السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سئل فضيلة الشيخ بن باز رحمه الله
أيهما أفضل للمسافر الفطر أم الصيام .. وخاصة السفر الذي لا مشقة فيه كالسفر في الطائرة أو الوسائل الحديثة الأخرى؟
الجواب: الأفضل للصائم الفطر في السفر مطلقا، ومن صام فلا حرج عليه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه هذا وهذا. وهكذا الصحابة رضي الله عنهم.
لكن إذا اشتد الحر، وعظمت المشقة، تأكد الفطر، وكره الصوم للمسافر لأنه - صلى الله عليه وسلم - لما رأى رجلا قد ظلل عليه في السفر من شدة الحر وهو صائم؛ قال - عليه الصلاة والسلام-: ليس من البر الصوم في السفر ولما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته وفي لفظ: كما يحب أن تؤتى عزائمه ولا فرق في ذلك بين من سافر على السيارات أو الجمال أو السفن والبواخر وبين من سافر في الطائرات. فإن الجميع يشملهم اسم السفر، ويترخصون برخصه، والله - سبحانه - شرع للعباد أحكام السفر والإقامة في عهده - صلى الله عليه وسلم - ولمن جاء بعده إلى يوم القيامة.
فهو - سبحانه - يعلم ما يقع من تغير الأحوال وتنوع وسائل السفر. ولو كان الحكم يختلف لنبه عليه سبحانه كما قال - عز وجل - في سورة النحل: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ وقال - سبحانه - في سورة النحل أيضا: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
الشيخ العثيمين رحمه الله
هناك ثلاثة حالات
الحال الأولى: أن يشق عليه الصوم مشقة شديدة فيحرم عليه أن يصوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم «كان في غزوة الفتح صائماً فبلغه أن الناس قد شقَّ عليهم الصيام، وأنهم ينظرون فيما فعل فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشربه، والناس ينظرون، فقيل له: إن بعض الناس قد صاموا، فقال: «أولئك العُصاة، أولئك العُصاة» رواه مسلم. صحيح مسلم كتاب الصيام (1114).
الحال الثانية: أن يشق عليه الصوم مشقة غير شديدة فيكره له الصوم لِما فيه من العدول عن رخصة الله ـ تعالى ـ مع الإشقاق على نفسه.
الحال الثالثة: أن لا يشق عليه الصوم فيفعل الأيسر عليه من الصوم والفطر، لقوله ـ تعالى ـ: **يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ****سورة البقرة 185**. والإرادة هنا بمعنى المحبة، فإن تساويا فالصوم أفضل؛ لأنه فِعْل النبي صلى الله عليه وسلّم.
كما في صحيح مسلم عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلّم في رمضان في حر شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعبدالله بن رواحة». صحيح مسلم كتاب الصيام (1122)
والمسافر على سفر من حين يخرج من بلده حتى يرجع إليها، ولو أقام في البلد التي سافر إليها مدة فهو على سفر مادام على نيَّة أنه لن يقيم فيها بعد انتهاء غرضه الذي سافر إليها من أجله، فيترخص برخص السفر، ولو طالت مدة إقامته لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلّم تحديد مدة ينقطع بها السفر، والأصل بقاء السفر وثبوت أحكامه حتى يقوم دليل على انقطاعه وانتفاء أحكامه.
ولا فرق في السفر الذي يترخّص فيه بين السفر العارض كحج وعمرة وزيارة قريب وتجارة ونحوه، وبين السفر المستمر كسفر أصحاب سيارات الأجرة (التكاسي) أو غيرها من السيارات الكبيرة فإنهم متى خرجوا من بلدهم فهم مسافرون يجوز لهم ما يجوز للمسافرين الآخرين من الفطر في رمضان وقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، والجمع عند الحاجة إليه بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، والفطر أفضل لهم من الصيام، إذا كان أسهل لهم ويقضونه في أيام الشتاء، لأن أصحاب هذه السيارات لهم بلد ينتمون إليها، فمتى كانوا في بلدهم فهم مقيمون، لهم ما للمقيمين وعليهم ما عليهم، ومتى سافروا فهم مسافرون، لهم ما للمسافرين وعليهم ما على المسافرين.