عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 27-10-2008, 06:59 AM   #3
معلومات العضو
منذر ادريس
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

فالنشرة السحرية باطلة لعلة ملازمة لها، وهي السحر الذي هو وسيلة كفرية ممنوعة في الشرع؛ قال الحنابلة: إن عاد النهي لوصف ملازم فإنه باطل. والحكم العام في السحر وإتيان السحرة الذي ثبت بالنصوص العامة الشرعية باقٍ على عمومه لانتفاء القرينة الصحيحة الثابتة التي تنقله عن العموم...

فهذا بحث دونت فيه جُملة مآخذي على مجيزي النشرة السحرية، بعد حصر حججهم واستدلالاتهم والبحث في صحتها، وإن كنت لستُ أهلا لذلك، ولا ممن ينتصب لهذه المهام... ولله الحمد ربي الذي شرح صدري لذلك، لا سيما وأني قد شغلت بهذه الفتوى التي أراها تمس العقيدة وأدت لتساهل الناس في الذهاب للسحرة واللجوء إليهم.. فإن أصبت الحق فمن الله وحده له الحمد والفضل أولا وآخرًا، والخطأ أعزوه لنفسي والشيطان.

وقد جعلت البحث في ثلاثة أبواب:
الباب الأول: واقع السحر
الباب الثاني: علاج المسحور
الباب الثالث: رد حجج واستدلالات مجيزي فك السحر بسحر مثله

أسأل الله جل وعلا أن يعصمني وإياهم من مضلات الفتن, وأن يجعلنا وإياهم مفاتيحَ للخير مغاليقَ للشر, ممن يستنون ويهتدون بهدي محمد صلى الله عليه وسلم, ومن دعاة الهدى لا من دعاة الضلالة, إنه قريب مجيب الدعاء.

الباب الأول
( واقع السحر )
تاريخ ظهور السحر
إن السحر بعيد الغور في الحياة البشرية، ولا يخلو أي عصر من العصور إلا وتجد بصمات السحر تكمن فيه ظاهرة جلية, قال تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ** [الذاريات: 52]، وهذا يدل على أن كل الأمم السابقة قد عايشت السحر وعرفته.
ومن أقدم الأمم التي فشا فيها السحرُ وذاع (أهل بابل)، وهي مدينة عراقية أهلها الكلدانيون من النبط والسريانيون، وهم قوم صابئون يعبدون الكواكب السبعة، ويسمونها آلهة، ويعتقدون أنها الفعالة لكل ما في العالم، وعملوا لها أوثانًا على أسمائها، ولكل واحد منهم هيكل فيه صنمه يتقرب إليه بما يوافقه بزعمهم من أدعية وبخور، وكانت علومهم في النجوم، ويستعملون سائر وجوه السحر، وينسبونها إلى فعل الكواكب؛ لئلا يبحث عنها وينكشف تمويههم[1]، وأول ظهوره لديهم كان بطريق الملكين اللذين بعثهما الله -عز وجل- لتعليم السحر لمن أراده, اختبارًا من الله لهم، وهما هاروت وماروت، ومع ذلك فهما يحذران من أراد تعلم السحر قبل الوقوع فيه، فيقولان له: لا تكفر، أي لا تأخذ السحر؛ لأنه كفر، كما حكاه الله في كتابه: {يُعَلمُونَ النَّاسَ السحْرَ وَمَآ أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ** [البقرة: 102]، وظل السحر سمة فارقة ومميزة لأهل بابل في العراق على مر العصور, قال كعب الأحبار لعمر بن الخطاب لما أراد أن يخرج للعراق: لاَ تَخْرُجْ إِلَيْهَا يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؛ فَإِن بِها تِسْعَةَ أَعْشَارٍ السِّحْرِ، وَبِهَا فَسَقَةُ الجِنِّ، وَبِهَا الداءُ العُضَالُ. رواه الإمام مالك.
ثم بعد قصة هاروت وماروت جاء عصر أول الرسل نوح عليه السلام؛ قال ابن حجر: "وقصة هاروت وماروت كانت من قبل زمن نوح عليه السلام على ما ذكر ابن إسحاق وغيره"، ويدل عموم قوله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ** [الذاريات: 52] أن كل الأقوام زعموا أن نبيهم الذي جاءهم ساحر، ولا شك أن قوم نوح قالوا هذه المقالة وواجهوا بها نبي الله نوحًا عليه السلام، وهذا يدل على وجود السحر في عصرهم.

[1]أبو عبد الله الرازي, أحكام القرآن. ص 43, م 1
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة