عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 07-06-2007, 10:58 AM   #6
معلومات العضو
ابن حزم
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية ابن حزم
 

 

افتراضي

الإخوان والصداقة والنصيحة
العتاب للصديق كالسبك للسبيكة فإما تصفو وإما تطير
===================
لا ترغب فيمن يزهد فيك فتحصل على الخيبة والخزي
====================
لا تزهد فيمن يرغب فيك فإنه باب من أبواب الظلم وترك مقارضة الإحسان وهذا قبيح
======================
من امتحن بأن يخالط الناس فلا يلق بوهمه كله إلى من صحب ولا يبن منه إلا على أنه عدو مناصب ولا يصبح كل غداة إلا وهو مترقب من غدر إخوانه وسوء معاملتهم مثل ما يترقب من العدو المكاشف فإن سلم من ذلك فلله الحمد وإن كانت الأخرى ألفي متأهبا ولم يمت هما وأنا أعلمك أن بعض من خالصني المودة وأصفاني إياها غاية الصفاء في حال الشدة والرخاء والسعة والضيق والغضب والرضى تغير علي أقبح تغير بعد اثنى عشر عاما متصلة في غاية الصفاء ولسبب لطيف جدا ما قدرت قط أنه يؤثر مثله في أحد من الناس وما صلح لي بعدها ولقد أهمني ذلك سنين كثيرة هما شديدا ولكن لا تستعمل مع هذا سوء المعاملة فتلحق بذوي الشرارة من الناس وأهل الحب منهم ولكن هاهنا طريق وعرة المسلك شاقة المتكلف يحتاج سالكها إلى أن يكون أهدى من القطا وأحذر من العقعق حتى يفارق الناس راحلا إلى ربه تعالى وهذه الطريق هي طريق الفوز في الدين والدنيا يحرز صاحبها صفاء نيات ذوي النفوس السليمة والعقود الصحيحة البرآء من المكر والخديعة ويحوي فضائل الأبرار وسجايا الفضلاء ويحصل مع ذلك على سلامة الدهاة وتخلص الخبثاء ذوي النكراء والدهاء وهي أن تكتم سر كل من وثق بك وأن لا تفشي إلى أحد من إخوانك ولا من غيرهم من سرك ما يمكنك طيه بوجه ما من الوجوه وإن كان أخص الناس بك وأن تفي لجميع من ائتمنك ولا تأمن أحدا على شيء من أمرك تشفق عليه إلا لضرورة لا بد منها فارتد حينئذ واجتهد وعلى الله تعالى الكفاية وابذل فضل مالك وجاهك لمن سألك أو لم يسألك ولكل من احتاج إليك وأمكنك نفعه وإن لم يعتمدك بالرغبة ولا تشعر نفسك انتظار مقارضة على ذلك من غير ربك عز وجل ولا تبن إلا على أن من أحسنت إليه أول مضر بك وساع عليك فإن ذوي التراكيب الخبيثة يبغضون لشدة الحسد كل من أحسن إليهم إذا رأوه في أعلى من أحوالهم وعامل كل أحد في الإنس أحسن معاملة وأضمر السلو عنه إن فات ببعض الآفات التي تأتي مع مرور الأيام والليالي تعش مسالما مستريحا
========================
لا تنصح على شرط القبول ولا تشفع على شرط الإجابة ولا تهب على شرط الإثابة لكن على سبيل استعمال الفضل وتأدية ما عليك من النصيحة والشفاعة وبذل المعروف
===================
حد الصداقة الذي يدور على طرفي محدوده هو أن يكون المرء يسوءه ما يسوء الآخر ويسره ما يسره فما سفل عن هذا فليس صديقا ومن حمل هذه الصفة فهو صديق وقد يكون المرء صديقا لمن ليس صديقه وأما الذي يدخل في باب الإضافة فهو المصادق فهذا يقتضي فعلا من فاعلين إذ قد يحب الإنسان من يبغضه وأكثر ذلك في الآباء مع الأبناء وفي الإخوة مع إخوتهم وبين الأزواج وفيمن صارت محبته عشقا وليس كل صديق ناصحا لكن كل ناصح صديق فيما نصح ف
=========================
وحد النصيحة هو أن يسوء المرء ما ضر الآخر ساء ذلك الآخر أو لم يسؤه وأن يسره ما نفعه سر الآخر أو ساءه فهذا شرط في النصيحة زائد على شروط الصداقة وأقصى غايات الصداقة التي لا مزيد عليها من شاركك بنفسه وبماله لغير علة توجب ذلك وآثرك على من سواك.
========================
ليس شيء من الفضائل أشبه بالرذائل من الاستكثار من الإخوان والأصدقاء فإن ذلك فضيلة تامة متركبة لأنهم لا يكتسبون إلا بالحلم والجود والصبر والوفاء والاستضلاع والمشاركة والعفة وحسن الدفاع وتعليم العلم وبكل حالة محمودة ولسنا نعني الشاكرية والأتباع أيام الحرمة فأولئك لصوص الإخوان وخبث الأصدقاء والذين يظن أنهم أولياء وليسوا كذلك ودليل ذلك إنحرافهم عند إنحراف الدنيا ولا نعني أيضا المصادقين لبعض الأطماع ولا المتنادمين على الخمر والمجتمعين على المعاصي والقبائح والمتألفين على النيل من أعراض الناس والأخذ في الفضول وما لا فائدة فيه فليس هؤلاء أصدقاء ودليل ذلك أن بعضهم ينال من بعض وينحرف عنه عند فقد تلك الرذائل التي جمعتهم وإنما نعني إخوان الصفاء لغير معنى إلا لله عز وجل إما للتناصر على بعض الفضائل الجدية وإما لنفس المحبة المجردة فقط ولكن إذا أحصيت عيوب الاستكثار منهم وصعوبة الحال في إرضائهم والغرر في مشاركتهم وما يلزمك من الحق لهم عند نكبة تعرض لهم فإن غدرت بهم أو أسلمتهم لؤمت وذممت وإن وفيت أضررت بنفسك وربما هلكت وهذا الذي لا يرضى الفاضل بسواه إذا تنشب في الصداقة وإذا تفكرت في الهم بما يعرض لهم وفيهم من موت أو فراق أو غدر من يغدر منهم كاد السرور بهم لا يفي بالحزن الممض من أجلهم
===========================
وليس في الرذائل أشبه بالفضائل من محبة المدح ودليل ذلك أنه في الوجه سخف ممن يرضى به وقد جاء في الأثر في المداحين ما جاء إلا أنه قد ينتفع به في الإقصار عن الشر والتزيد من الخير وفي أن يرغب في ذلك الخلق الممدوح من سمعه ولقد صح عندي أن بعض السائسين للدنيا لقي رجلا من أهل الأذى للناس وقد قلد بعض الأعمال الخبيثة فقابله بالثناء عليه وبأنه قد سمع شكره مستفيضا ووصفه بالجميل والرفق منتشرا فكان ذلك سببا إلى إقصار ذلك الفاسق عن كثير من شره بعض أنواع النصيحة يشكل تمييزه من النميمة لأن من سمع إنسانا يذم آخر ظالما له أو يكيده ظالما له فكتم ذلك عن المقول فيه والمكيد كان الكاتم لذلك ظالما مذموما ثم إن أعلمه بذلك على وجهه كان ربما قد ولد على الذام والكائد ما لم يبلغه استحقاقه بعد من الأذى فيكون ظالما له وليس من الحق أن يقتص من الظالم بأكثر من قدر ظلمه فالتخلص من هذا الباب صعب إلا على ذوي العقول والرأي للعاقل في مثل هذا أن يحفظ المقول فيه من القائل فقط دون أن يبلغه ما قال لئلا يقع في الاسترسال زائد فيهلك وأما في الكيد فالواجب أن يحفظه من الوجه الذي يكاد منه بألطف ما يقدر في الكتمان على الكائد وأبلغ ما يقدر في تحفيظ المكيد ولا يزد على هذا شيئا وأما النميمة فهي التبليغ لما سمع مما لا ضرر فيه على المبلغ إليه وبالله التوفيق

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة