عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 21-12-2012, 09:32 PM   #1
معلومات العضو
فاديا
القلم الماسي
 
الصورة الرمزية فاديا
 

 

افتراضي " أنا " أتعس إنسان في الوجود ؟


اعتدنا ان نسمع النصيحة الذهبية عندما تتوالى علينا الأزمات والمصائب ، واحيانا اقولها لغيري ،- ولأنني احب الصدق والصراحة فأنا أقولها من باب الأدب واستذكار احوال غيرنا وازماتهم ، ومن منطلق التعود ايضا ، فهذا ما أسمعه من الناس ايضا عندما تحيط بي مشكلة :
" انظر الى مصائب غيرك ، لتعرف من هم أسوأ من حالك ، فترتاح ، وتهون عليك مصيبتك "

في الحقيقة ، وفي لحظة اعتراف خطيرة - لا اعتقد انها ستتكرر ثانية - أحببت أن أسجلها لتشهد عليّ ،
أحب ان أوضح مشاعري تجاه هذه النصيحة بأدق دقائقها

أشعر بغصة عميقة عندما أستمع الى هذه النصيحة خاصة ان كنت أمرّ بأزمة ما ، ، فيزداد همي هموما ، وكربي كروبا ؛

إذ كيف سأرتاح عندما أعرف هموم وعذابات غيري الدقيقة ؟
وكيف يا تُرى سأرتاح ، لمجرد أن غيري يمرّ بمصيبة قد تكون أسوأ مني ؟ هل تمكنت بمعرفتي تلك من حلّ عقدة واحدة من أزمتي المستعصية ؟ طبعا لا .
وهل من الصحيّ نفسيا للإنسان أن يدخل في تفاصيل مشاكل الغير ويقارنها بنفسه ليزداد توترا في الوقت الذي هو أحوج ما يكون الى السكون ليتمكن من التفكير فيما سيفعله بالمصيبة التي حلّت عليه؟

في الوقت الذي يعتقد فيه البعض ان كلامي - أناني - بالدرجة الاولى ومنحاز للنفس ، فأنا أرى انه ليس أيضا من الأصول ان نقارن مشاكلنا بالغير ثم نرتاح لأن غيرنا يمرّ بمصائب أسوأ منّا ، دون ان نفعل لهم أو لأنفسنا شيئا
إن هذا شعور ربما ينطوي على بعض الشماتة والتي طبعا تضيف بعض " الراحة " ، وهو أمر يدلّ على اهمية " النظرة الاجتماعية " لدينا ، وما ستعكسه مشكلتنا من تأثير على نظرة الغير لنا ، وعندما نجد من هو أسوأ منا ، نطمأن " فالموت مع الجماعة رحمة " كما يقال ، ونرتاح لأن هناك مشاكل عويصة لدى " الغير " الذين نحن مهتمون بنظرتهم لنا أثناء مرورنا بأزمة ما .

كلامي هذا مبني على الكثير من التجارب الشخصية وكذا شواهد اجتماعية ...

ربما كنت في السادسة عندما كانت شقيقتي الكبيرة بالنسبة لي طبعا في ذاك السن تقرأ في الجريدة اليومية ، ثم تقول لي انه وبناءا على تاريخ ميلادي ، فإن برجي هو " الثور " وطبعا رفضت هذه الحقيقة المؤسفة المزرية ، وخشيت ان يلتصق الثور باسمي مما سيعرضني للسخرية من قبل الآخرين ، وطلبت من والدي الاتصال ب ( مدير الأبراج ) لتغيير برجي ، وعندما ضحك من اقتراحي وضحك الجميع شعرت ان العالم يسخر مني ويستهينون مصيبتي فحزنت أكثر.. وبكيت بكاءا طويلا طويلا وانا اعترض على حقيقة" الثور " تلك التهمة الملازمة والملاصقة لي " دون ذنب " ... لم اتوقف عن البكاء الاّ عندما جاءت صديقتي " الحكيمة " لتلعب معي فتساءلت عن سبب احمرار عيوني وانتفاخ جفوني ..فقلت لها وكأنني أقدم لها نقطة ضعفي الخطيرة " برجي الثور " وكنت مستعدة لسيل من الضحكات والسخرية ، ولكنني لم أصدق نفسي عندما امسكت صديقتي بيدي وهمست كأنها تكشف بصعوبة عن جرح دامي : ما تزعلي نفسك ، " ماذا أفعل أنا ، برجي السرطان " ، وفي تلك اللحظة التي نطقت بها بهذه الجواهر ، شعرت ان حملا ثقيلا ينزاح عني وتصالحت على الفور مع نفسي ومع تاريخ ميلادي ونسيت الأمر وانطلقت للعب بسرور .


وفي الثانوية العامة ، اتصلت صديقتي وهي تبكي في التاسعة مساءا ليلة الامتحان وتشكو من عجزها عن اكمال مادة المقرر ، وقلت لها بذهول : اي امتحان ، فقالت الكيمياء ، سألتها بتحقيق واستنكار : هل هو غدا ، أم بعد غد ، قالت : في أي كوكب أنت ، الامتحان غدا ، ولحظة اكتشفت الزميلة اني أمر بأزمة أمرّ واخطر منها ، ارتاحت ، وتعاملت مع مشكلتها بشكل عادي دون توتر ، لقد اتصلت لتسألني حلولا لأزمتها ، وانهت المكالمة قبل ان تسمع حلولا ، من المؤكد انها لم تجد حلا ، ولكن مرور غيرها بأزمة أعمق جعلها تتصالح مع ما هي عليه، ولم يعد اكمال المادة امر مهم ، ما دام غيرها سيذهب للامتحان دون ان يقرأ كلمة واحدة


طبعا أنا سقت هذه الأمثلة لأبين شيئا هاما
ان مقارنة أنفسنا بالغير ، لن يجلب لنا حلولا ، بل سيجلب لنا تخديرا عن الشعور بمسؤولية التفكير الدقيق في مشاكلنا للخروج منها ، في الوقت الذي نحن فيه بحاجة الى استحضار كل امكانياتنا الفكرية والذهنية والعملية لمساعدة أنفسنا .
ان الاطلاع على مشاكل الغير في الوقت الذي نعاني فيه من أزمات لن يساعد الناس - أولا - ، لأننا مشغولين بمشاكلنا ، وشعورنا بأزماتهم لن يكون قويا ولا مجديا ، ولن يفعل لهم شيئا ، وعندما نريد الوقوف الى جانب الآخرين والشعور معهم يجب علينا ان نتحلى بالايثار ، وننسى أنفسنا لأجلهم ، فكم عدد البشر الذين يتحلّون بالايثار ويفكرون بمصائب غيرهم في الوقت الذي يمرّون فيه بأزمات شخصية مستعصية ؟ وهل من يكون عاجزا عن مساعدة نفسه ، قادر على مساعدة الآخرين ؟ حتى بكلمة ؟ أشك في ذلك ؟


ومن جانب آخر ، فمن الصحي نفسيا ان يعتبر الانسان نفسه - إن مرّ بأزمة ما - أنه " أتعس إنسان في الكون "
ليس هذا بالأمر الغريب ولا داعي لاستهجانه ، فهي طبيعتنا التي خلقنا عليها شئنا أم أبينا {إن الإنسان خلق هلوعا **


ان يعتبر الانسان نفسه تعيسا وكل من حوله أفضل منه حالا ، هو حيلة من الحيل النفسية العصبية التي تساعد الانسان على رفض ما يحصل معه حتى لا يصاب بالاحباط والانهيار امام الحقائق الدامغة

أن يشعر الشخص انه يمر بأمر استثنائي بينما من حوله يمرّون بأمور عادية ، يدفع العقل الباطن الى تصديق ان الاستثناءات والفرائد لا تدوم ، وانه لا شك سيتحسن أمره ليلحق بغالبية البشر ما دام واحدا منهم ، وهذا سيدفعه الى ايجابية التفكير للخروج من الأزمات بشكل أسرع

أما شعوره وإحضار تأكيدات له " أن هناك من يمر بظروف أصعب منه "
فإن هذا سيجعل ما يستقر بنفسيته انه من المنطق والمعقول جدا ان يصبح أسوأ حالا مما هو عليه الآن في أي لحظة ،
وهذا ما سيولّد شعورا بالخوف والاحباط والعجز عن اتخاذ حلول قد تكون ايجابية بسبب حالة الخوف الشديد من ان اي خطوة قد تؤدي لأن يصبح أسوأ حالا ، وهذا ما سيؤدي الى الاحجام والإخفاق المتكررين .

علينا ان نتوقف عن إدمان التفكير بمن حولنا وما يمرّون به ، والتوقف عن حقن أنفسنا بمخدرات التعاطف الكاذب مع الغير في عز مشاكلنا ، وان نكف عن ترديد عبارة " ما حدا مرتاح " ، و " كل واحد همّه على قدّه "
دعونا نكون صادقين مع أنفسنا فنحن لا نفكّر إلاّ ب ( همّنا ) الذي نشعر أنه أكبر من ( قدّنا )

لنتمكن من مساعدة أنفسنا أولا - ومن حولنا - ثانيا - :
فعندما نمرّ بأزمة صعبة : علينا الإعتراف بحقيقة آدميتنا واننا في هذه اللحظة نشعر أننا ( أتعس مخلوقات الكون )
و أن نعتبر أن الناس - على ما يرام - وأنه مهما كانت مشاكلهم ، فهي - ليست كمشكلتنا -
وان وضع الناس - طبيعي - ، ووضعنا - استثنائي -

ثم أوتوماتيكيا ، سيستقبل باطننا الأوامر بسرعة التفكير في التخلص من وضعنا ( الشاذ الاستثنائي ) الذي خلقته أزمتنا ، لنلحق بالبقية الطبيعين .... في أسرع وقت ممكن .


التعديل الأخير تم بواسطة فاديا ; 21-12-2012 الساعة 10:00 PM.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة