عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 23-07-2018, 04:47 AM   #2
معلومات العضو
سراج منير

افتراضي

(اذهب إلى فرعون انه طغى.قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي) [ طه: 24 - 28 ] قيل إنه أصابه في لسانه لثغة بسبب تلك الجمرة التي وضعها على لسانه التي كان فرعون أراد إختبار عقله حين أخذ بلحيته وهو صغير فهم بقتله فخافت عليه آسية وقالت إنه طفل فاختبره بوضع تمرة وجمرة بين يديه فهم بأخذ التمرة فصرف الملك يده إلى الجمرة فأخذها فوضعها على لسانه فأصابه لثغة بسببها فسأل زوال بعضها بمقدار ما يفهمون قوله ولم يسأل زوالها بالكلية.
33-قال الحسن البصري والرسل إنما يسألون بحسب الحاجة ولهذا بقيت في لسانه بقية ولهذا قال فرعون قبحه الله فيما زعم أنه يعيب به الكليم (ولا يكاد يبين) [ الزخرف: 52 ] أي يفصح عن مراده ويعبر عما في ضميره وفؤاده * ثم قال موسى عليه السلام (واجعل لي وزيرا من أهلي هرون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا.قال قد أوتيت سؤلك يا موسى) [ طه: 32 - 36 ] أي قد أجبناك إلى جميع ما سألت وأعطيناك الذي طلبت وهذا من وجاهته عند ربه عزوجل حين شفع أن يوحي الله إلى أخيه فأوحى إليه وهذا جاه عظيم قال الله تعالى (وكان عند الله وجيها) [ الاحزاب: 69 ] وقال تعالى (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هرون نبيا) [ مريم: 53 ]


وقد سمعت أم المؤمنين عائشة رجلا يقول لاناس وهم سائرون طريق الحج (أي أخ أمن على أخيه) فسكت القوم فقالت عائشة لمن حول هودجها هو موسى بن عمران حين شفع في أخيه هرون فأوحى إليه

34-قال الله تعالى (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هرون نبيا) قال تعالى في سورة الشعراء (وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون.قال رب إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هرون ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون.قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون.فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا نبي إسرائيل.قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين) [ الشعراء: 10 - 19 ]

تقدير الكلام فأتياه فقالا له ذلك وبلغاه ما أرسلا به من دعوته إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له وأن يفك أسارى بني إسرائيل من قبضته وقهره وسطوته وتركهم يعبدون ربهم حيث شاؤا ويتفرغون لتوحيده ودعائه والتضرع لديه فتكبر فرعون في نفسه وعتا وطغى ونظر إلى موسى بعين الازدراء والتنقص قائلا له (ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين) [ الشعراء: 18 ]


أي أما أنت الذي ربيناه في منزلنا وأحسنا إليه وأنعمنا عليه مدة من الدهر (كان بين خروج موسى حين قتل القبطي وبين رجوعه نبيا أحد عشر عاما غير أشهر القرطبي 13 /) وهذا يدل على أن فرعون الذي بعث إليه هو الذي فر منه خلافا لما عند أهل الكتاب من أن فرعون الذي فر منه مات في مدة مقامه بمدين وأن الذي بعث إليه فرعون آخر.


وقوله (وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين) [ الشعراء ; 19 ] أي وقتلت الرجل القبطي وفررت منا وجحدت نعمتنا (أي نعمتي التي كانت لنا عليك من التربية والاحسان إليك.) (قال فعلتها إذا وأنا من الضالين) [ الشعراء: 20 ] أي قبل أن يوحى إلي وينزل علي (ففرت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين) [ الشعراء: 21 ]


ثم قال مجيبا لفرعون عما امتن به من التربية والاحسان إليه (وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل) [ الشعراء: 22 ] أي وهذه النعمة التي ذكرت من أنك أحسنت إلي وأنا رجل واحد من بني إسرائيل تقابل ما استخدمت هذا الشعب العظيم بكماله واستعبدتهم في أعمالك وخدمك وأشغالك

35- (قال فرعون وما رب العالمين. قال رب السموات والارض وما بينهما إن كنتم موقنين.قال لمن حوله ألا تستمعون.قال ربكم ورب آبائكم الاولين.قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون.قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون) [ الشعراء: 23 - 28 ].

يذكر تعالى ما كان بين فرعون وموسى من المقاولة والمحاجة والمناظرة وما أقامه الكليم على فرعون اللئيم من الحجة العقيلة المعنوية ثم الحسية.وذلك أن فرعون قبحه الله أظهر جحد الصانع تبارك وتعالى.وزعم أنه الاله (فحشر فنادى فقال أنا ربكم الاعلى) [ النازعات: 23 - 24 ] (وقال يا أيها الملا ما علمت لكم من إله غيري) [ القصص: 38 ].


وهو في هذه المقالة معاند يعلم أنه عبد مربوب وأن الله هو الخالق البارئ المصور الاله الحق كما قال تعالى (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كانت عاقبة المفسدين) [ النمل: 14 ] ولهذا قال لموسى عليه السلام على سبيل الانكار لرسالته والاظهار أنه ماثم رب أرسله (وما رب العالمين) [ الشعراء: 23 ] لانهما قالا له (إنا رسول رب العالمين) [ الشعراء: 16 ] فكأنه يقول لهما ومن رب العالمين الذي تزعمان أنه أرسلكما وابعتثكما فأجابه موسى قائلا

(رب السموات والارض وما بينهما إن كنتم موقنين) [ الشعراء 24 ] يعني رب العالمين خالق هذه السموات والارض المشاهدة وما بينهما من المخلوقات المتجددة من السحاب والرياح والمطر والنبات والحيوانات التي يعلم كل موقن أنها لم تحدث بأنفسها ولا بد لها من موجد ومحدث وخالق.وهو الله الذي لا إله إلا هو رب العالمين.

(قال) أي فرعون لمن حوله من أمرائه ومرازبته ووزرائه على سبيل التهكم والتنقص لما قرره موسى عليه السلام ألا تسمعون يعني كلامه هذا قال موسى مخاطبا له ولهم (ربكم ورب آبائكم الاولين) [ الشعراء: 26 ]

أي هو الذي خلقكم والذين من قبلكم من الآباء والاجداد والقرون السالفة في الآباد فإن كل أحد يعلم أنه لم يخلق نفسه ولا أبوه ولا أمه ولم يحدث من غير محدث وإنما أوجده وخلقه رب العالمين.وهذان المقامان هما المذكوران في قوله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) [ فصلت: 53 ] ومع هذا كله لم يستفق فرعون من رقدته ولا نزع عن ضلالته بل استمر على طغيانه وعناده وكفرانه (قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون.قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون) [ الشعراء: 27 - 28 ]

أي هو المسخر لهذه الكواكب الزاهرة
المسير للافلاك الدائرة.خالق الظلام والضياء.ورب الارض والسماء رب الاولين والآخرين خالق الشمس والقمر والكواكب السائرة والثوابت الحائرة خالق الليل بظلامه والنهار بضيائه والكل تحت قهره وتسخيره وتسييره سائرون وفلك يسبحون يتعاقبون في سائر الاوقات ويدورون فهو تعالى الخالق المالك المتصرف في خلقه بما يشاء.فلما قامت الحجج على فرعون وانقطعت شبهه ولم يبق له قول سوى العناد عدل إلى استعمال سلطانه وجاهه وسطوته ()


قطع فرعون المحاورة مع موسى، لما انقطعت عنده الحجة ; ولم يقل له ما دليلك على أن هذا الاله أرسلك لان فيه الاعتراف بأن ثم إلها آخر غيره ; فتوعده بالسجن، وفي ذلك ضعف منه وتراجع ; ولم يخفه موسى بل كان في منتهى اللطف به والطمع في إيمانه قال: أولو جئتك بشئ مبين.لكنه كما قال مالك: دعاه إلى الاسلام أربعين سنة)

36-(قال لئن اتخذت إلها غيري لاجعلنك من المسجونين.قال أولو جئتك بشئ مبين.قال فأت به إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين) [ الشعراء: 29 - 33 ]

وهذان هما البرهانان اللذان أيده الله بهما وهما العصا واليد.وذلك مقام أظهر فيه الخارق العظيم الذي بهر به العقول والابصار حين ألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين.أي عظيم الشكل بديع في الضخامة والهول والمنظر العظيم الفظيع الباهر حتى قيل إن فرعون لما شاهد ذلك وعاينه أخذه رهب شديد (أخذته رجفة شديدة. و: أخذه رعبه. ) وخوف عظيم بحيث إنه حصل له إسهال عظيم أكثر من أربعين مرة في يوم وكان قبل ذلك لا يتبرز في كل أربعين يوما إلا مرة واحدة فانعكس عليه الحال *


وهكذا لما أدخل موسى عليه السلام يده في جيبه واستخرجها أخرجها وهي كفلقة القمر تتلألأ نورا يبهر الابصار فإذا أعادها إلى جيبه [ واستخرجها ] رجعت إلى صفتها الاولى.
ومع هذا كله لم ينتفع فرعون - لعنه الله - بشئ من ذلك بل استمر على ما هو عليه، وأظهر أن هذا كله سحر، وأراد معارضته بالسحرة، فأرسل يجمعهم من سائر مملكته ومن [ هم ] في رعيته وتحت قهره ودولته، كما سيأتي بسطه وبيانه في موضعه، من إظهار الله الحق المبين والحجة الباهرة القاطعة على فرعون وملائه، وأهل دولته وملته، ولله الحمد والمنة.

37-وقال تعالى في سورة طه (فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي إذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري إذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى) [ طه: 40 - 46 ].


يقول تعالى مخاطبا لموسى فيما كلمه به ليلة أوحى إليه، وأنعم بالنبوة عليه، وكلمه منه إليه: قد كنت مشاهدا لك وأنت في دار فرعون وأنت تحت كنفي وحفظي ولطفي ثم أخرجتك من أرض مصر إلى أرض مدين بمشيئتي وقدرتي وتدبيري فلبثت فيها سنين (ثم جئت على قدر) أي مني لذلك، فوافق ذلك تقديري وتسييري (واصطنعتك لنفسي) أي اصطفيتك لنفسي برسالتي وبكلامي (اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري) [ طه: 45 ] يعني ولا تفترا في ذكري إذ قدمتما عليه ووفدتما عليه ) فإن ذلك عون لكما على مخاطبته ومجاوبته وأداء النصيحة إليه وإقامة الحجة عليه.
وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا الآية) [ الانفال: 45 ]

38- ثم قال تعالى (اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) [ طه: 43 ]


وهذا من حلمه تعالى وكرمه ورأفته ورحمته بخلقه مع علمه بكفر فرعون وعتوه وتجبره وهو إذ ذاك أردى خلقه وقد بعث إليه صفوته من خلقه في ذلك الزمان ومع هذا يقول لهما ويأمرهما أن يدعواه إليه بالتي هي أحسن برفق ولين ويعاملاه معاملة من يرجو أن يتذكر أو يخشى كما قال لرسوله (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [ النحل: 145 ] وقال تعالى (ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم الآية) [ العنكبوت: 46 ] قال الحسن البصري (فقولا له قولا لينا) أعذرا إليه قولا له وإن لك ربا ولك معادا وإن بين يديك جنة ونارا. قولا له إن لي العفو والمغفرة أقرب مني إلى الغضب والعقوبة.


قال يزيد الرقاشي عند هذه الآية يا من ينحبب إلى من يعاديه فكيف بمن يتولاه ويناديه (قالا ربنا إنا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى) [ طه: 201 ] وذلك أن فرعون كان جبارا عنيدا وشيطانا مريدا له سلطان في بلاد مصر طويل عريض وجاه وجنود وعساكر وسطوة فهاباه من حيث البشرية وخافا أن يسطو عليهما في بادئ الامر فثبتهما تعالى وهو العلي الاعلى فقال

(لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى) [ طه: 46 ] كما قال في الآية الاخرى (إنا معكم مستمعون) [ الشعراء: 15.].

39-(فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدي.
إنا قد أوحى إلينا أن العذاب على من كذب وتولى) [ طه: 47 - 48 ]

يذكر تعالى أنه أمرهما أن يذهبا إلى فرعون فيدعواه إلى الله تعالى أن يعبده وحده لا شريك له وأن يرسل معهم بني إسرائيل ويطلقهم من أسره وقهره ولا يعذبهم (أي لا يعذبهم بالسخرة والتعب في العمل، وكانت بنو إسرائيل عند فرعون في عذاب شديد، يذبح أبناءهم ويستخدم نساءهم ويكلفهم من العمل في الطين واللبن وبناء المدائن ما لا يطيقونه.).(قد جئناك بآية من ربك) [ طه: 47 ] وهو البرهان العظيم في العصى واليد (والسلام على من إتبع الهدى) تقيد مفيد بليغ عظيم.


ثم تهدداه وتوعداه على التكذيب فقالا (إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى) أي كذب بالحق بقلبه وتولى عن العمل بقالبه.
وقد ذكر السدي وغيره أنه لما قدم من بلاد مدين دخل على أمه وأخيه هرون وهما يتعشيان من طعام فيه الطفشيل وهو اللفت فأكل معهما * ثم قال: يا هرون إن الله أمرني وأمرك أن ندعو فرعون إلى عبادته فقم معي ؟ فقاما يقصدان باب فرعون، فإذا هو مغلق


فقال: موسى للبوابين والحجبة: أعلموه أن رسول الله بالباب فجعلوا يسخرون منه ويستهزؤن به (الخبر رواه الطبري في تاريخه 1 / 208 وفيه: فانطلقا إليه ليلا، فأتيا الباب فضرباه ففزع فرعون وفزع البواب، وقال فرعون: من هذا الذي يضرب بابي في هذه الساعة ؟ فأشرف عليهما البواب فكلمهما فقال له موسى: إنا رسول رب العالمين، ففزع البواب، فأتى فرعون، فأخبره ان ههنا إنسانا مجنونا يزعم انه رسول رب العالمين، قال: فادخله.
فدخل).وقد زعم بعضهم أنه لم يؤذن لهما عليه إلا بعد حين طويل.وقال محمد بن اسحق أذن لهما بعد سنتين لانه لم يك أحد يتجاسر على الاستئذان لهما فالله أعلم *



ويقال إن موسى تقدم إلى الباب فطرقه بعصاه فانزعج فرعون وأمر بإحضارهما فوقفا بين يديه فدعواه إلى الله عزوجل كما أمرهما.
وعند أهل الكتاب أن الله قال لموسى عليه السلام إن هرون اللاوي يعني من نسل لاوى بن يعقوب سيخرج ويتلقاك وأمره أن يأخذ معه مشايخ بني إسرائيل إلى عند فرعون وأمره أن يظهر ما أتاه من الآيات * وقال له سأقسى قلبه فلا يرسل الشعب وأكثر آياتي وأعاجيبي بأرض مصر * وأوحى الله إلى هرون أن يخرج إلى أخيه يتلقاه بالبرية عند جبل حوريب فلما تلقاه أخبره موسى بما أمره به ربه * فلما دخلا مصر جمعا شيوخ بني إسرائيل وذهبا إلى فرعون فلما بلغاه رسالة الله قال:من هو الله لا أعرفه ولا أرسل بني إسرائيل.



40-وقال الله مخبرا عن فرعون (قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى قال فما بال القرون الاولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى الذي جعل لكم الارض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لاولي النهى.منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) [ طه: 49 - 55 ].
يقول تعالى مخبرا عن فرعون إنه أنكر إثبات الصانع تعالى قائلا (فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) أي هو الذي خلق الخلق وقدر لهم أعمالا وأرزاقا و آجالا * وكتب ذلك عنده في كتابه اللوح المحفوظ ثم هدى كل مخلوق إلى ما قدره له فطابق عمله فيهم على الوجه الذي قدره وعلمه لكمال علمه وقدرته وقدره وهذه الآية كقوله تعالى

(سبح اسم ربك الاعلى.الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى) [ الاعلى: 1 - 3 ] أي قدر قدرا وهدى الخلائق إليه


.(قال فما بال القرون الاولى) [ طه: 51 ]
يقول فرعون لموسى: فإذا كان ربك هو الخالق المقدر الهادي الخلائق لما قدره، وهو بهذه المثابة من أنه لا يستحق العبادة سواه، فلم عبد الاولون غيره وأشركوا به من الكواكب والانداد، ما قد علمت فهلا إهتدى إلى ما ذكرته القرون الاولى (قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى) [ طه: 52 ] أي هم وإن عبدوا غيره فليس ذلك بحجة لك ولا يدل على خلاف ما أقول لانهم جهلة مثلك، كل شئ فعلوه مستطر عليهم في الزبر، من صغير وكبير، وسيجزيهم على ذلك ربي عزوجل ولا يظلم أحدا مثقال ذرة، لان جميع أفعال العباد مكتوبة عنده في كتاب لا يضل عنه شئ ولا ينسى ربي شيئا.ثم ذكر له عظمة الرب وقدرته على خلق الاشياء وجعله الارض مهادا (أي فراشا وقرارا تستقرون عليها.) والسماء سقفا محفوظا وتسخيره السحاب والامطار لرزق العباد ودوابهم وأنعامهم كما قال:


(كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لاولي النهى) [ طه: 54 ] أي لذوي العقول الصحيحة المستقيمة والفطر القويمة غير السقيمة فهو تعالى الخالق الرازق.وكما قال تعالى (يا أيها الناس أعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون.الذي جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) [ البقرة: 21 - 22 ] ولما
ذكر أحياء الارض بالمطر واهتزازها بإخراج نباتها فيه نبه به على المعاد فقال (منها) أي من الارض خلقناكم

(وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) كما قال تعالى (كما بدأكم تعودون).

41-قال تعالى (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الاعلى في السموات والارض وهو العزيز الحكيم) [ الروم: 27 ] ثم قال تعالى (ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى.قال موعدكم يوم الزينة وإن يحشر الناس ضحى) [ طه: 56: 58 ].

يخبر تعالى عن شقاء فرعون وكثرة جهله وقلة عقله في تكذيبه بآيات الله واستكباره عن إتباعها وقوله لموسى إن هذا الذي جئت به سحر ونحن نعارضك بمثله ثم طلب من موسى أن يواعده إلى وقت معلوم ومكان معلوم وكان هذا من أكبر مقاصد موسى عليه السلام أن يظهر آيات الله وحججه وبراهينه جهرة بحضرة الناس ولهذا قال

(موعدكم يوم الزينة) وكان يوم عيد من أعيادهم ومجتمع لهم

(وإن يحشر الناس ضحى) أي من أول النهار في وقت اشتداد ضياء الشمس فيكون الحق أظهر وأجلى ولم يطلب أن يكون ذلك ليلا في ظلام كيما يروج عليهم محالا وباطلا بل طلب أن يكون نهارا جهرة لانه على بصيرة من ربه ويقين أن الله سيظهر كلمته ودينه وإن رغمت أنوف القبط.

42-قال الله تعالى (فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى.قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى فأجمعوا كيدكم ثم أئتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى) [ طه: 60 - 64 ].

يخبر تعالى عن فرعون أنه ذهب فجمع من كان ببلاده من السحرة وكانت بلاد مصر في ذلك الزمان مملوءة سحرة فضلاء، في فنهم غاية، فجمعوا له من كل بلد ومن كل مكان فاجتمع منهم خلق كثير وجم غفير، عن ابن عباس كانوا سبعين رجلا وروى عنه أيضا أنهم كانوا أربعين غلاما من بني إسرائيل أمرهم فرعون أن يذهبوا إلى العرفاء فيتعلموا السحر ولهذا قالوا وما أكرهتنا عليه من السحر وفي هذا نظر. وحضر فرعون وأمراؤه وأهل دولته وأهل بلده عن بكرة أبيهم.وذلك أن فرعون نادى فيهم أن يحضروا هذا الموقف العظيم فخرجوا وهم يقولون (لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين) [ الشعراء: 40 ]


.وتقدم موسى عليه السلام إلى السحرة فوعظهم وزجرهم عن تعاطي السحر الباطل الذي فيه معارضة لآيات الله وحججه فقال (ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى فتنازعوا أمرهم بينهم) [ طه: 61 - 62 ]

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة