الموضوع: من هدى النبوة
عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 07-11-2007, 05:49 AM   #2
معلومات العضو
@ سالم @

افتراضي


تابع ما قبله

3ـ الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته :
هذا القائد إمام الأمة ، الذي يحمل هم أمة الإسلام قاطبة ، وقته كله عمل ودعوة : يقود الجيوش ، يعلم الأمة ، يجاهد المنافقين ، وينافح الكافرين ، ويعلم الجاهل ، ويأمر بالمعروف وينكر المنكر ، فهل أشغلته هذه الأعمال الجسام عن أهله وبيته ؟ كلا والله فقد كان نعم الزوج ونعم الأب ونعم المخدوم أعطى كل ذي حق حقه كان يقرر حقيقة : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " .
بيت الإنسان هو محكه الحقيقي الذي يبين حسن خلقه ، وكمال أدبه ، وطيب معشره ، فهو يتصرف في بيته على سجيته دون تكلف ولا مجاملات .
وإذا تأملنا في حال رسول هذه الأمة في بيته وجدناه نموذجاً فذاً للتواضع وعدم تكليف الغير . قيل لعائشة رضي الله عنها ماذا كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ؟ قالت : ( كان بشراً من البشر : يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه ) أخرجه أحمد والترمذي . وعنها قالت : (( كان يكون في مهن أهله فإذا سمع الأذان خرج )) مسلم .
كان صلى الله عليه وسلم يسعى في إدخال السرور على زوجاته فمن حسن عشرته كان ينادي أم المؤمنين بترخيم اسمها فيقول ( يا عائش ، هذا جبريل يقرئك السلام )) متفق عليه . بل كان يعرف لخد يجة رضي الله عنها فضلها ووقوفها منه وكان يذكرها دائماً بالخير حتى أن عائشة تقول ما غرت من أزواجه غيرتي من خديجة وقد توفيت قبلي لكثرة ما يذكرها وكان يقول : " صدقتني حين كذبني الناس وواستني بنفسها ومالها ولي منها الولد " . وكان يذبح الشاة ويتعاهد صويحباتها وكان يسابق عائشة ، وكان يراعي صغر سنها فيسرب إليها صويحباتها ليلعبن معها ، وكان يراها تلعب بلعب البنات فيقرها على ذلك . لما رجع من خيبر تزوج صفية بنت حيي فكان يدير كساء حول البعير الذي تركبه يسترها به ، ثم يجلس عند البعير فيضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب . كان هذا المشهد مؤثراً يدل على تواضعه صلى الله عليه وسلم لقد كان وهو القائد المنتصر والنبي المرسل يعلم أمته أنه لا ينقص من قدره ومكانته أن يوطئ أكنافه لأهله وأن يتواضع لزوجته وأن يعينها ويساعدها . وما كان يفضل أحداً من أزواجه على الأخرى . إن هذه الشخصية العظيمة التي وسع وقتها أمور الأمة بكاملها ولم تشغلها عن أن تعيش الحياة السعيدة الحقيقة مع أسرتها . فإلى أولئك الرجال الذين ينظرون إلى المرأة نظرة دونية وإن التواضع معها ضعف ومهانة إلى أولئك نسوق هذه السيرة العطرة والحياة الزكية .
كان صلى الله عليه وسلم يقول : " الدنيا كلها متاع وخير متاع الدنيا الزوجة الصالحة " صحيح الجامع الصغير .
بل هذا نبي الأمة عليه الصلاة والسلام وأكملها خلقاً وأعظمها منزلة يضرب صوراً رائعة في حسن العشرة ومعرفة الرغبات النفسية والعاطفية لزوجته وينزلها المنزلة التي تحبها كل أنثى لكي تكون محظية عند زوجها . قالت عائشة رضي الله عنها : (( كنت أشرب وأنا حائض ، فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ ، وأتعرق العَرق << أي آخذ ما على العظم من اللحم >> فيتناوله ويضع فاه في موضع فيَّ )) رواه مسلم
إن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم درس للدعاة إلى الله الذين تختلط عندهم الأوراق فيرون عدم إمكان الجمع بين الدعوة وبين حقوق البيت وأهله ويدّعون ضيق الأوقات . إن الوقت الذي وسع رسول الله في دعوته هو نفسه الوقت ، لكن الخلل لدينا نحن في بعثرة أوقاتنا وبعدنا عن العبادة الحقة لله التي يبارك الله بسببها في الأوقات والطاقات .
إن هذا الرجل العظيم : لم ينشغل عن أن يصرف وقتاً من حياته المباركة لبناته ـ لأن أبناءه ماتوا صغاراً ـ فقد كان نعم الأب يبش لبناته ويفرح بهن ويدخل السرور عليهن ، فقد حظين منه بالحب الزائد والشفقة العظيمة والرحمة بشتى صورها كيف لا وهو الرحمة المهداة للبشرية .
(( كان إذا دخلت عليه فاطمة قام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها مجلسه ، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده وقبلته وأجلسته في مجلسها )) أبو داود والترمذي والنسائي .
ومن صور الترحيب والبشاشة لابنته ما روته عائشة رضي الله عنها قالت : (( كن أزواج رسول الله عنده فأقبلت فاطمة رضي الله عنها تمشي ، ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فلما رآها رحب بها وقال: " مرحباً بابنتي " ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله )) رواه مسلم .
ومن عطفه ومحبته لبناته زيارتهن وتفقد أحوالهن وحل مشاكلهن والذهاب إليهن في بيوتهن لمعرفة حوائجهن . أتت يوماً فاطمة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحى وتسأله خادماً فلم تجده فذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها ثم انصرفت فلما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة ، قال علي رضي الله عنه فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال : " مكانكما " فجاء فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري فقال : " ألا أدلكما على ما هو خير من خادم ؟ إذا أويتما إلى فراشكما ، أو أخذتما مضاجعكما فكبرا أربعاً وثلاثين ، وسبحا ثلاثاً وثلاثين ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين ، فهذا خير لكما من خادم " )) البخاري .
إنك لتدهش من حياة المصطفى التي وسعت كل هذه الأمور فهذا قائد الأمة أتى من مهمة من مهام الأمة بلا شك فأخبرته عائشة بقدوم فلذة كبده فلم يصبر ولم يسوف بل ذهب مباشرة إلى ابنته ولم يقر له قرار حتى عرف شأنها وأخبرها بما هو أصلح لها .
درس عظيم يستفيده الآباء وهم يتعاملون مع أبنائهم : الرحمة والشفقة والعطف والحنان هو واجب الأبوة والأمومة والقائد هو الأسوة الحسنة في هذا المجال .
والرحمة والشفقة والعطف والحنان : لا يعني الدلال الزائد . فهذه فاطمة رضي الله عنها فلذة كبد المصطفى ويحبها حباً عظيماً ويدللها لكنها ، كانت امرأة عظيمة تخدم زوجها وتقوم بأعمال منزلها حتى آلمها كثرة الشغل في يديها ، فلما طلبت من والدها خادماً ، أرشدها إلى ما هو أصلح ، لم يكن بخيلاً ــ بأبي هو وأمي ــ ولم يستكثر على ابنته خادماً لكنه يريد لها الخير وما هو أصلح . فيرشدها إلى هذا الدعاء الذي سعدت به ونفعها الله به . وكان أيضاً فائدة للأمة من بعدها هذا النبي الرحيم وهذه المشاعر الفياضة . كانت أسوة حسنة في الصبر على أقدار الله وعدم الجزع . يموت أولاده جميعاً في حياته عدا فاطمة رضي الله عنها فيصبر صبراً جميلاً يقول عند موت ابنه إبراهيم : " إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون " .

4ـ حياته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه :
لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعيش في برج عاجي بعيداً عن أصحابه ومجتمعه بل كان يعيش معهم يخالطهم ويعيش معهم في آمالهم وآلامهم حتى أن من يقدم من خارج المدينة وهو لا يعرفه لا يميزه بين أصحابه . كان يعيش معهم كأنه أحدهم . فكان يبرز للناس وكان يبيع ويشتري لنفسه ومن ذلك قصة الأعرابي الذي اشترى منه صلى الله عليه وسلم فرساً وذهب إلى البيت لينقده فلوسه فطمع الأعرابي وأنكر البيع فشهد بذلك خزيمة بن ثابت رضي الله عنه والقصة مشهورة عند النسائي وغيره وكذلك . شراؤه جمل جابر رضي الله عنه .
وكان صلى الله عليه وسلم يداعب أصحابه ويلاعب أطفالهم فعن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله أحسن الناس خلقاً وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال : أحسبه كان فطيماً قال : فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه قال : " أبا عمير ما فعل النغير ؟ " . وكان صحابته يرجعون إليه في كل شئ حتى في مخالفات أطفالهم فيتعامل معها صلى الله عليه وسلم بأسلوب تربوي عظيم يتناسب مع سن الصغير ومرحلة الطفولة . روى أبو داود عن أبي رافع بن عمرو الغفاري قال : كنت غلاماً أرمي نخل الأنصار فأُتي بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا غلام لِمَ ترمي النخل ؟ قال آكل ، قال : " فلا ترم النخل وكل مما يسقط في أسفلها " ثم مسح رأسه فقال : " اللهم أشبع بطنه " وفي رواية للترمذي قال : " أشبعك الله وأرواك " .
يصف الصحابة رضوان الله عليهم مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم لهم في جميع حياتهم حضرها وسفرها ، وتفقده لأحوالهم الخاصة والعامة فيقول أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه : ( إنا والله قد صحبْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر وكان يعود مرضانا ويتبع جنائزنا ويغزو معنا ويواسينا بالقليل والكثير ) رواه أحمد .وكان يعمل معهم في حفر الخندق ، وفي بناء المسجد وغيره .
لم ينشغل هذا القائد العظيم عن تفقد حال امرأة كانت تقم المسجد فيفتقدها فيسأل عنها فيقال أنها ماتت فيقول هلا آذنتموني فيقال ماتت بليل فيذهب إليها ويصلي عليها في قبرها . ما أعظم هذا القائد ! وما أحسن عشرته !
كان صلى الله عليه وسلم يؤاكل أصحابه فربما حضر معه الأعرابي حديث العهد بالإسلام أو الغلام أو الجارية ممن لا يعرف آداب الطعام والشراب فيأخذ بأيديهم ويعلمهم ويربيهم . روى الإمام أحمد عن حذيفة قال : ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُتي بطعام فجاء أعرابي كأنما يطرد فذهب يتناول فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده ، وجاءت جارية كأنها تطرد فأهوت فأخذ النبي بيدها فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن الشيطان لما أعييتموه جاء بالأعرابي والجارية يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه ، بسم الله كلوا" ) .
وروى البخاري ومسلم عن عمر بن أبي سلمة قال : كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصفحة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا غلام سم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك " فما زالت تلك طِعمتي بعد .
وربما أردف أحد أصحابه فعلمه وأرشده وربما أردف بعض الشباب واستغل ذلك بتعليمه وتربيته .
إن أتباع الرسول من العلماء والدعاة لا بد أن يعوا هذا الدرس ويخالطوا الناس ويفتحوا أبوابهم وصدورهم للأمة ولشبابها . ويحلوا مشاكلهم ويعلِّموا جاهلهم ويربوا صغيرهم . إن بقاء جفوة بين العلماء والناس خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وإن ازدياد بعد العلماء عن مخالطة الناس جدير بإيجاد حاجز عريض بين الأمة وعلمائها . العالم المؤثر هو ذلك الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ويحل مشاكلهم ويشعرهم بأنه معهم كما هو هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم .
إن فتح العلماء أبوابهم للناس جدير بإذن الله في حل كثير من الاشكالات والأفكار الخاطئة ، إن من أعظم الفتن في عصر مثل هذا العصر أن يبتعد العلماء المؤثرون عن واقع أمتهم . ويصعب أن تجدهم الأمة إذا احتاجتهم . فأين هذا من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟ ولمن يترك توجيه الأمة ــ إذا قصر العلماء في ذلك ؟! .

تتبع

سالم
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة