عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 12-06-2014, 07:58 PM   #5
معلومات العضو
حكيـــمة
مشرفة عامة لمنتدى الرقية الشرعية

افتراضي

استغل الفراغ فيما قصرت فيه:

ثم إننا عندما نأخذ إجازة فإننا نحتاج إلى الالتفاف في جوانب قصرنا فيها أثناء العمل أو الدراسة، إن الإجازة في الحقيقة من وظائفها الالتفات إلى استدراك ما فات، إذا كنت مقصراً في شيء مع زوجتك، مع أولادك، مع أقاربك، مع أهل حيك، هذه فرصة لاستدراك ما فات، تقول: تنادون بطلب العلم، والدوام والعمل والشركة لا تعين على ذلك، فيرجع الإنسان من عمله مهموماً متعباً كالاًّ، يشتري أغراض بيته، يأكل، ينام، إذا جاءت الإجازة إذن فينبغي أن يكون فيها استدراك -مثلاً- لقضية طلب العلم، إذا كنا مقصرين في طلب العلم أثناء الدراسة الجامعية الدنيوية، أو أثناء هذه الأعمال التي كانت تشغل أوقاتنا، فإننا ينبغي أن نستدرك ما فات في طلب العلم، هذه العبادة العظيمة التي قصر فيها الكثيرون، كان السلف يرحلون في طلب العلم الأيام والليالي، ويجوعون، ويتعرون، ويتعرضون للصوص والأخطار، وغير ذلك، ولم يجد بعضهم إلا سلحفاة، فلما قشرها ليأكلها قال: وجدت طعمها كصفار البيض المالح.

وكانوا إذا دخلوا البلد، فوجدوا شيخاً مات ممن كانوا يقصدونه داخلهم من الهم ما الله به عليم، كانوا يدركون أن الله يقبض العلم بقبض العلماء، فيسارعون للقائهم، كانوا يحملون الدواة والمقلمة والأوراق إلى المجلس، فيكتبون عن الشيوخ الأسانيد والأحاديث، والفوائد والعلم.
إذا رأيت شباب الحي قد نشئوا *** لا ينقلون قلال الحبر والورق
ولا تراهم لدى الأشياخ في حلق *** يعون من صالح الأخبار ما اتسق
فدعهم عنك واعلم أنهم همج *** قد بدلوا بعلو الهمة الحمق

فمن الحمق إذن أن لا يصل الإنسان علماً، إذا مر علي يوم لم أزدد فيه علماً فلا بورك لي في ذلك اليوم، كما قال بعض السلف، يحضرون وهمتهم الإخلاص، وليس المراءاة والمباهاة، ويحضرون وليس همهم جمع المعلومات، وهذه قضية مهمة جداً، ليس همهم فقط جمع المعلومات، وإنما تعلم السمت والأدب.

كان يجتمع في مجلس الإمام أحمد خمسة آلاف، أو يزيدون، خمسمائة يكتبون، والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت، السمت الحسن، المظهر الحسن، التصرفات الحسنة، وهكذا.

كان يجتمع في مجلس الإمام أحمد خمسة آلاف، أو يزيدون، خمسمائة يكتبون، والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت، السمت الحسن، المظهر الحسن، التصرفات الحسنة، وهكذا.


قال أبو بكر بن المطوعي: اختلفت إلى الإمام أحمد اثنتي عشرة سنة، وهو يقرأ المسند على أولاده في نحو من أربعين ألف حديث جمعها بعرقه، فما كتبت عنه حديثاً واحداً، إنما كنت أنظر إلى هديه وأخلاقه، فكانوا تستقطبهم قضية القدوة والاقتداء، ويلتفون حول أصحاب المجاهدة:وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَاسورة العنكبوت:69، وكانوا يحرصون على كتابة الفوائد، وربما كتبوا آلاف آلاف الصفحات، والبخاري فُقد فوجد في بيت ليس له ثياب، فني المال في طلب العلم، فاشتروا له ثياباً، فخرج معهم للطلب.
وهكذا وقف قتادة الأعمى -الذي لم تمنعه عاهته من طلب العلم-، وهو يسأل أنساً، ويسأل ابن المسيب حتى قال له: نزفتني يا أعمى، استخرجت علمي، نزفتني يا أعمى؛ مداعباً له، كانوا يبكرون للحلق، ويلزمون المكان القريب من الشيخ، ويكتبون ما فاتهم إذا فات لأمر لا يستطيع استدراكه، لا يستطيع حضوره استدركه، فمن تعطلت سيارته عن الحضور، أو تأخر بعد الدرس يسأل: ماذا كتبوا؟ ماذا أخذتم؟ ماذا سمعتم؟ ماذا استفدتم؟ يعلقون الفوائد على الكتب، فترى كتبهم مليئة بالحواشي، الحواشي في الكتب دليل على النشاط والاجتهاد والاستفادة، ومراجعة هذه الفوائد، وإذا وجدت دورات شرعية في البلد، وأتى بعض أهل العلم لأجلها، فلا أقل من أن يكون واجبنا هو حضورها، والاستماع والإنصات والاستفادة.
اللهم وفقنا لما يرضيك، وباعد بيننا وبين ما لا يرضيك، اللهم اجعل أوقاتنا مملوءة بذكرك وشكرك، وحسن عبادتك، وأعنا على ذلك يا رب العالمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة