عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 12-06-2014, 07:44 PM   #2
معلومات العضو
حكيـــمة
مشرفة عامة لمنتدى الرقية الشرعية

افتراضي

السلف واستغلال الأوقات:

لقد كانت أسئلة الصحابة عن الأفضل، إنهم سيملؤون الأوقات بالطاعات، لكن أي الطاعات هي الأفضل، وأي الطاعات هي الأكثر أجراً، على ذلك انصب الاهتمام والسؤال:


فترى الصحابي يسأل: "يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ لما علموا أن العمر محدود، والأعمال كثيرة أرادوا أن لا يشغلوا الأوقات إلا بالأفضل، وهذا الفقه العظيم شغل الوقت بالأفضل، ومن كان يدور مع السريعة، وكان صاحب عِلم عَلم أن الأفضل هو لزوم الطاعة في ذلك الوقت، فإذا أذن المؤذن فالأفضل الترديد معه، وإذا صار وقت الاستجابة فالأفضل الدعاء، وإذا نزل الضيف فالأفضل إكرام الضيف، وإذا دعاك الوالد والوالدة فالأفضل إجابتهما، وهكذا تعرف -يا عبد الله- ما هو الأفضل، بصيرة: علم، وفقه، ثم بعد ذلك يمتلئ العمر بطاعة الله تعالى.

الأفضل في أوقات الغفلة الذكر، ورأس الذكر قراءة القرآن، والأفضل في أوقات الجهل طلب العلم، والأفضل في وقت المنكر الاشتغال بإزالته، والأفضل في وقت رؤية جاهل تعليمه، والأفضل في رؤية غافل نصحه ودعوته، وهكذا -يا عبد الله- تنشغل بالأفضل.
كان السلف يملؤون الأوقات بالطاعات، فقد قيل لنافع: ما كان ابن عمر يصنع في منزله؟ ونافع من أخلص تلاميذه، قال: "الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما" ألا ترى يا عبد الله أن هذا من خير ما شغلت به الأوقات، وعمرت به الأعمار، إذا نظرت في قضية الصلاة مثلاً، وحث الشريعة على الاستعداد لها، الوضوء والتذكير، والمشي للمسجد، وانتظار الصلاة، وأداؤها بخشوع، والأذكار بعدها، كم يأخذ ذلك من الوقت، إذا استعملنا ما جاء في الشريعة في العبادات امتلأت أوقاتنا بالخير، ولكن إن غفلنا عما جاء في الشريعة بهذا الشأن كنا بين التقصير والغفلة والمعاصي، بعض الناس يستغرقون في الصلاة وقتاً طويلاً، بعض النساء الصالحات تمكث في ما بين استعدادها للصلاة والانتهاء من الأذكار والسنن بين نصف ساعة وساعة، فلما جاءها الأجل، وقبل الموت بيومين تغير شيء في العقل، فماذا كانت تذكر من الدنيا؟ الصلاة، وربما صلت بغير تمييز، لم تعد تذكر شيئاً من الدنيا إلا الصلاة، وأخرى دخلت في غيبوبة الموت، وهي تقرأ سورة تبارك، معنى ذلك أن الانشغال بالشيء يبقى مع الإنسان إلى آخر عمره، وربما خرف، ولكنه لا يزال يذكر الصلاة لو صلاها بغير الشروط الشرعية، وعلى غير الكيفية الشرعية، لكن معنى ذلك أن في لا شعوره قد انطبعت قضية الصلاة انطباعاً عظيماً، فمع زوال العقل، وحصول الخرف، لكن لا زال يذكر الصلاة والصيام؛ لأنه كان مشغولاً بالعبادة فيها، فمع ضياع عقله الذي بقي أهم شيء كان يركز فيه، وهو العبادة، وإذا كان الإنسان المسلم حريصاً على وقته تأسس لفواته في غير مفيد.

قال بعض أهل العلم: "والله إني أتأسف في الفوات عن الاشتغال بالعلم وفي وقت الأكل؛ فإن الوقت والزمان عزيز"، وينادي بعض الدعاة أن يكون وقت الوجبة عشرة دقائق؛ لأجل استثمار الوقت في الطاعات، واليوم يدخلون المطاعم، فيأخذون الوجبة بالتقسيط المريح، فتأتي السلطات، وبعد وقت الوجبة، وبعدها العصائر، وبعدها القهوة والشاي، وبعدها الحلويات، وهكذا لا يخرج من البوفيه إلا بعد ساعة، يستلذون، ويضيعون الأوقات فيما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه بقوله: (حسب الآدمي لقيمات يقمن يصلبه) [رواه ابن ماجه (3349)]، فتحولت اللقيمات إلى ساعة أو أكثر في تناول وجبة، فأين استشعار هؤلاء لأهمية الوقت؟ وكان ابن الجوزي رحمه الله يجعل في وقت مقابلة الناس أموراً لا بد له منها في التأليف، كقطع الأوراق، وبري الأقلام، وحزم الدفاتر، يقول: فإن هذه الأشياء لا بد منها، ولا تحتاج إلى فكر، وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم؛ لئلا يضيع شيء من وقتي.

ونقول لهؤلاء الإخوان الذين صار لديهم وقت فراغ نتيجة لهذه الإجازة الدراسية والمدرسية: خرج شريح القاضي رحمه الله على قوم من الخياطين في يوم إجازة لهم، وهم يلعبون، فقال: ما لكم تلعبون؟ قالوا: إنا تفرغنا -اليوم لدينا إجازة من العمل-، قال: أو بهذا أمر الفارغ؟ وتلا قول الله تعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ سورة الشرح:7-8.

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة