عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 31-08-2014, 09:07 PM   #9
معلومات العضو
حكيـــمة
مشرفة عامة لمنتدى الرقية الشرعية

Post شرح شروط لا إله إلا الله للشيخ الرضواني

الشرط السابع القبول المنافي للرد
الحمد لله الذي كان ولم يكن شيء معه وكان عرشه على الماء ، كان ولا إنسَ ولا جان ولا طائرَ ولا حيوان وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، هو المتفرد بوحدانيته والدائم في أبديته ، تقدس في صمدانيته ، ليس له سمي ولا وزير ، ولا شبه ولا نظير ، انفرد بالخلق والتصوير ، وانفرد بالمشيئة والتقدير ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، له الرفعة والحمد والثناء ، وله الفوقية والعلو والاستواء ، أول بلا ابتداء ، دائم بلا انتهاء ، لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام ولا يشبهه الأنام ، حي لا يموت قيوم لا ينام ، له الأسماء الحسني وله الصفات العلى ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، خاتم النبيين وإمام المتقين وسيد الأنبياء والمرسلين ، اصطفاه ربه لرسالته واختاره لبريته ، فبين السبيل وأنار الدليل ، صلي الله عليه وعلى آله الطاهرين وأصحابه السابقين والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين ، ** يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الذِي خَلقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلقَ مِنْهَا زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الذِي تَتَساءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَليْكُمْ رَقِيبًا ** (النساء/1) ** يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ** (آل عمران/102) ، أما بعد ..
فإن منهج لا إله إلا الله يغير معالم الحياة ، لا إله إلا الله تعني أنه لا معبود بحق إلا الله ، فلا يخضع العبد عن حب إلا لربه ، وهمه في الحياة ابتغاء قربه ، يخافه ويرجوه ، ويحبه ويدعوه ، روي البخاري بسنده أن النبي صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال لمُعاذِ بْنِ جَبَلٍ رضِي الله عنه : ( مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صِدْقًا مِنْ قَلبِهِ إِلا حَرَّمَهُ اللهُ على النَّارِ ) .
واعلم عبد الله أن لا إله إلا الله لها شروط وردت في كتاب الله وفي سنة رسوله r ، فلا يصح قول اللسان ولا يصلح ركن من أركان الإيمان إلا بها : أولها العلم المنافي للجهل ، ثم اليقين المنافي للشك ، ثم الإخلاص المنافي للشرك ، ثم الصدق المنافي للكذب ، تم المحبة التي تنافي البغض ، ، ثم الانقياد الذي ينافي الترك ، ثم القبول الذي ينافي الرد والثامن من هذه الشروط هو الكفر بما يعبد من دون الله ، وقد أحسن من جمعها وعدها وحصرها في هذين البيتين فقال :
علم يقين وإخلاص وصدقك مع : محبة وانقياد والقبول لها
وزيد ثامنها الكفران منك بما : سوي الإله من الأشياء قد ألها
وحديثنا بإذن الله في محاضرة اليوم عن الشرط السابع من شروط لا إله إلا الله ، وهو القبول المنافي للرد ، القبول لما اقتضته هذه الكلمة ، القبول الذي يحرك القلب واللسان والأبدان ، وقد قص الله تعالى في القرآن ، نباء من قبل قبلها ، وانتقامَه ممن ردها ، وعذابَه لمن كفر بها ، كما قال تعالى : ( وَكَذَلكَ مَا أَرْسَلنَا مِنْ قَبْلكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَال مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ قَال أَوَلوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَي مِمَّا وَجَدْتُمْ عَليْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلتُمْ بِهِ كَافِرُونَ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ ) .
وكذلك أخبرنا الله تعالى بما أعده لمن قبل كلمة التوحيد من أنواع الثواب ، وما أعده لمن ردها من ألوان العذاب فقال تعالى عن الكافرين يومَ الحساب :
( وَقَالُوا يَاوَيْلنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ هَذَا يَوْمُ الفَصْل الذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ احْشُرُوا الذِينَ ظَلمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إلي صِرَاطِ الجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لكُمْ لا تَنَاصَرُونَ بَل هُمْ اليَوْمَ مُسْتَسْلمُونَ وَأَقْبَل بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنْ اليَمِينِ قَالُوا بَل لمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لنَا عَليْكُمْ مِنْ سُلطَانٍ بَل كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ فَحَقَّ عَليْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لذَائِقُونَ فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي العَذَابِ مُشْتَرِكُونَ إِنَّا كَذَلكَ نَفْعَلُ بِالمُجْرِمِينَ ) – ما سبب إجرامهم ، وما علة تعذيبهم ، سببه هو استكبارهم عن قول لا إلا إله الله – ( إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيل لهُمْ لا إِلهَ إِلا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ ) – يهزأون برسول الله ويصفونه بالسحر والجنون – ( وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لتَارِكُوا آلهَتِنَا لشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ) - فكذبهم الله عز وجل ورد ذلك عليهم وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال – ( بَل جَاءَ بِالحَقِّ وَصَدَّقَ المُرْسَلينَ إِنَّكُمْ لذَائِقُو العَذَابِ الأَليمِ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) – ثم استثني الله عباده المخلصين الذين صدقوا المرسلين وقبلوا لا إله إلا الله خاضعين مؤمنين فقال تعالى – ( إِلا عِبَادَ اللهِ المُخْلصِينَ أُوْلئِكَ لهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ على سُرُرٍ مُتَقَابِلينَ يُطَافُ عَليْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لذَّةٍ للشَّارِبِينَ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ) – أكرمهم الله وشفا صدورهم وأراحهم وري غليلهم في الكافرين – ( فَأَقْبَل بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَال قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لي قَرِينٌ يَقُولُ أَئِنَّكَ لمِنْ المُصَدِّقِينَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لمَدِينُونَ قَال هَل أَنْتُمْ مُطَّلعُونَ فَاطَّلعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الجَحِيمِ قَال تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لتُرْدِينِي وَلوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لكُنتُ مِنْ المُحْضَرِينَ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلا مَوْتَتَنَا الأُولي وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هَذَا لهُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ لمِثْل هَذَا فَليَعْمَل العَامِلُونَ ) .
وقال سبحانه وتعالي عن الكافرين وردهم دعوةَ الأنبياء المرسلين ، وتكذيبهم بتوحيد رب العالمين ورسالة خاتم النبيين : ( وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَال الكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَل الآلهَةَ إِلهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لشَيْءٌ عُجَابٌ وَانطَلقَ المَلأُ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا على آلهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي المِلةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ أَؤُنزِل عَليْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَل هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَل لمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ) .
وفي صحيح البخاري 77 عَنْ أَبِي مُوسَي الأشعري أن النَّبِيِّ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال : ( مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الهُدَي وَالعِلمِ كَمَثَل الغَيْثِ الكَثِيرِ – والغيث الكثير هو المطر الغزير- أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلتِ المَاءَ فَأَنْبَتَتِ الكَلأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ المَاءَ – والأجادب هي الأرض الجافة التي لا تنبت زرعا ولا تشرب ماءا - فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا - وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أخرى ، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأً ، فَذَلكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ فَعَلمَ وَعَلمَ ، وَمَثَلُ مَنْ لمْ يَرْفَعْ بِذَلكَ رَأْسًا وَلمْ يَقْبَل هُدَي اللهِ الذِي أُرْسِلتُ بِهِ .
والقبول الذي ينافي الترك يحتم عليك الرضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا ، فلا تعترض على أمر الله ولا تخالف سنة رسول الله ، وتتخذ الإسلام منهجا لك في الحياة ، روي البخاري 507 من حديث أَنَس بْن مَالكٍ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أكثروا عليه السؤال حتى أَحْفَوْهُ المَسْأَلةَ فَغَضِبَ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ فَصَلي الظُّهْرَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ ثم صَعِدَ المِنْبَرَ ، فَذَكَرَ السَّاعَةَ ، وَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا ثُمَّ قَال مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَل عَنْ شَيْءٍ فَليَسْأَل ، فَلا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلا أَخْبَرْتُكُمْ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا ، فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي البُكَاءِ وَأَكْثَرَ رسول الله صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ يَقُول سَلُونِي – يقول أنس فَجَعَلتُ أَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالا فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لافٌّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي - فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ ، وكان إِذَا لاحَي الرِّجَال – أي خاصمهم أو جادلهم- يُدْعَي لغَيْرِ أَبِيهِ ، فشك في أبيه - فَقَال مَنْ أَبِي يا رسول الله ؟ قَال : أَبُوكَ حُذَافَةُ ، ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُول سَلُونِي ، فَبَرَكَ عُمَرُ على رُكْبَتَيْهِ ، وقَال رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا وَبِالإِسْلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا فَسَكَتَ رسول الله صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ ، ثُمَّ قَال عُرِضَتْ على الجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الحَائِطِ فَلمْ أَرَ كَالخَيْرِ وَالشَّرِّ .
وري البخاري بسنده عن أَنَسِ بْنِ مَالكٍ رَضِي الله عَنْه أن رسول الله أعْطي رِجَالا من قريش المِائَةَ مِنَ الإِبِل حِينَ كثرت الغنائم مِنْ أَمْوَال هَوَازِنَ وأَفَاءَ اللهُ عَليه مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَال ، فَقال بعض الأَنْصَارِ : يَغْفِرُ اللهُ لرَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ ، يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا و، َسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ ، فعلم رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ بِمَقَالتِهِمْ فَأَرْسَل إلي الأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ ، وَلمْ يَدْعُ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ ، فَلمَّا اجْتَمَعُوا قَامَ النَّبِيُّ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال : مَا حَدِيثٌ بَلغَنِي عَنْكُمْ ، فَقَال فُقَهَاءُ الأَنْصَارِ : أَمَّا رُؤَسَاؤُنَا يَا رَسُول اللهِ فَلمْ يَقُولُوا شَيْئًا ، وَأَمَّا نَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا يَغْفِرُ اللهُ لرَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ ، فَقَال النَّبِيُّ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ إِنِّي أُعْطِي رِجَالا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلفُهُمْ ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَال وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ إلي رِحَالكُمْ ، فَوَاللهِ لمَا تَنْقَلبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلبُونَ بِهِ ، قَالُوا يَا رَسُول اللهِ قَدْ رَضِينَا ، فَقَال لهُمُ النَّبِيُّ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ : سَتَجِدُونَ أُثْرَةً شَدِيدَةً فَاصْبِرُوا حتى تَلقَوُا اللهَ وَرَسُولهُ ، فَإِنِّي على الحَوْضِ .
فالرضا أساس القبول ولازمه القناعة والطاعة والتسليم ، فالرضا بالله ربا وهو أن لا يكره ما يجري به القضاء ويشكره على النعماء والسراء وصبر على البلاء والضراء ، والرضا بالإسلام دينا أن يخضع لأمر الله ونهيه ، فيذم ما ذمه الله ويكره ما كرهه الله ، لموافته رضاه في كل شيء شرعه الله ، على تفصيل العلم الذي جاءنا عن رسول الله صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ ، فما كان من خير وبر أمر الله به على الوجوب ، أو الاستحباب والمندوب ، رضي به العبد ونفذه على الوجه المطلوب ، وما كان من شر نهي عنه وحذرنا منه ، فعلى العبد أن يمتنع ويرتدع ، ويعلم أنه إذا اقترف سوءا فإنه يعترف بذنبه وخطيئته ، ويستوجب العقوبة بعدل الله وحكمته ، ويسارع لله في تقديم توبته ، وأنه لن يخالف أمرا من شريعته ، أما الرضا بمحمد صلي الله عليه وسلم نبيا ورسولا ألا يحدث في دين الله أمرا يخالف سنة نبيه صلي الله عليه وسلم قولا وفعلا ، ورضا الله عن العبد هو أن يراه مؤتمرا لأمره ومنتهيا عن نهيه .
واعلم عبد الله أن أساس القبول أو الرد كائن في القلب ، فالقلب له نية أصيلة وإرادة مختارة ، وله دوره الفعال في تحديد المصير وعواقب التدبير ، فإرادة القلب مصدر أفعال الإنسان ، وأساس النيات والرغبات ، والقصود والاختيارات والحركات والسكنات ، سواء الداخلية في ذات الإنسان أو الخارجية في حركة الأبدان ، ولما كان الإيمان قول وعمل ، قول وعمل في باطن الإنسان و قول وعمل في ظاهره ، فإن أصول القبول الذي ينافي الرد أربعة أركان ، قبول القلب وهو عمله وعمله ، وقبول اللسان وهو قوله ونطقه ، وقبول الجوارح بالخضوع والانقياد ، أما أصول الرد التي تنفي القبول ، فهي أربعة أنواع من الكفران ، وهي ضد أركان الإيمان في الإنسان ، كفر الجهل والتكذيب وكفر النفاق وكفر الجحود وكفر العناد والاستكبار .
فقول القلب هو علمه وقبول القلب حصول العلم فيه ، فالقلب أساس المعرفة والتمييز ويقوم بإدراك نوعين من العلوم : أولها العلم بالأسماء وحدود الأشياء ، وثانيها العلم بمنهج الرسل والأنبياء ، فالله عز وجل قد شاء ، أن يخرج الإنسان من بطن أمه صفحة بيضاء ، لا يعلم شيئا من الأسماء ، فيتعلم حدود الأشياء على فترات ، ويكتسب المعرفة على مدار الأوقات ، كما علم الله آدمَ الأسماء في لحظات ، فقال تعالى في حقه : ( وَعَلمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلهَا ) وقال أيضا في ولده : ( وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلمُونَ شَيْئًا وَجَعَل لكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لعَلكُمْ تَشْكُرُونَ ) النحل / 78 .
ومن عدل الله وحكمته ومن فضله ورحمته أنه لا يكلف إنسانا في طفولته ، ولكن بعد تحصيل القلب للعلم وإدراك المعرفة والفهم ، كلف الله بالأحكام الشرعية ، ومنهج العبودية ، الذي يعود عليه بالصلاح في دنياه ، والفلاح في أخراه ، فقال تعالى : ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًي فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَي وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَي قَال رَبِّ لمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَي وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَال كَذَلكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلكَ اليَوْمَ تُنسَي) طه / 123: 126 .
فالقبول بلا إِلهَ إِلا اللهُ يعني أن المسلم سيخضع لله عن حب وتعظيم ، وطاعة وتسليم ، يسلم نفسه لمعبوده ويعمل في تحقيق مطلوبه ، فلو أرسل الله رسالة لعبيده الصادقين في عبادته ، بين فيها أحكام شريعته ، وأصول طاعته ، وبين فيها ماذا نفعل حتى نصل إلي قربه ومحبته ، وماذا نترك حني نفوز بجنته ، فلو كان العبد صادقا في شهادته أنه لا إِلهَ إِلا اللهُ وأن محمدا رسول الله ، لبذل كل ما في استطاعته واجتهد بكل طاقته لكي يطلع على هذه الرسالة ويتمكن من قراءتها ويدقق في مادتها ، طالما أن هذه الرسالة فيها النجاة من غضب الله ، وفيها القرب من حبه ورضاه ، فكلمة التوحيد عقد بينك وبين الله ، التزمت به يوم قلت أشهد ألا إِلهَ إِلا اللهُ وأن محمدا رسول الله وهو خير عقد يجب على المسلم أن يوفي فيه بالتزاماته ويؤدي ما عليه من واجباته ، لقول الله تعالى في محكم آياته : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (المائدة:1) ( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ) (البقرة: من الآية177) .
وإذا كان كل عقد بين البشر له قواعد وأحكام ، وكان كل إنسان قبل أن يوقع على أي عقد يقرأ شروطه بإمعان وإتقان ، فحري بالمسلم الصادق في إسلامه ، أن يعرف مضمون العقد الذي بينه وبين الله ، عندما شهد ألا إله إلا الله ، ولذلك أوجب الله علينا السؤال فقال : ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (النحل: من الآية43) .
فإن أرسل الله إلي الناس رسالته وأدركوا بعقولهم حجته ، ثم أعرضوا عنها وتملصوا منها ووقعوا في الجهل بتكذيبهم وإعراضهم ، كان كفرهم كفرَ جهلٍ وتكذيب ، كما قال سبحانه وتعالي : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُل أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ حتى إِذَا جَاءُوا قَال أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ وَوَقَعَ القَوْلُ عَليْهِمْ بِمَا ظَلمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ ) النمل /84 ، وقال جل جلاله : ( بَل كَذَّبُوا بِمَا لمْ يُحِيطُوا بِعِلمِهِ وَلمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلكَ كَذَّبَ الذِينَ مِنْ قَبْلهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالمِينَ ) يونس / 39 .
قال تعالى : ( كُلمَا أُلقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلهُمْ خَزَنَتُهَا أَلمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلي قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلنَا مَا نَزَّل اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ وَقَالُوا لوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ ) .
فهؤلاء الكفار لولا أن الحجة بلغتهم ما أعترفوا بذنبهم أو أقروا بحمقهم ، فبسبب ردهم وعدم قبولهم وقعوا في الكفر برسالة السماء وإن جهلوا محتواها ولم يفهموا معناها ، ولذلك كان كفر الجهل والتكذيب هو أول أنواع الكفر بالله ، فتجد العبد يعرض عن الله عند أول سماعه للدليل ، ويكذب بالحق حتى لو ورد في التنزيل ، يغلق قلبه وعقله ويوقف نظره وفكره ، روي البخاري من حديث ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ بَعَثَ بِكِتَابِهِ إلي كِسْرَي مَعَ عَبْد ِاللهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلي عَظِيمِ البَحْرَيْنِ فَدَفَعَهُ عَظِيمُ البَحْرَيْنِ إلي كِسْرَي فَلمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ ، مزقه دون تفكر أو سؤال أو نظر واستدلال ، وقد ورد في الحديث أن عبد الله بن عباس قال : فَدَعَا عَليْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كُل مُمَزَّقٍ .
فالإنسان مسئول عن السبب في جهله ، فإن كان الجهل من كسبه وفعله ، وإعراضه وكبره وعدم قبوله للحق ورده ، فهو محاسب على كل معصية وقع فيها بجهله ، سواء كانت المخالفة مخالفة عظيمة تؤدي إلي الخلود في النار ، أو كانت المخالفة كبيرة تحت مشيئة الواحد الجبار ، إن شاء غفرها لعبده وإن شاء عذبه بذنبه .
أما إذا انقطعت به الأسباب وانسدت في وجهه الأبواب ، ولم يتمكن من معرفة ما نزل في الكتاب بعد الطلب والبحث والسؤال ولم يعص الله فيما قال : ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (النحل: من الآية43) ، فهو باتفاق معذور بجهله لا يؤاخذ على ذنبه لأن الجهل ليس من كسبه ، بل هو من تقدير الله وفعله ، وقد قال سبحانه وتعالي : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولا ) .
أما الركن الثاني في الإيمان والقبول بلا إله إلا الله ، فهو عمل القلب ، فصلاح الإنسان مبني على صلاح القلب ، وصلاح القلب مبني إدراك العلم وتحصيله ، ثم اعتقاد الحق وقبوله ، فإن تظاهر الإنسان بالقبول في فعله ولم يقبل الحق في قلبه ، ظهر النوع الثاني من أنواع الكفر وهو كفر النفاق ، فكفر النفاق ينشأ عن انتفاء عمل القلب مع الإقرار باللسان وانقياد الجوارح في ظاهر الإنسان ، لقوله تعالى :
( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِاليَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَالذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللهُ مَرَضًا وَلهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ وَإِذَا قِيل لهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ المُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ ) وقال تعالى : ( إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إلي الصَّلاةِ قَامُوا كسالي يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلا قَليلا ) وقال أيضا : ( وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَل مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كسالي وَلا يُنفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ ) وقال تعالى في إثبات كفرهم ودوام عذابهم أبد الآبدين : ( إِنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَل مِنْ النَّارِ وَلنْ تَجِدَ لهُمْ نَصِيرًا ) .
أما الركن الثالث من القبول بلا إله إلا الله وتحقيق أركان الإيمان فهو قول اللسان ، وقبول اللسان هو شهادته بلا إله إلا الله ، شهادته بالحق وقول الصدق ، يقول تعالى : ( وَلا يَمْلكُ الذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلمُونَ ) الزخرف/86 ، يقول المفسرون في معني إِلا مَنْ شَهِدَ بِالحَقِّ أي شهد بلا إله إلا الله بكلمة الإخلاص والتوحيد فإن لم يشهد اللسان بها مع علمه بصدقها ، ظهر النوع الثالث من أنواع الكفر وهو كفر الجحود ، فكفر الجحود له ركنان ، وجود علم القلب وامتناع اللسان ، ككفر فرعون ، فإنه استيقن في الجنان بصدق بموسي وهارون ، وجحد باللسان أن يوافقهم فيما يقولون ، فقال تعالى : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ ) النمل/14 ، وقال جل جلاله : ( وَلقَدْ آتَيْنَا مُوسَي تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأل بَنِي إِسْرَائِيل إِذْ جَاءَهُمْ فَقَال لهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَامُوسَي مَسْحُورًا قَال لقَدْ عَلمْتَ مَا أَنزَل هَؤُلاء إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنْ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا ) .
ومن أمثلة كفر الجحود كفر اليهود ، فإنهم كانوا يعرفون النبي صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ كمعرفتهم لأبنائهم ، وكانوا قبل مبعثه يفخرون على العرب باتباعهم له وانتمائهم ، يقول تعالى : ( الذِينَ آتَيْنَاهُمْ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ ليَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلمُونَ ) ، ( وَلمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ على الذِينَ كَفَرُوا فَلمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلعْنَةُ اللهِ على الكَافِرِينَ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَل اللهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّل اللهُ مِنْ فَضْلهِ أَنْ يُنَزِّل اللهُ مِنْ فَضْلهِ على مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ على غَضَبٍ وَللكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ) .
روي البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللهم عَنْه أنه قَال : بَلغَ عَبْد الله بْنَ سَلامٍ مَقْدَمُ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ المَدِينَةَ فَأَتَاهُ وقال له : إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاثٍ لا يَعْلمُهُنَّ إِلا نَبِيٌّ ، قَال : مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الوَلدُ إلي أَبِيهِ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إلي أَخْوَالهِ ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ ، قَال عَبْد الله بْنُ سَلامٍ : جِبْرِيلُ ؟ قَال : نَعَمْ ، قَال : ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلائِكَةِ فَقَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ :
( قُل مَنْ كَانَ عَدُوًّا لجِبْرِيل فَإِنَّهُ نَزَّلهُ على قَلبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقًا لمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًي وَبُشْرَي للمُؤْمِنِينَ مَنْ كَانَ عَدُوًّا للهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلهِ وَجِبْرِيل وَمِيكَال فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ للكَافِرِينَ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إلي المَغْرِبِ وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الحُوتٍ ، وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الوَلدِ فَإِنَّ الرَّجُل إِذَا غَشِيَ المَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لهُ ، وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لهَا ، قَال : أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ ، ثُمَّ قَال : يَا رَسُول اللهِ إِنَّ اليَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ إِنْ عَلمُوا بِإِسْلامِي قَبْل أَنْ تَسْأَلهُمْ بَهَتُونِي عِنْدَكَ ، فَجَاءَتِ اليَهُودُ وَدَخَل عَبْدُ اللهِ البَيْتَ ليختبئ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ ؟ قَالُوا : أَعْلمُنَا وَابْنُ أَعْلمِنَا وَأَخْبَرُنَا وَابْنُ أَخْيَرِنَا ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ : أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلمَ عَبْدُ اللهِ ؟ قَالُوا : أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلكَ ، فَخَرَجَ عَبْد الله إِليْهِمْ فَقَال : أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، فَقَالُوا هو شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَوَقَعُوا فِيهِ وَانْتَقَصُوهُ ، قَال : فَهَذَا الذِي كُنْتُ أَخَافه يَا رَسُول اللهِ .
ومن أمثلة كفر الجحود كذلك كفر هرقل ملك الروم ، فعند البخاري من حديث ابن عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْل أَرْسَل إِليْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّأْمِ ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلسِهِ وَحَوْلهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ، ثُمَّ دَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَال : أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُل الذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ؟ فَقَال أَبُو سُفْيَانَ فَقُلتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا ، فَقَال أَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ ، ثُمَّ قَال لتَرْجُمَانِهِ قُل لهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُل ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ ، يقول أبو سفيان : فَوَاللهِ لوْلا الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا على كَذِبًا لكَذَبْتُ عَليه ، ثُمَّ كَانَ أَوَّل مَا سَأَلنِي عَنْهُ أَنْ قَال : كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ ؟ قُلتُ : هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ ، قَال : فَهَل قَال هَذَا القَوْل مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلهُ قُلتُ : لا ، قَال : فَهَل كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلكٍ ؟ قُلتُ : لا ، قَال : فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ؟
فَقُلتُ : بَل ضُعَفَاؤُهُمْ ، قَال : أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ ؟ قُلتُ : بَل يَزِيدُونَ ، قَال : فَهَل يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُل فِيهِ ؟ قُلتُ : لا ، قَال : فَهَل كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْل أَنْ يَقُول مَا قَال ؟ قُلتُ : لا ، قَال : فَهَل يَغْدِرُ ؟ قُلتُ لا ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا ، يقول أبو سفيان : وَلمْ تُمْكِنِّي كَلمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الكَلمَةِ ، قَال هرقل : فَهَل قَاتَلتُمُوهُ ؟ قُلتُ : نَعَمْ ، قَال : فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ ؟ قُلتُ : الحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ ، قَال : مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟ قُلتُ : يَقُولُ اعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ وَالصِّلةِ .
فَقَال للتَّرْجُمَانِ : قُل لهُ سَأَلتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ فَكَذَلكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا ، وَسَأَلتُكَ هَل قَال أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا القَوْل ، فَذَكَرْتَ أَنْ لا فَقُلتُ لوْ كَانَ أَحَدٌ قَال هَذَا القَوْل قَبْلهُ لقُلتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيل قَبْلهُ ، وَسَأَلتُكَ هَل كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لا ، قُلتُ فَلوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلكٍ قُلتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلكَ أَبِيهِ ، وَسَأَلتُكَ هَل كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْل أَنْ يَقُول مَا قَال فَذَكَرْتَ أَنْ لا ، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لمْ يَكُنْ ليَذَرَ الكَذِبَ على النَّاسِ وَيَكْذِبَ على اللهِ ، وَسَأَلتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمِ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُل ، وَسَأَلتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلكَ أَمْرُ الإيمان حتى يَتِمَّ ، وَسَأَلتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُل فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لا ، وَكَذَلكَ الإيمان حِينَ تُخَالطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ ، وَسَأَلتُكَ هَل يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لا وَكَذَلكَ الرُّسُلُ لا تَغْدِرُ ، وَسَأَلتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ ، فَلوْ أَنِّي أَعْلمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِليْهِ لتَجَشَّمْتُ لقَاءَهُ ، وَلوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لغَسَلتُ عَنْ قَدَمِهِ .
ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ الذِي بَعَثَ بِهِ إليه ، فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ : بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولهِ إلي هِرَقْل عَظِيمِ الرُّومِ سَلامٌ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدَي أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلامِ أَسْلمْ تَسْلمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَليْتَ فَإِنَّ عَليْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ – والأريسيون هم عامة الناس من الفلاحين والحرفيين والبسطاء وَ ( يَا أَهْل الكِتَابِ تَعَالوْا إلي كَلمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لا نَعْبُدَ إِلا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلمُونَ ) .
قَال أَبُو سُفْيَانَ : فَلمَّا قَال مَا قَال وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا ، فَقُلتُ لأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا لقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلكُ بَنِي الأَصْفَرِ ، فَمَا زِلتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حتى أَدْخَل اللهُ على الإِسْلامَ ، وقد جمَعَ هِرَقْلُ عُظَمَاء َالرُّومِ فِي وَقَال لهم : يَا مَعْشَرَ الرُّومِ هَل لكُمْ فِي الفَلاحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إلي الأَبْوَابِ فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلقَتْ ، فَلمَّا رَأي هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ وَأَيِسَ مِنَ إِيمَانِ ، جحد رسول الله وكلمة التوحيد وقَال رُدُّوهُمْ على ، إِنِّي قُلتُ مَقَالتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ على دِينِكُمْ ، وَقَدْ رَأَيْتُ فَسَجَدُوا لهُ وَرَضُوا عَنْهُ فَكَانَ ذَلكَ آخِرَ شَأْنِه وجحوده وكفره .
ومن أمثلة كفر الجحود أيضا كفرُ أبي طالب عم النبي صلي الله عليه وسلم حيث قال له رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ عند الوفاة : يَا عَمِّ قُل لا إِلهَ إِلا اللهُ كَلمَةً أَشْهَدُ لكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ ، فَقَال أنا على مِلةِ عَبْد ِالمُطَّلبِ وَأبي أَنْ يَقُول لا إِلهَ إِلا اللهُ ، وقد كان يعلم صدق رسول الله صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ فهو القائل :
ولقد علمت بأن دين محمد : من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة : لوجدتني سمحا بذاك مبينا
فكفر الجحود مبني على عدم قبول اللسان مع اعتقاد الجنان ، فإذا وجد علم القلب وامتنع اللسان ، انتفي أيضا عمل القلب على الإيمان ، لوجود الكبر والكفران ، وكذلك امتنعت حركة الأبدان عن الطاعة والإيمان .
أما الركن الربع من القبول بلا إله إلا الله وتحقيق أركان الإيمان فهو عمل الجوارح وطاعة الأبدان ، فالجوارح هي أدوات الاستطاعة التي تحول عمل القلب إلي فعل خارجي مرئي ملموس ، يكتسبه الإنسان ويحاسب عليه ، وعمل الجوارح مقسم على الحواس ، السمع والبصر وبقية الحواس ، وعمل الجوارح في الطاعة من علامات القبول ، أما إذا امتنع الإنسان بجوارحه عن تنفيذ أمر الله بإصرار ، ووقر في قلبه العلو والاستكبار ظهر النوع الرابع من أنواع الكفر ، وهو كفر العناد والاستكبار ، فكفر العناد مبني على علم القلب بلا إله إلا الله ، وإقرار باللسان أنه لا معبود بحق سواه ، وامتناع الجوارح من الطاعة والاستسلام ، ورد ما جاء عن الله من أحكام ، وذلك لامتناع عمل القلب عن القبول والإيمان ، ووجود العناد والكبر ، والعزم على عدم الفعل ، ومثال كفر العناد والاستكبار ، كفرُ إبليس لعنه الله ، ومن لم يحكم بما أنزل الله ، وكفرُ المواظبِ على ترك الصلاة .
فإن الله تعالى : ( قَال يَا إِبْليسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لمَا خَلقْتُ بِيَدَيَّ أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ العَالينَ ) فحصر السبب في أمرين وجعل العلة في سببين ، إما كبرياء أو استعلاء ، ( فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلا إِبْليسَ أبي أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَال يا إبليس مَا لكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَال لمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لبَشَرٍ خَلقْتَهُ مِنْ صَلصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ قَال فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَليْكَ اللعْنَةَ إلي يَوْمِ الدِّينِ ) .
وقال تعالى فيمن لم يقبل حكم الله ولم يرض بحكم رسول الله : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلمُوا تَسْليمًا ) ، روي البخاري أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزبيرَ بن العوام رضي الله عنه 2187 فِي شِرَاجِ الحَرَّةِ التِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْل ، اختلفا على قناة الماء التي تروي أرضهما ، فَقَال الأَنصارى سَرِّحِ المَاءَ يَمُرُّ فَأبي عَليْهِ – وكانت أرض الزبير قبل أرضه والماء يمر أولا على نخله - فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ للزُّبَيْرِ اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِل المَاءَ إلي جَارِكَ ، فَغَضِبَ الأَنصارى وَقَال أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ - أي حكمت لصالحه من أجل قرابته - فَتَلوَّنَ وَجْهُ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ وغضب ، فقَال اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ المَاءَ حتى يَرْجِعَ إلي الجَدْرِ – اسق حتى يغطي الماء أصول نخلك ويبلغ إلي مقدار الكَعْبَيْنِ ولا عليك منه - فاسْتَوْعَي للزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الحُكْمِ ، فَنزل قول الله تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلمُوا تَسْليمًا ) ،
وقال تعالى فيمن حكم غير شرع الله واستكبر عن تطبيق منهج الله : ( وَمَنْ لمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَل اللهُ فَأُوْلئِكَ هُمْ الكَافِرُونَ ) ( وَمَنْ لمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَل اللهُ فَأُوْلئِكَ هُمْ الظَّالمُونَ ) ( وَمَنْ لمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَل اللهُ فَأُوْلئِكَ هُمْ الفَاسِقُونَ ) .
فالحاكم أو الإمام أو الذي زعم الإقرار بالإسلام ، إن لم يقبل الشرع ومنهج الإسلام ، وينفذ ما جاء فيه من أحكام ، مع وجود قدرته وقيام استطاعته ، فقد شابه إبليس في عناده وحماقته ، وامتناعه عن السجود للمعبود ، واعلم أن الحكم بغير ما أنزل الله له درجات متفاوته ، تتردد بين الكفر الأكبر الذي ينقض أصل الإيمان والكفر الأصغر ينقض كمال الإيمان ، فيجب التنبه إلي ذلك ، فقوله تعالى : ( وَمَنْ لمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَل اللهُ فَأُوْلئِكَ هُمْ الكَافِرُونَ ) يتناول الكفرين الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم ، فإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في واقعة معينة ، وعدل عنه لحاجة في نفسه مع اعترافه بذنبه ومعصيته لربه وأنه مستحق للعقوبة بوزره ، فهذا كفر أصغر لا يخرج عن الملة ، وإن اعتقد أنه غير واجب وأنه مخير فيه مع تيقنه أنه حكم الله ، فهذا كفر أكبر يخرج عن الملة ، وإن جهل حكم الله ، وأخطأ في إدراك شرع الله ، فهو مخطئ له حكم المخطئين .
فمن نحي شرع الله بالكلية ، بعد علمه بكمال الأحكام الإلهية ، وقدم شرعا من انتاج العقول البشرية سواء كانت شرقية أو غربية ، فقد وقع في كفر العناد والاستكبار .
أما تارك الصلاة ، فكفره من جنس كفر إبليس ، قال تعالى : ( وَإِذَا قِيل لهُمْ اسْجُدُوا للرحمن قَالُوا وَمَا الرَّحْمَانُ أَنَسْجُدُ لمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ) الفرقان ، وقال تعالى : ( وَإِذَا قِيل لهُمْ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ للمُكَذِّبِينَ ) المرسلات ، وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) وقال صلي الله عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) فتارك الصلاة ممن انتسب إلي الإسلام علم بقلبه وأقر بلسانه ولكنه امتنع بجوارحه ، وهذا يدلنا على انتفاء إرادته وامتناع قلبه ، لوجود التلازم بين عمل القلب وعمل الجوارح ، فلو كانت في نيته طاعة الله وعزم بإرادته على السجود لله لظهر ذلك في عمل الجوارح وقام إلي أداء الصلاة ، ولكن امتناعه عن الصلاة مع وجود القدرة عليها يحتم فساد قلبه وخلوه من الإيمان .
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( إلا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) ، والله عز وجل يقول : ( إِنَّ الذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلهُ يَسْجُدُونَ ) الأعراف/206 ، وقال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ الليْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ لا تَسْجُدُوا للشَّمْسِ وَلا للقَمَرِ وَاسْجُدُوا للهِ الذِي خَلقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ فَإِنْ اسْتَكْبَرُوا فَالذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لهُ بِالليْل وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ ) فصلت/38:37 ، فالمانع المباشر لعدم السجود كما ذكره الله هو الإباء والاستكبار ، فإياك أخي المسلم من التقصير في الصلاة فإنها عمادُ الدين وحياةُ المؤمنين .
ومن علامات القبول الذي ينافي الرد في تحقيق شروط لا إله إلا الله ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلا يمكن لعبد يقبل كلمة التوحيد ويرضي بالمنكر ولا يأمر بالمعروف ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبني على الاستطاعة والقدرة كما روي البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : ( مَنْ رَأي مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَليُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لمْ يَسْتَطِعْ فَبِلسَانِهِ فَإِنْ لمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلبِهِ وَذَلكَ أَضْعَفُ الإيمان ) فأضعف الإيمان أن ينكر بالجنان عند عجز اللسان والأبدان ، ولا يجوز أن يخلو ذلك من قلب إنسان شهد ألا إله إلا الله ، فالإنكار القلبي يجب أن يكون كاملا ودائما بالنسبة لكل منكر ، وهو يبقي القلب في حساسية دائمة ضد المنكر والعصيان ، ويبقي عزمه على التغيير عند الإمكان ، أما الإنكار القولي أو الفعلي فيكون حسب الاستطاعة وما يسر الله للإنسان .
فالقبول الذي ينافي الترك يحتم علينا أن نتزين بشريعة الإسلام ، ودين الرسل الكرام ، دين التوحيد والعبودية وإفراد الله بالألوهية ، فشريعةُ الإسلام أفضلُ شِرْعَة دينُ النبي الصادقِ العدنان _ هو دينُ رب العالمين وشرعُهُ وهو القديمُ وسيدُ الأديان - هو دينُ آدمَ والملائِكِ قَبله هو دينُ نوحٍ صاحبِ الطوفان - وله دعا هودُ النبيُ وصالحُِ وهما لدين الله معتقدان - وبه أتي لوطٌ وصاحبُ مَدْيَنٍ فكلاهما في الدين مجتهدان - هو دينُ إبراهيمَ وابْنَيْهِ معا وبه نجا من نفحة النيران - وبه حَمَي اللهُ الذبيحَ من البلا لما فَداه بأعظَمِ القربان - هو دينُ يعقوبَ النبيِّ ويُونُسَ وكلاهما في الله مبتليان - هو دينُ داودَ الخليفةِ وابنِهِ وبه أَذَل له ملوكَ الجان - هو دينُ يَحْيَي مَعَ أبيه وأمه ، نعم الصبيُّ وحبذا الشيخان - وله دعا عيسي بنُ مريمَ قومَهُ لم يَدْعُهُمْ لعبادة الصلبان - والله أنطقَهُ صبيا بالهدي في المهدِ ثم سما على الصِّبيان - وكمالُ دينِ اللهِ شرعُ محمدٍ صلي عليه منزلُ القرآن - الطيبُ الذاكي الذي لم يجتمعْ يَوْمَا على زللٍ له أبوان - الطاهرُ النِّسْوَانِ والولدِ الذي من ظَهْرِهِ الزهراءُ والحَسَنان - وأولو النبوةِ والهدي ما مِنْهُمُ أحدُ يهوديُّ ولا نصراني - بل مسلمون ومؤمنون بربهم حنفاءُ في الإسرار والإعلان – دُنْ بالشريعة والكتابِ كِليْهِما فَكِلاهُمَا للدين واسطتان - وكذا الشريعةُ والكتابُ كِلاهُمَا بجميعِ ما تِأْتِيهِ محتفظان - والبعثُ بعدَ الموتِ وَعْدٌ صادقٌ بإعادة الأرواح في الأبدان - وصراطُنا حقٌ وحوضُ نبينا صدقٌ له عددُ النجومِ أواني - يُسقَي بها السُنِّيُ أَعْذَبَ شربة وَيُذادْ كلُّ مخالفٍ فتان - وكذلك الأعمالُ يومئذٍ تُري موضوعةً في كفةِ الميزان - يَوْمَ القيامةِ لو عَلمْتَ بهوله لفَرَرْتَ من أهلٍ ومن أوطان - يومٌ تشققتِ السماءُ لهوله وتشيب فيه مفارقُ الولدان - يومٌ عبوسٌ قمطريرٌ شَرُّهُ في الخلق منتشرٌ عظيمُ الشأن - والجنةُ العليا ونارُ جهنمٍ داران للخصمين دائمتان - فإذا دُعِيتَ إلي أداء فريضةٍ فانشطْ ولا تكُ في الإجابة واني - قم بالصلاة الخمسِ واعرفْ قدرَها فلهنَّ عندَ الله أعظمُ شان - لا تمنعن زكاة مالك ظالما فصلاتنا وزكاتنا أختان - والوتر بعدَ الفرض آكدُ سنة والجمعةُ الزهراءُ والعيدان - مع كل بَرٍ صَلها أو فاجرٍ ما لم يكن في دينه بِمُشان - وصيامُنا رمضانَ فرض واجبٌ وقيامُنا المسنونُ في رمضان - والحجُ مُفْتَرَضٌ عليكَ وشَرْطُهُ أَمْنُ الطريق وصحةً الأبدان .
عباد الله اتقوا الله وجددوا إيمانكم بلا إله إلا الله ، وصلي على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والسلام عليكم ورحمة الله .
نقلاً عن موقع الدكتور محمود عبد الرازق الرضواني
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة