عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 01-09-2008, 11:02 PM   #15
معلومات العضو
@ كريمة @
إشراقة إدارة متجددة

افتراضي بادر بالتوبة قبل فوات الأوان

سبق أن الله تعالى يدعو عباده إلى التوبة ويفرح بها، وهي واجبة على جميع الناس، من جميع الذنوب، وتجب على الفور، ولا يجوز للعاصي تأخيرها.
قال تعالى: ((وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)) [النور(31)]
وقال تعالى: ((ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا)) [التحريم (8) التحريم]

أليس فرح الله بتوبتك حافزا لك على الإسراع بالتوبة إليه من ذنوبك؟ ربك الذي خلقك ورزقك، وأسدى إليك كل نعمة في حياتك، تجاهره بالمعاصي، بترك ما أمرك به، وفعل ما نهاك عنه، ثم يدعوك إلى التوبة ويفرح بتوبتك، هل يليق بك أن تستمر في عصيانه، وتصر على سخطه؟!

ربك يريدك أن تفارق هذه الحياة وهو راض عنك، تأتيك ملائكة الرحمة عند قبض روحك.... فيقولون لها: اخرجي راضية مرضية، فتخرج تنتشر منها رائحة زكية كأطيب ريح المسك، ويناولها بعضهم بعضا فيشمونها، ثم يزفونها إلى أبواب السماء، وترحب بها في كل سماء ملائكتها، ويقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض! فكلما أتوا سماء قالوا ذلك، كما ترحب بها أرواح المؤمنين، فيفرحون بها أشد الفرح.

ثم تفوز في قبرك في الإجابة على أسئلة الملائكة التي تلخص تاريخ حياتك في الدنيا: "من ربك .... ما دينك .... من نبيك.. وما عملك؟ فتقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد رسول الله... وعملي: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة... فيأتيك من روحها وطيبها، ويفسح لك في قبره مد بصرك....
ويأتيك عملك في صورة رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد. فتقول له: من أنت فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح.

وعندئذ تتمنى أن تقوم الساعة، لتنال الفضل العظيم، والثواب الجزيل، وتلقى ربك الكريم، فتفوز بما كنت تقرأه في كتابه: ((وجوه يومئذ ناضرة إلى ربه ناظرة)) فتقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة.....

ثم يأتي يوم البعث والنشور والحساب، والجزاء فتؤتىكتابك بيمينك، وتنادي لشدة سرورك و فرحك مَن يقرأ كتابك: ((فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه (19) إني ظننت أني ملاق حسابيه (20) فهو في عيشة راضية (21) في جنة عالية (22) قطوفها دانية (23) كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية)) (24) [الحاقة]
هذا ما يدعوك إليه ربك الذي يفرح بتوبتك، ويفتح لك أبواب جنته: ((والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)) [يونس(25)]

وإذا لم تستجب لدعوة ربك الذب بفرح بتوبتك، فلدعوة من تستجيب؟ وما مصيرك في الاستجابة لغير الله؟
((إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير)) [فاطر (6)]
((استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون)) [المجادلة (19)]

((يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم (26) والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما)) (27) [النساء]

مجاهدة الأمل المهلك

إن الواجب على الإنسان أن يتوب إلى الله تعالى من المعصية، فور وقوعها منه، وإذا تمادى في الإصرار عليها، سواء كانت ترك واجب أو فعل محرم، فإثمه مستمر حتى يتوب منها.

وكثير من الناس قد تؤنبه فطرته يشعر بالندم على معصية ربه، ولكنه لا يقلع عنها، ممنيا نفسه بالتوبة في مستقبل عمره، ناسيا أنه قد ينام فلا يصحو من نومه، إلا في قبره عندما يستجوبه في قبره منكر ونكير، بل قد يخرج نَفَسُه في أي لحظة، فلا يعود إليه، لأن ملك الموت قبض روحه:

قال تعالى: ((الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)) [الزمر (42)]
وقال: ((وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون)) [الأنعام (61)]
وقال: ((فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)) [الأعراف (34)]
وقال تعالى: ((ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين (2) ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون)) [الحجر (3)]

قد يقال: بعض هذه الآيات تتحدث عن الكفار، لا عن المسلمين، والجواب أن الأمر الجامع بين الكافر والمسلم، هو طول الأمل الذي يترتب عليه ندك كل منهما، مع ما عرف من التخليد للكافر في النار، ورجاء المغفرة للمسلم، أو تعذيبه، ثم إدخاله الجنة.

وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عبرة لمن كلما أسرع إليه أجله، طال أمله، فقد قال:
"خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا، وخط خطا في الوسط خارجا منه، وخط خطوطا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: (هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به... به وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا، نهشه هذا، وأن أخطأه هذا نهشه هذا) [البخاري برقم (6054)]

وكتب الأوزاعي إلى أخ له: "أما بعد فقد أحيط بك من كل جانب، واعلم أنه يُسار بك في كل يوم وليلة، فاحذر الله والمقام بين يديه، وأن يكون آخر عهدك به.والسلام.

نَسِيرُ إِلَى الآجَالِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ ،،،،،،،،،،،،، وَأَيَّامُنَا تُطْوَى وَهُنَّ مَرَاحِلُ
وَلَمْ أَرَ مِثْلَ الْمَوْتِ حَقًّا كَأَنَّهُ ،،،،،،،،،،،،،، إِذَا مَا تَخَطَّتْهُ الأَمَانِيُّ بَاطِلُ
وَمَا أَقْبَحَ التَّفْرِيطَ فِي زَمَنِ الصِّبَا ،،،،،،،،، فَكَيْفَ بِهِ وَالشَّيْبُ لِلرَّأْسِ شَاعِلُ
تَرَحَّلْ مِنَ الدُّنْيَا بِزَادٍ مِنّ التُّقَى ،،،،،،،،،،،،،،،، فعمرك أيام وهن قلائل

وقال أبو العتاهية:
وَمَا أَدْرِي وَإِنْ أَمَّلْتُ عُمْرًا ،،،،،،،،،،،،،، لَعَلِّي حِينَ أُصْبِحُ لَسْتُ أُمْسِي
أَلَمْ تَرَ أَنَّ كُلَّ صَبَاحِ يَوْمٍ ،،،،،،،،،،،،،،،،، وَعُمْرُكَ فِيهِ أَقْصَرُ مِنْهُ أَمْسِ

[جامع العلوم والحكم لابن رجب (1/383)]

فعلى الإنسان، وبخاصة المسلم أن يجاهده الأمل الذي يجعله يسوف في التوبة والرجوع إلى الله تعالى، حتى لا يندم يوم لا ينفع الندم.

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة