الموضوع: هذه هي الدنيا
عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 05-06-2013, 12:48 PM   #1
معلومات العضو
زهرة جزائري
إشراقة إدارة متجددة

افتراضي هذه هي الدنيا

هذه هي الدنيا.. يا أخا الإسلام، أريد لتراها- كما هي- مجردة من زخرفها الخداع، عارية عن زينتها المُغررة.. أريد لتطالعها- على حقيقتها وأصل خلقتها- بغير رتوش

وهل هي إلا كما قال الله جل وعلا: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ** [يونس: 24].
{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا** [الكهف: 45].
فهي إلى زوال، وإن طال المقام، وما مقامها بطويل.. إن هي إلا أنفاس معدودة في أماكن محدودة، يحصرها عمر مقدر، وما يعمر من معمر- فيها- إلا كعابر سبيل...
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي؛ فقال: «كنْ في الدنيا كأنَّك غريبٌ، أوْ عَابِرُ سَبيلٍ»، وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك... [رواه البخاري: (6416)، والبيهقي: (3/369)، وابن المبارك في الزهد: (13)، والبغوي: (4029)، والقضاعي في مسند الشهاب: (644)، وابن حبان: (298)].

وكان قدوتنا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: «ما لي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها». [رواه أحمد: (1/391)، والترمذي: (2377)، وقال: حسن صحيح].
ومن وصايا المسيح عليه السلام لأصحابه أنه قال: اعبُروها ولا تعمروها، وروي عنه أنه قال: من ذا الذي يبني على موج البحر دارًا، تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارًا... [ذكره أحمد في الزهد: (ص93)].
فأنت- في هذه الدنيا- غريب راحل، أو عابر مجتاز.. ذلك مهما حزت من زينتها ومتاعها، ومهما رتعت في لهوها وشهواتها.. وهي- على كلٍّ- إلى زوال...
قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا** [الحديد: 20].
ومن ثم كان متاعها غرورًا، وزخرفها زورًا.. {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ** [آل عمران: من الآية 185].
لأنه لا استقرار له، ولا دوام معه، ولا أمان من سلبه.
وهو مع ذلك قليل عارض، بلغ ما بلغ، إذا ما قيس بالآخرة، كما قال تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى** [النساء: من الآية 77]، وقال: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ** [التوبة: من الآية 38]، وقال: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ**
أحلامُ نومٍ أو كظل زائلٍ *** إن اللبيبَ بمثلها لا يُخدع

ولذلك فإن الله جل وعلا يحذر عباده فتنتها؛ فيقول: {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ** [لقمان: من الآية 33]، ويذكرهم وعده الحق الذي انفضوا عن مقتضاه وانصرفوا عن موجباته بسبب الدنيا وتغريرها وفتنتها وتزويرها؛ فيقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ** [فاطر: 5].
وما للناس يفتنون بها ويغترون ببهرجها، وما هي- في أحسن أحوالها- إلا ستة أشياء..- كما قال علي رضي الله عنه-: مطعوم، ومشروب، وملبوس، ومركوب، ومنكوح ومشموم.. فأشرف المطعوم: العسل، وهو مذقة ذباب، وأشرف المشروبات: الماء، ويستوي فيه البر والفاجر (قلت: والحيوان)، وأشرف الملبوسات: الحرير، وهو نسج دودة، وأشرف المركوبات: الفرس، وعليه يقتل الرجال، وأشرف المنكوحات: المرأة، وهي مبال في مبال، وإن المرأة لتزين أحسن شيء منها، ويراد أقبح شيء منها، وأشرف المشمومات: المسك، وهو دم... [إحياء علوم الدين: (3/ 182)].
قال تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى** [الأعلى: 16- 17].. فأي عاقل ذاك الذي يرضى الأولى دون الآخرة، أو يؤثر دار الزوال على دار القرار؟

وإنك- يا عبد الله- لو شئتهما معًا (الدنيا والآخرة) لنلتهما في حسبة واحدة.. {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ** [النساء: من الآية 134]. فكيف إذا عرفت أن متاع الدنيا لا يتحقق إلا في ظل سعيك للآخرة؟ قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ** [النحل: 97].
فأنت غريب، في دار مؤقتة، هي دون التي ينبغي أن يكون إليها الرحيل، وأن تحث إليها المسير
لما خلق آدم أُسكن هو وزوجته الجنة، ثم أهبطا منها، ووُعدا بالرجوع إليها مع صالحُ ذريتهما، فالمؤمن أبدًا يحن إلى وطنه الأول، وحب الوطن من الإيمان، وكما قيل:
كم من منزل في الأرض يألفه الفتى *** وحنينه دومًا لأول منزل
ولبعض الصالحين [هو الإمام ابن القيم، والأبيات من قصيدة مطولة أنشدها في مقدمة كتابه حادي الأرواح (ص23):
فحي على جنات عدن فإنها *** منازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى *** نعود إلى أوطاننا ونسلم
وقد زعموا أن الغريب إذا نأى *** وشطت به أوطانه فهو معرم


ألا فأسرع الخطى إلى جنات عرضها السموات والأرض، أسرع.. فإنها قد شرعت أبوابها مفتحة للراغبين، كأن كل باب منها يحثك على طريق الخير الموصل إليها.. منتهية بك إلى مكانك فيها..
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- من حديث طويل-: «.... فمن كان من أهل الصلاة؛ دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد؛ دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام؛ دُعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة؛ دعي من باب الصدقة» قال أبو بكر: هل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها؟ قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم» رواه أحمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي وانظر صحيح الجامع: (2028).
فبحسب سعيك هنا؛ أن تكون مكانتك هناك.

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها *** إلا التي كان قبل الموت بانيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه *** وإن بناها بشر خاب بانيها
اللهم اجعل بناءنا خيرًا وصلاحًا، واكتب لنا به رضًا وفلاحًا


منقول

التعديل الأخير تم بواسطة زهرة جزائري ; 05-06-2013 الساعة 01:36 PM.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة