عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 19-11-2010, 05:03 PM   #1
معلومات العضو
علي سليم
اشراقة اشراف متجددة

افتراضي حكاية من تزبّب وهو حِصْرَم ( خمس حلقات )

حكاية من تزبّب وهو حِصْرَم ( خمس حلقات )

في أمان الله تعالى أخي الحبيب أحمد الحربي...
لله درك يا حبيبنا الأخ الفاضل أحمد الحربي...
وعظت فانتفعنا بوعظك...سرّ على بركة الله تعالى...أسأل الله بمنّه و فضله أن يزيدك علما و ورعا...
موعظة حريّ بها أن تكتب بماء العين...
و أشكر الاخ أبو عديّ القحطاني على نقله ذا...
و أرى و العلم عند الله تعالى أنّه وضع لها القبول و لله الحمد...
فهي أي موعظتك ذه تناقلها الأخوة في كثير من المنتديات و انا واحد من تلك الثلّة التي نقلتْ ما خطته يمينك:


قال الأخ أحمد الحربي:

(1)

مرحباً بكم يا سادة يا كرام وسلامٌ من الله عليكم ورحمة منه وبركة
خلتي وصحبي

لا جرم! إني لأكتب هذا الموضوع والمحاذير تتناوشني من مكانٍ قريبٍ ومن مكانٍ بعيد، مخافة ألاّ يكون هذا الموضوع لله، ولذلك أقول : اللهم إن كنت تعلم أن هذا الموضوع رياءٌ وشُهرة، أو حُبٌّ للظهور والسُّمْعة، أو لأحدٍ من خلقك نصيبٌ فيه، اللهم فسلِّط على هذا الموضوع الأَرَضة تأكله من أعلاه إلى أسفله، واقتُلْه في مهده، وإدْه في استهلاله، واجعل حروفَه شَذَرَ مذَر، وألفاظَه شغَرَ بغَر، ولا تنسأ له في الأثر، واجعل تأثيره لا يُجاوز أرنبة أنفه. وإن كنت تعلم أنه خالصاً لك، قاصداً به رضاك، طالباً لمّ الشمل وجمع الكلمة على الحق والهدى فاكتب له القبول واجعله يسير في القلوب مسير الشمس في الكون، واجعله عُدّةً لي في يوم الشِّدَّة، ثُقْلاً في صحيفة الأعمال، وزيادة في الهدى والتقى.

لا جرم! إني لأكتب هذا الموضوع وقلبي مفعمٌ بالأمل ممتليءٌ بالأمنيات أن يكتب الله له القبول بين شريحةٍ كثيرٍ عديدُها من أهل الخير والاستقامة، وهم صغار طلبة العلم.

لا جرم! إني لأكتب هذا الموضوع وأنا أشد حذراً من هاربٍ بدم، خشية أن يستغله بعض المرضى في غير ما أُريد له، فيقول انظروا إلى هذا الرجل من تلك الفئة وكيف هي نهايته ونهاية كل من سار على نهجه! فحينها سأقول له سقطْتّ ولا لعاً لك.

لا جرم! إني لأكتب هذا الموضوع وفي خاطري تتصارع الأفكار، كيف آتيه؟ وأي طريقٍ أسلكها لأصل به إلى شاطيء الأمان؟ وإلى أيِّ مدىً هذا المبنى يدل على هذا المعنى! وإلى أيِّ مدىً ذاك المعنى يقوم به هذا المبنى خير قيامٍ.

سأسير في هذا المقال على قدم الإيضاح والتفصيل، بعيداً عن العمومات التي يُفسِّرها المغرض على هواه، بعيداً عن المجملات التي يفصِّلها المتردِّي من فوق جبال الجهل والهوى على ما يريد، فالمقام مقام نصيحةٍ في ثوب قصّة، وحكايةٍ في قالب نصيحة، محاولاً قدر المستطاع قطع كل صارفٍ يصرف، ومؤوِّلٍ يتأوّل، والله وحده المعين.

هذا المقال يا سادة يا كرام، لا يشمل صنفين من الناس، وهم العلماء وطلبة العلم الكبار، وكلٌّ حسيب نفسه ورقيب عقله، فهل أنت من العلماء؟ وهل أنت تعد في طلبة العلم الكِبار؟ أعني كبار العلم لا كِبار السن، إن كنتَ أحد هذين الصنفين فإنك تعلم ما تأتي وتذر، وعليك من نفسك رقيبْ، والواجب عليك كبيرٌ في اقتفاء الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، وفي ردع الباطل وبيان الحق الذي قام عليه البرهان بصدقه، وما البرهان إلا آيةٌ محكمة أو سنة ماضية أو إجماعٌ منعقد، أو قياسٌ معتَبر، فعليك البلاغ والبيان دون الالتفات إلى كثرةٍ وقِلة، فإن الحق هو الكثرة، وإن الباطل هو القلة وإن ملأ أصحابه فِجاج الأرض.

وإن كنتَ من الصنف الذي أقصده وهم طلبة العلم الصغار فإن هذا المقال لك، وما قام له سوقٌ إلا بك.

يشملك هذا المقال أيها الصغير المتزبِّب قبل أن يتحصرم، بغض النظر عن توجّهك وما تنتهجه! جاميٌ كما ينعت الناعتون، أو صحوي كما يصف الواصفون، أو قطبيٌّ أو سروريٌّ كما يقوله الآخرون، فأياً كنتَ فإنني أعنيك وأقصدك، وما ذكرتُ هذه المسميات إلا للتوضيح فقط، دون التعرض لنقدها في خصوص التسمية، موافَقةً أو مخالَفة، فالغرض هنا إطْلاعك على أصابع القصد وإلى أين تشير، حتى لا ترفع ثوبك عن الدم المهراق من أجساد الجهل وتظن أن جسدك الجاهل يسلم!

حبيبي وقرة عيني، إن في تقادم السنين وتتابعها وتسارعها عبرة لمن يعتبر ، وذكرى لمن ألقى النظر والسمع لها ، هي في تقلبها بالمرء حالاً على حالٍ تحْبوه الحكمة، وتوقفه على ما خفي عليه في سِنيِّ حياته الأولى ، تُطلعه على اعوجاج مساره ، وتوقظه من سبات قراراته ، وتنبهه من غفَلاته، كلما وقف والتفت خلفه ورأى كمّاً هائلاً من السنين والأعوام ، أطرق إطراق المُعتِبر والمتفكر في مآله ، ثم تنهَّد تنهُّدَ من يساقون إلى الموت وهم ينظرون ، ولربما تحدرت دمعتان خفيفتان من مقلتيه تحكيان مرارة الحال وشدة الألم، ولعل الخير كل الخير للمرء في أن يصحح ما اعوجّ من الطريق ، ويستدرك ما فات من العمر ، ويستأنف حياته كما يجب أن تكون ..

الموضوع يا سادة يا كرام يحكي قصتي وما مررتُ به، أضعها بين يديك في حلقاتٍ لست أدري مداها، فلا أستطيع أن أقول هن ثلاثٌ ورابعها الخاتمة، ولا أربعٌ وخامسها الخاتمة، ولا دون هذا ولا أكثر، غير أنني أسير على الخُطى فمتى وصلتُ فقد انتهيت.

إن المقال يحكي تجربتي الشخصية في نقد الرجال والطوائف ، يحكي حكاية من تزبّب وهو حِصرَم ، ومن دخل الدار من سطحها لا من بابها ، ومن أتى الأمور من أدبارها لا من قُبُلِها ! ومن أراد قطف الثمرة ولم يهتمّ بالأرض ولا كيف يزرع ..

قصتي مع النقد والمناقشات والمهاترات في الواقع الأرضي وفي الفضاء العنكبوتي، قصة امتدت تفاصيلها إلى ما يزيد على أربعة عشر عاماً، أخذتْ مني ثمرة عمري، وزهرة حياتي، وخُلاصة أنفاسي، أخذت مني شبابي، ذهبَ هدراً بلا فائدةٍ تُذكر، لقد وهبني الله حافظةً جيدة، وحُبّاً للقراءة، ووِّفقتُ في الدراسة على عالمين كبيرين من أهل السنة وهما الشيخ محمد أمان الجامي والشيخ عبدالله الغنيمان، وأنا في بواكير الشباب، فجاءت هذه المعمعةُ وهي النقاش والجدال وفلان وعِلاّن! وهؤلاء وأولئك، لتحملني على ظهرها، ولله من ظَهرٍ ما أطْوله وأشأمَه! سارت بي مدة طويلة وأنا في غاية المرح والفرح، ثم توقفتْ فجأةً وقالت دونك فانزل! فنزلتُ ثم نظرت إلى الوراء، فإذا بها أربعة عشر عاماً، ونظرتُ في الحصيلة فإذا هي جهلٌ مُطبِقٌ بما لا يسع المسلم جهلُه.

صدقني يا عزيزي إنني أكتب لك هذه الأسطر والدموع تتغرغر في عينيّ، كان بالإمكان أن أكون بأحسن من هذا، ولكن قدُر الله نافذ، وما قدّر الرحمن مفعولُ، كان بالإمكان لو سِرْت الهوينا على خطىً ثابتة أن أكون بمشيئة الله في مرتبةٍ من العلم والتقى، ولكن تعجّلتُ وارتكستُ فعرِيتُ من العلم وخلوتُ من التقى.

لقد كرهتُ هذه المناقشات كرْهي للفِش فاش! أتعرفون الفِش فاش؟ لقد فاتكم عِلم الفِش فاش بانشغالكم بالمهاترات فيا لخسارتكم!

أقول : فجأةً وبعد هذا العمر المديد في النقاشات والجدالات على أرض الواقع وفي فضاء المنتديات، جلستُ مع نفسي في حسابٍ مؤلم، فلم أحصِّل من العلم الذي أحببتُه وما أحبّني، وكنت سأتشرّف به ولكنه رفض أن يتشرّف بي، نظرت إلى موقعي من العلم فإذا بي صفْرٌ صغيرٌ على الشمال! فانتفضتُ كما انتفض العصفور بلّلَه القطرُ، وصحْتُ بملْء فمي واثكلياه! واحسرتاه! ذهب العمر فلْتة، ذهبتْ حياتي، طأطأتُ رأسي حزيناً كسيراً تتقاذفني أمواج الألم وتعتصرني الخيبة، إن عنّتْ لي مسألة اتصلتُ بمن هو أصغر مني أسأله وأستفتيه، ولو قُدِّر لي العلم لكان هذا الذي استفتيتهُ من تلاميذي، ليس كِبْراً علم الله ولو كنت متكبّراً ما اتصلت وما استفتيتُ، ولكنني أحكي واقعاً مُرّاً وحقيقةً قاتلة.

فلذلك زهدتُ فيها وكان الخير في هذا الزهد، ومن العجائب والعجائب جمّةٌ أن هناك تلازماً مطّرداً رأيته في نفسي! فإنني كلما توغلتُ في هاتيك النقاشات كلما انصرفتُ عن العلم، والعكس بالعكس فكلما تركتها كلما أقبلتُ على العلم، ولذلك عقدتُ العزمَ وانصرفتُ عنها كلّيّاً، وأقبلتُ إلى المواضيع الأخرى، من المواضيع الأدبية والمقالات الساخرة والقصائد، هذا في عالم المنتديات، وفي واقعي أقبلتُ على قراءة الكتب العلمية الشرعية، وعلى صناعة برامج الحاسب الآلي، والدين ممنوعٌ والرزق على الله!

يتـــــــــــــبع >>>>
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة