 0
هذا النوع من الصرع نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منه ومن غيره من الآفات 0 هذا النوع علاجه بالقراءة من أهل العلم والخير 0
أحيانا يخاطبهم الجني ويتكلم معهم ويبين السبب الذي جعله يصرع هذا الإنسي 0 وأحيانا لا يتكلم وقد ثبت هذا !! أعني صرع الجني للإنسي بالقرآن والسنة والواقع ) ( شرح رياض الصالحين - 1 / 177 ، 178 ) 0

* قال فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - حفظه الله - : ( إن بعض الإخوان الصالحين ذكروا أن الجن المسلمين قد يخاطبونهم ويجيبون على أسئلة يلقونها ولا نتهم بعض أولئك الإخوان بأنهم يعملون شركا أو سحرا ، فإذا ثبت هذا فلا مانع من سؤالهم ولا يلزم تصديقهم في كل ما يقولون ، والله أعلم ) ( الفتاوى الذهبية – جزء من فتوى – ص 198 ) 0

* قال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - : ( لا أعلم دليلا شرعيا يثبت وقوع كلام الجني على لسان الإنسي ) ( برهان الشرع في إثبات المس والصرع – ص 51 ) 0

* قال الشيخ أبو بكر الجزائري في مقدمته لكتاب الأستاذ وحيد عبد السلام بالي في كتابه المنظوم " وقاية الإنسان من الجن والشيطان " : ( فقد أبطل به التصورات الخاطئة لفئة شبه ضالة نفت قديما وحديثا حلول الجان في الإنسان والتحدث على لسانه ، والإفصاح عن كنهه ومراده ) ( وقاية الإنسان من الجن والشيطان – ص 5 ) 0

وقال – حفظه الله - : ( تكلم الجان على لسان الشخص الذي يحل فيه ، ويتلبس به ، وإخباره بأمور لم يكن الإنسان المصاب به يعرفها ، حتى إن بعضهم ليتكلم بلغات لم يكن المصاب يعرف منها حرفاً واحداً ) ( عقيدة المؤمن – ص 210 ) 0

* قال الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع : ( وأما القول بتكذيب ما يقوله المجنون على لسان الجان ممن تلبس به بأنه فلان ، وأنه من أرض كذا إلى آخره ، فهذا شيء لا نستطيع تكذيبه ولا تصديقه لانتفاء النصوص الشرعية – فيما أعلم – على ذلك نفيا وإثباتا 0 والله أعلم ) ( مجلة الأسرة - صفحة 38 - العدد 69 ذو القعدة 1419 هـ ) 0

* قال الشيخ علي بن حسن عبدالحميد : ( فإن ثبت شيء من ذلك - ولسنا منكريه - فيكون دون توسع ، واستفصال ، ومحاورات ) ( برهان الشرع في إثبات المس والصرع – ص 51 ) 0

* قال الشيخ مشهور بن حسن سلمان : ( علماً بأن الكذب في الجن كثير جداً ، بل هو الغالب ؛ فلا ينبغي الاستطراد معهم في الكلام ولا تصديق ما يقولونه كأنه قطعي لا يقبل الشك ؛ فإن هذا باب عظيم من مداخل الشيطان وجنوده على بني الإنسان ، والله المستعان ، ومما ينبغي التنبه له هنا أمران :
الأول : لم يثبت دليل صريح صحيح على كلام الجني على لسان الإنسي 0
والآخر : لم يثبت دليل صريح صحيح فيه مخاطبة الإنسي للجني ( أو المصروع ) إلا أمره بالخروج ، وذلك في الأحاديث المتقدمة 0
فكلام شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في إقامة الحجة على الجني وظلمه للإنسي ، لا يوجد له مستند نقلي ؛ إلا أن يقال بأن الشريعة عامة للثقلين ، مع مزج ذلك بالتجاريب وما شابه ، وينبغي أن يحرر مدى مشروعية الاعتماد على التجربة في مثل هذا الباب ، والله الموفق للصواب ) ( فتح المنان في جمع كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عن الجان – ص 481 – 482 ) 0

* قال الأستاذ زهير حموي : ( الاتصال بالجن أمر ممكن عقلا وشرعا ، وثابت بالكتاب والسنة والإجماع ، لكنه اتصال ليس خاضعا للمقاييس والاعتبارات العادية عند البشر ، لأنه اتصال من نوع آخر ، فقد تأتي الشياطين في صورة إنسان ، وقد تتلبس جسم إنسان ، وتتكلم بصوته وذلك في حالة الصرع ) ( الإنسان بين السحر والعين والجان - 185 ) 0

* قال صاحبا كتاب " طارد الجن " : ( وقد تكلم الجن على لسان المصابين بالمس ، وإلا من المتكلم معك بأخبار وأقوال ، المصروع نفسه يجهلها أو أشخاص يتكلمون اللهجة العامة ثم فجأة بعد الصرع يتكلم اللغة الفصحى بكل طلاقة ) ( طارد الجان – ص 51 ) 0

* وقالا أيضاً : ( يقرأ الرقية على الممسوس ، فإذا حضر الجني ، فعلى المعالج أن يعرف منه سبب دخوله بدن الإنس ، فبمعرفة سبب دخول الجني بدن الإنس يمكن مخاطبته وإخراجه 0
ويخاطب الجني فإن كان دخوله بدن الإنسي بسبب ظلم من الإنس له فعلى المعالج أن يعلمه بأن هذا الإنس لا يعلم بمكان وجوده ، ومن لا يعلم لا يتعمد ولا يستحق العقوبة ، وأن هذا المكان هو ملك للإنس ، وليس للجن حق في سكناه ولا الدخول فيه بغير إذنه 0
وإن كان دخوله بدون سبب يعرّف الجني عاقبة الظلم ، وأنه ظلمات يوم القيامة ، وعليه أن يتقي الله عز وجل ويرجع عن هذا الظلم 0
وأما إن كان دخوله بسبب العشق : فيعرف أن هذا العمل من الفواحش التي حرمها الله عز وجل على الجن كما حرمها على الإنس ) ( طارد الجان – ص 79 ) 0

قال صاحبا كتاب " كيفية إخراج الجان من بدن الإنسان " : ( ففي هذه الحالة يتم التعامل والتخاطب مع الجني ويؤمر بالخروج ولا يكثر المعالج في التخاطب معه فيما لا يفيد لكي لا يأنس الجن له ويموه عليه ، فيزجر ) ( كبفية إخراج الجان من جسم الإنسان – ص 66 ) 0

* قال الأستاذ سعيد عبد العظيم : ( ومع حصول ما ذكره ابن تيمية في عالم الواقع إلا أن الاستفصال والمحاورات التي تدور بين المعالجين والجن قد صارت مريبة ، والحكايات المنقولة في الكتب وعلى الألسنة كثيرة !! ومن أمثلة ذلك أن فلاناً مصروع بكذا وكذا جني !! وأن الجن من قبيلة كذا وهو مسلم ويحضر درس فلان !! وأن القس فلان في كنيسة كذا هو الذي سلطه على المصروع !!! 0000
إلى غير ذلك من الحكايات الكثيرة التي لا تكاد تنتهي والتي تدعو إلى العجب ، وتدل على توسع غير مسبوق ، فلو كان خيراً لسبقونا إليه ، وقد مر بنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : " بسم الله ، أنا عبد الله ، اخسأ عدو الله " 0
فأين ذلك من استنطاق الجن في المصروع والمحاورات الكثيرة التي صرنا نسمع بها ؛ بل وصل الحال بالبعض إلى القول بأنه سيستخدم الجني في إيذاء فلان الفلاني !!! 000
فهل ثبت لدى أحد من هؤلاء أن الصحابة ومن تابعهم بإحسان صنعوا ذلك ؟! ) ( الرقية النافعة للأمراض الشائعة – ص 40 ) 0

* قال الدكتور حسني مؤذن - المدرس في جامعة أم القرى - مكة : ( استنطاق الجن في المصروع لا أصل له ) ( جريدة المسلمون – العدد رقم 550 ) 0

* وأعرج على كلام للأستاذ علي بن محمد ياسين يدعو فيه إغلاق باب المحاورات بالكلية حيث يقول : ( لا بد من إغلاق هذا الباب لأسباب هي :
أولاً : أنه لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم محاوراته للجن الماس – وضرب أمثلة على ذلك منها حديث يعلى بن مرة وحديث عثمان بن العاص – 0
ثانياً : أنه بذلك يُفتح باب للجن بالتضليل والتلبيس والتشكيك في دين الناس وعقائدهم ، بجعل فرصة لهم بالحديث معهم وأخذ التوجيه منهم ، بل استخدامهم في العلاج عند بعض المعالجين ، وما خرجت تلك الوصفات القريبة من الكهانة إلا من هذا الباب 0
ثالثاً : في بعض الحالات لا يكون الجني تمكن تماماً من بدن الممسوس ، فبمحاورة المعالج له ومحاولة استنطاقه من البعض يجعله يتمكن التمكن التام من الجسد ، وبعضهم يسأله بالله العظيم أن ينطق على لسانه ولا يؤذيه ، وهذا واضح البطلان 0
رابعاً : المعالج بمحاورته للجني يضطر للتوقف عن قراءة الرقية التي هي المؤثرة في الجن 0
خامساً : من الملاحظ أن لذلك الحوار مع الجان الماس أثره السلبي على المريض وعلى من حوله من ضعاف الإيمان 0
سادساً : إن المعالج بمحاورته تلك ، قد تنكشف نقاط ضعفه وتظهر عيوبه للجن من قلة علم وضعف شخصية وغيرها 0

ويختم الأستاذ الفاضل كلامه قائلا : ( وختاماً فليسعنا ما وسع نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولنهتدي بهديه ونسر على خطاه ، فهذه سنته بين أيدينا ، بينت لنا الطرق الشرعية في التعامل مع الجن المعتدي ، وكيف نقرأ وماذا نقرأ 0
وأما أن نعدل عن ذلك النور إلى تلك الأساليب المظلمة وتلك الطرق الملتوية ، مدبرين عن هدي سيد المرسلين ، فإن ذلك خطأ فاحش وجرم عظيم ، أن نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ، ولا حول ولا قوة إلا بالله 000 ) ( مهلاً أيها الرقاة – باختصار - 62 ، 65 ) 0

قلت : كلام الأستاذ الفاضل علي ياسين يحتاج لوقفات تأمل ، حيث أن كافة النقاط المذكورة والداعية في نظره لإغلاق باب الحوارات بالكلية لا تؤخذ على إطلاقها من جهة ، ومن جهة أخرى يمكن تقنينها ، وضبطها بالضوابط الشرعية لكي تحقق المصلحة الشرعية المطلوبة ، ومن هنا أحببت أن أوضح الأمور التالية :

1)- أشار المؤلف في النقطة الأولى بأن ذلك الفعل لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك فقد ثبت عن غيره من بعده من أعلام الأمة المشاهير كالإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والأعمش والعلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز ونحوهم من العلماء الأفاضل ولكن لا بد أن يكون الضابط في هذا كله ما تقتضيه الضرورة وما تتطلبه المصلحة الشرعية العامة للمسلمين كما سوف يتضح بعد استيفاء بحث هذه المسألة 0

2)- وأما قول المؤلف - وفقه الله للخير فيما ذهب إليه - من أن ذلك يُفتح باب للجن بالتضليل والتلبيس والتشكيك في دين الناس وعقائدهم ، فإن كان المعنيُّ بذلك المعالِج فقد اتفقنا جميعاً أننا نكتب ونخاطب المعالجين أصحاب العقيدة السلفية النقية ذوي العلم الشرعي المتمرسين الحاذقين في دروب الرقية الشرعية ومسالكها ، وأما دون هؤلاء فإننا لا نعنيهم مطلقاً ، وإن كان قصد المؤلف المعالَج أو من يحضر هذه الجلسات فقد بينت بما لا يدع مجالاً للشك حرص المعالِج على توخي المصلحة الشرعية وأن يكون هذا الأمر في نطاق ضيق ومحدود بناء على ما تمليه المصلحة الشرعية العامة دون الخوض في هذه الحوارات بحضور العامة والخاصة 0

3)- أما قول المؤلف بأن بعض الحالات التي لا يكون الجني فيها متمكناً من بدن الممسوس وبمحاورة المعالج له يستطيع الجني الصارع التمكن من الجسد ، فهذا الكلام فيه نظر وهو مجانب للصواب ، لأن دخول الجني الصارع واستقراره بالجسد وتمكنه من المصروع لا يعتمد مطلقاً على استنطاق المعالج له أو لا ، بل على العكس من ذلك تماماً ، فالجني الصارع يسعى دائماً إلى إخفاء حقيقة تلبسه بالجسد لقيامه بالعمل المطلوب أو المناط به أي كان سبب دخوله ، ولذلك ترى بعض الحالات التي قد تأخذ فترة من الزمن ليتكلم الجني ويعترف بالحقيقة التي من أجلها دخل واستقر في بدن المصروع ، وهنا تكمن أهمية فراسة المعالج في تحديد صدق أو كذب الجني الصارع ، وأما أخذ العهد والموثق على الجن فقد أفردت له في هذا الكتاب كلاماً مطولاً فليراجع 0

4)- وقول المؤلف بمحاورة المعالِج للجني واضطراره للتوقف عن قراءة الرقية الشرعية ، فقد أوضحت في منهج العلاج المتبع في هذا الكتاب أن الأولى والأفضل قراءة الرقية الشرعية دون توقف ، وبإمكان المعالج أن يؤجل الحوار الذي تقتضيه المصلحة الشرعية لحين الانتهاء من الرقية والدعاء وبذلك تتحقق المصلحة العامة للمعالِج والمعالَج 0

5)- أما قول المؤلف بأن الحوار مع الجان الماس له أثر سلبي على المريض وعلى من حوله من ضعاف الإيمان ، فإني لا أنكر أحياناً أن يكون هناك أثر سلبي على نفسية المريض ولكن هذا هو واقع الحال ، ولا أعتقد أن مثل هذا التأثير من خلال الحوار الذي تقتضيه المصلحة الشرعية أشد وأعظم من حالة المريض بشكل عام ، وبالعموم فالأمر برمته متروك للمعالِج الحاذق المتمرس الذي يستطيع أن يقيس الأمور كافة بقاعدة المصالح والمفاسد وعلى ضوء ذلك يقرر ما يراه مناسباً لتحقيق المصلحة الشرعية المطلوبة ، أما بخصوص من هم حول المريض من أهل وأصدقاء وأحباب فقد أشرت من خلال منهج البحث في هذا الكتاب أنه لا يجوز البتة إجراء الحوار الذي تقتضيه المصلحة الشرعية أمام أحد إلا بناء على ما يعتمده أو يقرره المعالِج ويرى فيه مصلحة عامة أو خاصة للمريض 0

6)- وقول الكاتب بأن حوار المعالِج مع الجني الصارع قد يؤدي إلى كشف نقاط ضعفه وظهور عيوبه من قلة علم وضعف شخصية ونحوه ، فهذا الكلام فيه نظر وهو مجانب للصواب ، فالمعالِج الذي يتسم بهذه الصفات التي ذكرها المؤلف ليس بحاجة لأن يحاور حتى تكتشف هذه العيوب ، ولا بد أن نعلم يقيناً أن الجن لهم قدرة فائقة في معرفة من أمامهم ودراسة شخصيته وتحليلها ومعرفة نقاط القوة والضعف فيها ، خاصة أنه بإمكانهم جمع معلومات كثيرة ووفيرة عن المعالِج وحياته والحكم عليه ، وأمر هام قد يكون خفي على المؤلف - وفقه الله للخير فيما ذهب إليه - أن تأثير الرقية بذاتها على هذه المخلوقات لها دلالة واضحة على قوة وشخصية المعالج ومدى تمسكه بدينه ،كيف لا وقد قال علماء الأمة الأجلاء ( والسلاح بضاربه ) وقالوا أيضاً : ( وكل إناء بما فيه ينضح ) 0

قلت : وهذا الكلام لا يعني مطلقاً التقليل من أهمية الكتاب المنظوم الذي ألفه الأستاذ ( علي بن حسين ياسين )- وفقه الله للخير فيما ذهب إليه - ، إنما شعرت أن الكاتب ليس من أصحاب هذه الصنعة ، ولا ممن له فيها كبير جولة ، وقوي صولة ، والذي خَبِرته من خلال تجربتي في هذه الساحة أن الذي يريد أن يكتب في هذه المواضيع لا بد أن تكون كتابته ممهورة بالمعاناة والتجربة ، وكلماته ممزوجة بأحاسيس صدق المعايشة والتعامل مع واقع ما يكتب عنه ، أعود وأقول إن الكتاب جيد في مضمونه ومحتواه فيه جملة من الأحكام والقواعد والأصول العامة التي تضبط هذا العلم ، إلا أنه افتقر إلى الجانب العملي والممارسة الفعلية التي من خلالها تتبلور كافة الأمور المتعلقة بهذا العلم وقواعده وضوابطه وأصوله ، سائلاً المولى عز وجل أن يحفظ الكاتب وأن يجعل عمله خالصاً لوجهه ، وأن يوفقه لما يحب ويرضى 0

ومن خلال تتبع النصوص النقلية الصريحة وأقوال العلماء الأجلاء ، فإنه لم يثبت بالدليل الشرعي مثل ذلك الأمر وهذا هو الأصل في المسألة كما أشار العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – إلا أنه تواتر الأمر بذلك قديما وحديثا ونقل ذلك عن شيخ الإسلام وابن القيم وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين وفضيلة الشيخ أبو بكر الجزائري وغيرهم ، وقد ثبت لدي هذا الأمر بالأدلة القطعية من المشاهدة والمعاينة التي لا يمكن معها إنكار هذه المسألة أو ردها ، فأصبح الأمر ثابتا عقلا ونقلا ، إلا أنه لا يجوز التعدي على القاعدة الأساسية التي تضبط هذا الأمر وهي قاعدة ( أن الضرورة تقدر بقدرها ) فلا يجوز التوسع في المحاورات التي قد تفضي إلى مفاسد شرعية لا يعلم مداها وضررها إلا الله 0

وأورد كلاما يؤيد ذلك لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله - نقلته مجلة المجتمع الكويتية حيث تقول : نشرت بعض الصحف المحلية وغيرها ، في شعبان من عام 1407 هـ أحاديث مختصرة ومطولة عما حصل من إعلان بعض الجن ، الذي تلبس ببعض المسلمات في ( الرياض ) إسلامه عندي ، بعد أن أعلن ذلك – كذلك – عند الأخ عبدالله مشرف العمري المقيم في الرياض ، بعد أن قرأ المذكور على المصابة ، وخاطب الجني ، وذكره بالله ، ووعظه ، وأخبره أن الظلم حرام وكبيرة عظيمة ، ودعاه إلى الإسلام ، بعد أن أخبره الجني أنه كافر ، كما دعاه للخروج من المرأة 0 فاقتنع الجني بالدعوة ، وأعلن إسلامه عند عبدالله المذكور 0
ثم رغب عبدالله المذكور وأولياء المرأة أن يحضروا عندي مع المرأة ، حتى أسمع إعلان إسلام الجني 0
فحضروا عندي فسألته عن أسباب دخوله ؟ فأخبرني بالأسباب 0 ونطق بلسان المرأة ، لكنه كلام رجل ، وليس كلام امرأة 0 وهي في الكرسي الذي بجواري ، وأخوها وأختها وعبدالله بن مشرف المذكور وبعض المشايخ يشهدون ذلك ، ويسمعون كلام الجني 0
وقد أعلن إسلامه صريحا ، وأخبر أنه هندي بوذي الديانة 0 فنصحته وأوصيته بتقوى الله ، وأن يخرج من المرأة ، ويبتعد عن ظلمها ، فأجابني إلى ذلك 0 وقال : إنه مقتنع بالإسلام 0 وأوصيته أن يدعو قومه للإسلام بعد ما هداه الله له ، فوعد خيرا وغادر المرأة 0وكان آخر كلمة قالها : السلام عليكم 0
ثم تكلمت المرأة بلسانها المعتاد ، وشعرت بسلامتها وراحتها من تعبه 0 ثم عادت إليَّ بعد شهر أو أكثر مع أخويها وخالها وأختها ، وأخبرتني أنها في خير وعافية ، وأنه لم يعد إليها والحمد لله 0 وسألتها عما كانت تشعر به حين وجوده بها ؟ فأجابت : بأنها كانت تشعر بأفكار رديئة مخالفة للشرع ، وتشعر بميول إلى الدين البوذي ، والاطلاع على الكتب المؤلفة فيه 0 ثم بعدما سلمها الله منه ، زالت عنها هذه الأفكار ، ورجعت إلى حالها الأولى البعيدة من هذه الأفكار المنحرفة ) ( مجلة المجتمع – العدد 830 – بتاريخ 18 آب من السنة 1987 م ) 0

وقد أنكر البعض هذه الواقعة ، ورد سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله – على ذلك بقوله :

( وقد بلغني عن فضيلة الشيخ ( 000000 ) - لم أرى ضرورة لذكر اسمه لارتباط هذا الموضوع بفكره وليس بشخصه - أنه أنكر مثل حدوث هذا الأمر وذكر أنه تدجيل وكذب ، وأنه يمكن أن يكون كلاماً مسجلاً مع المرأة ، ولم تكن نطقت بذلك 0 وقد طلبت الشريط الذي سجل فيه كلامه هذا ، وعلمت منه ما ذكر 0
وقد عجبت كثيراً من تجويزه أن يكون ذلك مسجلاً ، مع إني سألت الجني عدة أسئلة وأجاب عنها 0 فكيف يظن عاقل أن المسجل يسأل ويجيب ، إن هذا من أقبح الغلط ، ومن تجويز الباطل 0 وزعم أيضاً في كلمته أن إسلام الجني على يد الإنسي يخالف قول الله تعالى في قصة سليمان : ( وَهَبْ لِى مُلْكًا لا يَنْبَغِى لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِى ) ( سورة ص – الآية 35 ) ، ولا شك أن هذا غلط منه أيضاً ، هداه الله 0 فليس في إسلام الجني على يد الإنسي ما يخالف دعوة سليمان ، فقد أسلم جمع غفير من الجن على يد النبي صلى الله عليه وسلم 0
وقد أوضح الله ذلك في سورة "الأحقاف" وسورة " الجن " وقد ساق - رحمه الله - أحاديث كثيرة حول هذا المفهوم - إلى أن قال :
وقد دل كتاب الله عز وجل وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة ، على جواز دخول الجني بالإنسي وصرعه إياه 0 فكيف يجوز لمن ينتسب إلى العلم أن ينكر ذلك بغير علم ولا هدى ؟ بل تقليداً لبعض أهل البدع المخالفين لأهل السنة والجماعة 0 فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله 0
ثم ساق - رحمه الله - أقوال أهل العلم في إثبات صرع الجن للإنس إلى أن قال :
ومما ذكرناه من الأدلة الشرعية وإجماع أهل العلم من أهل السنة والجماعة على جواز دخول الجني بالإنسي يتبين للقراء بطلان قول من أنكر ذلك ) ( مجلة المجتمع – العدد 830 – بتاريخ 18 آب من السنة 1987 م ) 0

قلت : وكلام سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله – يؤكد ويؤصل مفهوم دعوة الجن والشياطين إلى الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومثل ذلك الحوار جائز بل قد يصبح واجبا شرعيا إذا اقتضته المصلحة الشرعية ، مع تركيز المعالِج في تلك الحوارات على هذا الجانب دون الخوض في الأمور التي لا فائدة منها البتة ، أو تلك التي يترتب عليها مفاسد شرعية لا يعلم مداها وضررها إلا الله سبحانه وتعالى ، والقصد من الكلام السابق أن تنضبط كافة تلك الحوارات بالضوابط الشرعية وتكون وفق القاعدة الفقهية الأصولية ( الضرورة تقدر بقدرها ) والله تعالى أعلم 0

قال صاحبا كتاب " مكائد الشيطان " : ( قد دل ما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كلام أهل العلم على أن مخاطبة الجني ووعظه وتذكيره ودعوته للإسلام وإجابته إلى ذلك ليس مخالفاً لما دل عليه قوله تعالى عن سليمان عليه السلام : ( وَهَبْ لِى مُلْكًا لا يَنْبَغِى لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِى ) ( سورة ص – الآية 35 ) 0
وهكذا أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وضربه إذا امتنع من الخروج كل ذلك لا يخالف الآية المذكورة ، بل ذلك واجب من باب دفع الصائل ونصر المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يفعل ذلك مع الإنسي ) ( مكائد الشيطان – ص 110 ) 0

يتبع

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة